الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتى كان يحميه عن الذل سيفه
…
ويكفيه سوءات الأمور اجتنابها
ثم التفت إلى الربيع، فقال له:"قل لصاحبك قد مضى من بؤسنا مدة، ومن نعيمك مثلها، والموعد الله تعالى" قال الربيع: فما رأيت المنصور قط أكثر انكسارًا منه حين أبلغته الرسالة.
"زهر الآداب 1: 95".
38-
امرأة محمد بن عبد الله والمنصور:
ولما قتل المنصور محمد بن عبد الله، اعترضته امرأة معها صبيان، فقالت:
"يا أمير المؤمنين، أنا امرأة محمد بن عبد الله، وهذان ابناه، أيتمهما سيفك، وأضرعهما1 خوفك، فناشدتك الله يا أمير المؤمنين أن تصعر لهما خدك، فينأى عنهما رفدك، أو لتعطفك عليهما شوابك النسب، وأواصر2 الرحم".
فالتفت إلى الربيع، فقال: اردد عليهما ضياع أبيهما، ثم قال: كذا والله أحب أن تكون نساء بني هاشم.
"زهر الآداب 1: 96".
1أذلهما.
2 أواصر جمع آصرة، والآصرة: حبل صغير يشد به أسفل الخباء "وهي أيضًا الرحم والقرابة".
39-
جعفر الصادق والمنصور:
وكان أهل المدينة لما ظهر محمد بن عبد الله، أجمعوا على حرب المنصور ونصر محمد، فلما ظفر المنصور أحضر جعفرًا الصادق1 بن محمد الباقر، فقال له: قد رأيت إطباق أهل المدينة على حربي، وقد رأيت أن أبعث إليهم من يعور2 ويجمر3 نخلهم، فقال له جعفر: "يا أمير المؤمنين، إن سليمان أعطى فشكر، وإن أيوب ابتلي فصبر،
1 هو أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين عليه السلام وتوفى سنة 148هـ.
2 في الأصل "ينور" وأراه محرفًا، وقد أصلحته. "يعور" يقال: عور البئر أي طمها وسد عيونها التي ينبع منها الماء.
3 جمر النخل: قطع جماره.
وإن يوسف قدر فغفر، فاقتد بأيهم شئت، وقد جعلك الله من نسل الذين يعفون ويصفحون"، فقال أبو جعفر: إن أحدًا لا يعلمنا الحلم، ولا يعرفنا العلم، وإنما قلت هممت، ولم ترني فعلت، وإنك لتعلم أن قدرتي عليهم تمنعني من الإساءة إليهم".
"زهر الآداب 1: 96".
وروى صاحب العقد قال:
لما حج المنصور مر بالمدينة، فقال للربيع الحاجب: عليَّ بجعفر بن محمد، قتلني الله إن لم أقتله، فمطل به، ثم ألح عليه، فحضر فلما كشف الستر بينه وبينه، ومثل بين يديه، همس جعفر بشفتيه، ثم تقرب وسلم، فقال:"لا سلم الله عليك يا عدو الله، تعمل على الغوائل في ملكي؟ قتلني الله إن لم أقتلك". قال: "يا أمير المؤمنين، إن سليمان صلى الله على محمد وعليه أعطي فشكر، وإن أيوب ابتلي فصبر، وإن يوسف ظلم فغفر، وأنت على إرث منهم، وأحق من تأسى بهم"، فنكس أبو جعفر رأسه مليًّا وجعفر واقف، ثم رفع رأسه، وقال:"إلي أبا عبد الله فأنت القريب القرابة، وذو الرحم الواشجة1، السليم الناحية، القليل الغائلة"، ثم صافحه بيمينه، وعانقه بشماله، وأجلسه معه على فراشه، وانحرف له عن بعضه، وأقبل عليه بوجهه يحادثه ويسائله، ثم قال: يا ربيع، عجل لأبي عبد الله كسوته وجائزته وإذنه. "العقد الفريد 1: 145".
1 القريبة: المشتبكة.