الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحروب لا تدبَّر بالاغترار، والثقة أن تحترز، ولا تقل: المحارب لي طاهر، فالشرارة الخفيَّة ربما صارت ضِرَامًا1، والثُّلْمة من السيل ربما اغْتُرَّ بها وتُهُوِّن، فصارت بحرًا عظيمًا، وقد قربت عساكرنا من طاهر، فلو كان رأيه الهرب لم يتأخر إلى يومه هذا".
قال: اسكت، فإن طاهرًا، ليس في هذا الموضع الذي ترى، وإنما يتحفظ الرجال إذا لقيت أقرانها، وتستعدّ إذا كان المناوي2 لها أكفاءَها ونظراءها".
"تاريخ الطبري 10: 150، ومروج الذهب 2: 299".
1 الضرام: اشتعال النار في الحلفاء وغيرها، ودقاق الحطب الذي يسرع اشتعال النار فيه.
2 المعادي.
98-
حزم طاهر وقوة عزمه:
وعسكر طاهر على خمسة فراسخ من الرّيِّ، وأتاه محمد بن العلاء، فقال:"أيها الأمير، إن جندك قد هابوا هذا الجيش، وامتلأت قلوبهم خوفًا ورعبًا منه1، فلو أقمت بمكانك، ودافعت القتال إلى أن يشامَّهم2 أصحابُك، ويأنسوا بهم، ويعرفوا وجه المأخذ في قتالهم"، فقال:
"لا، إني أوتَى من قِلَّة تجربة وحزم، إن أصحابي قليل، والقوم عظيم سوادهم، كثير عددهم، فإن دافعت القتال، وأخَّرت المناجزة، لم آمَنْ أن يطَّلعوا على قلَّتنا وعورتنا، وأن يستميلوا من معي برغبة أو رهبة، فينفر عن أكثر أصحابي، ويخذُلني أهل الحفاظ والصبر، ولكن أُلْفّ الرجال بالرجال، وأُلْحِم3 الخيل بالخيل، وأعتمد على الطاعة والوفاء، وأصبر صبر محتسب للخير، حريص على الفوز بفضل الشهادة، فإن
1 وكانت عدة عسكر ابن ماهان خمسين ألفًا، وذكر بعض أهل بغداد أنهم لم يروا عسكر كان أكثره رجالًا وأفره كراعًا، وأظهر سلاحًا، وأتم عدة، وأكمل هيئة من عسكره، وروى أن طاهر كان في أقل من أربعة آلاف.
2 شاما وتشاما: شم أحدهما الآخر، والمعنى اقتربا.
3 أي أقرن الخيل بالخيل، من قولهم: ألحمت الحرب فالتحمت، والملحم بضم الميم وفتح الحاء: الملصق بالقوم، ولا حم الشيء بالشيء: ألصقه به.