الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
309 -
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ (1) السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم جَاءَتْهُ امْرأةٌ، فَقَالَتْ: إِنيِّ وَهَبْتُ نفسِي لَكَ، فَقَامَتْ طَوِيلًا، فَقَالَ رَجُل: يَا رَسُولَ اللَّه! زَوِّجْنيهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ، فَقَالَ (2):"هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا؟ "، فَقَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي هَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إِزَارُكَ إِنْ أَعْطَيْتَهَا، جَلَسْتَ وَلَا إِزَارَ لَكَ، فَالْتَمِسْ شَيْئًا"، قَالَ: مَا أَجِدُ (3)، فَالَ:"فَالْتَمِسْ (4) (5) وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ"، فَالْتَمَسَ، فَلَمْ يجِدْ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"زَوَّجْتكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ"(6).
(1) في "ز": "سعيد".
(2)
في "ز" زيادة: "له النبي صلى الله عليه وسلم".
(3)
في "ت" زيادة: "شيئًا".
(4)
في "خ" و"ز": "التمس".
(5)
في "ز" زيادة: "شيئًا".
(6)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (2186)، كتاب: الوكالة، باب: وكالة المرأة الإمامَ في النكاح، و (4741)، كتاب: فضائل القرآن، باب: خيركم من تعلم القرآن وعلمه، و (4742)، باب: القراءة عن ظهر القلب، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= و (4839)، كتاب: النكاح، باب: تزويج المعسر، و (4829)، باب: عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح، و (4833)، باب: قول اللَّه عز وجل: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235]، و (8439)، باب: إذا الولي هو الخاطب، و (4842)، باب: السلطان ولي، و (4847)، باب: إذا قال الخاطب للولي: زوجني فلانة، و (4854)، باب: التزويج على القرآن وبغير الصداق، و (4855)، باب: المهر بالعروض وخاتم من حديد، و (5533)، كتاب: اللباس، باب: خاتم الحديد، و (1698)، كتاب: التوحيد، باب:{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً} [الأنعام: 19]، ومسلم (1425/ 76، 77)، كتاب: النكاح، باب: الصداق، وجواز كونه تعليم قرآن، وخاتم حديد، وأبو داود (2111)، كتاب: النكاح، باب: في التزويج على العمل يعمل، والنسائي (3280)، كتاب: النكاح، باب: الكلام الذي ينعقد به النكاح، و (3339)، باب: التزويج على سور من القرآن، و (3359)، باب: هبة المرأة نفسها لرجل بغير صداق، والترمذي (1114)، كتاب: النكاح، باب:(23)، وابن ماجه (1889)، كتاب: النكاح، باب: صداق النساء.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (3/ 210)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 457)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (5/ 35)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 578)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 127)، و"شرح مسلم" للنووي (9/ 211)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 127)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1302)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 2787)، و"التوضيح" لابن الملقن (24/ 235)، و"فتح الباري" لابن حجر (9/ 191)، و"عمدة القاري" للعيني (12/ 140)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (8/ 53)، و"كشف اللثام" للسفاريني (5/ 382)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 114)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (6/ 27).
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: قولها: "وهبتُكَ نفسي": لابد من تقدير مضاف محذوفٍ؛ أي: أمرَ نفسي، أو شأنَ نفسي، ونحو ذلك.
فيه: دليل على عَرْض المرأةِ نفسَها على أهل الدين والصلاح، وسكوتُه عليه الصلاة والسلام تقرير لجواز هذه الهبة المختصّ بها عليه الصلاة والسلام؛ لقوله تعالى:{خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50]؛ كما تقدم، ولذلك قال له الرجل:"زوّجنيها إن لم يكنْ لكَ بها حاجةٌ"، ولم يقل: هَبْنيها؛ لما علم من اختصاصه عليه الصلاة والسلام بذلك، وقد نقل عن (1) الشافعي رضي الله عنه: أنه قال: في الحديث دليل على أن الهبة لا تدخل في ملك الموهوب إلا بالقبول؛ لأن الموهوبةَ كانت جائزةً للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد وهبتْ هذه له نفسَها، فلم تصر زوجةً له بذلك (2).
قلت: الذي (3) يظهر لي: أنه لا دليل في ذلك على اشتراط لفظ القبول؛ لأنا نقول: الهبةُ تصح بأحد أمرين: إما لفظ (4) القبول، أو
(1) في "ت": "من".
(2)
انظر: "المعلم" للمازري (2/ 148)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 578).
(3)
في "ت": "أنه".
(4)
"لفظ" ليس في "ز".
ما دلّ عليه من قرينة الحال؛ كالمعاطاة في البيع، وكلاهما (1) مفقود في الحديث، بل فهم منه عليه الصلاة والسلام ضدّ القبول، على ما سيأتي، فلذلك لم تَصِرْ له زوجةً (2) بلفظ الهبة، واللَّه أعلم.
وقد اختلف قولُ مالك في الواهبة نفسَها باسم النكاح على غير صداق إذا فات بالدخول، هل (3) يُفسخ أم لا؟
ع: ولا يختلف أنه يُفسخ قبل، على المعروف دون الشاذ: أنه كنكاح التفويض.
وقال ابن حبيب: إن عُني بالهبة غيرُ النكاح، ولم يُعْنَ بها هبة الصداق، فسخ قبلُ، وثبت بعد الدخول، ولها صداقُ المثل، وإن أراد به نكاحَها بغير صداق، فإن أصدَقَها ربعَ دينار فأكثرَ، لزم.
ع: ووهمه (4) بعضُ شيوخنا فيما قال، وذلك أن الواهبة نفسها بغير معنى النكاح سفاح يثبت فيه الحدُّ، وإنما الخلافُ فيما أُريد به النكاح.
قلت: وهذا الصوابُ إن شاء اللَّه تعالى.
قيل: وفي الحديث: دليل على جواز الخِطبة على الخِطبة ما لم يتراكَنا.
(1) في "ت": "كلًا منهما".
(2)
في "ز" و"ت": "زوجة له".
(3)
في "خ": "فهل".
(4)
في "خ" و"ز": "ووهم".
وقال الباجي: فيه: جوازُ ذلك إذا كان باستئذان الناكح؛ إذ هو حقُّه (1)(2). وهو -واللَّه أعلم- بَيِّنٌ عند التأمل؛ إذ لم يتقدم من النبي صلى الله عليه وسلم فيها خطبةٌ حتى يقال: خِطبة على خِطبةٍ، وليس في ذلك إلا مجردُ عرضِ المرأة نفسَها خاصّة، واللَّه أعلم، فليعلمْ ذلك.
الثاني: قوله: "فقامَتْ طويلًا": يجوز أن يكون (طويلًا) نعتًا لمصدر محذوف؛ أي: قامت (3) قيامًا طويلًا، أو لظرفٍ محذوف؛ أي: زمانًا طويلًا، وفيه رواية أخرى:"قيامًا (4) طويلًا"(5) ملفوظًا (6) به (7).
فيه: حُسنُ أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وأدابُه؛ إذ سكت عن جوابها إذْ لم يردْها، فلم يُخجلها (8) بأن يقول: لا حاجةَ لي فيك، ونحو ذلك.
وفيه -أيضًا-: من حُسن أدبها؛ إذْ لم تلحَّ عليه إذْ سكت عنها في الجواب، وتركه ونظره صلى الله عليه وسلم.
(1) في "ت": "حقيقة".
(2)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 578).
(3)
"قامت" ليس في "ت".
(4)
في "ت": "فأما".
(5)
تقدم تخريجه عند أبي داود برقم (2111)، والنسائي برقم (3359).
(6)
في "خ": "ملفوفًا".
(7)
"به" ليس في "ز" و"ت".
(8)
في "ت": "فيخجلها".
الثالث: إنما سأل الرجلُ (1) النبيَّ صلى الله عليه وسلم تزويجها (2) بعد أن قالتْ ما قالت؛ لما ظهر له من زهده عليه الصلاة والسلام فيها؛ بقرينة الحالِ الدالَّةِ (3) على ذلك، وهذا يؤيد (4) ما تقدم من كون الحديث ليس فيه دليلٌ على اشتراط لفظِ القبولِ في (5) الهبة؛ إذ لم يكن فيه ما يقوم مقامَ لفظِ القبول من القرائن الدالة عليه، على ما تقرر آنفًا.
الرابع: قوله عليه الصلاة والسلام: "هل معكَ شيءٌ تُصدقها" دليلٌ على وجوب الصداق، وتسميتِه في النكاح، ولا خلاف في ذلك من حيث الجملة، وإن كان قد اختُلف في أقلِّه على ما سيأتي.
الخامس: قوله عليه الصلاة والسلام: "إزارُك هذا إن أَعطيتها" إلى آخره: هو بضم الراء، مرفوعٌ على الابتداء، والجملةُ الشرطيةُ بعدَه (6) خبرُه (7)، والمفعولُ الثاني لـ (أعطى) محذوف، تقديره: أعطيتَها إياه، ولا خلافَ في جواز حذف أحدِ مفعولي (8) أَعْطى، أو
(1)"الرجل" ليس في "ت".
(2)
"تزويجها" ليس في "ت"
(3)
في "ت": "الدلالة".
(4)
في "خ": "يؤيده".
(5)
في "ت": "وفي".
(6)
في "ت": "بعد".
(7)
في "ز": "خبر".
(8)
في "ت": "مفعول" مكان "أحد مفعولي". وفي "ز": "المفعولي".
حذفِهما (1) جميعًا، قال اللَّه تعالى:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل: 5]، فحذف مفعولي (2) أعطى، وقال -تعالى- في حذف (3) أحد المفعولين:{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5]؛ أي: الشفاعةَ والمقامَ المحمودَ ونحوَ ذلك، ولا يجوز نصبُ (إزارك) على هذه الرواية، ويكون مفعولًا ثانيا لأعطى (4)؛ لحيلولة حرف الشرط بينهما.
وأما رواية: "إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِزَارَكَ"، فظاهرة.
والإزار: يذكَّر ويؤنَّث، ويقال: إِزَارَةٌ (5)، وجمع القلة فيه آزِرَةٌ، والكثير (6): أُزُر وأُزْرٌ؛ كحمار، وأَحْمِرَةٍ، وحُمُر، وحُمْر، والمِئْزَر: الإزار؛ كمِقْرَم وقِرام، يقال: أَزَّرْتُه، وتأزَّرَ (7) تأزيرًا، وائتزرَ إِزْرَةً (8) حسنةً -بكسر الهمزة-، وهي الهيئة؛ كالجِلْسَة والرِّكْبَة (9)(10).
(1) في "ز": "حذفها".
(2)
في "ت": "مفعول".
(3)
في "ت": "حذفه".
(4)
"لأعطى" ليس في "ت".
(5)
في "ت" زيادة: "أيضًا".
(6)
في "ز": "والكثرة".
(7)
في "ز": "فتأزر".
(8)
من قوله: "كحمار وأحمرة. . . " إلى هنا ليس في "ت".
(9)
"وهي الهيئة، كالجلسة والركبة" ليس في "ز".
(10)
انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 578)، (مادة: أزر).
وقوله عليه الصلاة والسلام: "جلستَ ولا إزارَ لك":
فيه: نظرُ الإمام في حالِ رعيته بالمصلحة، وإرشادُهم إلى المصالح، وهديُهم لما فيه الرفقُ بهم.
ع: وفيه: دليلٌ على أن إصداق المال يُخرجه عن ملك مالكِه، فمن أصدقَ جاريةً، حرمت عليه.
قال: وفيه: أن الأثمان المبيعات لا تصحُّ إلا بصحة تسليمِها وإمكانِه، فمتى (1) لم يكن كذلك، وامتنع، لم ينعقدْ فيه بيعٌ، وسواء كان امتناعُ ذلك حسيًا؛ كالطير في الهواء، والحوت في الماء، أو شرعيًا؛ كالمرهون (2)، ونحو ذلك، ومثلُ هذا لو زال (3) إزارُه انكشفَ (4)(5).
السادس: قوله عليه الصلاة والسلام "التمسْ شيئًا"، وقول السائل: لا أجد؛ دليلٌ على أنه لابد أن يكون الصداق مما له بالٌ، ويُسمَّى (6) مالًا، دون ما ينطلق عليه اسمُ شيء؛ إذ النواةُ، والخَزَفَةُ
(1) في "ت": "فهي".
(2)
في "ت": "كالرهون".
(3)
في "ت": "لزوال".
(4)
من قوله: "وقوله عليه السلام: "جلست ولا إزار لك. . . "" إلى هنا ليس في "ز".
(5)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 580).
(6)
في "ت": "وسمي".
المكسورةُ، وشبهُ ذلك يقعُ عليه (1) اسمُ شيء، وهو مما لا يتعذَّرُ وجودُه، وهم مجمِعون على أن (2) مثلَه لا يكون صداقًا، ولا يصحُّ به النكاح، قاله ع (3)(4).
السابع: قوله عليه الصلاة والسلام: "التمسْ (5) ولو خاتمًا من حديد": يروى بالنصب، وهو الأكثرُ على أن يكون خبرَ (كان) المحذوفة؛ أي: ولو كان الملتمَسُ خاتمًا من حديد، ويروى: بالرفع على تقدير: ولو حضرَ خاتم من حديد، و (لو) هنا هي التقليلية (6)، وقد وهم فيها بعضُ المتأخرين ممن تكلم على الحديث وهمًا شنيعًا.
والخاتمُ فيه أربعُ لغات: فتحُ التاء، وكسرُها، وخاتامٌ، وخَيْتامٌ، والجمعُ الخواتيم.
وأما خاتمةُ الشيء، فآخرُه ومنتهى أمرِه، ومحمد صلى الله عليه وسلم خَاتَمُ النبيين -بالفتح-: خَتَمَهم، فهو كالخاتَم والطابع لهم، وبالكسر: بمعنى أنه خَتْمُهم؛ أي: آخرُهم، وقد قرىء بهما في (7) قوله تعالى:
(1) في "خ": "عليهما". وفي "ت": "عليها".
(2)
"أن" ليس في "ت".
(3)
"ع" ليست في "ز".
(4)
المرجع السابق، (4/ 579).
(5)
في "ز" زيادة: "لها شيء".
(6)
في "ز": "للتعليل".
(7)
"في" ليست في "خ".
{وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40](1).
فيه: دليلٌ على جواز اتخاذِ خواتيمِ الحديد.
ع (2): وقد اختلف السلف والعلماء في ذلك، فأجازه بعضُهم؛ إذ لم يثبت النهيُ فيه، ومنعه آخرون، وقالوا (3):(4) كان هذا قبلَ النهي، وقولِ النبي صلى الله عليه وسلم فيه:"حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ".
قالوا: ومطالبتُه عليه الصلاة والسلام بذلك في الحال تدلُّ (5) أن من حكمه تعجيلَه، أو (6) تعجيلَ ما يصحُّ أن يكون صداقًا، ولو ساغَ تأخيرُ جميعِه، لسأله: هل يرجو (7) أن يكسبَ (8) شيئًا، أو يجد؟ فيزوجه على ذمته (9).
وهو مذهبنا؛ أعني: استحبابَ تعجيلِ الجميع، أو ربع دينار قبل الدخول، وإنما استُحِبَّ أن يكون ما تقدَّمَ (10) أقلَّ ما يُستباح به الفرجُ
(1) انظر: "الصحاح" للجوهري (5/ 1908)، (مادة: ختم).
(2)
قوله: "ختمهم، فهو كالخاتم. . . " إلى هنا ليس في "ز".
(3)
في "ز": "فقالوا".
(4)
في "ت" زيادة: "لو".
(5)
في "ز": "يدل".
(6)
في "ت": "و".
(7)
في "ت": "يترجوا".
(8)
في "ت": "يكتسب".
(9)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 580).
(10)
في "ت": "هدم".
عندنا؛ لأنه لو اقتصرَ في المهر على ذلك، لجاز.
وقد خرَّج العقيليُّ عن ابن عباس: أنه عليه الصلاة والسلام قال: "مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَلَا يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا"(1).
قال ابن شهاب: وذلك مما عمل به المسلمون، ورأوه حسنًا.
قال الأبهري: ولأن المهر نِحْلَةُ (2) البُضْع، فاستحبَّ أن يقدم ما يحلُّ به البضعُ، قال تعالى:{وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4].
قال العُزَيرِي: هبةً (3)؛ يعني: أن المهر هبة من اللَّه -تعالى- للنساء، وفريضة عليكم، ويقال: نحلة: ديانة (4)، وقال تعالى:{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29]، فقدَّم الصداق قبلَ البناءِ بأهله، ولهذا استحبَّ تقديم (5) جميعِ الصداق (6)، أو ما يُستحلُّ به الفرجُ، واللَّه أعلم.
فإن لم يفعل، جاز.
وقد تعلق (7) بهذا الحديث مَنْ أجازَ النكاح بأقلَّ من ربع
(1) رواه العقيلي في "الضعفاء"(3/ 340).
(2)
في "ز": "يحله به"، وفي "ت":"علته".
(3)
"هبة" ليس في "ز".
(4)
انظر: "غريب القرآن" لأبي بكر العزيري (ص: 477).
(5)
في "ت": "تقدم".
(6)
في "ت" زيادة: "ولا يحل".
(7)
في "ت": "يتعلق".
دينار، وهم الأكثرون (1)؛ لأنه خرج مخرج التقليل (2)، وقاسهُ مالكٌ رحمه الله على القطع في السرقة، فلم يجز النكاحَ بأقلَّ من ربع دينار.
ع: وهو مما انفرد به مالكٌ؛ التفاتًا إلى قوله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24]، وقوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} [النساء: 25]، فدلَّ (3) أن المراد: مالَهُ بالٌ من المال، وأقلُّه ما استُبيح به العضوُ (4) في السرقة، وهو ربعُ دينار.
وخالف في ذلك ابنُ وهب من أصحابنا، وأجازَ النكاحَ بكلِّ ما تراضَيا عليه، وإن كان دونَ درهمٍ؛ كما يقوله الأكثرون.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: أقلُّه عشرةُ دراهم.
وقال ابن شبرمة: أقلُّه خمسةُ دراهمَ؛ قياسًا -أيضًا- على القطع في السرقة عندهما.
وكره النخعي أن يتزوج بأقلَّ من أربعين درهمًا، وقال مرة: عشرة.
وقد اختلفت أجوبةُ أصحابِنا عن ظاهر هذا الحديث، فقال بعضُهم: قولُه عليه الصلاة والسلام: "ولو خاتمًا من حديد" على
(1) في "ت": "الآخرون".
(2)
في "خ" و"ز": "التعليل".
(3)
في "ت": "يدل".
(4)
في "ت": "العفو".
طريق المبالغة، لا التحديد؛ لقوله أولًا:"ما أجدُ شيئًا"، وأن المراد بقوله:"التمسْ شيئًا": أكثرُ من قيمةِ خاتم (1) الحديد؛ إذ قد نفى الرجلُ أن يجد شيئًا، و (2) لا ما هو أقلُّ من خاتم الحديد، وهذا (3) عندي ضعيف، لا ينتظمُ منه دليل.
وقال آخر (4): لعله إنما طلب (5) منه ما يقدمه، لا أن (6) يكون جميعُ الصداق خاتمَ حديد، قال: وهذا يضعفه أن مذهب مالك استحبابُ (7) تقديم ربع دينار لا أقلَّ (8).
وقال (9) بعضُ المتأخرين: إن قيل: إن خاتم الحديد يحتمل أن يكون قيمته أقلَّ من ربع دينار، قيل: وقد يحتمل أن تكون قيمتُه ربعَ دينار، فليس احتمالُك أولى من احتمالنا، على أن الحديث عندنا مخصوص بذلك الرجلِ بعينه؛ كما أن طعام الكفارة مخصوصٌ بالرجل الذي أطعمه النبي صلى الله عليه وسلم (10) له ولعياله بعينه (11).
(1) في "ت" زيادة: "من".
(2)
في "ت": "أو".
(3)
في "ت": "وهو".
(4)
في "ت": "آخرون".
(5)
في "ت": "طالب".
(6)
في "ت": "أن لا".
(7)
"استحباب" ليس في "ز".
(8)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 579).
(9)
في "ز" زيادة: "آخرون وما رَدُّ".
(10)
"النبي صلى الله عليه وسلم" ليس في "خ".
(11)
"بعينه" ليس في "خ".
قال: ومما يدل على أنه مخصوص بهذا الرجل قولُه صلى الله عليه وسلم: "زَوَّجْتُكها بما معكَ من القرآن"، فهذه القصة لهذا الرجل (1) دونَ غيره؛ لأن مخالفنا (2) في هذه المسألة؛ وهو الشافعي (3)، في جملة (4) أهل العلم لا يجوِّزون (5) أن تتزوجَ (6) المرأةُ بالرجل (7) على ما معه من القرآن، والشافعيُّ يقول: يجوز أن يتزوجها على أن يعلِّمها، ويقول: معنى الحديث هذا، وليس ذلك في الحديث.
قلت: أما قوله: يحتمل أن تكون قيمتُه ربعَ دينار، فاحتمالٌ مرجوحٌ جدًا، يخالفه العُرفُ والاستقراء (8)، وأما حملُه الحديثَ على أنه زوّجه المرأةَ لحفظه شيئًا من القرآن إكرامًا للقرآن، لا لأنه يعلِّمها، وتكون (9) أجرةُ التعليم صداقًا لها؛ كما يقوله (10) الشافعي،
(1) قوله صلى الله عليه وسلم: "زوجتكها بما معك من القرآن"، فهذه القصة لهذا الرجل" ليس في "ت".
(2)
في "ت": "المخالف".
(3)
في "ت" زيادة: "وغيره".
(4)
في "ز": "وجملة". وفي "ت": "من جملة".
(5)
في "ز" و"ت": "لا يجيزون".
(6)
في "ز" و"ت": "يتزوج".
(7)
في "ت": "الرجل بالمرأة".
(8)
في "ت": "للاستقراء".
(9)
في "ز": "ولكون".
(10)
في "ت": "قاله".
وإنكاره (1) ذاك، فخطأ من وجهين:
أحدهما: أنه قد ورد عن مالك هذا التفسيرُ (2) بعينه، وقد ذكره مسلمٌ مفسِّرًا:"اذْهَبْ فَعَلِّمْهَا مِنَ القُرْآنِ"(3)[و] في رواية عطاء، فعلَّمها عشرين آية، وفي رواية:"مَا تَحْفَظُ مِنْ القُرْآنِ؟ "، فقال: سورةَ البقرةِ والتي تليها، فقال:(4)"قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً، وَهِيَ امْرَأتُكَ"(5).
والثاني: أنا لو سلَّمنا أنه كما يقول، لكان النكاحُ خاليًا عن الصداق قَطْعًا، فيكون (6) كالموهوبة، وهذا شيءٌ لا يحلُّ إلا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإن كان الطحاويُّ قد نحا هذا المنحى، فقال: لما كانت الموهوبةُ للنبي صلى الله عليه وسلم جائزةً في النكاح، كان (7) له هو أن يهبها أيضًا في النكاح،
(1) في "ت": "وإنكار".
(2)
في "ت": "التبيين".
(3)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1425/ 77).
(4)
في "ت" زيادة: "نعم".
(5)
رواه أبو داود (2112)، كتاب: النكاح، باب: في التزويج على العمل يعمل، والنسائي في "السنن الكبرى"(5506)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. لكن وقع عندهما: سورة البقرة، أو التي تليها، بلفظ:"أو".
قال الحافظ في "الفتح"(9/ 208): وزعم بعض من لقيناه أنه عند أبي داود بالواو، وعند النسائي بلفظ:"أو".
وانظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 581).
(6)
في "ت": "فتكون".
(7)
في "ت": "جاز" مكان "كان".
قال: ويصحح (1) ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مَلَّكَها له، ولم يُشاوِرْها.
قلت: ولقائلٍ أن يقول: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم له التصرفُ المطلقُ الشرعيُّ، فهو (2) إنما مَلَّكها له (3) بلا مَشورة؛ لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسِهم؛ كما قال تعالى، وقد أشارَ إلى نحو (4) هذا الداوديُّ (5) من أصحابنا.
وفي (6) الحديث: إشارة إلى الحضِّ على تعليم القرآن، وعِظَمِ شأنِ حامليه، لا سيما العاملين به، جعلنا اللَّه منهم، آمين.
وفيه: دليلٌ على جواز (7) النكاح بالإجارة، وعندنا (8) في ذلك ثلاثة أقوال (9): المنعُ لمالك، والكراهةُ لابن القاسم في "كتاب (10) محمد"، والإجازة لأصبغ، فإن وقع، مضى في قول الأكثر؛ وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم.
(1) في "ز": "وتصحيح".
(2)
في "ز": "وإنه"، وفي "ت":"و".
(3)
"له" ليس في "ز".
(4)
"نحو" ليس في "ز".
(5)
"الداودي": بياض في "ت".
(6)
في "ت" زيادة: "هذا".
(7)
في "ز": "إجازة".
(8)
"عندنا" ليس في "ت".
(9)
في "ت" زيادة: "عندنا".
(10)
في "ت": "كتب".
قال الإمام: ومنعه أبو حنيفة في الحُرِّ، وأجازَه في العبد، إلا أن تكون الإجارةُ تعليم القرآن، وهذا الذي استثناه بالمنع هو الذي وقع في هذا الحديث إجازتُه، ولكنه طردُ أصلِه في أن القرآن لا يؤخذ عليه أجرٌ (1).
ولم يُذكر هنا في الحديث اشتراطُ معرفةِ الزوجِ بفهمِ (2) المرأة وسرعةِ قبولها لما تتعلَّمُه (3)، وهذا محملُه على أن أفهام النساء متقاربة، ومبلغها معروف، أو (4) في حكم المعروف.
وقد أخذ بعضهم من هذا الحديث: أن (5) مَنْ خطب إلى رجل، فقال له: زَوِّجْني، فقال له الآخر: زَوَّجتك: أن النكاحَ لازمٌ، وإن لم يقل الآخر: قبلتُ (6)(7).
وقد ترجم البخاري بمعنى هذا على هذا الحديث، واللَّه أعلم.
(1) في "ت": "أجرة".
(2)
في "ت": "لفهم".
(3)
في "ز": "يتعلمه".
(4)
"أو" ليست في "ت".
(5)
"أن" ليس في "ت".
(6)
في "ت": "لم يقبل الآخر. قلت" مكان "لم يقل الآخر قبلت".
(7)
انظر: "المعلم" للمازري (2/ 149)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 582).
وقال المهلب: بساطُ الكلام أغنى عن ذلك، وكذلك في كلِّ راغب في النكاح، وإلا، فيسأل الزوج هل رضيَ بالصداق، أم لا (1)؟
قال الإمام: وفي الحديث: دلالة على انعقاد النكاح بغير لفظ النكاح والتزويج؛ خلافًا للشافعيِّ والمغيرة؛ لأنه ذكر هنا تمليكها، وفي البخاري:"قَدْ مُلِّكْتَهَا"، وفي بعض طرقه:"قَدْ أَمْكَنَّاكَهَا (2) "، وعند أبي داود:"مَا تَحْفَظُ مِنَ القُرْآنِ؟ "، قال: سورةَ البقرة والتي تليها، قال:"قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً، وَهِيَ امْرَأتك"(3).
ع (4): روايتُنا في مسلم: "مُلِّكْتَهَا" -بضم الميم وكسر اللام- عن غير واحد، وروينا الحرف عن الخشني:"مَلَّكْتُكَهَا (5) "؛ كما ذكره البخاريُّ، وذكر في الرواية الأخرى (6):"زَوَّجْتُكَهَا"، وقد قال أبو الحسن الدارقطنيُّ: إن رواية مَنْ رواه (7): "مُلِّكْتَهَا" وهمٌ، ورواية (8)
(1) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 582).
(2)
في "ز": "أملكناكها".
(3)
انظر: "المعلم" للمازري (2/ 149).
(4)
في "ز" زيادة: "وهي".
(5)
في "ز" و"ت": "مُلِّكْتَها".
(6)
في "ز": "الآخرة".
(7)
في "ت": "روى".
(8)
في "ت": "رواية زوجتكها" مكان "ورواية من قال: "زوجتكها"".
من قال: "زَوَّجْتُكَهَا"(1) الصواب، وهم أكثرُ حفظًا (2)(3).
ق: وقال بعضُ المتأخرين: ويحتمل صحة اللفظين، ويكون أحرى (4) لفظ التزويج أولًا، فملكها (5)، قال له: اذهبْ فقد ملكتها بالتزويج السابق.
واستبعده (6) ق من وجوه: من جملتها أنه قال: لخصمه أن يعكس (7) الأمر، ويقول: كان انعقادُ النكاح بلفظ التمليك، وقوله عليه الصلاة والسلام:"زَوَّجْتُكَهَا" إخبارٌ عمَّا مضى بمعناه، فإن (8) ذلك التمليك هو تمليكُ نكاح.
ثم قال: وإنما الصواب في مثل هذا أن ينظر إلى الترجيح، واللَّه أعلم (9).
قلت: وهو كما قال الشيخ رحمه الله، ولا خيرَ في التعسُّفِ، وتحميلِ
(1) من قوله: "وقد قال أبو الحسن الدارقطني. . . " إلى هنا ليس في "ز".
(2)
في "ز" و"ت": "وهو أكثر وأحفظ" مكان "وهم أكثر حفظًا".
(3)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 583).
(4)
في "ت": "أجرى"، وفي المطبوع من "شرح العمدة":"أرجى".
(5)
في "ت": "فملكتها".
(6)
في "ت": "واستعقده".
(7)
في "ت": "لخصه أن يعكس" مكان "لخصمه أن يعكس".
(8)
في "ت": "لأن".
(9)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 48).
اللفظِ غيرَ ما يحتمل ظاهرُه (1)(2).
وقد اختُلف في اسم هذه المرأة الواهبةِ نفسَها: فقيل: إنها أم شريك، واسمها: غُزِّيَّة (3)، أو غُزَيْلَة -بغين مضمومة معجمة (4) وزاي فيهما-، وقيل غير هذا (5)، واللَّه الموفق (6).
* * *
(1) في "ت": "ظاهرًا".
(2)
من قوله: "ق: وقال بعض المتأخرين. . . " إلى هنا ليس في "ز".
(3)
في "ت": "غزنة".
(4)
في "ت": "بالغين المضمومة المعجمة".
(5)
في "ز": "غير ذلك"، وفي "ت":"غيرها".
(6)
انظر: "غوامض الأسماء المبهمة" لابن بشكوال (2/ 668 - 670).