الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
278 -
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، قَالَ: جَعَلَ (1) -وَفِي لَفْظٍ: قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ (2) يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ، وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ: فَلا شُفْعَةَ" (3).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (2099)، كتاب: البيوع، باب: بيع الشريك من شريكه.
(2)
في "ز": "ما" بدل "مال لم". وفي "ت": "ما لم" بدل "مال لم".
(3)
رواه البخاري (2100)، كتاب: البيوع، باب: بيع الأرض والدور والعروض مشاعًا غير مقسوم، واللفظ له، و (2138)، كتاب: الشفعة، باب: الشفعة في ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة، و (2363)، كتاب: الشركة، باب: الشركة في الأرضين وغيرها، و (2364)، باب: إذا اقتسم الشركاء الدور أو غيرها، فليس لهم رجوع ولا شفعة، و (6575)، كتاب: الحيل، باب: في الهبة والشفعة، ومسلم (1608/ 133 - 135)، كتاب: المساقاة، باب: الشفعة، وأبو داود (3514، 3515)، كتاب: الإجارة، باب: في الشفعة، والنسائي (4705)، كتاب: البيوع، باب: ذكر الشفعة وأحكامها، والترمذي (1370)، كتاب: الأحكام، باب: ما جاء: إذا حدت الحدود، ووقعت السهام، فلا شفعة، وابن ماجه (2499)، كتاب: الشفعة، باب: إذا وقعت الحدود، فلا شفعة. =
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: على رواية: "جَعَلَ" يكون الأصل: جعلَ الشفعةَ في كل ما لم يقسم، وعلى رواية:"قضى"، لا بدَّ من الباء، كما هو (1) لفظ الحديث.
الثاني: ع: في تنبيهاته: هذه اللفظةُ بسكونِ الفاءِ، ولأصل (2) تسميتها بذلك وجوهٌ: فقيل: هو من الشفعِ، وهو ضدُّ الوتر؛ لأنه يضمُّ هذا المشفوعَ فيه إلى ماله، فتصير الحصةُ حِصَّتين (3)، والمالُ مالين.
وقيل: هو من الزيادةِ؛ لأنه يجمعُ مالَ (4) هذا إلى ماله، ويُضيفه
= * مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (3/ 152)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (7/ 66)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (6/ 128)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 312)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 523)، و"شرح مسلم" للنووي (11/ 45)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 206)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1192)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 251)، و"التوضيح" لابن الملقن (14/ 523)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 436)، و"عمدة القاري" للعيني (12/ 20)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (4/ 122)، و"كشف اللثام" للسفاريني (5/ 37)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 73)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (6/ 80).
(1)
في "ز" زيادة: "في".
(2)
في "ز" و"ت": "والأصل".
(3)
في "ت": "فيصير الحق حقين".
(4)
"مال" ليس في "ز".
إليه، ويزيدُهُ لَهُ (1).
والشفعة: الزيادة (2)، قال اللَّه تعالى:{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} [النساء: 85]، قيل: يزيدُ عملًا صالحًا إلى عملِه، وهو قريبٌ من المعنى (3) الأول.
وقيل: هو من الشفاعة؛ لأنه يشفعُ بنصيبه إلى نصيبِ صَاحِبِهِ.
وقيل: بل كانوا في الجاهلية إذا باعَ الرجلُ حصَّتَهُ أو أصلَه، أتى المجاورُ شافعًا إلى المشتري ليوليه إياه، ليصله بملكه، ويخلصه، فيسأله فيه (4).
قلت: هذا الذي يتعين أن يكون من (5) معنى الشفاعة، وأما القول الذي قبلَه، ويليه، فمن الشَّفْع، لا من الشفاعة، واللَّه أعلم. هذا أصلها في اللغة.
وأما في الشرع: وهو (6) أخذُ الشريكِ حصتَه (7) جَبْرًا بشراء (8).
(1)"ويزيده له" ليس في "ز".
(2)
"والشفعة: الزيادة" ليس في "ز".
(3)
"المعنى" ليس في "ز".
(4)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 312).
(5)
"من" ليس في "ز".
(6)
في "ز": "فهو".
(7)
في "ت": "حصة".
(8)
انظر: "جامع الأمهات" لابن الحاجب (ص: 416).
فقولنا: جبرًا، احترازٌ من المبايعةِ الاختيارية.
وقولنا: بشراء، احترازٌ من الغَصْب.
فائدة: لنا مسائلٌ يؤخذُ فيها من المشتري ما اشتراه بالثمن (1) جبرًا غير الشُّفْعة:
منها: ما قُسم في المْغنم لمسْلمٍ، ثم جاء ربُّه.
ومنها: المسلمُ يدخل دارَ الحرب، فيشتري عبدًا لمُسْلم، فربُّه بالخيار في أخذِه بما اشتراه، وتركِه.
ومنها: من شُهد بموته، ثم قدمَ حيًّا بعد قَسْمِ (2) تركتِه.
ومنها: العبدُ إذا قسمتْ تركتُه، ثم استُحقَّ.
ومنها: المكاتَب إذا بيعتْ كتابتُه، على خلاف فيه.
وانظر: إذا باع السيدُ أَمَتَهُ المتزوجةَ وأولادَها، هل يكون الزوجُ أحقَّ بها، أم لا؟ وكذلك الدَّين إذا بِيع، هل يكون المِدْيانُ أحقَّ به، أم لا؟ فإني (3) لم أبي في ذلك نقلًا لأصحابنا.
الثالث: هذا الحديثُ أصلٌ في ثبوتِ الشُّفعة، وقد تضمن هذا الحديثُ ثلاثة أحكام: وجوب الشفعة بالشركة، وسقوطها بالجواز؛ لأنه بعد القسمة جار، وإن الشفعة في الرباع دون العروضُ والحيوان.
(1)"بالثمن" ليس في "ت".
(2)
في "ت": "قسمة".
(3)
في "ت": "فإنا".
وقد أجمع المسلمون على ثبوت الشفعة للشريك في العقار، وما لم يُقسم، ونعني بالعقار: الأرضَ، والضِّياع، والنخلَ، على ما فسَّره أهل اللغة.
قال العلماء: الحكمةُ في ثبوت الشفعة: إزالةُ الضرر عن الشريك، وخُصَّتْ بالعقار؛ لأنه أكثرُ الأنواع ضررًا.
واتفقوا على أنه لا شفعةَ في الحيوانِ، والثيابِ، والأمتعةِ (1)، وسائرِ المنقولات.
ع: وشذّ بعضُ الناسِ، فأثبت الشفْعَة في العُروض، وهي روايةٌ عن عطاءٍ، قال: تثبت (2) في كل شيء، حتى في الثوبِ، وكذا حكاهُ ابنُ المنذر، وعن أحمدَ (3) رواية: أنها تثبتُ في الحيوان، والبناءِ المفرد.
وأما المقسوم، فهل تثبت الشفعةُ فيه بالجوار؟ (4) فيه خلاف؛ فمذهب مالك، والشافعي، وأحمد (5)، وجماهير العلماء، وحكاه ابنُ المنذر عن عمرَ بنِ الخطاب، وعثمانَ بنِ عفان، وسعيدِ بنِ المسيب، وجماعةٍ من التابعين، فمَنْ بعدَهم: أنها لا تثبتُ بالجوار.
(1) في "ز": "والأمتعة والثياب".
(2)
في "ت": "ثبت".
(3)
في "ز" زيادة: "بن حنبل".
(4)
في "ت": "بالجواز".
(5)
في "ز" زيادة: "بن حنبل".
وقال أبو حنيفة، والثوري: تثبتُ بالجوارِ، لكنه يقدَّم الشريكُ على الجارِ.
فإذا ثبت هذا، فالشفعةُ تجبُ بثلاثة شروط:
أحدها: أن يكون المبيعُ عقارًا، أو ما يتصلُ بهِ.
والثاني: أن يكون المبيعُ قبلَ القسمة.
والثالث: أن يكون مما يحتمل القسمةَ من غير ضرر.
ع: وقوله: عليه الصلاة والسلام: "فيما لم (1) يُقْسَم" يدل على أن الشفْعة فيما تصح فيه القسمة، وما لا تصح فيه، يقال فيه: ما لا يقْسمُ (2).
قلت: قولُهم: إن المستحيل لا يُنفى بـ"لم"، وإنما ينفى بـ"لا"، وإنما ينفى بـ "لم" الممكنُ دونَ المستحيل، فيه عندي نظر، والذي يظهر لي: أن ذلك غير مُطَّرِد، فإنه قد جاء نفيُ المستحيل عقلًا وشرعًا بـ "لم" في أفصح كلام، قال اللَّه تعالى:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} [الإخلاص: 3 - 4].
الرابع: قوله عليه الصلاة والسلام: "فإذا وقعتِ الحدودُ، وصُرِّفَتِ الطرقُ، فلا شفعةَ".
(1)"لم" ليس في "ت".
(2)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 315) وفيه: فلا يقال فيه: ما لم يقسم.
ع: لو اقتصر عليه الصلاة والسلام على قوله: "فإذا وقعت الحدود"، ولم يضف إليه قولَه:"وصرفت الطرق"، لكان ذلك حجة لأصحاب مالك في الردّ على أبي حنيفة؛ لأن الجار بينه وبين جاره حدود، ولكنه لما أضاف إليه قولَه:"وصرفت الطرق"، تضمن أنها تنتفي بشرطين: ضرب الحدود، وصرف الطرق، فيقول أصحابنا: صرفُ الطرق يُرَادُ بِهِ: صرفُ الطرق (1) التي كانت قبل القسمة، ويقول أصحابُ أبي حنيفة: المراد به (2): صرفُ الطرق التي يشترك فيها: الجدْران (3)، فيبقى النظر في أي التأويلين أظهر، وقَدْ روي -أيضًا (4) - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ"(5).
قلت: بفتح الصاد و (6) القاف: القُرْب، ويقال: بالسين (7) أيضًا.
قال: احتج أبو حنيفة بظاهرِ هذا (8) الحديثِ، ونقول نحنُ: لم
(1)"الطرق" ليس في "ز".
(2)
"المراد به" ليس في "ت".
(3)
في "ز": "الجاران".
(4)
"أيضًا" ليس في "ز".
(5)
رواه البخاري (6577)، كتاب: الحيل، باب: في الهبة والشفعة، من حديث أبي رافع رضي الله عنه.
(6)
"الصاد و" ليس في "خ".
(7)
في "خ": "ويقال: بالصاد وبالسين".
(8)
"هذا" ليس في "ت".
نتبينْ بماذا يكونُ أحقَّ، هل بالشفعة، أو بغيرها من وجوه الرفق، والمعروف؟
ونقول -أيضًا-: يحتمل أن يُحمل (1) الجارُ على الشريكِ والمخالِط، قال الأعشى:
أَجَارَتنَا بِيْنِي فَإِنَّكِ طَالِقَهْ
فسمَّى الزوجةَ جارةً؛ لمخالطتها له.
وقد خرج أبو داود، والترمذي: قال (2) صلى الله عليه وسلم: "الجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ، يُنْتَظَرُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا"(3)، وهذا أظهرُ ما يَسْتَدِلونَ بِهِ؛ لأنه بَيَّنَ بِمَ (4) ذا يكون أحق، ونَبَّهَ على الاشتراك في الطريق، ولكن هذا الحديث لم يثبتْ عندَ أصحابنا، ورأيتُ بعض المحدثين طَعَنَ فيه، وقال: راويه لو روى حديثًا آخر مثلَه، لتركْتُ (5) حديثه، انتهى (6).
(1) في "ت": "يجعل".
(2)
في "ت" زيادة: "رسول اللَّه".
(3)
رواه أبو داود (3518)، كتاب: الإجارة، باب: في الشفعة، والترمذي (1369)، كتاب: الأحكام، باب: ما جاء في الشفعة للغائب، وابن ماجه (2494)، كتاب: الشفعة، باب: الشفعة بالجوار، من حديث جابر رضي الله عنه.
(4)
في "خ" و"ت": "لأنه بيِّنٌ، ثم ذا".
(5)
في "ز": "تركت".
(6)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 313).
تذنيب: اعلمْ: أن الذي يُبطل الشفعةَ سَبْعةُ أشياء:
أحدها: إسقاطُ الشفيعِ حَقَّه.
والثاني: أن يُقسم ما فيه الشفعةُ، فتسقط الشفعةُ، ولا خلاف في هذيْن إلا من يقول بشفعة الجار.
الثالث: أن يمضي من طول الأمد ما يُري أنه معرِضٌ (1) عنها، وتاركٌ لها.
والرابعُ: ما يُحدثه المشتري من هدم، أو بناءٍ (2)، أو غِراس، والشفيعُ عالمٌ بذلك.
والخامس: خروجُه عن يد المشتري ببيعٍ، أو هبةٍ، أو [صدقةٍ، أو رهنٍ، مع معرفة الشفيع بذلك.
والسادس: ما يكونُ من الشفيع من مساومة] (3)، أو مساقاةٍ، أو كراءٍ.
والسابع: أن يبيع النصيبَ الذي يستشفع به (4).
وقد اختُلف في هذه الخمسة الأوجه، واللَّه الموفق.
(1) في "ت": "معوض".
(2)
في "ت": "بناء أو هدم".
(3)
ما بين معكوفتين ساقط من "ت".
(4)
قاله اللخمي، كما نقله ابن المواق في "التاج والإكليل"(5/ 321).