الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
115-
نوادر وملح لبعض الأعراب:
"غزا أعرابي مع النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: ما رأيت مع رسول الله في غَزاتك هذه؟ قال: وَضع عنا نصف الصلاة1، وأرجو في الغزاة الأخرى أن يضع النصف الباقي".
ودخل أعرابي المسجد، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فقام يصلي، فلما فرغ قال: اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا، "فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لقد تَحَجَّرْت2 واسعا يا أعرابي".
وخرج الحجاج متصيدا بالمدينة، فوقف على أعرابي يرعى إبلا له، فقال له: يا أعرابي، كيف رأيتَ سيرة أميركم الحجاج؟ قال له الأعرابي: غَشُوم ظَلُوم، لا حيَّاه الله، فقال: فَلِمَ لا شَكَوْتُمُوه إلى أمير المؤمنين عبد الملك؟ قال: فأظلم وأغشم! فبينا هو كذلك إذا أحاطت به الخيل، فَأَوْمَأَ الحجاج إلى الأعرابي، فأُخِذَ وحُمِلَ، فلما صار معه، قال: مَنْ هذا؟ قالوا له: الحجاج، فحرَّك دابته حتى صار بالقُرْبِ منه، ثم نَادَاه يا حجاج، قال: ما تشاء يا أعرابي؟ قال: السِرُّ الذي بيني وبينك أُحِبُّ أن يكون مكتومًا، فضحك الحجاج، وأمر بتَخْلِيَةِ سبيله.
"وخرج أبو العباس السفاح متنزِّهًا بالأنبار، فأَمْعَنَ في نزهته، وانْتَبَذَ من أصحابه، فوافى خِبَاءً لأعرابي، فقال له الأعرابي: ممن الرجل؟ قال: من كِنانة، قال: من أيّ كنانة؟ قال: من أبغض كنانة إلى كنانة، قال: فأنت إذن من قريش؟ قال:
1 يعني صلاة القصر.
2 أي ضيقت ما وسعه الله وخصصت به نفسك دون غيرك.
نعم، قال: فمن أي قريش؟ قال: من أبغض قريش إلى قريش، قال: فأنت إذن من ولد عبد المطلب؟ قال: نعم، قال: فمن أي ولد عبد المطلب؟ قال: من أبغض ولد عبد المطلب إلى ولد عبد المطلب، قال: فأنت إذن أمير المؤمنين، السلام عليك يا أمير المؤمنين، ووثب إليه، فاستحسن ما رأى منه، وأمر له بجائزة".
وولَّى يوسف بن عمر الثَّقَفي صاحب العراق أعرابيًّا على عمل له، فأصاب عليه خيانة فَعَزَله، فلما قَدِم عليه، قال له: يا عدوَّ الله، أَكَلْتَ مال الله، قال الأعرابي: فمال مَنْ آكُلُ إذا لم آكُلُ مال الله؟ لقد راوَدْتُ إبليس أن يعطيني فَلْسًا واحدا فما فعل، فضحك منه وخلَّى سبيله.
وأخذ الحجاج أعرابيا لصًا بالمدينة فأمر بضربه، فلما قرعهُ بسَوْط قال: يا رب شكرا، حتى ضربه سبعمائة سَوْط، فلقيه أشْعَب، فقال له: تَدْرِي لِمَ ضربك الحجاج سبعمائة سوط؟ قال: لماذا؟ قال: لكثرة شكرك، إن الله تعالى يقول:{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} ، قال: وهذا في القرآن؟ قال: نعم، فقال الأعرابي:
يا رب لا شكرا فلا تَزِدْنِي
…
أَسَأْتُ في شكرِيَ فاعفُ عنِّي
بَاعِدْ ثواب الشاكرين مني
ونزل عبد الله بن جعفر إلى خيمة أعرابية ولها دجاجة، وقد دجنت1 عندها، فذبحتها وجاءت بها إليه، فقالت: يا أبا جعفر هذه دجاجة لي كنت أُدْجِنَها وأَعْلِفها من قُوِتي، وأَلْمِسُها في آناءِ الليل، فكأنما ألمس بنتي زَلَّت عن كبدي، فَنَذَرْتُ لله أن
1 دجن الحمام والشاة وغيرهما كنصر: ألفت البيوت.
أدفنها في أكرم بقعة تكون، فلم أجد تلك البقعة المباركة إلا بطنك، فأردت أن أدفنها فيه، فضحك عبد الله بن جعفر، وأمر لها بخمسمائة درهم".
وسُمِع أعرابي وهو يقول في الطواف: "اللهم اغفر لأمي"، فقيل له: مالك لا تذكر أباك؟ قال: أبي رجل يحتال لنفسه، وأما أمي فبائسة ضعيفة".
"وقال أبو زيد: رأيت أعرابيا كأن أنفه كُوز، من عِظَمه، فرآنا نضحك منه، فقال: ما يُضْحِكُكم؟ فوالله لقد كنت في قوم، ما كنت فيهم إلا أفطَسَ! ".
"وجِيء بأعرابي إلى السلطان ومعه كتاب قد كتب فيه قصته، وهو يقول: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} ، فقيل له يقال هذا يوم القيامة، قال: "هذا والله شرّ من يوم القيامة، إن يوم القيامة يُؤْتَى بحسناتي وسيئاتي، وأنتم جئتم بسيئاتي وتركتم حسناتي".
"واشترى أعرابي غلاما فقيل للبائع: هل فيه من عيب؟ قال: لا؛ إلا أنه يبول في الفراش، قال، هذا ليس بعيب، إن وجد فراشا فَلْيَبُلْ فيه".
ومر أعرابي بقوم وهو يَنْشُدُ ابنًا له، فقالوا، صِفْهُ، قال: كأنه دُنَيْنِير، قالوا: لم نره، ثم لم يلبث القوم أن أقبل الأعرابي، وعلى عنقه جُعَل1، فقالوا، هذا الذي قلت فيه دُنَيْنِير؟ قال، القَرَنْبَى2 في عين أمِّها حسناء".
1 الجعل: الحرباء.
2 القرنبى: دويبة من خشاش الأرض فوق الخنفساء إذا مسها أحد تقبضت فصارت مثل الكرة.
وقيل لأعرابي، ما يمنعك أن تغزو؟ قال، والله إني لأُبْغِضُ الموت على فراشي، فكيف أن أمضي إليه رَكْضًا؟ ".
"وخرج أعرابي إلى الحج مع أصحاب له، فلما كان ببعض الطريق راجعا يريد أهله، لقيه ابن عمٍّ له، فسأله عن أهله ومنزله، فقال، اعلم أنك لما خرجت، وكانت لك ثلاثة أيام، وقع في بيتك الحريق، فرفع الأعرابي يديه إلى السماء، وقال: ما أحسنَ هذا يارب! تأمرنا بعمارة بيتك أنت، وتخرب بيوتنا! ".
وخرجت أعرابية إلى الحج، فلما كانت في بعض الطريق عَطِبت راحلتها، فرفعت يديها إلى السماء، وقالت، "يا رب أخرجتني من بيتي إلى بيتك، فلا بيتي ولا بيتك".
وعُرضت السجون بعد هلاك الحجاج، فوجدوا فيها ثلاثة وثلاثين ألفًا، لم يجب على واحد منهم قتل ولا صَلْب، وفيهم أعرابي، أخذ يَبُول في أصل مدينة واسط، فكان فيمن أُطْلِق، فانشأ يقول:
إذا ما خرجنا من مدينة واسط
…
خَرِينا وبُلْنَا لا نخاف عِقَابا
ونظر أعرابي إلى قوم يلتمسون هلال شهر رمضان فقال: "والله لئن آثَرْتُمُوه لَتُمْسِكُنَّ منه بِذُنَابِي1 عيش أغبر".
ونظر أعرابي إلى رجل سمين فقال "أرى عليك قَطِيفة من نَسْج أضراسك".
1 الذنابي: الذنب
وقال أعرابي: "اللهم إني أسألك مِيتة كمِيتَة أبي خارِجَة، أكل بَذَجًا1، وشرب مِشْعَلًا2، ونام في الشمس، فمات دفآنَ شبعانَ رَيَّانَ".
وقيل لأبي المِخَشِّ الأعرابي: أَيَسُرُّك أنك خليفة، وأن أمَتَك حُرَّة، قال: لا والله ما يسرُّني، قيل له: ولِمَ؟ قال، "لأنها كانت تذهب الأُمَّة، وتضيع الأَمَة".
وحضر أعرابي سفرة سليمان بن عبد الملك، فجعل يمرّ إلى ما بين يديه، فقال له الحاجب مما يليك فَكُل يا أعرابي، فقال: من أجدب انتجع، فشقَّ ذلك على سليمان وقال للحاجب: إذا خرج عنا فلا يَعُدْ إلينا.
وشهد بعد هذا سُفرته أعرابي آخر، فمرَّ إلى ما بين يديه أيضا، فقال له الحاجب، مما يليك فَكُل يا أعرابي، قال: من أخصب تخيَّر، فأعجب ذلك سليمان، فقربه وأكرمه وقضى حوائجه.
"وحضر أعرابي سفرة سليمان بن عبد الملك، فلما أُتِي بالفَالُوذَج، جعل يُسرع فيه، فقال سليمان: أتدري ما تأكل يا أعرابي، فقال: بلى يا أمير المؤمنين إني لأجد ريقًا هنيئًا، ومُزْدَرَدًا3 ليِّنًا، وأظنه الصراط المستقيم الذي ذكره الله في كتابه، فضحك سليمان وقال: أَزِيدُك منه يا أعرابي؟ فإنهم يذكرون أنه يزيد في الدِّماغ، قال: كَذَبُوك يا أمير المؤمنين، لو كان كذلك لكان رأسك مثل رأس البغل! ".
"وحضر سفرة سليمان أعرابي، فنظر إلى شعره في لقمة الأعرابي، فقال: أرى
1 البذج: ولد الضأن.
2 المشعل: شيء من جلود له أربع قوائم ينبذ فيه، وشرب مشعلا أي شرب ما فيه.
3 ازدرده: ابتلعه.
شعرة في لقمتك يا أعرابي، قال: وإنك لَتراعيني مراعاة من يُبْصِر الشعرة في لقمتي! والله لا واكُلْتك أبدًا"، فقال: استرها يا أعرابي، فإنها زَلة، ولا أعود لمثلها".
وقال الأصمعي: قلت لأعرابي: أَتَهْمِزُ1 إسرائيل؟ قال: إني إذن لَرَجل سوء، قلت له: أفتجرُّ فلسطين؟ قال: إني إذًا لَقَوِي.
وسمع أعرابي إماما يقرأ: {وَلا تُنْكِحُوا 2 الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} –قرأها بفتح التاء- فقال: ولا إن آمنوا أيضا لم نَنْكِحْهم، فقيل له إنه يلحن وليس هكذا يُقرأ، فقال:"أخِّرُوه قَبَّحَه الله! لا تجعلوه إماما، فإنه يحلّ ما حرَّم الله".
"العقد الفريد 2: 100-105".
وخطب أعرابي فلما أعجله بعض الأمر عن التصدير بالتحميد، والاستفتاح بالتمجيد، قال:"أما بعد، بغير مَلَال لذكر الله، ولا إيثار غيره عليه، فإنا نقول كذا، ونسأل كذا" فرارا من أن تكون خطبته بَتْرَاء وشَوْهَاء3.
"البيان والتبيين 212: 215".
ودفعوا إلى أعرابية عِلْكًا4 لتمضُغه، فلم تفعل، فقيل لها في ذلك، فقالت:"ما فيه إلا تعب الأضراس، وخَيْبَة الحَنْجَرة".
"البيان والتبيين 2: 47".
1 من معاني الهمز: الغمز.
2 أي تزوجوا.
3 وكانوا يسمون الخطبة التي لم يبتدئ صاحبها بالتحميد، ويستفتح كلامه بالتمجيد "البتراء" ويسمون التي لم توشح بالقرآن وتزين بالصلاة على النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- "الشوهاء".
4 العلك: اللبان "بالضم".
وقيل لأعرابي: عند مَنْ تحب أن يكون طعامك؟ قال: "عند أم صبي راضع، أو ابن سبيل شاسع، أو كبير جائع، أو ذي رحم قاطع".
"البيان والتبيين 2: 49".
وقال أعرابي:
"لولا ثلاث هُنَّ عيش الدهر
…
الماء والنوم وأم عمرو
لما خَشِيتُ من مَضِيق القبر"
"البيان والتبيين 2: 101".
وسمع أعرابي رجلا يقرأ سورة براءة فقال: "ينبغي أن يكون هذا آخر القرآن"، قيل له: ولِمَ؟ قال: "رأيت عهودا تُنْبَذ".
"البيان والتبيين 2: 169".
وسمع أعرابي رجلا يقرأ: {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ، تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِر} 1، قالها بفتح الكاف، فقال الأعرابي:"لا يكون"، فقرأها عليه بضم الكاف وكسر الفاء، فقال الأعرابي:"يكون".
"البيان والتبيين 2: 174".
1 ذات الألواح والدسر: هي السفينة، والدسر ما تشد به الألواح من المسامير وغيرها جمع دسار ككتاب، بأعيننا: بمرأى منا أي محفوظة، وقد قرئ كفر بالبناء الفاعل، أي الكافرين: أغرقوا عقابا لهم.