الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذين لهم دالَّة محمولة. وماتَّة مقبولة. ووسيلة معروفة. وحقوق واجبة. لأنهم أيدي دولته. وسيوف دعوته. وأنصار حقه. وأعوان عدله. فليس من شأن المهدي الاضطغان عليهم. ولا المؤاخذة لهم. ولا التوعُّر1 بهم. ولا المكافأة بإساءتهم. لأن مبادرة حسم الأمور ضعيفة قبل أن تقوى، ومحاولة قطع الأصول ضئيلةً قبل أن تغلُظ، أحزمُ في الرأي وأصح في التدبير من التأخير لها والتهاون بها حتى يلتئم قليلها بكثيرها، وتجتمع أطرافها إلى جمهورها".
قال المهدي: "ما زال هارون يقع وَقْعَ الحَيَا2 حتى خرج خروج القَدَح من الماء وانسلَّ انسلال السيف فيما ادّعى فدعوا ما سبق موسى فيه أنه هو الرأي، وثنَّى بعده هارون، ولكن مَنْ لِأَعنّة الخيل وسياسة الحرب وقيادة الناس إن أمعن بهم اللِّجاج وأَفْرَطَتْ بهم الدَّالَّة".
1 توعر الرجل: تشدد.
2 المطر.
63-
مقال صالح بن عليّ
1:
قال صالح: "لسنا نبلغ أيها المهدي بدوام البحث وطول الفِكْر أدنى فِرَاسة رأيك وبعض لَحَظَات نظرك، وليس ينفضّ عنك من بيوتات العرب ورجالات العجم، ذو دين فاضل ورأي كامل، وتدبير قوي، تقلِّده حربك، وتستودعه جندَك، ممن يحتمل الأمانة العظيمة ويَضْطَلع بالأعباء الثقيلة وأنت بحمد الله ميمون النَّقيبة2، مبارك العزيمة، مَخْبور التجارب، محمود العواقب معصوم العزم، فليس يقع اختيارك ولا يقف نظرك على أحد تُوليه أمرك، وتُسند إليه ثَغْرك، إلا أراك الله ما تحب، وجمع لك منه ما تريد". قال المهدي: "إني لأرجو ذلك لقديم عادة الله فيه وحسن معونته عليه ولكن أحب الموافقة على الرأي، والاعتبار للمشاورة في الأمر المُهِمَّ".
1 هو صالح بن علي بن عبد الله بن عباس.
2 النفس والطبيعة.
63-
مقال محمد بن الليث:
قال محمد بن الليث:
"أهل خراسان أيها المهدي قوم ذوو عزة ومنعة، وشياطين خَدَعة، زروع الحمية فيهم نابتة، وملابس الأَنَفة عليهم ظاهرة، فالرويَّة عنهم عازبة والعجلة فيهم حاضرة، تسبق سيولهم مطرهم، وسيوفهم عَذْلهم، لأنهم بين سِفْلة. لا يعدو مبلغ عقولهم منظر عيونهم، وبين رؤساء لا يُلْجَمُون إلا بشدة ولا يُفْطَمُون إلا بالمُرِّ، وإن ولَّى المهدي عليهم وضيعًا لم تَنْقَد له العظماء، وإن ولَّى أمرهم شريفا تحامل على الضعفاء وإن أخر المهدي أمرهم، ودافع حربهم، حتى يصيب لنفسه من حشمه ومواليه أو بني عمه أو بني أبيه ناصحا، يتفق عليه أمرهم، وثقة تجتمع له أملاؤهم1 بلا أَنَفة تَلْزَمهم. ولا حمية تدخُلهم، ولا مصيبة تنفِّرهم، تنفَّست الأيام بهم، وتراخت الحال بأمرهم. فدخل بذلك من الفساد الكبير، والضياع العظيم، ما لا يتلافاه صاحب هذه الصفة وإن جَدَّ، ولا يستصلحه وإن جهد، إلا بعد دهر طويل، وشر كبير، وليس المهدي -وفقه الله- فاطما عاداتهم، ولا قارعًا صَفَاتهم2، بمثل أحد رجلين لا ثالث لهما، ولا عِدْل3 في ذلك بهما، أحدهما لسان ناطق موصول بسمعك، ويد مُمَثِّلة لعينك، وصخرة لا تُزَعْزَع، وبُهْمَة4 لا تُثْنَى، وبازل5 لا يفزعه صوت الجُلجُل، نقيّ العرض، نزيه النفس، جليل الخطر6 اتَّضعت الدنيا عن قدره، وسما نحو الآخرة
1 جمع ملأ كسبب: وهو الجماعة.
2 الصفاة: الحجر الصلد الضخم.
3 العدل: النظير.
4 البهمة: الصخرة، والشجاع الذي لا يهتدي من أين يؤتى.
5 البازل: الجمل في السنة التاسعة، والرجل الكامل في تجربته.
6 القدر.
بهمَّته، وجعل الغرض الأقصى لعينه نصبًا، والغرض الأدنى لقدمه موطئًا، فليس يقبل عملًا، ولا يتعدى أملًا، وهو رأس مواليك، وأنصح بني أبيك، رجل قد غُذِّي بلطيف كرامتك، ونبت في ظل دولتك، ونشأ على قوائم أدبك، فإن قلدته أمرهم وحمَّلته ثقلهم، وأسندت إليه ثغرهم، كان قُفْلًا فتحه أمرك، وبابًا أغلقه نَهْيُك. فجعل العدل عليه وعليهم أميرًا، والإنصاف بينه وبينهم حاكمًا، وإذا أحكم المَنْصَفة. وملك المَعْدَلة، فأعطاهم ما لهم، وأخذ منهم ما عليهم، غرس لك في الذي بين صدورهم وأسكن لك في السُّوَيْدَاء، داخل قلوبهم، طاعة راسخة العروق، باسقة الفروع، متماثلة في الحواشي عوامِّهم، متمكنة من قلوب خواصهم، فلا يبقى فيهم ريب إلا نفوه ولا يلزمهم حق إلا أدَّوه، وهذا أحدهما، والآخر عُودٌ من غَيْضَتك1، ونَبْعة من أرومتك، فَتِيّ السن، كَهْلَ الحلم، راجح العقل، محمود الصرامة، مأمون الخلاف. يجرِّد فيهم سيفه، ويبسط عليهم خيره، بقدر ما يستحقون، وعلى حسب ما يستوجبون وهو فلان أيها المهدي، فسلِّطه -أعزك الله- عليهم، ووجِّهه بالجيوش إليهم، ولا تمنَعْك ضراعة2 سِنِّة، وحداثة مولده، فإن الحلم والثقة مع الحداثة، خير من الشك والجهل مع الكهولة، وإنما أحداثكم أهل البيت فيما طبعكم الله عليه، واختصكم به من مكارم الأخلاق، ومحامد الفعال، ومحاسن الأمور، وصواب التدبير، وصرامة الأنفس، كفِراخِ عِتاق الطير، المحكمة لأخذ الصيد بلا تدريب، والعارفة لوجوه النَّفْع بلا تأديب. فالحلم والعلم، والعزم والحزم، والجود والتُّؤَدة، والرفق، ثابت في صدوركم، مزروع في قلوبكم، مستَحْكِم لكم، متكامل عندكم بطبائع لازمة، وغرائز ثابتة".
1 الغيضة: الأجمة ومجمع الشجر في مغيض ماء.
2 المراد حداثة.