الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث في نثر الأعراب قولهم في الوعظ والتوصية:
1-
مقام أعرابي بين يدي سليمان بن عبد الملك:
قام أعرابي بين يدي سليمان بن عبد الملك، فقال:
"إني مكَلِّمك يا أمير المؤمنين بكلام فيه بعض الغِلْظَة، فاحْتَمِلْه إن كرهته فإن وراءه ما تحبه إن قبلته"، قال: هاتِ يا أعرابي: إنا نجود بسعة الاحتمال على من لا نرجو نصحه، ولا نأمن غشه، وأرجو أن تكون الناصح جَيْبًا، والمأمون غيبا، قال:"يا أمير المؤمنين أما إذ أمنت بادرة غضبك، فإني سأطلق لساني بما خَرِسَت عنه الألسن من عظتك، تأدية لحق الله وحق إمامتك. إنه قد اكتنفك رجال أساءوا الاختيار لأنفسهم، فابتاعوا دنياك بدينهم، ورضا بسُخْط ربهم، خافوك في الله، ولم يخافوا الله فيك، فهم حرب للآخرة، سِلْم للدنيا، فلا تَأْمَنهم على ما ائتمنك الله عليه، فإنهم لا يالونك1 خَبَالًا، والأمانة تضييعًا، والأمة عسفا وخسفا2، وأنت مسئول عما اجترحوا3، وليسوا مسئولين عما اجترحت، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك. فإن أخسر الناس صفقة يوم القيامة، وأعظمهم غَنْبًا من باع آخرته بدنيا غيره". قال سليمان: "ما أنت يا أعرابي، فقد سلَلْت لسانك، وهو أقطع سيفيك"، فقال:"أجل يا أمير المؤمنين لك لا عليك".
"عيون الأخبار م2: ص337، والعقد الفريد 1: 307، ومروج الدهب 2: 164، وزهر الآداب 1: 277".
1 ألا يألو: قصر وأبطأ، والخبال: الفساد.
2 العسف: الظلم. والخسف: الذل.
3 اكتسبوا، وفي رواية:"اجترموا".