الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكم جميل العَوائِد، صِلَوا رَحِم الكلمة1 وَاسُوا بأنفسكم وأموالكم تلك الطوائف المسلمة، كتاب الله بين أيديكم، وأَلْسِنَة الآيات تُنَادِيكم، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمة فيكم، والله سبحانه يقول فيه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ} ، ومما صحَّ عنه قوله:"ومن اغبَرَّت قدماه في سبيل الله حرَّمهما الله على النار""لا يجتمع غبار في سبيل الله ودُخان جهنم"، "من جهَّز غازيا في سبيل الله فقد غزا" أدركوا رَمَق الدين قبل أن يفوت، وبادروا عليل الإسلام قبل أن يموت، احفظوا وجوهكم مع الله تعالى يوم يسألكم عن عباده، جاهدوا في الله بالألسن والأقوال حقَّ جهاده:
ماذا يكون جوابكم لنَبِيِّكُمْ
…
وطريق هذا العذر غير مُمَهَّد
إن قال: لم فرَّطْتُمُوه في أمتي
…
وتركتموهم للعدوِّ المعتدي؟
تالله لو أن العقوبة لم تُخفْ
…
لكفى الحيا من وجه ذاك السيِّد
اللهم اعطف علينا قلوب العباد، اللهم بُثَّ لنا الحمية في البلاد، اللهم دافع عن الحريم والضعيف والأولاد، اللهم انصرنا على أعدائك، بأحبابك وأوليائك، يا خير الناصرين، اللهم أفرغ علينا صبرًا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
"نفح الطيب 4: 3".
1 أي كلمة التوحيد.
ما خطب به لسان الدين تربة السلطان الكبير أبي الحسن المريني
…
16-
ما خاطب به لسان الدين تربة السلطان الكبير أبي الحسن المريني:
وخاطب لسان الدين بن الخطيب تربة السلطان الكبير أبي الحسن المَرِيني لما قصدها عَقِبَ ما شرع في جواره، فقال: "السلام عليك ثم السلام، أيها المَوْلَى الهُمَام، الذي عرف فضله الإسلامُ، وأوجَبَت حقَّه العلماء الأعلام، وخَفَقَت بعزِّ نصره الأعلام، وتنافست في إنقاذ أمره
ونهيه السيوفُ والأقلامُ، السلام عليك أيها المَوْلَى الذي قَسَّم زمانه بين حُكْمٍ فَصْلٍ وإمضاء نصل، وإحراز خصل1، وعبادة قامت من اليقين على أصل، السلام عليك يا مقرِّر الصدقات الجارية، ومُشْبِع البطون الجائعة، وكاسي الظهور العارية، وقادح زناد العزائم الوارية، ومكتِّب الكتائب الغازية في سبيل الله تعالى والسرايا2 السارية، السلام عليك يا حجة الصبر والتسليم، ومتلقى أمر الله تعالى بالخلق المرضي والقلب السليم، ومفوض الأمر في الشدائد إلى السميع العليم، ومعمل البنان الطاهر في اكتتاب الذكر الحكيم، كرم الله تعالى تربتك وقدسها، وطيب روحك الزكية وآنسها، فلقد كنت للدهر جمالا، وللإسلام ثِمَالا3، وللمستجير مجيرا، وللمظلوم وليا ونصيرا، لقد كنت للمحارب صدرا، وفي المواكب بدرا، وللمواهب بحرا، وعلى العباد والبلاد ظِلًّا ظليلا وسِتْرا، لقد فَرَعَت4 أعلام عزك الثنايا، وأجزلت همتك لملوك الأرض الهدايا، كأنك لم تعرض الجنود، ولم تنشر البنود5، ولم تبسط العدل المحدود، ولم توجد الجود، ولم تزين الركَّع السجود، فتوسَّدت الثرى، وأطلت الكَرَى، وشربت الكأس التي يشربها الوَرَى، وأصبحت ضارع6 الخدِّ، كليل الحد، سالكا سنن الأب والجد، لم تجد بعد انصرام أجلك، إلا صالح عملك، ولا صحبت لقبرك إلا رابح تَجْرك7، وما أسلفت من رضاك وصبرك، فنسأل الله تعالى أن يُؤْنس اغترابك، ويجود بسحاب الرحمة ترابك، وينفعك بصدق اليقين، ويجعلك من الأئمة المتقين، ويعلي درجتك في عليين8، ويجعلك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين.
1 الخصل: الغلبة في النضال.
2 السرايا: جمع سرية وهي من خمسة أنفس إلى ثلثمائة أو أربعمائة.
3 الثمال: الغياث الذي يقوم بأمر قومه.
4 فرعت: علت، والثنايا: جمع ثنية كهدية، وهي العقبة، أو الجبل، أو الطريقة فيه.
5 البنود جمع بند كشمس: وهو العلم الكبير.
6 ذليل.
7 تجر تجرًا وتجارة.
8 اسم لأعلى الجنة، أو هو كتاب جامع لأعمال الخير.
وَلْيَهْنِكَ أن صَبَّر الله تعالى ملككَ من بعدك، إلى نيِّر سعدك، وبارق رَعْدك، ومنجز وعدك، أرضى ولدك، وريحانة خَلَدك1، وشِقَّة2 نفسك، والسَّرحة المباركة من غَرْسك، ونور شمسك، وموصِّل عملك البَرّ إلى رَمْسِك، فقد ظهر عليه أثر دعواتك في خَلَواتك، وأعقاب صلواتك، فَكَلِمَتُك -والمنَّة لله تعالى- باقية، وحسنتك إلى محل القبول راقية، يَرْعَى بك الوسيلة، ويتمِّم مقاصِدَك الجميلة، أعانه الله تعالى ببركة رضاك على ما قَلَّده، وعَمَر بتقواه يومه وغده، وأبعد في السعد أَمَدَه، وأطْلَقَ بالخير يده، وجعل الملائكة أنصاره والأقدار عُدَدَه.
وإنني أيها المولى الكريم، البر الرحيم، لما اشتراني، ورَاشَني3 وبَرَاني، وتعبَّدني بإحسانه، واستعمل في استخلاصي خَط بَنَانه، ووصيَّة لسانه، لم أجد مكافأة إلا التقرب إليك وإليه برِثائك، وإغرائك لساني بتخليد عَلْيَائك، وتعفير الوَجْنة في حَرَمك، والإشادة بعد الممات بمجدك وكرمك، ففتحت الباب في هذا الغرض، إلى القيام بحقك المفتَرض، الذي لولاه لاتصلت الغفلة عن أدائه وتمادت، فما يَبِسَت الألسن ولا كادت، متحيِّزا بالسبق، إلى أداء هذا الحق، بادئًا بزيارة قبرك الذي هو رحلة الغرب، ما نَوَيته من رحلة الشرق، وما أَعْرَضت عنه فأقطعه أثر مواقع الاستحسان وقد جمع بين الشكر والتنويه والإحسان، والله سبحانه يجعله عملًا مقبولًا، ويبلِّغ فيه من القبول مأمولًا، ويتغمَّد من ضاجعته من سلفك الكرام بالمغفرة الصيِّبة، والتحيات الطيِّبة، فَنَعِمَ الملوك الكبار، والخلفاء الأبرار، والأئمة الأخيار، الذين كَرُمَت منهم السِّيَر وحسنت الأخبار، وسَعِدَ بِعَزَماتهم الجِهادية المؤمنون وشقِي الكفار، وصلوات الله تعالى عودًا وبدءًا على الرسول الذي اصطفاه واختاره فهو المصطفى المختار، وعلى آله وأصحابه الذين هم السادة الأبرار، وسلم تسليما".
"نفح الطيب 4: 135".
1 الخلد: النفس والقلب.
2 الشقة: نصف الشيء إذا شق والسرحة: الشجرة العظيمة.
3 راش السهم: ألزق عليه الريش، وراش الصديق: أطعمه وسقاه وكساه وأصلح حاله.