الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من النعيم المقيم. والملك الكبير. ما لا يخطر على قلب بشر. ولا تدركه الفِكَر. ولا تعلمه نفس، ثم دعا الناس إليها، ورغَّبهم فيها. فلولا أنه خلق نارًا جعلها لهم رحمةً يسوقهم بها إلى الجنة لما أجابوا ولا قبلوا.
وأما موسى فأشار بأن يُعْصَبُوا بشدة لا لين فيها. وأن يُرْمَوا بشر لا خير معه وإذا أضمر الوالي لمن فارق طاعته. وخالف جماعته. الخوف مُفْرَدًا. والشر مجرّدًا. وليس معهما طمع. ولا لين يثنيهم. اشتدت الأمور بهم. وانقطعت الحال منهم إلى أحد أمرين. إما أن تدخلهم الحمِيَّة من الشدة. والأنفةُ من الذلة. والامتعاض من القهر. فيدعوهم ذلك إلى التَّمادي في الخلاف. والاستبسال في القتال. والاستسلام للموت. وإما أن ينقادوا بالكُرْه. ويُذْعنوا بالقهر على بِغْضة لازمة. وعداوة باقية. تُورث النفاق. وتُعقب الشقاق. فإذا أمكنتهم فرصة أو ثابَت1 لهم قدرة. أو قويت لهم حال. عاد أمرهم إلى أصعب وأغلظ وأشدَّ مما كان.
وقال في قول أبي الفضل: أيها المهدي أكفى دليل. وأوضح برهان. وأبين خبر بأن قد أجمع رأيه. وحَزُم نظره على الإرشاد ببعثة الجيوش إليهم. وتوجيه البعوث نحوهم. مع إعطائهم ما سألوا من الحق. وإجابتهم إلى ما سألوه من العدل".
قال المهدي: ذلك رأي.
1 رجعت.
61-
مقال هارون بن المهدي:
قال هرون: "خلطْتَ الشدة أيها المهدي باللين. فصارت الشدة أمرَّ فِطام لما تكره وعاد اللين أهدى قائد إلى ما تحب. ولكن أرى غير ذلك".
قال المهدي: "لقد قلت قولا بديعًا. وخالفت فيه أهل بيتك جميعا. والمرء
مؤتمن بما قال. وظنين بما ادَّعى. حتى يأتي ببينة عادلة. وحجة ظاهرة. فاخرج عما قلت" قال هارون: "أيها المهدي. إن الحرب خُدعة1. والأعاجم قوم مَكَرة. وربما اعتدلت الحال بهم. واتفقت الأهواء منهم. فكان باطن ما يُسِرُّون على ظاهر ما يعلنون. وربما افترقت الحالان. وخالف القلب اللسان. فانطوى القلب على محجوبة تُبْطَن. واستسرَّ بمدخولة لا تعلَن. والطبيب الرفيق بطبّه. البصير بأمره. العالم بمُقدَّم يده. وموضع مِيسمه2 لا يتعجل بالدواء. حتى يقع على معرفة الداء. فالرأى للمهدي -وفقه الله- أن يفرّ3 باطن أمرهم فَرَّ المُسِنَّة. ويمخَض ظاهر حالهم مخض السقاء. بمتابعة الكتب. ومظاهرة الرسل. وموالاة العيون. حتى تُهتك حُجُب عيونهم. وتكشف أغطية أمورهم. فإن انفرجت الحال وأفضت الأمور به إلى تغيير حال. أو داعية ضلال اشتملت الأهواء عليه. وانقاد الرجال إليه. وامتدت الأعناق نحوه بدين يعتقدونه. وإثم يستحلونه. عصبهم بشدة لا لين فيها. ورماهم بعقوبة لا عفو معها. وإن انفرجت العيون. واهتُصِرت الستور. ورفعت الحُجُب. والحال فيهم مَرِيعة4. والأمور بهم معتدلة. في أرزاق يطلبونها. وأعمال ينكرونها. وظلامات يدّعونها. وحقوق يسألونها. بماتَّةِ سابقتهم. ودالة مناصحتهم. فالرأي للمهدي -وفقه الله- أن يتسع لهم بما طلبوا. ويتجافى لهم عما كرهوا. ويَشْعَب5 من أمرهم ما صَدَعوا. ويرتُق من فَتْقِهم ما قطعوا. ويولِّي عليهم من أحبوا. ويداوي بذلك مرض قلوبهم وفساد أمورهم. فإنما المهدي وأمته. وسواد أهل مملكته. بمنزلة الطبيب الرفيق. والوالد الشفيق. والراعي المجرِّب الذي يحتال لِمَرَابِض غنمه. وضَوَالّ رعيته. حتى يُبْرِئ المريضة من داء علتها. ويردَّ الصحيحة إلى أنس جماعتها. ثم إن خراسان بخاصَّة
1 خدعة بسكون الدال وتثليث الخاء وبضم الخاء وفتح الدال، أي تنقضي بخدعة.
2 الميسم: المكواة.
3 فر الدابة: كشف عن أسنانها ليعرف سنها.
4 مرع الوادي ككرم مراعة: أخصب بكثرة الكلأ فهو مريع.
5 تصلح.