الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
62-
قولهم في المدح:
دخل أعرابي على بعض الملوك فقال: "رَأْيْتُني فيما أتعاطى من مدحك، كالمُخْبِر عن ضوء النهار الباهر، والقمر الزاهر، الذي لا يخفى على الناظر، وأيقنت أني حيث انتهى بي القول، منسوب إلى العجز، مُقَصِّر عن الغاية، فانصرفت عن الثناء عليك، إلى الدعاء لك، وَوَكَلْتُ الإخبار عنك، إلى علم الناس بك".
"الأمالي 2: 73".
وأثنى أعرابي على رجل فقال: "إن خيرك لَسَريح1، وإن منعك لمُرِيح، وإن رِفْدَك لَرَبيح".
"البيان والتبيين 2: 105".
عن عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابيًّا من بني كلاب يذكر رجلا فقال: "كان والله الفَهْمُ منه ذا أُذُنَيْنِ، والجواب ذا لسانين، لم أَرَ أحدًا كان أَرْتَق لخلل رأى منه، ولا أبعد مسافة رويَّةٍ، ومُرَادَ2 طَرْف، إنما يرمي بهمته حيث أشار إليه الكرمُ، وما زال والله يَتَحَسَّى مرارة أخلاق الإخوان، ويسقيهم عُذُوبَة أخلاقه".
"الأمالي 2: 16، والعقد الفريد 2: 89: وزهر الآداب 2: 3".
وقال: سمعت أعرابيًّا ذكر رجلًا فقال: "كان والله للإخاء وصولًا، وللمال بَذُولا، وكان الوفاء بهما عليه كَفِيلا، ومَنْ فاضَلَه كان مفضولًا".
"الأمالي 1: 116، والعقد الفريد 2: 89".
1 أي عطاء بلا مطل ولا إبطاء، ومريح: أي من كد الطلب.
2 رياد الإبل: اختلافها في المرعى مقبلة ومدبرة، والموضع مراد ومستراد.
ووصف أعرابي رجلًا فقال: "ذاك والله مِمَّنْ يَنْفع سِلْمه، ويُتَوَاصف حِلْمُه، ولا يُسْتَمَرَأُ1 ظلمه، إن قال فعل، وإن وَلِي عدل".
"البيان والتبيين 2: 158، والعقد الفريد 2: 89، وزهر الآداب 2: 3".
وذكر أعرابي قومًا فقال: "أدبَّتهم الحكمة، وأحكمتهم التجارب، ولم تَغْرُرهم السلامة المنطوية على الهَلَكَة، وجانبوا التسويف الذي به قطع الناس مسافة آجالهم، فذلَََََّت ألسنتهم بالوعد، وانبسطت أيديهم بالإنجاز، فأحسنوا المقال، وشَفَعُوه بالفعال".
"الأمالي 2: 23، والبيان والتبيين 3: 231، والعقد الفريد 2: 88".
عن عبد الرحمن عن عمه قال: وصفت أعرابية زوجَها بمكارم الأخلاق عند أمها، فقالت:"يا أُمَّهْ، من نَشَرَ ثوب الثناء، فقد أدَّى واجب الجزاء، وفي كِتْمَانِ الشكر جُحُود لما وجب من الحق، ودخولٌ في كفر النِّعم"، فقالت لها أمها:"أي بُنَيَّة: أَطَبْتِ الثناء، وقمتِ بالجزاء، ولم تَدَعِي للذم موضعًا، إني وجدت من عَقَلَ، لم يَعْجَل بذمّ ولا ثناء إلا بعد اختبار"، فقالت:"يا أمه، ما مدحت حتى اختبرت، ولا وصفت حتى عرفت".
"الأمالي 1: 225".
ووصف بعض الأعراب أميرا فقال: "إذا أوعد أخَّر، وإذا وعد عجَّل، وعيده عفوٌ، ووعده إنجاز".
"البيان والتبيين 3: 217".
ونعت أعرابي رجلا فقال: "كأن الألسن والقلوب رِيضَتْ له، فما تنعقِد إلا على ودِّه، ولا تنطق إلا بحمده".
"البيان والتبيين 3: 231، والعقد الفريد 2: 89، وزهر الآداب 2: 3".
1 لا يستطاب، من استمرأ الطعام: وجده مريئا أي هنيئا حميد المغبة.
وذكر رجل عند أعرابي فوقع فيه قوم فقال: "أما والله إنه لآكَلُكُم للمأدُوم وأعطاكم للمَغْرُور1، وأكسبكم للمعدوم، وأعطفكم على المحروم".
"الأمالي 2: 16، البيان والتبيين 1: 163".
وأعطى رجل أعرابيًّا فأكثر له، فقال له الأعرابي:"إن كنتَ جاوزتَ قَدَرِي عند نفسي، فقد بلغت أَمَلِي فيك". "الأمالي 2: 50".
ومدح أعرابي رجلًا فقال: "كان والله يُعَنَّى2 في طلب المكارم، غير ضالٍّ في معارج طرقها، ولا متشاغل عنها بغيرها".
ودخل أعرابي على رجل من الولاة فقال: "أصلح الله الأمير: اجعلني زمامًا من أَزِمَّتِك يُجَرُّبها الأعداء، فإني مُسْعِر حربٍ3، وركَّابُ نُجُبٍ، شديد على الأعداء ليِّن على الأصدقاء، منطوي الحصيلة4، قليل الثَّمِيلَة، غرار النَّوم، قد غَذَّتني الحرب بأفاويقها5، وحَلَبْتُ الدهر أَشْطُرَه، ولا تمنعك مني الدَّمَامة6، فإن من تحتها شهامة".
"العقد الفريد 2: 89، وزهر الآداب 3: 180".
1 أي للمال المغرور، فمن لزمه غرم حمله عنه.
2 أي يتعب وينصب.
3 أي موقدها، والنجب جمع نجيب.
4 حصل الشيء تحصيلا: جمعه، والاسم الحصيلة، والمعنى مكتّم السر، والثميلة في الأصل: ما يبقى في بطن الدابة من العلف والماء، وما يدخره الإنسان من طعام أو غيره، وفي حديث عبد الملك قال الحجاج:"أما بعد فقد وليتك العرافين، فسر إليها منطوي الثميلة" والمعنى فسر إليها مخفا، والغرار: القليل من النون.
5 الأفاويق جمع أفواق، وهو جمع فيقة بالكسر، والفيقة: اسم اللبن يجتمع في الضرع بين الحلبتين.
6 الدمامة: قبح المنظر.
ومدح أعرابي رجلا فقال: "ذاك والله فسيح الأدب، مستحكم السبب من أي أقطاره أتيتَه، تثني عليه بكرم فعال، وحسن مقال".
"زهر الآداب 2: 6، والعقد الفريد 2: 89".
ومدح أعرابي رجلًا فقال "كان والله يغسل من العار وجوها مُسْوَدَّة، ويفتح من الرأي عيونا مُنْسَدَّة".
"العقد الفريد 2: 89، وزهر الآداب 3: 165".
وذكر أعرابي قومًا عبَّادًا فقال: "تركوا والله النعيم ليَتَنَعَّمُوا، لهم عَبَرَاتٌ متدافقة، وزَفَرَاتٌ متتابعة، لاتراهم إلا في وجهٍ وجيهٍ عند الله".
وذكر أعرابي قوما فقال: "ما رأيت أسرع إلى داعٍ بِلَيْل، على فرس حَسِيب، وجمل نَجِيب1، ثم لا ينتظر الأول السابق، والآخر اللاحق".
وذكر أعرابي قومًا فقال: "جعلوا أموالهم مناديل أعراضهم، فالخير بهم زائد، والمعروف لهم شاهد، يُعْطُونها بِطِيبة أنفسهم إذا طُلبت إليهم، ويباشرون المعروف بإشراق الوجوه إذا بُغِيَ لديهم".
وذكر أعرابي قومًا فقال: "والله ما أنالوا شيئًا بأطراف أناملهم إلا وطِئْناه بأخماص2 أقدامنا، وإنَّ أقصى هِمَهِم لأَدْنَى فِعالنا".
1 النجيب الجمل السريع الخفيف في السير.
2 جمع أخمص كأحمر: وهو من باطن القدم ما لم يصب الأرض.
وذكر أعرابي أميرًا فقال: "إذا ولي لم يُطَابِق بين جُفُونه1، وأرسل العُيُون على عيونه، فهو غائب عنهم، شاهد معهم، فالمحسن راجٍ، والمُسِيء خائف".
وذكر أعرابي رجلًا ببراعة المنطق فقال: "كان والله بارع المنطق، جَزْلَ الألفاظ عربيَّ اللسان، فصيح البيان، رقيق حواشي الكلام، بَلِيلَ الرِّيق، قليل الحركات، ساكن الإشارات".
وذكر أعرابي رجلًا فقال: "رأيت له حِلْمًا وأَنَاة، يُحَدِّثُك الحديث على مَقاطعه، ويُنْشِد الشعر على مَدَارِجِه2، فلا تسمع له لحَنًا ولا إحالة3.
وذكر أعرابي قومًا فقال: "آلت سيوفهم ألَّا تقضي دينا عليهم، ولا تضيِّع حقًّا لهم، فما أُخِذَ منهم مردُودٌ إليهم، وما أَخَذُوا متروك لهم".
وذكر أعرابي قومًا فقال: "ما رأيت عينًا قطٌّ أخرق لِظُلْمَة الليل من عينه، ولَحْظَةً أشبه بلهيب النار من لحظته، له هزَّة كهزَّة السيف إذا طَرِب، وجُرْأَةٌ كجرأة الليث إذا غضب".
ومدح أعرابي رجلًا فقال: "كانت ظلمة ليله كضوء نهاره، آمرا بارتياد، وناهيا عن فساد، لَحبِيب السوء غير منقاد".
1 أي لم يتم عن شئون رعيته، والعيون: الجواسيس.
2 مدارج جمع مدرج ومدرجة: المذهب والمسلك.
3 أحال الكلام إحالة: إذا أفسده، والمحال من الكلام: ما عدل به عن وجهه، وأحال: أتى بالمحال وتكلم به.
4 حلفت.
وذكر أعرابي رجلًا فقال: "اشترى والله عِرْضَه من الأذى، فلو كانت الدنيا له فأنفقها، لَرَأَى بعدها عليه حُقُوقًا، وكان مِنْهَاجًا للأمور المُشْكِلة إذا تناجز الناس باللَّائمة".
وذكر أعرابي رجلًا فقال: "يُفَوِّق1 الكلمة على المعنى، فتمرقُ مُرُوق السَّهم من الرَّمِيَّة، فما أصاب قَتَل، وما أخطأ أَشْوَى2، ما غَطْغَطَ3 له سهمٌ منذ تحرك لسانُهُ في فيهِ".
وذكر أعرابي أخاه فقال: "كان والله رَكُوبا للأهوال، غير أَلُوف للحِجَال4 إذا أُرْعِدَ5 لقوم من غير قُرّ، يهين نفسًا كريمة على قومها، غير مبقية لغد ما في يومها".
ومدح أعرابي رجلًا فقال: "كان والله من شجر لا يُخْلِفُ ثَمَره، ومن بَحْر لا يُخَاف كَدَره".
وذكر أعرابي رجلًا فقال: "ذاك والله فَتًى رماه الله بالخير نَاشِئًا، فأحسن لُبْسَه، وزَيَّنَ به نفسَه".
1 يسدد ويصوب، والرمية: ما يرمى.
2 أشواه: أصاب شواه، والشوى كعصا: اليدان والرجلان والأطراف وقحيف الرأس وما كان غير مقتل.
3 الغطغطة: حكاية صوت القدر في الغليان وما أشبهها، وقد يكون الأصل "وما غطمط" أي ما اضطرب من الغطمطة وهي اضطراب موج البحر.
4 الحجال جمع حجلة بالتحريك: القبة وموضع يزين بالثياب والستور للعروس، والمراد النساء.
5 أرعد: أخذته رعدة.
ومدح أعرابي رجلًا فقال: "يُصِمُّ أُذُنَيْه عن استماع الخَنَا، ويُخْرِس لسانه عن التكلم به، فهو الماء الشَّريب1، والمِصْقَع الخطيب".
وذكر أعرابي رجلًا فقال: "ذاك رجل سبق إليَّ معروفه قبل طَلَبي إليه، فالعِرْضُ وافر، والوجه بمائه، وما أستقلّ2 بنعمة إلا أقْفَلَني بأخرى".
وذكر أعرابي رجلًا فقال: "ذاك رضيع الجود والمفطُوم به، عَقِيم عن الفحشاء، مُعْتَصِم بالتقوى، إذا حَذَفت3 الألسن عن الرأى، حذف بالصواب، كما يَحْذِف الأرنب، فإن طالت الغاية، ولم يكن من دونها نهاية، تَمَهَّل أمام القوم سابقًا".
وذكر أعرابي رجلًا فقال: "إن جليسه لِطِيب عِشْرته أطربُ من الإبل على الحِدَاء، والثَّمِل على الغناء".
وذكر أعرابي رجلًا فقال: "كان له عِلْم لا يخالطه جهل، وصدق لا يشوبه كذب، كأنه الوَبْل عند المَحْل4".
وذكر أعرابي رجلًا فقال: "ما رأيتُ أَعْشَقَ للمعروف منه، وما رأيت المنكَر أبغضَ لأخدٍ بُغْضَه له".
1 الشريب والشرب: ما يشرب. المصقع: البليغ، أو العالي الصوت، أو من لا يرتج عليه في كلامه ولا يتتعتع.
2 أي وما أحمل. وأقفلني: أرجعني وردني.
3 حذفت: رمت.
4 الجدب.
وقدم أعرابي البادية وقد نال من بني برمك، فقيل له كيف رأيتهم؟ قال:"رأيتهم وقد أنِسَت بهم النِّعمة، كأنها من ثيابهم".
وذكر أعرابي رجلًا فقال: "ما زال يَبْني المجد، ويَشْتري الْحَمد، حتى بلغ منهُ الجَهْد".
ودخل أعرابي على بعض الملوك فقال: "إن جهلًا أن يقول المادح بخلاف ما يعرف من الممدوح، وإني والله ما رأيت أعشق للمكارم في زمان اللؤم منك، وأنشد:
مالي أرى أبوابهم مَهْجورَةً؟
…
وكأنَّ بابَك مَجْمَع الأسواق
حابَوْك أم هابوك أم شامُوا النَّدَى
…
بيديك فاجتمعوا من الآفاق
إني رأيتك للمكارم عاشقًا
…
والمكْرُمَات قليلة العُشَّاقِ
"العقد الفريد 2: 88-90".
وضلَّ أعرابي الطريق ليلًا، فلما طلع القمر اهتدى، فرفع رأسه إليه فقال: ما أدري ما أقول؟ أأقول: رفعك الله؟ فقد رفعك، أم أقول: نوَّرك الله؟ فقد نوَّرك، أم أقول: حسَّنك الله؟ فقد حسَّنك، أم أقول: عمَّرك الله؟ فقد عمَّرك، ولكني أقول: جعلني الله فِدَاك.
"العقد الفريد 2: 97".
وذكر أعرابي قومه فقال: "كانوا والله إذا اصْطَّفُوا تحت القِتَام1، خطرت بينهم السِّهام بوفُود الحمام، وإذا تصَافَحُوا بالسيوف فغَرَت2 المنايا أفواهها، فَرُبَّ
1 القتام: الغبار والحمام: الموت. ورواية العقد: "كانوا إذا اصطفوا سفرت بينهم السهام" -سفر بين القوم كضرب ونصر: أصلح".
2 فغرت: فتحت.
يوم عارمٍ1 قد أحسنوا أدَبَه، وحربٍ عَبُوس قد ضَاحَكتها أسنَّتُهم، وخطب شئِزٍ2 قد ذلّلوا مَنَا كِبَه، ويوم عَمَاس3 قد كَشَفُوا ظلمته بالصبر حتى ينجلي، إنما كانوا البحر الذي لا يُنْكشُ4 غِمَارُه، ولا يُنَهْنَه نَيَّاره".
"الأمالي 1: 139، والعقد الفريد 2: 88، وزهر الآداب 2: 4".
ووصف أعرابي رجلًا فقال: "هو أطهر من الماء، وأرقُّ طباعًا من الهواء، وأمضى من السيل، وأهدى من النجم". "زهر الآداب 2: 3".
ووصف أعرابي قومه فقال: "لُيُوثُ حرب، ولُيُوث جَدْب، إن قاتلوا أَبْلَوا، وإن بَذَلُوا أَفْنَوا".
وقال الأصمعي: سمعت أعرابيًّا يقول: "إذا ثبتت الأصول في القلوب، نطقت الألسنة بالفروع، والله يعلم أن قلبي لك شاكر، ولساني ذاكر، ومُحَالٌ أن يظهر الوُدُّ المستقيم، من الفؤاد السَّقِيم".
"زهر الآداب 3: 165".
وسئل أعرابي عن قومه فقال: "يقتلون الفقر، عند شدة القُرّ5، وأرواح6 الشتاء، وهبوب الجِرْبِياء7، بأَسْنِمَةِ الجُزُور، ومُتْرَعات8 القُدُور، تَحْسُن وجوههم عند طلب المعروف، وتَعْبَسُ عند لَمَعان السيوف".
وصف أعرابي قومًا فقال: "لهم جودُ كرامٍ اتسعت أحوالها، وبأس ليوثٍ تتْبَعها أشبالها، وهِهَم ملوكٍ انفسحت آمالها، وفخر صميم آبادٍ شَرُفَت أحوالها".
"زهر الآداب 3: 167".
1 العرامة بالفتح والعرام بالضم: الشراسة والأذى، عرم كنصر وضرب وكرم وعلم.
2 شئز: شديد مقلق.
3 العماس من الليالي: المظلم الشديد، وأمر لا يقام له ولا يهتدي لوجهه.
4 لا ينكش: لا ينزح، والغمار جمع غمر كشمس: وهو الماء الكثير، ونهنهه: كفه وزجره. وفي رواية العقد: "إنما قومي البحر ما ألقمته التقم". ورواية زهر الآداب: "إذا اصطفوا سفرت بينهم السهام، وإذا تصافحوا بالسيوف فغر فمه الحمام".
5 القر بتثليث القاف: البرد.
6 جمع ريح كرياح.
7 ريح الشمال أو بردها.
8 جمع مترعة: وهي المملوءة.