الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
221 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وقد وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَم يَمْنَعْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا، إِلَّا الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1525)، كتاب: الحج، باب: كيف كان بدء الرمل؟ و (4009)، كتاب: المغازي، باب: عمرة القضاء، ومسلم (1266/ 240، 241)، كتاب: الحج، باب: استحباب الرمل في الطواف والعمرة، وأبو داود (1886)، كتاب: المناسك، باب: في الرمل، والنسائي (2945)، كتاب: الحج، باب: العلة التي من أجلها سعى النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 342)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 376)، و"شرح مسلم" للنووي (9/ 12)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 44)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 1001)، و"التوضيح" لابن الملقن (11/ 363)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 470)، و"عمدة القاري" للعيني (9/ 248)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 165)، و"كشف اللثام" للسفاريني (4/ 246)، ولا سبل =
* الشرح (1):
قدومُه عليه الصلاة والسلام كان في عُمرة القضاء، ولم يكن في الحجَّة.
ق: وأُخذ (2) من هذا: أنه نسُخ (3) منه عدمُ الرمل فيما بين الركنين؛ فإنه ثبت أنه عليه الصلاة والسلام رَمَلَ من (4) الحجَرَ إلى الحجَر، وذكر أنه كان في الحجِّ، فيكون متأخِّرًا، فيقدَّم على المتقدِّم.
وفيه: دليلٌ على استحباب الرَّمَل، والأكثرون على استحبابه مطلَقًا في طوافِ القدوم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، وإن كانت العلَّة التي ذكرها ابنُ عباس قد زالت، فيكون استحبابهُ في ذلك الوقت لتلك العلَّة، وفيما بعد ذلك تأسيًا واقتداء بما فُعِلَ في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي ذلك من الحكمة تذكُّرُ الوقائع الماضية للسلف الكرام، وفي طَيِّ تذكُّرِها مصالحُ دينية؛ إذ تبين في أشياءَ كثيرة ما كانوا عليه من امتثالِ أمرِ اللَّه تعالى، والمبادرةِ إليه، وبذلِ الأنفس (5) في ذلك، وبهذه النكتة (6)
= السلام" للصنعاني (2/ 205)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 111).
(1)
قوله: "الشرح" ليس في "ز".
(2)
في "ت": "وقد أخذ".
(3)
في "ز": "فسخ".
(4)
في "ت": "فيما بين".
(5)
في "ت" و"ز": "النفس".
(6)
في "ت": "الثلاثة".
يظهر (1) الآن كثيرٌ من الأعمال التي وقعت في الحج، ويقال فيها: إنها تعبُّد؛ كما قيل: ألا ترى أنا إذا فعلناها، وتذكَّرنا أسبابها، حصلَ لنا من ذلك تعظيمُ الأولين، وما كانوا عليه من احتمال المشاقِّ في امتثال أمر اللَّه تعالى، وكان (2) هذا التذكُّر باعثًا على مثلِ ذلك، ومقرِّرًا في أنفسنا تعظيمَ الأولين، وذلك (3) معنًى معقول.
مثالهُ: السعيُ بين الصفا والمروة، إذا فعلناه وتذكَّرْنا أن سببَه قصةُ هاجرَ مع ابنها، وتركُ (4) الخليلِ عليه السلام لهما في ذلك المكان الموحشِ منفردَيْن مُنقطِعَي (5) أسبابِ الحياة بالكلية، مع ما أظهره اللَّه تعالى من الكرامة والآية في (6) إخراج الماء لهما، كان في ذلك مصالحُ عظيمةٌ؛ أي: في التذكر لذلك الحال (7).
وكذا رميُ الجِمار، إذا فعلناه، فتذكرنا (8) أن سببه رميُ إبليسَ بالجمار في هذه المواضع عندَ إرادةِ الخليلِ ذبحَ ولده، حصلَ من ذلك
(1) في "ز": "تظهر".
(2)
في "ز": "فكان".
(3)
في "ز": "في".
(4)
في "ت": "تردد".
(5)
في "ت": "منقطعين".
(6)
في "ت": "من".
(7)
في "ت": "كالحال".
(8)
في "ت: "وتذكرنا".
مصالحُ عظيمةُ النفعِ في الدين (1).
(2)
الرَّمَلُ والرَّمَلانُ: -بفتح الميم-: الهَرْوَلَةُ، وهو من الألفاظ المشتركة، تقع (3) أيضًا (4) على جنس من العَرُوض، كأنه -واللَّه أعلم- من العَروض -بفتح العين (5) - الذي استنبطَه الخليلُ شاهد (6)، وعلى القليل من المطر، وعلى خُطوط تكون (7) في قوائم البقرة الوحشية تُخالف سائرَ لونها (8).
والشوط في الأصل: الطَّلَق، يقال: عَدا شَوْطًا، أي: طَلَقًا -بفتح اللام-، والمراد به هنا: الطوافُ بالبيت مرة من الحَجَر إلى الحَجَر (9).
وقد كره الشافعيُّ وبعض المتقدمين (10) تسميتَه بذلك، والحديثُ
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 44).
(2)
في "ز" و"ت" زيادة: "و".
(3)
في "ت": "يقع".
(4)
"أيضًا" ليس في "ت".
(5)
"كأنه -واللَّه أعلم- من العروض -بفتح العين-" ليس في "ز".
(6)
"كأنه -واللَّه أعلم- من العَروض -بفتح العين- الذي استنبطه الخليل شاهد" ليس في "ت".
(7)
في "ز": "يكون".
(8)
انظر: "الصحاح" للجوهري (4/ 1713)، (مادة: رمل).
(9)
المرجع السابق (3/ 1138)، (مادة: شوط).
(10)
في "ت" زيادة: "من".
على خلافه، وإنما لم يَرْمُلوا فيما بين الركنين؛ لأن المشركين لا يرونهم في هذا المكان؛ إذ العلةُ إنما كانت حينئذ إظهارَ الجَلَد، وإنكاءَ (1) المشركين (2)، ومناقضتَهم (3) بذلك، حيث قالوا عن الصحابة: وَهَنَتْهُم حُمَّى يثربَ؛ أي: أضعفَتْهم، يقال: وَهَنَ الإنسانُ، وَوَهَنَهُ غيرُه، يتعدَّى ولا يتعدَّى، ويقال -أيضًا-: وَهِن -بالكسر-، وَأَوْهَنَتْه، وَوَهَّنَتْه تَوْهينًا.
ولتعلمْ: أن الرملَ مستحبٌّ، ولا شيء على مَنْ تركه جَهْلًا أو عمدًا. ونقل الخطابي عن سفيان الثوري: أنه يراه سنةً مؤكَّدَةً، ويوجب بتركه دمًا (4).
قلت: وقد نُقل ذلك عن مالك.
قال الأبهري: لأنه ترك شيئًا مستحبًا، وذلك أحوطُ (5)، ثم رجعَ فقالَ: لا دم عليه.
قال الأبهري -أيضًا-: لأن ذلك هيئةُ العمل (6)، فإذا تركه الإنسان،
(1) في "ز": "وإنهاء".
(2)
في "ت": "للمشركين".
(3)
في "ز": "ومنافقتهم".
(4)
انظر: "معالم السنن" للخطابي (2/ 194).
(5)
في "ت": "أحرى".
(6)
في "ز": "للعمل".
فلا شيء عليه؛ كما لو ترك رفعَ اليدين في الصلاة، والتبدئةَ بالميامن في الوضوء، وهو مختصٌّ بالرجال دون النساء؛ لأن إسراعَهن عورةٌ، واللَّه أعلم.
* * *