الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصايا المنصور لابنه المهدي:
32-
وصية له:
قال المنصور لابنه المهدي: "يا بني لا تبرم أمرًا حتى تفكر فيه، فإن فكرة العاقل مرآته، تريه حسناته وسيئاته. واعلم أن الخليفة لا يصلحه إلا التقوى، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة، والرعية لا يصلحها إلا العدل، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلًا من ظلم من هو دونه".
"نهاية الأرب 6: 41، والعقد الفريد 1: 14".
33-
وصية أخرى له:
ووصاه فقال له: "إني لم أدع شيئًا إلا قد تقدمت إليك فيه، وسأوصيك بخصال والله ما أظنك تفعل واحدة منها -وكان له سفط فيه دفاتر علمه، وعليه قفل لا يأمن على فتحه ومفتاحه أحدًا، يصر مفتاحه في كم قميصه- فقال للمهدي: انظر هذا السفط فاحتفظ به، فإن فيه علم آبائك ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، فإن أحزنك أمر فانظر في الدفتر الأكبر، فإن أصبت فيه ما تريد، وإلا فالثاني والثالث حتى بلغ سبعة، فإن ثقل عليك فالكراسة الصغيرة، فإنك واجد فيها ما تريد، وما أظنك تفعل، وانظر هذه المدينة فإياك أن تستبدل بها، فإنها بيتك وعزك، وقد جمعت لك فيها من الأموال، ما إن كسر عليك الخراج عشر سنين، كان عندك كفاية لأرزاق الجند والنفقات، وعطاء الذرية، مصلحة الثغور، فاحتفظ بها فإنك لا تزال عزيزًا ما دام
بيت مالك عامرًا، وما أظنك تفعل. وأوصيك بأهل بيتك، أن تظهر كرامتهم وتقدمهم، وتكثر الإحسان إليهم، وتعظم أمرهم، وتوطئ الناس أعقابهم، وتوليهم المنابر، فإن عزك عزهم، وذكرهم لك، وما أظنك تفعل، وانظر مواليك فأحسن إليهم وقربهم، واستكثر منهم، فإنهم مادتك لشدة إن نزلت بك، وما أظنك تفعل. وأوصيك بأهل خراسان خيرًا، فإنهم أنصارك وشيعتك الذين بذلوا أموالهم في دولتك، ودماءهم دونك، ومن لا تخرج محبتك من قلوبهم، أن تحسن إليهم، وتتجاوز عن مسيئهم، وتكافئهم على ما كان منهم، وتخلف من مات منهم في أهله وولده، وما أظنك تفعل، وإياك أن تبني مدينة الشرقية، فإنك لا تتم بناءها، وما أظنك تفعل، وإياك أن تستعين برجل من بني سليم، وأظنك ستفعل، وإياك أن تدخل النساء في مشورتك في أمرك، وأظنك ستفعل". "تاريخ الطبري: 9: 319".
34-
وصية أخرى له:
ووصى المهدي أيضًا، فقال: "اتق الله فيما أعهد إليك من أمور المسلمين بعدي، يجعل لك فيما كربك وحزنك مخرجًا، ويرزقك السلامة وحسن العاقبة من حيث لا تحتسب، احفظ يا بني محمدًا صلى الله عليه وسلم في أمته، يحفظ الله عليك أمورك، وإياك والدم الحرام، فإنه حوب1 عند الله عظيم، وعار في الدنيا لازم مقيم، والزم الحلال، فإن فيه ثوابك في الآجل، وصلاحك في العاجل، وأقم الحدود، ولا تعتد فيها فتبور2، فإن الله لو علم أن شيئًا أصلح لدينه، وأزجر عن معاصيه من الحدود، لأمر به في كتابه، واعلم أنه من شدة غضب الله لسلطانه أمر في كتابه بتضعيف العذاب والعقاب على من سعى في الأرض فسادًا، مع ما ذخر له عنده من العذاب العظيم، فقال:
1 الإثم.
2 تهلك.
{ِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ، فالسلطان يا بني حبل الله المتين، وعروته الوثقى، ودين الله القيم، فاحفظه وحطه، وحصنه وذب عنه، وأوقع بالملحدين فيه، واقمع المارقين منه، واقتل الخارجين عنه بالعقاب لهم، والمثلات1 بهم، ولا تجاوز ما أمر الله به في محكم القرآن، واحكم بالعدل ولا تشطط، فإن ذلك أقطع للشغب، وأحسم للعدو، وأنجع في الدواء، وعف عن الفيء، فليس بك إليه حاجة مع ما أخلفه لك، وافتتح عملك بصلة الرحم وبر القرابة، وإياك والأثرة، والتبذير لأموال الرعية، واشحن2 الثغور، واضبط الأطراف، وأمن السبل وخص الواسطة3 ووسع المعاش، وسكن العامة، وأدخل المرافق عليهم، واصرف المكاره عنهم وأعدل الأموال واخزنها. وإياك والتبذير، فإن النوائب غير مأمونة، والحوادث غير مضمونة، وهي من شيم الزمان، وأعد الرجال والكراع4 والجند ما استطعت. وإياك وتأخير عمل اليوم إلى غد، فتتدارك عليك الأمور وتضيع، جد في إحكام الأمور النازلات لأوقاتها أولًا فأولًا، واجتهد وشمر فيها، وأعدد رجالًا بالليل لمعرفة ما يكون بالنهار، ورجالًا بالنهار لمعرفة ما يكون بالليل، وباشر الأمور بنفسك ولا تضجر، ولا تكسل، ولا تفشل، واستعمل حسن الظن بربك، وأسئ الظن بعمالك وكتابك، وخذ نفسك بالتيقظ، وتفقد من يبيت على بابك، وسهل إذنك للناس، وانظر في أمر النزاع إليك، ووكل بهم عينا غير نائمة، ونفسا غير لاهية، ولا تنم فإن أباك لم ينم منذ ولي الخلافة، ولا دخل عينه غمض إلا وقلبه مستيقظ، هذه وصيتي إليك، والله خليفتي عليك". "تاريخ الطبري 9: 320".
1 جمع مثلة: وهي العقوبة.
2 أي املأها بالمدافعة.
3 المتوسطة.
4 الكراع: اسم مجمع الخيل.