الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في المحارم، إذا ذكروا بالله لم يذكروا، وإذا قدموا بالحق أدبروا، فذلك زمانهم، وبذلك كان يعمل شيطانهم1". "العقد الفريد: 2: 301".
1 فقر هذه الخطبة مروية في خطبة أبي مسلم الخراساني الآتية بعدها، ولكني آثرت إيراد الروايتين جميعًا كما وردتا.
15-
خطبة أبي مسلم الخراساني:
وروى ابن أبي الحديد قال: وخطب أبو مسلم بالمدينة في السنة التي حج فيها في خلافة السفاح1، فقال:
"الحمد لله الذي حمد نفسه، واختار الإسلام دينًا لعباده، ثم أوحى إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وآله من ذلك ما أوحى، واختاره من خلقه، نفسه من أنفسهم، وبيته من بيوتهم، ثم أنزل عليه في كتابه الناطق الذي حفظه بعلمه، وأشهد ملائكته على حقه، قوله:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} ، ثم جعل الحق بعد محمد صلى الله عليه وآله في أهل بيته، فصبر من صبر منهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله على اللأواء2 والشدة، وأغضى على الاستبداد والأثرة، ثم إن قومًا من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله، جاهدوا على ملة نبيه وسنته بعد عصر من الزمان، من عمل بطاعة الشيطان، وعداوة الرحمن، بين ظهراني قوم آثروا العاجل على الآجل، والفاني على الباقي، إن رتق جور فتقوه، أو فتق حق رتقوه، أهل خمور وماخور، وطنابير3 ومزامير، إن ذكروا لم يذكروا، أو قدموا إلى الحق أدبروا وجعلوا الصدقات، في الشبهات، والمغانم في المحارم، والفيء في الغي، هكذا كان زمانهم، وبه كان يعمل سلطانهم، وزعموا أن غير آل محمد أولى بالأمر منهم، فلم وبم أيها الناس؟ ألكم الفضل بالصحابة، دون القرابة، الشركاء
1 وذلك في سنة 136هـ.
2 الشدة.
3 الطنابير: جمع طنبور كعصفور، وهو الذي يلعب به.
في النسب، والورثة في السلب1، مع ضربهم على الدين جاهلكم، إطعامهم في الجدب جائعكم، والله ما اخترتم من حيث اختار الله لنفسه ساعة قط، وما زلتم بعد نبيه تختارون تيميًّا مرة، وعدويًّا مرة، وأمويًّا مرة، وأسديًّا2 مرة، وسفيانيًّا مرة، ومروانيا مرة، حتى جاءكم من لا تعرفون اسمه ولا بيته3 يضربكم بسيفه، فأعطيتموها عنوةً، وأنتم صاغرون، ألا إن آل محمد أئمة الهدى، ومنار سبيل التقى، القادة الذادة السادة، بنو عم رسول الله عليه وسلم، ومنزل جبريل بالتنزيل، كم قصم الله
1 ما يسلب، والمراد ورثته في الخلافة.
2 هو عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد.
3 قال ابن أبي الحديد: "يعني نفسه؛ لأنه لم يكن معلوم النسب، وقد اختلف فيه أهو مولى أم عربي" وقال ابن خلكان في "وفيات الأعيان 1: 280" في ترجمته: "أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم وقيل عثمان الخراساني القائم بالدعوة العباسية، وقيل هو إبراهيم بن عثمان بن يسار بن سدوس بن جودرن من ولد بزر جمهر بن البختكان الفارسي، وقد اختلف الناس في نسبه، فقيل إنه من العرب، وقيل إنه من العجم، وقيل من الأكراد، وفي ذلك يقول أبو دلامة:
أبا مجرم ما غير الله نعمة
…
على عبده حتى يغيرها العبد
أفي دولة المنصور حاولت غدرة
…
ألا إن أهل الغدر آباؤك الكرد
وقال ابن طباطبا في الفخري ص123: "أما نسبه ففيه اختلاف كثير، فقيل: هو حر من ولد بزرجمهر، وأنه ولد بأصفهان، ونشأ بالكوفة، فاتصل بإبراهيم الإمام بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فغير اسمه وكناه بأبي مسلم، وثقفه وفقهه، حتى كان منه ما كان.
وقيل هو عبد تنقل في الرق، حتى وصل إلى إبراهيم الإمام، فلما رآه أعجبه سمته وعقله، فابتاعه من مولاه وثقفه وفهمه، وصار يرسله إلى شيعته وأصحاب دعوته بخراسان، وما زال على ذلك حتى كان من الأمر ما كان.
وأما هو فإنه لما قويت شوكته ادعى أنه ابن سليط بن عبد الله بن عباس، وكان لعبد الله بن عباس جارية فوقع عليها مرة، ثم اعتزلها مدة فاستنكحها عبدًا فوطئها، فولدت منه غلامًا سمته سليطًا، ثم ألصقته بعبد الله بن عباس، وأنكره عبد الله ولم يعترف به، ونشأ سليط، وهو أكره الخلق إلى عبد الله بن عباس، فلما مات عبد الله نازع سليط ورثته في ميراثه، وأعجب ذلك بني أمية ليغضوا سن علي بن عبد الله بن عباس، فأعانوه وأوصوا قاضي دمشق في الباطن، فمال إليه الحكم وحكم له بالميراث، فادعى أبو مسلم حين قويت شوكته أنه من ولد سليط هذا".
وذكر ابن خلكان أن المنصور قال له قبل قتله، وقد عدد له مساوئ وقعت عنه:"بزعم أنك ابن سليط بن عبد الله بن العباس! لقد ارتقيت لا أم لك مرتقى صعبًا! ".