الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واسع. ليس موصوفًا بهوًى في سواك، ولا متهمًا في أثرة عليك، ولا ظنينًا1 على دخله2 مكروهة. ولا منسوبًا إلى بدعة محذورة. فيقدح في ملكك، ويريض3 الأمور لغيرك، ثم تستند إليه أمورهم. وتفوض إليه حربهم، وتأمره في عهدك ووصيتك إياه. بلزوم أمرك ما لزمه الحزم. وخلاف نهيك إذا خالفه الرأي، عند استحالة الأمور، واشتداد الأحوال التي ينقض أمر الغائب عنها، ويثبت رأي الشاهد لها، فإنه إذا فعل ذلك، فواثب أمرهم من قريب، وسقط عنه ما يأتي من بعيد، تمت الحيلة، وقويت المكيدة. ونفذ العمل. وأحد النظر إن شاء الله".
1 متهمًا.
2 دخله الرجل مثلثة، ودخيلته: نيته ومذهبه.
3 في كتب اللغة: راضه وروضه: ذله، وأراض الأرض جعلها رياضًا.
57-
مقال الفضل بن العباس:
قال الفضل بن العباس:
"أيها المهدي: إن ولي الأمور، وسائس الحروب، ربما نحى جنوده، وفرق أمواله في غير ما ضيق أمر حزبه1، ولا ضغطه حال اضطرته، فيقعد عند الحاجة إليها، وبعد التفرقة لها، عديمًا منها. فاقدًا لها. لا يثق بقوة، ولا يصول بعدة، ولا يفزع إلى ثقة. فالرأي لك أيها المهدي وفقك الله، أن تعفي خزائنك من الإنفاق للأموال، وجنودك من مكابدة الأسفار، ومقارعة الأخطار، وتغرير القتال، ولا تسرع للقوم في الإجابة إلى ما يطلبون، والعطاء لما يسألون، فيفسد عليك أدبهم، وتجرئ من رعيتك غيرهم، ولكن اغزهم بالحيلة، وقاتلهم بالمكيدة، وصارعهم باللين، وخاتلهم2 بالرفق، وأبرق3 لهم بالقول، وأرعد نحوهم بالفعل، وابعث البعوث،
1 اشتد عليه.
2 خادعهم.
3 رعد وبرق، وأرعد وأبرق: تهدد وتوعد.
وجنِّد الجنود، وكتِّب الكتائب، واعقد الألويةَ، وانصِب الرَّايات، وأظهِر أنك مُوَجِّهٌ إليهم الجيوشَ مع أحْنَقِ قُوَّادك عليهم، وأسوَئِهم أثرًا فيهم، ثم ادْسُس الرسل، وابثُث الكتب، وضع بعضهم على طمعٍ من وعدك، وبعضًا على خوف من وعيدك، وأوقِد بذلك وأشباهه نيرَانَ التحاسد فيهم، واغرِس أشجار التنافس بينهم، حتى تُملأ القلوبُ من الوَحْشة، وتنطوي الصدور على البِِغْضة، ويدخل كلًا من كلٍّ الحذرُ والهيبة، فإن مَرَامَ الظفَر بالغِيلة، والقتالَ بالحَيلة، والمناصبة1 بالكتب، والمكايَدة بالرسل، والمقارَعَة بالكلام اللطيف المَدْخَل في القلوب، القويِّ المَوْقِع من النفوس، المعقود بالحجج، الموصول بالحِيَل، المبني على اللين الذي يستميل القلوب، ويسترقُّ العقول والآراء، ويستميلُ الأهواء، ويستدعي المُواتاة2، أنفذُ من القتال بظبُات السيوف، وأسنَّة الرماح، كما أن الوالي الذي يستنزل طاعة رعيته بالحِيَل. ويفرِّق كلمة عدوِّه بالمكايَدَة، أحكَمُ عملًا، وألطف منظرًا، وأحسن سياسة من الذي لا ينال ذلك إلا بالقتال، والإتلاف للأموال. والتغرير والخِطار3. ولِيَعْلم المهدي أنه إن وَجَّه لقتالهم رجلًا لم يَسِر لقتالهم إلا بجنود كثيفة، تخرج من حال شديدة، وتُقْدِمُ على أسفارٍ ضيقة، وأموال متفرقة، وقود غَشَشَة، إن ائتمنهم استنفذوا ماله، وإن استنصحهم كانوا عليه لا له".
قال المهدي: "هذا رأي قد أسفر نُوره، وأبرق ضوءه، وتمثَّل صوابُهُ للعيون، ويجسد حقه في القلوب، ولكن فوق كل ذي علم عليم"، ثم نظر إلى ابنه عليٍّ، فقال: ما تقول؟
1 ناصبه الحرب والعداوة: أقامها.
2 الموافقة.
3 المخاطرة.