الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلما أرادت الرجوع إلى أهلها وقفت على قبره فقالت:
أي بني: إني قد تزوَّدت لسفري، فليت شِعْرِي، ما زادُك لِبُعد طريقك، ويوم مَعادِك! اللهم إني أسألك له الرِّضا برضاي عنه، ثم قالت:
استودعتك من استودعنيك في أحشائي جنينا، وَاثُكْلَ الوالدات! ما أَمَضَّ1 حرارةَ قلوبهن، وأقْلَقَ مضاجعَهُن، وأطول ليلَهُنَّ، وأقصر نَهَارَهُنَّ، وأقل أُنْسَهُنَّ، وأشد وَحْشَتَهُنَّ، وأبعدهنَّ من السرور، وأَقْرَبَهُنَّ من الأحزان". فلم تزل تقول هذا ونحوه، حتى أبكت كل من سَمِعَها، وحَمِدت الله عز وجل، واسترْجَعَت وصلَّت ركعات عند قبره وانطلقت. "زهر الآداب 2: 7".
1 مضة الشيء: بلغ من قلبه الحزن به كأمضه.
57-
حديث امرأة سكنت البادية قريبًا من قبور أهلها:
وروى أبو علي القالي: عن عبد الرحمن عن عمه قال:
"دفعت يومًا في تلمسي بالبادية على وادٍ خَلَاء لا أَنِيسَ به إلا بَيتٌ مُعْتَنِزٌ1، بِفَنَائِهِ أَعْنُزٌ، وقد ظَمِئْتُ فَيَمَّمْته، فسلَّمت فإذا عجوز قد برزت، كأنها نعامة راخم2، فقلت: هل من ماء؟ فقالت: أو لبن، فقلت: ما كانت بُغْيَتِي إلا الماء، فإذا يَسَّرَ الله اللبن فإني إليه فقير، فقامت إلى قُعْب3 فأفرغت فيه ماء، ونظَّفَت عَسْلَه، ثم جاءت إلى الأعنُز، فتغبَّرَتْهُن4 حتى احتلبت قُرَابَ5 مِلْء القَعْب، ثم أفرغت عليه ماء حتى رغا وَطَفَتْ ثُمَالَته6، كأنها غَمَامة بيضاء، ثم ناولتني إياه، فشربت حتى تحبَّبْت7 ريًّا واطمأنَنْت، فقلت:
1 منفرد.
2 الراخم: التي تحضن بيضها، أرخمت الدجاجة على بيضها ورخمته، ورخمت عليه فهي مرخم وراخم.
3 القعب: قدح إلى الصغر، ويشبه به الحافر.
4 أي احتلبت الغير "كقفل": وهي بقية اللبن في الضرع، وجمعه أغبار.
5 قراب وقريب واحد، مثل كبار وكبير وجسام وجسيم.
6 الثمالة: الرغوة "وهي مثلثة الراء".
7 امتلأت.