الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن سالَمَنَا سالمناه، والناس جميعًا آمنون إلا رجلًا نصب لنا نفسه، وأعان علينا بماله، ولو شئت أن أقول: ورجل قال فينا يتناول من أعراضنا: لقلت، وكفى، وحَسْبُ كل امرئ ما يَصْنَعه، وسيُكْفَي الظالمون".
"مواسم الآدب 2: 113".
117-
استعطاف إبراهيم بن المهدي المأمون:
لما ظفِر المأمون بعمه إبراهيم بن المهدي1 أمر بإدخاله عليه، فجيء بإبراهيم يحجُِل2 في قيوده، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال له المأمون: لا سلَّم الله عليك، ولا حَفِظك، ولا رعاك، ولا كلأَكَ3 يا إبراهيم، فقال له إبراهيم: على رِسْلِك4 يا أمير المؤمنين، وليُّ5 الثأرِ محكَّم في القصاص، والعَفْوُ أقرب للتقوى، ومن مُدَّ له الاغترار في الأمل، هجمت به الأناة على التلف6 وقد أصبح ذنبي فوق كل ذنب، كما أن عفوك فوق كل7 عفو، فإن تعاقب فبحقِّك، وإن تعفُ فبفضلك"، ثم قال:
ذنبي إليك عظيم
…
وأنت أعظم منه
فخذ بحقك أو لا
…
فاصفح بفضلك عنه
إن لم أكن في فعالي
…
من الكرام فَكُنه
فأطرق المأمون مليًّا، ثم رفع رأسه فقال: إني شاورت أبا إسحاق8 والعباس
1 كان المأمون قد عهد بالخلافة لعلي الرضا بن موسى الكاظم، فلما سمع العباسيون ببغداد "وكان المأمون بمرو حاضرة خراسان" ما فعله المأمون من نقل الخلافة من البيت العباسي إلى البيت العلوي، وأنكروا منه ذلك، وخلعوه من الخلافة، وبايعوا عمه إبراهيم بن المهدي سنة201 هـ، ولما علم المأمون بذلك جد في المسير إلى بغداد، وهرب عمه إبراهيم وتوارى.
2 حجل المقيد كضرب ونصر: رفع رجلا، وتريث في مشيه على رجله.
3 كلأه: حرسه.
4 المهل والتؤدة.
5 صاحبه.
6 وفي رواية: "ومن تناوله الاغترار بما مده من أسباب الرخاء، أمن عادية الدهر".
7 وفي رواية: "وقد أصبحت فوق كل ذي ذنب، كما أصبح كل ذي عفو دونك" وفي أخرى: "وقد جعلك الله فوق كل ذي ذنب، كما جعل كل ذي ذنب دونك".
8 أبو إسحاق هو المعتصم أخو المأمون، والعباس هو ابن المأمون.
في قتلك فأشار عليَّ به، قال: فما قلت لهما يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت لهما: بدأنا له بإحسان، ونحن نستأمره فيه، فإن غيَّره فالله يغيِّر ما به، قال: إما أن يكونا قد نصحاك في عِظَم قدر الملك، وما جَرَت عليه عادة السياسة قد فعلا، ولكن أبيتَ أن تستجلب النصر إلا من حيث عوَّدك الله، ثم استعبر باكيًا، فقال له المأمون: ما يُبْكِيك؟ قال: جَذَلًا؛ إذ كان ذنبي إلى من هذه صفته في الإنعام، ثم قال: يا أمير المؤمنين إنه وإن كان جُرْمِي يبلغ سَفْكَ دمي، فحلم أمير المؤمنين وتفضله يبلغانني عفوه، ولي بعدهما شفاعة الإقرار بالذنب، وحُرْمَةُ الأب بعد الأب، قال المأمون:" القدرة تذهب الحَفِيظَة1، والندم توبة، وعفو الله بينهما، وهو أكبر ما يحاول، يا إبراهيم: لقد حَبَّبْت إليَّ العفو، حتى خفتُ أن لا أوجر عليه، أما لو علم الناس ما لنا في العفو من اللذة، لتقربوا إلينا بالجنايات، لا تثريب2 عليك، يغفر الله لك، ولو لم يكن من حق نسبك ما يبلِّغ الصفح عن زلتك، لبلَّغك ما أمَّلْت حسن توصلك، ولطيف تنصُّلك". ثم أمر بردِّ ماله وضياعه، فقال:
رددت مالي، ولم تبخل عليَّ به
…
وقبل ردك مالي قد حقنت دمي
فأُبْتُ منك -وما كافأتها- بيدٍ
…
هما الحياتان من وفر ومن عدم3
وقام علمك بي فاحتجَّ عندك لي
…
مقام شاهد عدل غير مُتَّهم
فلو بذلت دمي أبغي رضاك به
…
والمالَ، حتى أسُلَّ النعل من قَدَمي
ما كان ذاك سوى عاريّةٍ رََجَعَتْ
…
إليك، لو لم تَهَبْها كنت لم تُلَمِ
"الأغاني 9: 57، والعقد الفريد 1: 142، الأمالي 1: 202، وزهر الآداب 3: 191".
1 الحفيظة: الغضب، وفي رواية الأغاني أن هذه الجملة من قول إبراهيم بن المهدي.
2 لا لوم.
3 اليد: النعمة.