المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

(1) ‌ ‌ الحديث الأول 248 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي - رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام - جـ ٤

[تاج الدين الفاكهاني]

فهرس الكتاب

- ‌باب دخول مكة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التمتع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الهدي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الغسل للمحرم

- ‌باب فسخ الحج إلى العمرة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كِتْابُ الْبُيُوعِ

- ‌ الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما نهي عنه من البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العَاشِرُ

- ‌باب العرايا وغير ذلك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب السلم

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الربا والصرف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الرهن وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌باب اللقطة

- ‌باب الوصايا

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الفرائض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كِتْابُ النِّكَاحِ

- ‌الحديث الأول

- ‌بَابِ

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌باب الصداق

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كِتْابُ الطَّلَاق

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

الفصل: (1) ‌ ‌ الحديث الأول 248 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي

(1)

‌ الحديث الأول

248 -

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَكَانَا (2) جَمِيعًا، أو يُخَيِّرْ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فتبايَعَا عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ"(3).

(1) في "ت" زيادة: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ".

(2)

في "ز": "وكان".

(3)

* تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (2001)، كتاب: البيوع،‌

‌ باب:

كم يجوز البيع؟ و (2003)، باب: إذا لم يوقت في الخيار، هل يجوز البيع؟ و (2005)، باب: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، و (2006)، باب: إذا خير أحدهما صاحبه بعد البيع، فقد وجب البيع، و (2007)، باب: إذا كان البائع بالخيار هل يجوز البيع؟ ومسلم (1531/ 43 - 46)، كتاب: البيوع، باب: ثبوت خيار المجلس للمتبايعين، وأبو داود (3454، 3455)، باب: الإجارة، باب: في خيار المتبايعين، والنسائي (4465، 4474)، كتاب: البيوع، باب: ذكر الاختلاف على نافع في لفظ حديثه، و (4475 - 4480)، كتاب: البيوع، باب: ذكر الاختلاف على عبد اللَّه ابن دينار في لفظ الحديث، والترمذي (1245)، كتاب: البيوع، باب: ما جاء في البيعين بالخيار ما لم يتفرقا، وابن ماجه (2181)، كتاب: التجارات، باب: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا. =

ص: 171

مقدمة: البيوع: جمع بيع، وهو مصدر باعَ، وإنما جُمع؛ لاختلاف أنواعه؛ كالعلوم، والحلوم (1) والأشغال.

والبيع يستعمل بمعنى: الشراءِ أيضًا.

قال الأزهري: تقول العرب: بِعْتُ، بمعنى: بعتُ ما كنت أملِكُه، وبعتُ، بمعنى: اشتريتُ، قال: وكذلك شَرَيْت بالمعنيين (2)، قال: وكل واحد بَيِّعٌ وبائع، لأن الثمنَ والمثمَّن (3) كلُّ واحدٍ منهما مبيعٌ (4).

وكذا قاله ابن قتيبة وآخرون، ومن ذلك قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ

= * مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (3/ 118)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (6/ 471)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 157)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 381)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 174)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 102)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 1082)، و"التوضيح" لابن الملقن (14/ 242)، و"طرح التثريب" للعراقي (6/ 146)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 327)، و"عمدة القاري" للعيني (11/ 227)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (4/ 42)، و"كشف اللثام" للسفاريني (4/ 468)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 289).

(1)

في "ت": "والعلوم".

(2)

في "ز": "في المعنيين".

(3)

في "ت": "والمثمون".

(4)

انظر: "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" للأزهري (ص: 193).

ص: 172

بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} [يوسف: 25]، قال (1) المفسرون: أي: باعوه (2).

فصل: قال الإمام المازري في "معلمه": الأحاديثُ الواردة (3) في البيوع هاهنا (4) كثيرة، ونحن نقدِّم فصلًا حسنًا يشتمل على عقد جيد، وتَطَّلعُ (5) منه على أسرار في البيوع:

فاعلمْ (6): أن العرب لبلاغتها، وحكمتها، وحرصها على تأدية المعاني إلى الأفهام بأدنى ضُروب الكلام، تخصُّ كلَّ معنًى بعبارة، وإن كان مُشارِكًا للآخَر في أكثرِ وجوهِه، فلما كانت الأملاكُ تنتقل عن أيدي مالكيها بعِوَض وبغيرِ عِوَضٍ، سموا (7) المنتقلَ بعوضٍ بيعًا، فحقيقةُ البيع: نقلُ الملك بعِوَض، ولكن المعاوَضَة إن كانت على الرقاب، سموها بتسمية البيع، وإن كانت على المنافع، سموها (8) بتسمية

(1) من قوله: "ابن قتيبة وآخرون. . . " إلى هنا ليس في "ز".

(2)

انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (3/ 229).

(3)

في "ز" زيادة: "الواقعة".

(4)

في "ت": "هاهنا في البيوع".

(5)

في "ت": "ويطلع".

(6)

في "ز": "اعلم".

(7)

"سموا" ليس في "ت".

(8)

في "ز": "خصوها".

ص: 173

الإجارة، إلا أن تكون المنافعُ منافعَ الفروج (1)، فخصوها (2) -أيضًا- بتسميتها نكاحًا.

وإذا علمتَ حقيقةَ البيعِ ومعانيَ هذه التسميات، فاعلمْ: أن البيع يفتقر إلى أربعة أركان:

أحدها: متعاقدان، أو مَنْ في معناهما، وقولنا: مَنْ في معناهما احترازٌ من عقد الأبِ على ولديه (3)، أو وَصِيٍّ على يتيمه.

والثاني: معقودٌ به.

والثالث: معقودٌ عليه.

والرابع: العقدُ في نفسه.

فأما المتعاقدان (4)، فمن حقهما أن يكونا مطلَقَي اليد والاختيار، فقولنا: مطلقي اليد: احترازٌ ممن يُحْجَر عليه، وهم أربعة أصناف:

أحدها: مَنْ يُحجر عليه لحقِّ نفسِه، وهو السفيه، ويدخل فيه المجنونُ، والصغيرُ، والعاقلُ البالغُ الذي لا يميز أمورَ (5) دنياه.

والثاني: مَنْ يُحجر عليه لحقِّ غيره ممن يملك (6) أعيانَ ما في

(1) في "ز": "ألف وجه" وهو تصحيف.

(2)

في "ت": "فخصصوها".

(3)

في "ز": "ولده" وفي "خ": "والده".

(4)

في "خ" و"ت": "العاقدان".

(5)

في "ت": "من".

(6)

في "ز": "ملك".

ص: 174

يديه (1)؛ كالسيد مع عبده.

والثالث: مَنْ يُحجر عليه لمن يخاف أن يملك عينَ ما في يديه؛ كالمريض مع ورثته، وقد تُلحق (2) به الزوجةُ مع زوجها، والمرتدُّ مع المسلمين.

والرابع: مَنْ يُحجر عليه لحقِّ من يملك ما في ذمته؛ كالمِدْيانِ مع غرمائه، ولكن طرق (3) الحجر تختلف (4) مع هؤلاء، ونستقصي (5) كلَّ فصل في موضعه إن شاء اللَّه تعالى.

فالسفيهُ يُمنع من البيع رأسًا (6)، وكذلك العبدُ إذا شاء سيدُه، وكذلك المرتدُّ والمِدْيانُ إذا ضُرب على أيديهما، والمريضُ والزوجةُ يمنعان إذا حابيا محاباةً تزيدُ على ثلثهما.

وعندنا اختلافٌ في السفيه، إذا كان مهملًا، فقيل: تُمْضَى بِياعاتُه (7)، وقيل: تُرَدُّ إن كان ظاهرَ السفه، وتُمضى إن كان خَفِيَّه (8)،

(1) في "خ": "يده".

(2)

في "ت": "يلحق".

(3)

في "ت": "طريق".

(4)

في "ز": "يختلف".

(5)

في "ت": "ويستقصى".

(6)

"رأسًا" ليس في "ت".

(7)

في "ز": "مبايعاته".

(8)

في "ت": "خفيًا".

ص: 175

وكان (1)(2) المحققون من شيوخنا يختارون الردَّ؛ لأن السفيهَ المحجور عليه يُرد بيعُه اتفاقًا (3)، فكأن المحققين رأوا أن الردَّ من مقتضى السفهَ، فردوا أفعال المهمل.

ورأى بعض أصحاب مالك الردَّ من مقتضى الحَجْر، فأجازوا أفعالَه إذ لا حَجْرَ عليه (4)، والأصحُّ عند شيوخنا: أنه من مقتضى السفَه؛ لأن الحجر كان عن (5) السفَه، ولم يكن السفَهُ عن (6) الحجرُ، وإذا كان الحجرُ عن السفَه (7)، ومن مقتضاه، وجب أن يكون الردُّ في السفيه المحجور عليه لأجل السفَه، لا لأجل الحَجْر.

وكان شيخي رحمه الله يقول: السفَهُ علَّة في ردِّ الأفعال؛ بدليل الاتفاق على ردِّ أفعال الصغير والمجنون، ومَنْ بلغَ سفيهًا، وإن لم يبلغ الخمسةَ والعشرين (8) عامًا، فإن الاتفاق على ردِّ فعل هؤلاء، إذا كانوا في الحَجْر، وإذا ثبت رشدُ السفيه، وجبَ تسليمُ مالِه إليه، فدلَّ

(1) في "ت": "وإن كان".

(2)

في "ز" زيادة: "بعض".

(3)

في "ز": "باتفاق".

(4)

في "ت": "إنه لا حجر عنه".

(5)

في "ز": "على".

(6)

في "ز": "على".

(7)

"السفه" ليس في "ت".

(8)

في "ز": "وعشرين".

ص: 176

ذلك على أن (1) العلة وجودُ السفه، والعلةُ حيث ما وجدت، اقتضت (2) حكمَها (3)، هذا المعنى الذي كان يشير إليه.

وكذلك اختلف المذهب في المحجور عليه إذا رَشَدَ، ولم يُفَكَّ الحجرُ عنه، هل تُمضى أفعاله؟ وهي عكس السفيه المهمل، والنظر عند شيخنا يقتضي جوازَ أفعاله؛ لوجود علة الجواز، وهي الرشدُ، وارتفاعُ علة الردِّ، وهي السفه، وهكذا أجرى الخلاف في المرتدِّ إذا باع قبل الحجرِ عليه؛ قياسًا على السفيه المهمل.

والرشدُ عندنا المطلوب هاهنا: في تدبير الدنيا وإصلاحها، لا في إصلاح (4) الدِّين، وقال بعض أصحابنا (5): الرشدُ (6) إصلاحُهما جميعًا، والأولُ أولى إذا كان الفاسقُ ممسكًا لمالِه، منمِّيًا له (7)، لا يُتلفه في المعاصي؛ ولا أعظمُ فسقًا من الكافر وفسقُه لم يوجب ردَّ بِياعاته (8)، إذا تحاكم إلينا، وقد باعَ على الصحة من مسلمٍ، وقد حدَّ

(1)"أن" ليست في "ز".

(2)

في "ت": "انتقض".

(3)

في "ز": "حكمتها".

(4)

في "ت": "صلاح".

(5)

في "ت": "أشياخنا".

(6)

"الرشد" ليس في "ز".

(7)

"له" ليس في "ز".

(8)

في "ز": "مبايعاته".

ص: 177

رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم الزُّناة، وقطع السُّرَّاقَ (1)، وضرب شُرَّابَ الخمر، ولم يُنقل إلينا أنه صلى الله عليه وسلم حجرَ عليهم، وهذا هو الأصحُّ؛ لهذا الذي قلناه، ولغيره.

وأما قولنا: مطلَق الاختيار، فلأن المُكْرَهَ المقصورَ الاختيار لا يلزمه عقدُه؛ لأن اللَّه -تعالى- أباح إظهارَ كلمةِ الكفر للإكراه، فدلَّ على أن الإكراهَ يُصيِّر المكرَهَ كغير القاصد، ومن لا قصدَ له، لا يلزمُه بيعُه، وقد ألزمه المخالفُ طلاقَه وعتقَه، وهذا التعليل يردُّ قوله، ويرده -أيضًا- قولُه عليه الصلاة والسلام:"رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي (2) الخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيهِ"(3).

وأما السكرانُ، فإن الحدود تلزمُه، وقد حكى بعض الناس الإجماعَ على أنه إذا قَتَلَ، قُتِلَ.

وقال بعض الناس: فارق المجنونَ في ذلك؛ لأنه متعدٍّ في شربِ (4) ما أزالَ عقلَه، ومكتسِبٌ لما أَدَّى إِلى ذلك، فكانت أفعالُه

(1)"الزناة، وقطع السراق" ليس في "ت".

(2)

في "ز" زيادة: "ثلاث".

(3)

رواه ابن ماجه (2045)، كتاب: الطلاق، باب: طلاق المكره والناسي، وابن حبان في "صحيحه"(7219)، والحاكم في "المستدرك"(2801)، وغيرهم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ:"إن اللَّه وضع عن أمتي. . . " الحديث.

(4)

في "ز": "شربه الخمر".

ص: 178

كأفعال المكتسبِ القاصدِ.

وقال بعضُهم: فإنَّ رفعَ التكليف عن المجنون رخصةٌ وتخفيف، وهذا عاصٍ بشربه، والعاصي لا يترخَّص له (1)، وأما عقودُه، فإن كان طلاقًا، أو عتاقًا، فالمشهورُ عندنا: لزومه (2)؛ لأن ذلك من ناحية الحدود، فأُلحق بها في الحكم، وقد رويت عندنا رواية شاذة في طلاقه: أنه لا يلزم (3)؛ قياسًا على المجنون.

وسلَّم بعضُ أصحابنا: أنه لو صُبَّ في حلقه الخمرُ حتى ذهب (4) عقلُه: أن طلاقَه لا يلزم حينئذ؛ لأنه غير متعدٍّ في الشُّربِ.

قلت: وهذا يفهمَ منه عدمُ النقل في مسألة المكرَه على الشرب (5)، فهي منقولة (6) فيما أظن، واللَّه أعلم.

وأما بياعاتُه ففيها عندنا قولان:

جمهورُ (7) أصحابنا: على أنها لا تلزمُه؛ لأنه بسكره (8)(9) يقصر

(1) في "خ": "لا يرخَّص".

(2)

في "ت": "لزمه".

(3)

في "ز": "لا يلزمه".

(4)

في "ز": "أذهب".

(5)

في "ت": "بالشرب".

(6)

في "ت": "وهي مقولة".

(7)

في "ز": "الجمهور".

(8)

في "ت": "مكره" بدل "بسكره".

(9)

في "ز": "على أنه لا يلزمه؛ لأن سكره".

ص: 179

ميزُه في معرفته بالمصالح (1) عن (2) السفيه، والسفيهُ لا يلزمه بيعُه، وإن كان يُقام الحدُّ عليه كما يُقام على السكران.

وذهب بعضُ أصحابنا إلى أنه تلزمُه بياعاتُه، كما تلزمه الحدود، وأما هباته فتجرى على القولين (3)، هذا حكمُ أحدِ الأركان، وهما المتعاقدان.

وأما المعقودُ به، والمعقودُ عليه، فحكمهما واحد، وإنما تحسينُ التقسيم أدى إلى إفرادهما بالذكر، وإلا فكلُّ معقودٌ به، معقودٌ عليه، فيجب أن يُعلم: أن ما لا منفعةَ فيه أصلًا لا يجوز العقد به، ولا عليه؛ لأن ذلك يكون من أكل المال بالباطل، ولم يقصِدْ باذِلُ ما لا يُنتفع به إلى الهبة، فيجوز له، وهذا الذي لا منفعةَ فيه أصلًا لا يصحُّ ملكُه (4)، إذا كان مما نهى الشرعُ عن تملُّكه (5)؛ كالميتةِ، والدمِ، ولحمِ الخنزير، والخمرِ، إلا أن الخمرَ إذا أجزنا تَخْليلها، فقد سَهَّلَ في إمساكها للتخليل (6)(7) بعضُ أصحابنا.

(1) في "ت": "بالمصان".

(2)

في "ز": "على".

(3)

قوله: "كما تلزمه الحدود، وأما هباته فتجري على القولين" ليس في "خ".

(4)

في "ز": "تملكه".

(5)

في "ز": "عنه" بدل "عن تملكه".

(6)

في "ز": "بالتخليل".

(7)

في "ز" زيادة: "قال".

ص: 180

وأما ما فيه منفعةٌ مقصودة (1)، فلا يخلو من ثلاثة أقسام:

أحدها: أن تكون سائرُ منافعه محرَّمَةً.

والثاني: أن تكون سائرُ منافعه محلَّلَةً.

والثالث: أن يكون بعضُها محللًا، وبعضها محرَّمًا.

فإن كانت سائر منافعها (2) محرمة، صار هو القسم الأول الذي لا منفعةَ فيه؛ كالخمر، والميتة.

وإن كانت سائر منافعة محللة، جاز بيعه إجماعًا؛ كالثوب، والعبد، والعقار، والثمار، وغير ذلك من ضروب الأموال.

وإن كانت منافعه مختلفة، فهذه المواضع المشكلات (3) في الأفهام، ومزلَّة الأقدام، وفيه ترى العلماء يضطربون، وأنا أكشف عن سره (4) -إن شاء اللَّه- ليهون (5) عليك اختلافُهم فيه.

فاعلمْ (6): أنه قد تقدم لك أصلان: جوازُ البيع (7) عند تحليل

(1) في "ت": "مخصوصة".

(2)

في "ز": "منافعه".

(3)

في "ت": "المشكلة".

(4)

في "ت": "أمره".

(5)

في "ز": "ليهون إن شاء اللَّه".

(6)

في "ز": "اعلم".

(7)

"البيع" ليس في "ت".

ص: 181

سائر المنافع، وتحريمُه عند تحريم جميعِها، فإذا اختلفت (1) عليك، فانظر: فإن كان جلُّ المنافع والمقصودُ منها محرمًا، حتى (2) صار المحلَّلُ من المنافع كالمُطَّرَح، فإن البيع ممنوع، وواضحٌ إلحاقُ هذا بأحدِ الأصلين المتفق عليهما؛ لأن المطَّرَحَ من المنافع كالعدم؛ فإذا (3) كان كالعدم، صار كأنَّ الجميع محرم.

وإن كان الأمر بعكس ذلك، كان الحكم بعكسه، وهو أن يكون المقصودُ من المنافع وجُلُّها مباحًا، والمحرَّمُ مُطَّرَحًا في المقصود، فواضحٌ إِلحاقُ هذا بالأصل (4) الثاني، وهو ما جُلُّ سائر منافعه محللة، وأشكل من هذا القسم: أن يكون فيه منفعةٌ محرمةٌ (5) مقصودةٌ (6) مرادةٌ (7)، وسائرُ منافعه سواها محلَّلٌ مقصودٌ، فإن هذا ينبغي أن يُلحق بالقسم (8) الممنوع؛ لأن كونَ هذهِ المنفعة المحرمة مقصودةً مؤذِنٌ (9)

(1) في "ت": "اختلف".

(2)

"حتى" ليست في "خ".

(3)

في "ز": "وإذا".

(4)

في "ز": "هذا هو إلحاق الأصل" بدل "إلحاق هذا بالأصل".

(5)

في "ز" زيادة: "وهي".

(6)

في "ز" زيادة: "و".

(7)

"مرادة" ليست في "ت".

(8)

في "ز": "بالأصل".

(9)

في "ز" و"ت": "تؤذن".

ص: 182

بأن لها حصةً من الثمن، وأن العقد اشتمل عليها؛ كما اشتملَ على سائرِ المنافعِ سواها، وهو عقدٌ واحدٌ على سبيلٍ (1) واحدٍ (2)، لا سبيلَ إلى تبعيضه، والتعاوضُ (3) على المحرَّم منه ممنوعٌ، فمنع (4) الكلّ؛ لاستحالةِ التمييزِ، وأنَّ الباقيَ من المنافع المباحةِ يصير ثمنُه مجهولًا، لو (5) قُدِّرَ جواز انفراده بالتعاوض.

وربما وقعَ في هذا النوع مسائلُ تُشكل على العالِم، فيلحظ (6) المسألةَ بعين فكرته، فيرى المنفعةَ المحرَّمَة ملتبِسًا أمرُها، هل هي مقصودة، أم لا؟ ويرى ما سواها منافعَ مقصودةً محللةً، فيمتنع من التحريم؛ لأجل كونِ المقصودِ من المنافعِ محلَّلًا، ولا ينبسط لإطلاق الإباحة؛ لأجل الإشكال في تلك المنفعة المحرمة، هل هي مقصودة، أم لا؟ (7) فيقف هاهنا المتورِّعُ، ويتساهل آخَرُ، فيقولُ بالكراهة، ولا يمنعُ ولا يحرِّمُ، ولكنه يكره لأجل الالتباس.

فاحتفظ بهذا الأصل؛ فإنه من مُذْهَبَات العلم، ومن تمثَّلَه علمًا،

(1) في "ت": "شيء".

(2)

"على سبيل واحد" ليس في "ز".

(3)

في "ت": "التفاوض".

(4)

في "خ": "منع".

(5)

في "ز": "وربما"، وفي "ت":"أو".

(6)

في "ت": "فيلخص".

(7)

في "ز" زيادة: "فيمنعها".

ص: 183

هان عليه جميعُ مسائل الخلاف الواردة في هذا الباب، وأفتى على بصيرة في دين اللَّه.

فيكفيك من أمثلة هذا الباب -على اتساعها (1) وكثرتها-: ما وقع لأصحابنا من الاختلاف (2) في بيع كلب الصيد؛ فإنه من لم يَسمع فيه حديثًا بالنهي (3) عن بيعه، واستعمل هذا الأصل خرج له حكمه، فيقول: في الكلبِ منافعُ كذا وكذا، ويعدِّدُ سائرَ منافعه، ثم ينظر: هل جميعُها محرَّم؟ فيمنعُ (4) البيعَ، أو محلَّل (5)؟ فيُجيز البيع، أو مختلفة (6)؟ فينظر هل المقصودُ المحرَّمُ (7) أو المحلَّلُ، ويجعل الحكمَ للغالب -على ما بسطناه-، أو يكون (8) منفعة واحدة محرمة خاصة، وهي مقصودةٌ، فيمتنع -على ما بيناه-، أو يلتبس كونُها مقصودةً، فيقف، أو يكره -على ما بيناه-، والعرض على هذا الأصل هو سببُ اضطراب أصحابنا فيه.

(1) في "ت": "إيقاعها".

(2)

في "ت": "الخلاف".

(3)

"بالنهي": بياض في "ت".

(4)

في "ت": "فيمتنع".

(5)

في "ت": "مباح".

(6)

في "خ": "مختلف".

(7)

في "ز": "المحرمة".

(8)

في "ت": "تكون".

ص: 184

وكذلك بيعُ النجاسات ليزبِّلَ (1) بها النباتَ، ما وقع فيه في (2)"المدونة"، وفي "الموَّازية"، [و] لابن القاسم، ولأشهب (3)، على هذا الأصل يُعْرَض، ومنه يُعْرَف الحقُّ فيه.

وقد نبه صلى الله عليه وسلم بأحسن عبارة، وأقربِ اختصارٍ على هذا المعنى الذي بسطناه بقوله صلى الله عليه وسلم في (4) الخمر:"إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا"(5)، ومن كلامه هذا اقتضبنا هذا الذي هو الأصلُ العظيم (6)، وذلك أنه أشار إلى أن المنفعة المقصودة من الخمر هي الشربُ لا أكثر، فإذا حُرِّمت، حُرِّمت المعاوضة؛ لأن المشتري منعه الشرعُ من الانتفاع بها، فإذا بذلَ مالَه وهو مطيعٌ للشرع في أن لا ينتفعَ بها، فقد سَفِهَ وضلَّ رُشْدُه، وصار من أكل (7) المال بالباطل.

وهكذا -أيضًا- نبه عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر (8) الذي لعنَ فيه اليهودَ لما حُرِّمَ عليهم الشحمُ، جَمَلُوه، فباعوه، وأكلوا

(1) في "ز" و"ت": "ليزيل".

(2)

في "ت": "فيها من".

(3)

في "خ": "وأشهب".

(4)

في "ت": "و".

(5)

تقدم تخريجه.

(6)

"العظيم" ليس في "ز".

(7)

في "ز": "آكلي".

(8)

"الآخر" ليس في "ت".

ص: 185

ثمنَه؛ لأن الشحمَ المقصودُ منه الأكل، فإذا حُرِّمَ، حُرِّمَ الثمنُ، فهذا من وضوحه كاد (1) يُلحق بالعقليات، ولهذا قال:"لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، فَجَمَلُوها، فَبَاعُوهَا"(2).

وقد نبه صلى الله عليه وسلم على (3) القسم الآخر المشكِل؛ لأنه لما قيل له في شحم الميتة: يا رسول اللَّه! إنها يُطلى بها السفن، فأوردَ ما دلَّ على المنع من البيع، ولم يعذرْهم بذلك، ولا أباحَ البيعَ؛ لاعتلالهم له بحاجتهم إليه في بعض المنافع، هذا على طريقة مَنْ يجيز استعمالَ ذلك في مثلِ هذهِ المواضع، فتكون بعضُ (4) المواضع محللة، ولكن المقصود الذي هو الأكلُ محرم، فلم يرخص في البيع لذلك (5).

ويُلحق بهذا المعنى (6) بياعاتُ الغَرَر؛ لأنه قد لا يحصلُ النفع، فتصير (7) المعاوضَةُ على غير منتفَع به، ويُلحق بالقسم الأول الذي هو المعاوضة على ما لا منفعةَ فيه أصلًا، وقد تقدَّم، ولكن ذلك يكون عدمُ المنفعة فيه تحقيقًا، وهذا يكون عدمُ المنفعة فيه تقديرًا وتجويزًا.

(1) في "ت": "يكاد".

(2)

في "ت" زيادة: "وأكلوا ثمنها"، وسيأتي تخريج الحديث.

(3)

في "ت": "عن".

(4)

في "ت": "كبعض".

(5)

من قوله: "كاد يلحق بالكليات. . . " إلى هنا ليس في "ز".

(6)

في "ز": "ويلحق في ذلك".

(7)

في "ز": "فيصير".

ص: 186

أما العقد، فمن شروطه أَنْ يُخَلَّص عن المنهِيَّات كلِّها، وهي محصورة فيما تقدم، وفيما مثل منه مما (1) يرجع إلى أُصول أُخَرَ؛ كالنهيِ عن العقدِ عندَ صلاة الجُمُعَةِ، إلى غيرِ ذلكَ مما ننبه عليه -إن شاء اللَّه تعالى- في أحاديث هذا الكتاب (2). انتهى كلامه رحمه اللَّه تعالى.

فائدة: قال القاضي أبو بكر بنُ العربي رحمه الله: قال لنا القاضي الزنجاني ببيت (3) المقدس: البيعُ والنكاحُ عَقْدان يتعلَّق بهما قوامُ عالمِ الإنس (4)، وذلك أن اللَّه -تعالى- خَلَقَ الآدميَّ محتاجًا إلى الغذاءِ، مشتهيًا للنساءِ، وخلق له ما في الأرضِ جميعًا؛ كما (5) أخبر (6) في صادق كتابِهِ، ولم يتركه سُدًى فيتصرفُ في اقتضاء شهواته (7)، ويستمتع بنفسه في اختياره؛ كما فعل بالبهائم؛ لأنه فَضَّلَه عليها بالعقل الذي جعلَه لأجله خليفةً في الأرض، ولتعارُضِ الشهوات والعقل، تَعَيَّنَ أن يكون هناك قانونٌ يَنْفصل به وجهُ المنازعة بين الأمرين،

(1) من قوله: "ويلحق بالقسم الأول. . " إلى هنا ليس في "ز".

(2)

انظر: "المعلم" للمازري (2/ 235) وما بعدها، وانظر:"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 127).

(3)

"ببيت": بياض في "ت".

(4)

في "ت": "يقومان بها عالم الأنس".

(5)

في "ز": "وقد".

(6)

في "ز" زيادة: "بذلك".

(7)

في "ز": "شهوته".

ص: 187

فتسترسل الشهوةُ بحكم الجِبِلَّة، ويقيدها القانون بُحكم الشريعة (1)، وجعلَ لكلِّ واحد من المكلَّفين اختصاصًا، يقال له: المِلْكُ بما يتهيأ به النفعُ، وجعل له شيئين:

أحدهما: يُنْشِئُه ابتداءً، وهو الاصطيادُ، والاحتشاشُ، والاحتطابُ، والاقتطاعُ، على اختلاف وتفصيل.

والثاني: نَقْلُه من يد إلى يد، وهو على وجهين: أحدهما: بغير عِوَض، وهو الهبة (2). والثاني: بعِوَض، وهو البيعُ وما في معناه (3). انتهى.

عدنا إلى الكلام على الحديث.

اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث بعدَ الاتفاق على العمل به.

فذهب الشافعي، والثوري في أحد قوليه، والليثُ، والعنبريُّ، والأوزاعيُّ، وأهلُ الظاهر، وسُفيان بنُ عُيينةَ، وابنُ المبارك، وفقهاءُ أصحاب الحديث، (4) وابنُ حبيب من أصحابنا: إلى الأخذ بظاهرِهِ، وأن (5)

(1) في "ت": "الشيء".

(2)

"والثاني نقله من يد إلى يد، وهو على وجهين: أحدهما: بغير عوض، وهو الهبة" ليس في "ت".

(3)

انظر: "القبس" لابن العربي (16/ 90).

(4)

في "ز" زيادة: "وابن حسين".

(5)

في "ت": "فإن".

ص: 188

المراد مِنهُ الافتراقُ بالأبدان، وهو قولُ سعيدِ بنِ المسيَّبِ، والزهريِّ، وابنِ أبي ذئبٍ من المدنيين، وجماعةٍ من الصحابة والتابعين، وأن المتبايعين (1) إذا عقدا بينهما بالخيار ما داما في مجلسهما.

وذهب مالك، وأبو حنيفة وصاحباه، والثوريُّ في رواية عنه، وربيعةُ، وروي (2) عن النخعيِّ، وحُكي عن شُريح: إلى ترك العملِ بظاهره، وحملوا التفرقَ فيه على التفرُّق بالأقوال، وأنهما إذا عقدا البيع، لم يكن لأحدهما خيارٌ.

و (3) من هؤلاء من قال: هو على ظاهره، لكن على الندب والترغيب، لا على الوجوب.

ع (4): وهذا التأويل لا يساعده ظاهرُ الحديث، ويُبعده منه (5).

قلت: وهو كما قال: فإن الحديث نصُّ في إثبات خيار المجلس، والتأويلُ خلافُه، ولا حاجة بنا إلى التأويل إلا عندَ التعارض، ولم يجىء حديث آخرُ يُعارضه، فالأخذُ بالظاهر أو النصِّ أولى.

وأما قول بعض أصحابنا: إنه مخالِفٌ للعملِ، فقال الإمام:

(1)"وأن المتبايعين" ليس في "ت".

(2)

"وروي" ليس في "ت".

(3)

الواو ليست في "ت".

(4)

"ع" ليست في "خ" و"ز".

(5)

انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 157).

ص: 189

لا يُعَوَّل عليه؛ لأن العملَ إذا لم يَرِدْ به عملُ الأمةِ بأسرِها، أو عَمَلُ مَنْ يجب الرجوعُ إلى عمله، فلا حجةَ فيه، لأن قُصارى (1) ما فيه أن يقول عالم لآخر (2): اتركْ علمَك لعلمي، وهذا لا يلزم قبولُه إلا ممن تلزمُ (3) طاعتُه في ذلك.

قال: وكذلك حملُ هذا على الندبِ (4) بعيدٌ؛ لأنه نصٌّ على إثبات الخيار في المجلس، من غير أن يذكر استقالة، ولا عَلَّق ذلك بشرط (5)(6)(7).

قلت: وقد استدلَّ أصحابُنا وموافقوهم بقوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]، فقال مالك، وأبو حنيفة: تمامُ التراضي: أن يُعقد البيعُ بالألسنةِ، فتنجزم العقدةُ (8) بذلك، ويرتفع الخيار.

(1) من قوله: "فقال الإمام: لايعوَّل عليه. . . " إلى هنا ليس في "ت".

(2)

في "ت": "آخر".

(3)

في "ت": "يلزم".

(4)

"الندب": بياض في "ت".

(5)

في "ت": "شرط".

(6)

من قوله: "وهذا التأويل لا يساعده. . . " إلى هنا ليس في "ز".

(7)

انظر: "المعلم" للمازري (2/ 255)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 159).

(8)

في "ز": "فينجزم العقد".

ص: 190

وقال الشافعي: بل تمامُ التراضي وجزمُه بافتراق الأبدانِ بعدَ عقدِ البيع، أو بأن يقول أحدُهما لصاحبه: اخترْ، فيقولُ:(1) اخترتُ، وذلك بعد العقدة أيضًا، فيجزم حينئذ.

احتجَّ أيضًا بعضُ أصحابنا بقوله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] فهذه فُرقةٌ بالقول؛ لأنها (2) بالطلاق.

وقالَ مَنِ احتجَ للشافعيِّ (3): بل هي فرقة بالأبدانِ، بدليل تثنيةِ الضمير، والطلاقُ لا حظَّ للمرأةِ فيه (4)، وإنما حظُّها في فرقةِ البدن الذي هو ثمرةُ الطلاق.

وقال من (5) احتج لمالك: إنما القصدُ في (6) الحديثِ الإخبارُ عن وجوبِ ثبوتِ العقد في (7) قوله: "البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا" توطئة لذلك، وإن كانت التوطئة معلومة، فإنها تهيئ النفس لاستشعار ثبوت العقد ولزومه.

(1) في "ز" زيادة: "قد".

(2)

في "ت": "لا" بدل "لأنها".

(3)

في "ز": "الشافعي".

(4)

"فيه" ليس في "ت".

(5)

في "خ" و"ت": "قال: ومن".

(6)

في "ز": "اللفظ في العقد" بدل "القصد في".

(7)

في "ز" و"ت": "فجاء".

ص: 191

استدلَّ (1) الشافعيُّ بقوله عليه الصلاة والسلام: "لَا يَسُمِ (2) الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، وَلَا يَبِعْ (3) عَلَى بَيع أَخِيهِ"(4)، فجعلهما (5) مرتبتين (6)؛ لأن حالة البيعين (7) بعدَ العقد قبلَ التفرق تقتضي (8) أن يفسده مفسدٌ بزيادة في السلعة، فيختار ربُّها (9) حلَّ الصفقة الأولى، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك الإفساد.

ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام قال: "لا يَخْطُبِ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَّةِ أَخِيهِ"(10)، فهو (11) في درجة لا يَسُمْ، ولم يقلْ: لا يَنْكِح على نكاح أخيه؛ لأنه درجة بعدَ عقد النكاح، لا تقتضي (12) تخييرًا بإجماع الأمة (13).

(1) في "ز": "واستدل".

(2)

في "ز": "لا يسوم".

(3)

في "ز": "يبيع".

(4)

سيأتي تخريجه.

(5)

في "ت": "فجعلها".

(6)

"مرتبتين": بياض في "ت".

(7)

في "ز": "البيعتين".

(8)

في "ز": "يقتضي".

(9)

في "ز": "بها".

(10)

سيأتي تخريجه.

(11)

في "ز": "فهي".

(12)

في "ز": "لا يقتضي".

(13)

في "خ" و"ز": "من الأمة".

ص: 192

قال من يحتج لمالك رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يَسُمْ"، وَ"لَا يَبعْ" هي درجةٌ واحدةٌ، كلُّها قبلَ العقدِ، وقال:"لا يبعْ"(1) تجوزًا في لا يَسُمْ؛ إذ مآلُه إلى البيعِ، فهي جميعًا بمنزلة قوله:"لَا يَخْطُبْ"، والعقدُ جازمٌ فيهما (2) جميعًا، واللَّه أعلم.

قال الإمام: وأمثلُ ما وقع لأصحابنا في ذلك عندي (3): اعتمادُهم على قوله صلى الله عليه وسلم: "وَ (4) لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ"(5)؛ فإن الاستقالة فيما قالوه أظهرُ منها في الفسخ بالخبر الذي يقوله المخالف، وإنما يبقى النظرُ في طريق هذه الزيادة وثبوتها، ثم يُجمع بينَها وبين ما تقدم، ويُبنى بعضُها على بعض، أو يُستعمل الترجيحُ إن تعذَّرَ البناء، وجُهلت التواريخ، هذا هو الإنصاف (6) والتحقيق في هذه المسألة (7).

(1) في "ز" و"ت": "لا يبيع".

(2)

"فيهما" ليس في "ز".

(3)

في "ز": "عندي في ذلك".

(4)

الواو ليست في "ز".

(5)

رواه أبو داود (3456)، كتاب: الإجارة، باب: في خيار المتبايعين، والنسائي (4483)، كتاب: البيوع، باب: وجوب الخيار للمتبايعين قبل افتراقهما بأبدانهما، والترمذي (1247)، كتاب: البيوع، باب: ما جاء في البيعين بالخيار ما لم يتفرقا، من حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

(6)

في "ز": "الصواب".

(7)

"المسألة" ليست في "ت".

ص: 193

قال: وقد يتعلق أصحابنا بحديث اختلافِ المتبايِعَيْنِ: أنهما حَكَمَ فيهما بالتحالف (1) والتفاسخ، ولم يفرقْ بين المجلس وغيره، فلو كان لهما الفسخُ، ما احتاجا إلى التحالف (2)، ومحملُ هذا عند المخالف (3) على التحالف في الثمن في بيع وجبَ واستقرَّ حتى لا يمكن فسخُه، وحديثُهم أخصُّ من هذا (4)، فيكون بيانًا له، مع أن الغرض (5) في حديث (6) اختلاف المتبايعين تعليمُ حكمِ الاختلافِ في الثمن، والغرضُ في البيعتين (7) بالخيار تعليمُ مواضعِ الخيار، وأخذُ الأحكام من المواضع المقصود فيها تعليمُها أَوْلى من أخذها (8) مما لم يُقصد فيه ذلك (9).

ع: لا خفاءَ أن مقتضى قوله: "لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ"(10) ظاهرٌ في الوجوب على ما جاء في بعض الروايات،

(1) في "ت": "بالتخالف".

(2)

في "ز": "التخالف".

(3)

في "ت": "المحالف".

(4)

"هذا" ليس في "ت".

(5)

في "ت": "القرض".

(6)

في "ز": "حديثهم".

(7)

في "ز" و"ت": "البيعين".

(8)

في "ت": "أخذهما".

(9)

انظر: "المعلم" للمازري (2/ 255).

(10)

تقدم تخريجه قريبًا.

ص: 194

لكنَّ (1) تركَ معظمِ السلف، وأهلِ المدينة، ومَنْ روى الحديثَ وبلغَه (2) العمل به، من أقوى ما يُتمسك به في أنه غير واجب، وهذا ابن عمر -وإن كان قد عملَ به- قد خالفَ مقتضى هذه الزيادة بما قد (3) ذكره عنه مسلم بعدَ هذا، وبرجوعه القهقرى عند مبايعته لعثمان مخافةَ أن يَستقيله، ثم قال في حديثه ذلك: وكانت (4) السنةُ يومئذٍ أن البيعين بالخيار ما لم يفترقا، فدل على أن السنة حين تحدث بهذا (5)، لم تكن (6) كذلك، ولا كان (7) يعمل بها، ولو كان الأمر واجبًا، لأنكر هذا ابنُ عمر، ولو حُملت أولًا على الوجوب، لما تُركت (8)(9).

قلت: وبالجملة: فالمسألة مستوعَبَة في كتبِ أصولِ (10) الفِقهِ، فلا حاجةَ إلى التطويلِ فيها هاهنا، غيرَ أن الذي عندي في المسأَلِةِ: أن ظواهر الأحاديثِ الصحيحةِ الثابتةِ مع الشافعية، وما تمسَّكَ (11)

(1) في "ت": "لا".

(2)

في "ت": "ممن بلغه الحديث" بدل "ومن روى الحديث وبلغه".

(3)

"قد" ليس في "ت".

(4)

في "ت": "فكان".

(5)

في "ت": "بها".

(6)

في "ت": "ألم يكن".

(7)

في "ت": "ولم يكن".

(8)

من قوله: "ع: لا خفاء أن مقتضى. . . " إلى هنا ليس في "ز".

(9)

انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 159).

(10)

في "ت" زيادة: "أهل".

(11)

في "ز": "تمسكت".

ص: 195

به (1) المالكيةُ؛ من أن عملَ فقهاء المدينة على خلافها، فقد تقدَّم من قول الإمام المازري: أنه يُعَوَّل عليه على ما قرره، مع أن بعض فقهاء المدينة (2) خالفَ في ذلك؛ كابن أبي ذئب، فأهلُ المدينة غيرُ متفقين على تركِ العملِ بظاهر (3) الحديث، فلم يبق لأصحابنا في الحقيقة سوى التأويل، وهو -كما تقدم- إنما يكون عند التعارض المتساوي.

وبالجملة: فاعتقادي في المسألة اعتقادُ الشافعية، واللَّه أعلم.

* * *

(1) في "ز" زيادة: "السادة".

(2)

من قوله: "على خلافها، فقد تقدم من قول الإمام المازري. . . " إلى هنا ليس في "ت".

(3)

في "ت" زيادة: "هذا".

ص: 196