الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
263 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنِ ابتَاعَ طَعَامًا، فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفيَهُ"(1).
وَفِي لَفْظٍ: "حَتَّى يَقْبِضَهُ"(2)(3).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (2017)، كتاب: البيوع، باب: ما ذكر في الأسواق، و (2019)، باب: الكيل على البائع والمعطي، ومسلم (1526/ 32 - 34)، كتاب: البيوع، باب: بطلان بيع المبيع قبل القبض، وأبو داود (3492)، كتاب: الإجارة، باب: في بيع الطعام قبل أن يستوفى، والنسائي (4595)، كتاب: البيوع، باب: بيع الطعام قبل أن يستوفى، وابن ماجه (2226)، كتاب: التجارات، باب: النهي عن بيع الطعام قبلُ ما لم يقبض.
(2)
في "ت": "يقضيه".
(3)
رواه البخاري (2026)، كتاب: البيوع، باب: ما يذكر في بيع الطعام والحكرة، و (2029)، باب: بيع الطعام قبل أن يقبض، وبيع ما ليس عندك، ومسلم (1526/ 35، 36)، كتاب: البيوع، باب: بطلان بيع المبيع قبل القبض، والنسائي (4596)، كتاب: البيوع، باب: بيع الطعام قبل أن يستوفى.
264 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ (1).
* * *
* الشرح:
هذا الحديث أصلٌ في منع بيعِ الطعام قبل قَبْضِه.
(1) رواه البخاري (2025)، كتاب: البيوع، باب: ما يذكر في الطعام والحكرة، و (2028)، باب: بيع الطعام قبل أن يقبض، وبيع ما ليس عندك، ومسلم (1525/ 29 - 31)، كتاب: البيوع. باب: بطلان بيع المبيع قبل القبض، وأبو داود (3497)، كتاب: الإجارة، باب: في بيع الطعام قبل أن يستوفى، والنسائي (4597 - 4600)، كتاب: البيوع، باب: بيع الطعام قبل أن يستوفيه، والترمذي (1291)، كتاب: البيوع، باب: ما جاء في كراهية بيع الطعام حتى يستوفيه، وابن ماجه (2227)، كتاب: التجارات، باب: النهي عن بيع الطعام قبلُ ما لم يقبض.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (3/ 135)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (6/ 368)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (5/ 290)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 149)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 375)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 168)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 149)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 1132)، و"التوضيح" لابن الملقن (14/ 297)، و"طرح التثريب" للعراقي (6/ 109)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 344)، و"عمدة القاري" للعيني (11/ 245)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (4/ 57)، و"كشف اللثام" للسفاريني (4/ 553)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 15)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 256).
والطعام في (1) اللغة: ما يؤكل، قاله الجوهري، قال (2): وربما خُصَّ الطعامُ بالبُرِّ.
وفي الحديث: عن أبي سعيد (3)، قال: كنا نُخرج صدقةَ الفطر على عهدِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير (4).
وقد اختلفت الطرقُ في هذا الحديث، ففي بعضها:"حَتَّى يَقْبِضَهُ"، وفي بعضها:"حَتَّى يَسْتَوْفيه"، وفي بعضها:"حَتَّى يَسْتَوْفيَهُ وَيَقْبِضَهُ"(5)، وهما بمعنى واحد (6)، وفي بعضها:"حَتَّى يَسْتَوْفيَهُ يَقْبِضَهُ" -بغير واو- على التفسير، وفي بعضها:"حَتَّى يَكْتَالَهُ"(7)، ومجموعُها يقتضي منعَ بيعِ الطعام قبل أن يقبضه المشتري؛ كما تقدم.
وهل يختصُّ ذلك بالطعام، أو يُقاس ما عداه عليه؟ اختلف (8) في ذلك:
فمنعه الشافعيُّ في كل شيء.
(1) في "ت" زيادة: "أصل".
(2)
"قال" ليست في "ت".
(3)
في "ت" زيادة: "الخدري".
(4)
تقدم تخريجه. وانظر: "الصحاح" للجوهري (5/ 1974).
(5)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1526/ 35).
(6)
"وفي بعضها: "حتى يستوفيه" وفي بعضها: "حتى يستوفيه ويقبضه" وهما بمعنى واحد" ليس في "ت".
(7)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1525/ 31).
(8)
في "ت": "فاختلف".
قال الإمام: وانفرد عثمانُ البَتِّيُّ، فأجازه في كل شيء.
ومنعه أبو حنيفة في كلِّ شيء، إلا العقارَ، وما لا يُنقل (1).
ومنعه آخرون في سائر المكيلات والموزونات.
ومنعه مالكٌ في سائر المكيلات والموزونات، إذا كانت طعامًا، وروي ذلك عن عثمان رضي الله عنه؛ وبه قال ابنُ المسيب، وربيعةُ، ويحيى بن سعيد.
التوجيه: تعلَّقَ مَنْ منعَ على الإطلاق بقوله: نهَى عَنْ ربحِ ما لم يضمَنْ (2)، ولم يفرق، وعضدَ ما قاله -أيضًا- بما ذكره ابنُ عمر من منع بيعِ الطعام الجزافِ حتى يؤووه إلى رحالهم، واستثنى أبو حنيفة ما لا يُنقل؛ لتعذُّرِ الاستيفاءِ فيه المشارِ إليه في قوله: نهى عن بيعِ الطعامِ حَتَّى يُسْتَوْفى، فيقول مَنْ منع سائرَ المكيلات: يقتضب (3) من هذا علة (4)، ولا يصحُّ التعليلُ إلا بالكيل، وقد نبه صلى الله عليه وسلم بقوله:"حَتَّى يَكْتَالَهُ"، فأجرى سائرَ المكيلات مجرى واحد.
(1) في "ت": "وما ينقل".
(2)
رواه النسائي (4629)، كتاب: البيوع، باب: سلف وبيع، والترمذي (1234)، كتاب: البيوع، باب: ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (2188)، كتاب: التجارات، باب: النهي عن بيع ما ليس عندك وعن ربح ما لم يضمن، من حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
(3)
في "ت": "نقصت".
(4)
في "ت": "علته".
ويقول مالك: فإن دليلَ خطاب الحديث يقتضي جوازَ غيرِ الطعام، ولو كان سائرُ المكيلات (1) ممنوعًا بيعُها قبلَ قبضِها، لما خُصَّ الطعامُ بالذكر، فلما خَصَّه، دل على أن ما عداه بخلافه.
ويمنع من تعليل هذا الحديث بالكيل؛ لأنه تعليلٌ ينافيه دليل (2) الخطاب المعلل، والدليلُ كالنطق عن بعض أهل الأصول (3).
وقد أشار بعض أصحاب مالك إلى أن العلةَ العِينَةُ، واستدلَّ بقول ابن عباس الذي ذكرناه؛ لما سئل فقال: أَلا تراهم يَتبايعونَ بالذَّهَبِ والطعامِ (4) مُرْجَأً (5)؛ أي: مؤخرًا، وكأنهم قصدوا أن يدفعوا (6) ذهبًا في أكثرَ منه، والطعامُ محلل.
وفي "البخاري" عنه: دَرَاهِمَ بِدَراهِمَ، والطعامَ مُرْجَأً (7).
قال الإمام: وقد تردد (8) بعضُ أصحابنا في الطعام إذا أمن فيه من العِينَة، التي هي سببٌ للمنع على ما قال (9) ابن عباس؛ هل يُمنع بيعهُ
(1) قوله: "مجرى واحد. ويقول مالك: فإن دليل خطاب الحديث يقتضي جواز غير الطعام، ولو كان سائر المكيلات" ليس في "ت".
(2)
في "خ": "دلَّ".
(3)
في "ت": "الأصوليين".
(4)
في "ت": "بالطعام والذهب".
(5)
رواه مسلم (1525/ 31)، كتاب: الييوع، باب: بطلان بيع المبيع قبل القبض.
(6)
في "ت": "يدفعوها".
(7)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (2025).
(8)
فى"ت": "تمرَّد".
(9)
في "ت": "ما قاله".
قبلَ قبضه؛ لظاهر الخبر (1)، أو يُسَهَّل فيه؟
قال (2): ورأيتُه يميل للتسهيل -في مقتضى كلامه- إذا وقع البيعُ فيه بالنقد، وما أظن عثمانَ البتيَّ سلكَ في إجازته بيعَ كل شيء قبلَ قبضه إلا هذه الطريقةَ، وإن كان مذهبًا انفردَ به، وهو شاذٌّ عند العلماء، أضربَ عن ذكره كثير منهم.
وإذا وَضَحَ مأخذُ كلّ مذهب من هذه المذاهب، فينفصل أصحابُنا عن تعلُّق الشافعي بقوله: نهى عن ربحِ ما لم يُضْمَنْ، بجوابين:
أحدهما: أن يُحمل (3) على بيع الخيار، وأن يبيع (4) المشتري قبل أن يختار.
والثاني: أن يُحمل ذلك على الطعام، ويُخص عمومُ هذا إذا حملناه على الطعام بإحدى طريقين: إما دليلُ الخطاب من قوله: نهى عن بيعِ الطعامِ حتى يُستوفى، فدلَّ على أن ما عداه بخلافه، ويُخص بما ذكره ابنُ عمر من أنهم كانوا يبيعون الإبلَ بالدراهم، ويأخذون عنها ذهبًا، أو بالذهب، ويأخذون عنها دراهمَ، وأضاف إجازةَ ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا إجازةُ ربحِ ما لم يضمَنْ في العين، ويقيس عليه ما سوى الطعام، ويخص به النهي عن (5) ربح ما لم
(1) في "ت": "الحديث".
(2)
"قال" ليست هي "ت".
(3)
في "ت": "يحمله".
(4)
في "ت": "بيع".
(5)
"ربح ما لم يضمن في العين، ويقيس ما سوى الطعام، ويخص به النهي عن" ليس في "ت".
يضمن، واللَّه أعلم (1).
قلت: وظاهرُ هذا الحديث أو نصُّه يقتضي اختصاصَ المنع بأن يكون الطعام مملوكًا بالبيع دونَ الهبة، والصدقةِ، والقرضِ، و (2) نحو ذلك، ويقتضي -أيضًا- أن يكون الممنوع هو البيع قبلَ القبض، أما لو وهبه، أو تصدق به، أو رهنه، فلا يدل عليه لفظُ الحديث، فأما الإجارةُ فحكمُها حكمُ البيع؛ لأنها بيعُ منافعَ في الحقيقة، وكذلك النكاحُ؛ لأن المرأة مبتاعَة له بمنافع بُضعِها، وكذلك مَنْ ملك طعامًا بأَرْشِ جناية، أو مصالحة عن دم، أَو قضاء عن دين، فإنه لا يجوز له بيعُه قبل قبضه؛ لأن حقيقة البيع: انتقالُ الملكِ بعِوَضٍ، وقد وُجدت.
فأما القرض، فيجوز بيعُه قبلَ قبضه عندنا؛ لأن القرضَ ليسَ ببيعٍ، وكذلك مَنْ وُهِبَ له طعامٌ، أو تُصُدِّق به عليه؛ فإنه يجوز لهُ بيعُه قبلَ قبضه.
واختلفَ أصحابُ الشافعيِّ في الرهن والهبة قبلَ القبض، والأصحُّ عندهم: المنعُ، وكذلك اختلفوا في التزويج، وخالفونا -أيضًا- في جواز الشركة والتولية، فلم يجيزوهما (3) قبلَ القبض، وحديث:"وأَرْخَصَ في التولية، والشَّرِكةِ، والإقالَةِ"(4) دليلٌ لنا عليهم، واللَّه أعلم (5).
(1) انظر: "المعلم" للمازري (2/ 251) وما بعدها.
(2)
في "ت": "أو".
(3)
في "ت": "يجيزوها".
(4)
رواه عبد الرزاق في "المصنف"(14257)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(21327)، وأبو داود في "المراسيل"(198)، عن ابن المسيب مرسلًا بلفظ:"التولية والإقالة والشركة سواء لا بأس به".
(5)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 150).