المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خطبة أبي بكر بن عبد الله بالمدينة - جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة - جـ ٣

[أحمد زكي صفوت]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث

- ‌مقدمة

- ‌فهرس مآخذ الخطب في هذا الجزء

- ‌الباب الرابع: الخطب والوصايا

- ‌في العصر العباسي

- ‌خطبة أبي العباس السفاح

- ‌ خطبة داود بن علي:

- ‌ خطبة داود بن علي وقد أرتج على السفاح:

- ‌ خطبة أخرى للسفاح بالكوفة:

- ‌ خطبة السفاح بالشام حين قتل مروان:

- ‌ خطبة عيسى بن علي حين قتل مروان:

- ‌ خطبة داود بن علي بمكة

- ‌ خطبته بالمدينة:

- ‌ خطبته وقد بلغه أن قومًا أظهروا شكاة بني العباس

- ‌ خطبته وقد أرتج عليه:

- ‌خطبة صالح بن علي:

- ‌ خطبة سديف بن ميمون:

- ‌ خطبة أبي مسلم الخراساني:

- ‌ خالد بن صفوان وأخوال السفاح:

- ‌ خالد بن صفوان ورجل من بني عبد الدار:

- ‌ خالد بن صفوان يرثي صديقًا له:

- ‌ خالد بن صفوان يمدح رجلًا:

- ‌ كلمات بليغة لخالد بن صفوان:

- ‌عمارة بن حمزة والسفاح

- ‌خطب أبي جعفر المنصور

- ‌خطبته بمكة

- ‌ خطبته بمكة بعد بناء بغداد:

- ‌ خطبته بمدينة السلام:

- ‌ خطبته وقد أخذ عبد الله بن حسن وأهل بيته:

- ‌ خطبته حين خروج محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن:

- ‌ خطبته وقد قتل أبا مسلم الخراساني:

- ‌ خطبة أخرى:

- ‌ قوله وقد قوطع في خطبته:

- ‌ المنصور يصف خلفاء بني أمية:

- ‌ المنصور يصف عبد الرحمن الداخل:

- ‌وصايا المنصور لابنه المهدي:

- ‌ وصية له:

- ‌ خطبة النفس الزكية حين خرج على المنصور:

- ‌ وصية عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي لابنه محمد "أو إبراهيم

- ‌ قول عبد الله بن الحسن وقد قتل ابنه محمد:

- ‌ امرأة محمد بن عبد الله والمنصور:

- ‌ جعفر الصادق والمنصور:

- ‌صفح المنصور عن سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب

- ‌ استعطاف أهل الشام أبا جعفر المنصور:

- ‌ استعطاف أهل الشام أبا جعفر المنصور أيضًا:

- ‌ أبو جعفر المنصور والربيع:

- ‌ مقام عمرو بن عبيد بين يدي المنصور:

- ‌ مقام رجل من الزهاد بين يدي المنصور:

- ‌ مقام الأوزاعي بين يدي المنصور:

- ‌ نصيحة يزيد بن عمر بن هبيرة للمنصور:

- ‌ معن بن زائدة والمنصور:

- ‌ معن بن زائدة وأحد زوّاره:

- ‌ المنصور وأحد الأعراب:

- ‌ أعرابية تعزي المنصور وتهنئه:

- ‌ وصية مسلم بن قتيبة:

- ‌ خطبة المهدي

- ‌مشاورة المهدي لأهل بيته في حرب خراسان

- ‌مدخل

- ‌ مقال سلام صاحب المظالم:

- ‌ مقال الربيع بن يونس

- ‌ مقال الفضل بن العباس:

- ‌ مقال علي بن المهدي:

- ‌ مقال موسى بن المهدي:

- ‌ مقال العباس بن محمد

- ‌ مقال هارون بن المهدي:

- ‌ مقال صالح بن عليّ

- ‌ مقال معاوية بن عبد الله:

- ‌ ابن عتبة يعزي المهدي ويهنئه:

- ‌ يعقوب بن داود يستعطف المهدي:

- ‌ رجل من أهل خراسان يخطب بحضرة المهدي:

- ‌ مقام صالح بن عبد الجليل بين يدي المهدي:

- ‌ عظة شبيب بن شيبة للمهدي:

- ‌ خطبته في تعزية المهدي بابنته:

- ‌ خطبة أخرى له في مدح الخليفة:

- ‌ كلمات لشبيب بن شيبة:

- ‌ خطبة يوسف بن القاسم بن صبيح الكاتب:يوم ولي الرشيد الخلافة

- ‌ خطبة هارون الرشيد

- ‌ وصية الرشيد لمؤَدِّب ولده الأمين:

- ‌ خطبة لجعفر بن يحيى البرمكي

- ‌ استعطاف أم جعفر بن يحيى للرشيد:

- ‌ خطبة يزيد بن مزيد الشيباني:

- ‌ خطبة عبد الملك بن صالح

- ‌ عبد الملك بن صالح يعزي الرشيد ويهنئه:

- ‌ غضب الرشيد على عبد الملك بن صالح:

- ‌ قوله بعد خروجه من السجن:

- ‌ وصية عبد الملك بن صالح لابنه:

- ‌ وصية أخرى له:

- ‌ كلمات حكيمة لابن السَّماك:

- ‌ ابن السَّماك والرشيد:

- ‌الفتنة بين الأمين والمأمون

- ‌مدخل

- ‌ خطبة العباس بن موسى

- ‌ خطبة عيسى بن جعفر:

- ‌ خطبة محمد بن عيسى بن نهيك:

- ‌ خطبة صالح صاحب المصلى:

- ‌ خطبة المأمون:

- ‌ وصية السيدة زبيدة لعلي بن عيسى بن ماهان:

- ‌ وصية الأمين لابن ماهان

- ‌ استهانة ابن ماهان بأمر طاهر بن الحسين:

- ‌ حزم طاهر وقوة عزمه:

- ‌ طاهر يشد عزيمة جنده:

- ‌ وصف الفضل بن الربيع غفلة الأمين:

- ‌ وصية الأمين لأحمد بن مزيد:

- ‌ مقال عبد الملك بن صالح للأمين:

- ‌ الشغب في جيش عبد الملك بن صالح:

- ‌ خطبة الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان:

- ‌ خطبة محمد بن أبي خالد:

- ‌ إطلاق الأمين من سجنه ورده إلى مجلس الخلافة:

- ‌ خطبة داود بن عيسى يدعو إلى خلع الأمين:

- ‌ خطبة الأمين وقد تولى الأمر عنه:

- ‌استعطاف الفضل بن الربيع للمأمون

- ‌ خطبة طاهر بن الحسين ببغداد بعد مقتل الأمين:

- ‌خطب المأمون

- ‌خطبته وقد ورد عليه نعي الرشيد

- ‌خطبته وقد سلم الناس عليه بالخلافة

- ‌ خطبته يوم الجمعة

- ‌خطبته يوم الأضحى

- ‌ خطبته يوم الفطر:

- ‌ خطبة ابن طباطبا العلوي:

- ‌ استعطاف إبراهيم بن المهدي المأمون:

- ‌ إبراهيم بن المهدي وبختيشوع الطبيب:

- ‌ استعطاف إسحاق بن العباس المأمون:

- ‌ أحد وجوه بغداد يمدح المأمون حين دخلها:

- ‌ أحد أهل الكوفة يمدح المأمون:

- ‌ محمد بن عبد الملك بن صالح بين يدي المأمون:

- ‌ الحسن بن سهل يمدح المأمون:

- ‌ يحيى بن أكثم يمدح المأمون:

- ‌ أحد بني هاشم والمأمون:

- ‌ رجل يتظلم إلى المأمون:

- ‌ عمرو بن سعيد والمأمون:

- ‌ الحسن بن رجاء والمأمون:

- ‌ سعيد بن مسلم والمأمون

- ‌ أبو زهمان يعظ سعيد بن مسلم

- ‌ وصية طاهر بن الحسين

- ‌ خطبة عبد الله بن طاهر:

- ‌ العباس بن المأمون والمعتصم

- ‌ استعطاف تميم بن جميل للمعتصم:

- ‌ بين يدي سليمان بن وهب وزير المهتدي بالله:

- ‌أحمد بن أبي داود والواثق

- ‌ابن أبي داود والواثق أيضا

- ‌ابن أبي داود وابن الزيات

- ‌ الجاحظ وابن أبي داود:

- ‌أبو العيناء وابن أبي داود

- ‌فهرس الجزء الثالث من جمهرة خطب العرب

- ‌الخطب والوصايا في العصر العباسي الأول

- ‌فهرس أعلام الخطباء:

- ‌ذيل جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة

- ‌فهرس المآخذ

- ‌الباب الأول: في خطب الأندلسيين والمغاربة

- ‌خطبة عبد الرحمن الداخل

- ‌عبد الرحمن الداخل ورجل من جند فنسرين

- ‌ عبد الرحمن الداخل ورجل من جنده يهنئه بفتح سرقسطة

- ‌ تأديب عبد الرحمن الأوسط لابنه المنذر:

- ‌ عبد الرحمن الأوسط وابنه المنذر أيضًا:

- ‌ يعقوب بن عبد الرحمن الأوسط وأحد خدامه:

- ‌ وفاء الوزير ابن غانم لصديقه الوزير هاشم بن عبد العزيز

- ‌ خطبة منذر بن سعيد البَلُّوطِي

- ‌ خطبة أخرى له

- ‌ أحد حساد الرمادي الشاعر والمنصور بن أبي عامر:

- ‌ ابن اللبانة الشاعر وعز الدولة بن المعتصم بن صمادح:

- ‌ دفاع ابن الفخار عن القاضي الوحيدي:

- ‌ موعظة ابن أبي رَندقة الطرطوشي

- ‌ خطبة ابن تومرت مؤسس دولة الموحدين:

- ‌ مقال لسان الدين بن الخطيب

- ‌ما خطب به لسان الدين تربة السلطان الكبير أبي الحسن المريني

- ‌ وصية لسان الدين بن الخطيب لأولاده:

- ‌ خطبة وعظية له:

- ‌ خطبة ابن الزيات المنزوعة الألف

- ‌ خطبة القاضي عياض التي ضمنها سور القرآن:

- ‌ خطبة سعيد بن أحمد المقري التي ضمنها سور القرآن:

- ‌ خطبة الكفعمي التي ضمنها سور القرآن أيضًا:

- ‌الباب الثاني في خطبة ووصايا مجهول عصرها أو قائلها

- ‌خطبة أبي بكر بن عبد الله بالمدينة

- ‌ وصية أعمى من الأزد لشاب يقوده:

- ‌ وصية رجل لآخر وقد أراد سفرًا:

- ‌ وصية رجل لابنه وقد أراد التزوج:

- ‌ وصية بعض العلماء لابنه:

- ‌ وصية لبعض الحكماء:

- ‌ عظة لبعض الحكماء:

- ‌ نصيحة لبعض الحكماء:

- ‌ كلمات شتى لبعض الحكماء:

- ‌ رجل من العرب والحجاج:

- ‌ كاتب وأمير:

- ‌ وصف الهلباجة:

- ‌ بعض البلغاء يصف رجلا:

- ‌ خمس جوارٍ من العرب يصفن خيل آبائهن:

- ‌ رجل من العرب يصف مطرًا:

- ‌الباب الثالث في نثر الأعراب قولهم في الوعظ والتوصية:

- ‌ مقام أعرابي بين يدي سليمان بن عبد الملك:

- ‌ أعرابي يعظ هشام بن عبد الملك:

- ‌ خطبة أعرابي

- ‌خبطة أخرى2

- ‌ أعرابية توصي ابنها وقد أراد السفر:

- ‌ أعرابية توصي ابنها:

- ‌ أعرابي يوصي ابنه:

- ‌ أعرابي ينصح لأخيه:

- ‌ أعرابي يعظ صاحبه:

- ‌ كلام أعرابي لابن عمه:

- ‌ كلمات حكيمة للأعراب:

- ‌أجوبة الأعراب

- ‌مجاربة أعرابي للحجاج

- ‌ مساءلة الحجاج أعرابيا فصيحا:

- ‌ مجاوبة أعرابي لعبد الملك بن مروان:

- ‌ مجاوبة أعرابي لخالد بن عبد الله القسري:

- ‌ أجوبة شتى:

- ‌قولهم في الاستمناح والاستجداء

- ‌أعرابي يجتدي عتبة بن أبي سفيان

- ‌ أعرابي يجتدي عمر بن عبد العزيز:

- ‌ خطبة أعرابي بين يدي هشام بن عبد الملك:

- ‌ مقام أعرابي بين يدي هشام:

- ‌ أعرابي يستجدي عبيد الله بن زياد:

- ‌ أعرابية تستجدي عبد الله بن أبي بكرة:

- ‌ أعرابي يستجدي خالد بن عبد الله القَسْرِيّ:

- ‌ أعرابي يستجدي معن بن زائدة:

- ‌ خطبة الأعرابي السائل في المسجد الحرام:

- ‌ خطبة الأعرابي السائل في المسجد الجامع بالبصرة:

- ‌صورى أخرى2

- ‌أعرابي يستجدي5

- ‌ أعرابية تستجدي:

- ‌ أعرابي يسأل رجلا حاجة له:

- ‌قولهم في بكاء الموتى:

- ‌ أعرابية تبكي ابنها:

- ‌ حديث امرأة سكنت البادية قريبًا من قبور أهلها:

- ‌ حديث امرأة مات ابنها بين يديها:

- ‌قولهم في الشكوى:

- ‌ أعرابي يشكو حاله:

- ‌ كلمات شتى في الشكوى:

- ‌ قولهم في العتاب والاعتذار:

- ‌ قولهم في المدح:

- ‌ قولهم في الذم:

- ‌ قولهم في الغزل:

- ‌قولهم في الوصف:

- ‌ ثلاثة غِلمة من الأعراب يصفون مطرا:

- ‌ أعرابي يصف أرضا:

- ‌ رائد يصف أرضا جدبة:

- ‌ أعرابي يصف أرضه وماله:

- ‌ أعرابي يصف بلدًا:

- ‌ أعرابي يصف أشد البرد:

- ‌ أعرابي يصف إبلا:

- ‌ أعرابي يصف ناقة:

- ‌ أعرابي يصف فرسا:

- ‌ أعرابي يصف خاتمًا:

- ‌ أعرابي يصف أطيب الطعام:

- ‌ أعرابي يصف السويق:

- ‌ أعرابي يصف الجمال:

- ‌ أبو المِخَشّ يصف ابنه:

- ‌ أعرابي يصف بنيه:

- ‌ أعرابي يصف أخويه:

- ‌قولهم في الدعاء:

- ‌ أدعية شتى:

- ‌ نوادر وملح لبعض الأعراب:

- ‌الباب الرابع في خطب النكاح:

- ‌ خطبة قريش في الجاهلية:

- ‌ خُطبة النبي صلى الله عليه وسلم في زواج السيدة فاطمة:

- ‌ خطبة الإمام عليّ كرم الله وجهه:

- ‌ خطبة عتبة بن أبي سفيان:

- ‌ خطبة شبيب بن شيبة:

- ‌ خطبة الحسن البصري:

- ‌ خطبة ابن الفقير:

- ‌ خطبة عمر بن عبد العزيز:

- ‌ خطبة أخرى له:

- ‌ خطبة بلال:

- ‌ خطبة خالد بن صفوان:

- ‌ خطبة أعرابي:

- ‌ خطبة المأمون:

- ‌الباب الخامس في خطب من أرتج عليهم

- ‌نوادر طريفة لبعض الخطباء

- ‌بدء الخطب وختامها:

- ‌فهرس ذيل الجمهرة:

الفصل: ‌خطبة أبي بكر بن عبد الله بالمدينة

‌الباب الثاني في خطبة ووصايا مجهول عصرها أو قائلها

‌خطبة أبي بكر بن عبد الله بالمدينة

الباب الثاني في خطب ووصايا مجهول عصرها أو قائلها:

1-

خطبة أبي بكر بن عبد الله بالمدينة:

لما وَلِيَ أبو بكر بن عبد الله بالمدينة1 وطال مُكْثه عليها، كان يبلغه عن قوم من أهلها أنهم ينالون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسعافٌ من آخرين لهم على ذلك، فأمر أهل البيوتات ووجوه الناس في يوم جمعة أن يقربوا من المنبر، فلما فرغ من خطبة الجمعة قال:

"أيها الناس: إني قائل قولا، فمن وَعَاه وأدَّاه فعلى الله جزاؤُه، ومن لم يَعِهِ فلا

1 لا أعرف صاحب هذا الاسم واليًا على المدينة، وإنما الذي قرأته في تاريخ الطبري أن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري ولي المدينة من سنة 96 إلى سنة100 في خلافة سليمان بن عبد الله الملك وعمر بن عبد العزيز "انظر تاريخ الطبري، الجزء الثامن، حوادث السنين ص96 إلى 100" وذكر أيضا القلقشندي في صبح الأعشى "ج4: ص296" أن أبا بكر بن محمد هذا ولي المدينة أيام سليمان بن عبد الملك، والظاهر أنه صاحب هذه الخطبة، وإني لأستأنس في ذلك بقوله:"وطال مكثه عليها" فقد تولاها خمس سنين، وبالغرض الذي قيلت فيه الخطبة، وأنت تذكر ما كان في العهد الأموي من اتساع دائرة الاختلاف الحزبي، والنضال السياسي البعيد المدى، وربما كان "عبد الله" اسما آخر لأبيه محمد، تسمى به تواضعا، وكان ذلك من عادة السلف الصالح رضوان الله عليهم كثيرا، انظر مثلا كتاب عمر في صلح أهل إيليا "هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيليا من الأمان".

"الطبري 4: 159".

ص: 226

يَعْْدُ من ذمامها1 إن قَصَّرْتم عن تفضيله، فلن تَعْجِزوا عن تحصيله، فأَرْعوه أبصاركم، وأَوْعُوه أسماعكم، وأَشْعِروه2 قلوبكم، بالموعظة حياة، والمؤمنون إخوة {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ 3 السَّبِيلِ} ، {وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} فأتوا الهدى تهتدوا، واجتنبوا الغيّ ترشدوا، {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ، والله جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، أمركم بالجماعة، ورضيها لكم، ونهاكم عن الفرقة، وسخطها منكم، فـ {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ 4 وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا 5 حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} ، جعلنا الله وإياكم ممن تبع رضوانه، وتجنب سخطه، فإنما نحن به وله.

وإن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالدين، واختاره على العالمين، واختار له أصحابه على الحق، ووُزراء دون الخلق اختصهم به، وانتخبهم له، فصدَّقوه ونَصَرُوه، وعزَّروه6 ووقَّروه، فلم يقدموا إلا بأمره، ولم يُحْجِمُوا إلا عن رأيه، وكانوا أعوانه بعهده، وخلفاءه من بعده، فوصفهم فأحسن صفتهم، وذكرهم فأثنى عليهم، فقال، وقوله الحق: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ، تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً، سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ 7، كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ

1 أي فلا يخرج عن حرمتها، وتأنيث الضمير في "ذمامها" باعتبار الموعظة أو المقولة.

2 أي الزقوة به.

3 القصد: استقامة الطريق، أي بيان الطريق المستقيم الموصل إلى الحق.

4 التقاة: التقوى، وجمعها تقي كرطبة ورطب، وأصلها وقيه قلبت واوها المضمومة تاء كما في تؤدة وتخمة، والياء ألفا.

5 الشفا: حرف كل شيء.

6 التقرير: التفخيم والتعظيم "وهو أيضًا أشد الضرب. ضد".

7 أي ذلك مثلهم في الكتاب، والشط: فراخ الزرع، فآزره أي فقواه، فاستوى على سوقه: أي فاستقام على أصواله وسيقانه.

ص: 227

فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} ، فمن غاظه كفر وخاب، وفَجَر وخَسِرَ، وقال الله عز وجل:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ 1 وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} فمن خالف شريطة الله عليه لهم، وأمره إياه فيهم، فلا حق له في الفيء ولا سهم له في الإسلام، في آيٍ كثيرة من القرآن؟

فمَرَقت مارقة من الدين، وفارقوا المسلمين، وجعلوهم عِضِين2، وتشعَّبوا أحزابا، أُشَابَاتٍ وأُوْشَابًا3، فخالفوا كتاب الله فيهم، وثناءه عليهم، وآذَوْا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم، فخابوا وخَسِروا الدنيا والآخرة {ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} .

{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} مالي أرى عيونا خُزْرًا4، ورقابا صُعْرًا5، وبطونا بُجْرًا6 شَجًا لا يسيغه الماء7، وداء لا يشرب فيه الدواء {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ} كلا والله، بل هو الهناء8 والطِّلاء، حتى يظهر العُذر، ويبُوح السِّمرُّ، ويَضحَ الغيب،

1 يؤثرون: يفضلون ويقدمون والخصاصة: الحاجة والفقر.

2 جمع غصة كعدة: وهي الفرقة والقطعة.

3 أشابات جمع أشابة: وهي الأخلاط، وأشبه كضربه: خلطه، والأوشاب جمع وشب كحمل، والأوباش جمع وبش كسبب: الأخلاط والسفلة.

4 جمع خزراء مؤنث أخزر وصف من الخزر بالتحريك، وهو النظر في أحد الشقين.

5 الصعر بالتحريك: ميل في الوجه، أو في أحد الشقين، أو داء في البعير يلوي عنقه منه، صعر كفرح فهو أصعر.

6 بجر بطنه كفرح أيضًا فهو أبجر: عظم، والجمع بجر كحمر.

7 الشجا: ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه، لا يسيغه: أي لا يجعله سائغًا سهل المدخل في الحلق.

8 الهناء: القطران، ويريد أنه يعالجهم كما تطلى الإبل الجربى بالقطران لمداواتها.

ص: 228

ويسَوَّس الجُنُب1، فإنكم لم تُخْلَقُوا عبثًا، ولم تتركوا سدىً، ويحكم! إني لست أتاوِيُّا2 أُعَلَّم، ولا بدويا أُفَهَّم، قد حلبتكم أَشْطُرًا3، قلَّبتكم أبطُنًا وأظهرا، فعرفت أنحاءكم وأهواءكم، وعلمت أن قوما أظهروا الإسلام بألسنتهم، وأسرُّوا الكفر في قلوبهم، فضربوا بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض، ووَلَّدُوا الروايات فيهم، وضربوا الأمثال، ووجدوا على ذلك من أهل الجهل من أنبائهم أعوانا يأذنون لهم4، ويُصْغُون إليهم مهلًا مهلًا قبل وقوع القَوَارِع5، وطول الروائع، هذا لهذا ومع هذا6، فلست أعتنش7 آئبًا ولا تائبًا، {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} ، فأسِرُّوا خيرا وأظهروه، واجهروا به وأخلصوه، فطالما مَشَيْتُم القَهْقَري ناكصين، وليعلم من أدبر وأصَرَّ أنها موعظة بين يدي نقمة، ولست أدعوكم إلى أهواء تتَّبَع، ولا إلى رأي يبتَدَع، إنما أدعوكم إلى الطريقة المُثْلى، التي فيها خير الآخرة والأولى، فمن أجاب فإلى رشده، ومن عمي فعن قصده، فهلمَّ إلى الشرائع الجَدَائِع8، ولا تُوَلُّوا عن سبيل المؤمنين، ولا تستبدلوا

1 باح السر: ظهر، وباح بسره: أظهره ووضح يضح واتضح واحد، ويسوس: أي يروض ويذلل: مضعف ساسه يسوسه. يقال: سوست له أمرا إذا روضته وذللته، والجنب: الصعب الذي لا ينقاد.

2 الأتاوى: الغريب عن القوم.

3 اقتبسه من المثل المشهور: "حلب الدهر أشطره" والناقة شطران، قادمان وآخران، فكل خلفين شطر بفتح الشين -والخلف للناقة كالضرع البقرة- وأشطره منصوب على البدل، فكأنه قال: حلب أشطر الدهر، والمعنى: اختبر الدهر وعرف خيره وشره.

4 أذن له وإليه كفرح: استمع.

5 القوارع جمع قارعة: وهي الداهية الفاجئة، والروائع جمع رائعة، وهي المفزعة.

6 أي هذا الذي أتهددكم به من القوارع والروائع، لهذا الذي تخوضون فيه، ومقرون به.

7 اعتنشه: ظلمه.

8 الذي في كتب اللغة: "جداع كسحاب وقطام: السنة الشديدة تجدع بالمال وتذهب به" وهذه الكلمة هي التي يسوغ أن تجمع على جدائع، ولكنها لا تناسب المقام هنا، فلعل الأصل "الجوادع" جمع جادعة: وهي المقاطعة، يريد الشرائع الصحيحة الحقة لأنها تقطع الباطل وتزهقه كأنه يقول: اتبعوا الخطة الحاسمة، أو الجدائع جمع جدوع كعجوز صيغة مبالغة من جادعة، وفي التعليق على نهاية الأرب "ولعله الجوامع: أي التي تجمع الناس على اتباعها، كما يدل عليه ما بعده".

ص: 229