الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المحرم يأكل من صيد الحلال
الحديث الأول
246 -
عَنْ أَبي قتادَةَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ حَاجًّا، فَخَرَجُوا مَعَهُ، فَصَرَفَ طَائِفَةً مِنْهُمْ، فِيهِمْ أَبُو قتادَةَ، وقَالَ:"خُذُ سَاحِلَ البَحْر حَتَّى نَلْتَقِيَ"، فَأَخَذُوا سَاحِلَ البَحْرِ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا، أَحْرَمُوا كلُّهُمْ، إِلَّا أَبُو (1) قتادَةَ لَمْ يُحْرِمْ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ، إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ، فَحَمَلَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَى الحُمُرِ، فَعَقَرَ مِنْهَا أتانًا، فَنَزَلْنَا، فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهَا، ثُمَّ قُلْنَا: أَنَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ؟! فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا، فَأَدْركْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ:"فِيكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا؟ "، قَالُوا: لَا، قَالَ:"فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا"(2).
(1) في "ت": "أبا".
(2)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1725)، كتاب: الإحصار وجزاء الصيد، باب: إذا صاد الحلال، فاهدى للمحرم الصيد، أكله، و (1726)، باب: إذا رأى المحرمون صيدًا فضحكوا، ففطن الحلال، و (1727)، =
وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ: "هَلْ مَعَكُمْ [منه] شَيْءٌ؟ "، فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَنَاوَلْتُهُ العَضُدَ، فَأَكَلَهَا (1).
= باب: لا يعين المحرم الحلال في قتل الصيد، و (1728)، باب: لا يشير المحرم إلى الصيد لكي يصطاده الحلال، و (3918)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية، ومسلم (1196/ 56 - 62)، كتاب: الحج، باب: تحريم الصيد للمحرم، وأبو داود (1852)، كتاب: المناسك، باب: لحم الصيد للمحرم، والنسائي (2824، 2825)، كتاب: الحج، باب: تحريم الصيد للمحرم، والنسائي (2824، 28250)، كتاب: الحج، باب: إذا ضحك المحرم، ففطن الحلال للصيد فقتله، أياكله أم لا؟ و (2826)، باب: إذ أشار المحرم إلى الصيد فقتله الحلال، والترمذي (847، 848)، كتاب: الحج، باب: ما جاء في أكل الصيد للمحرم، وابن ماجه (3093)، كتاب: المناسك، باب: الرخصة في ذلك إذا لم يُصد له.
(1)
رواه البخاري (2431)، كتاب: الهبة، باب: من استوهب من أصحابه شيئًا، و (2699)، كتاب: الجهاد، باب: اسم الفرس والحمار، و (2757)، باب: ما قيل في الرماح، و (5090، 5091)، كتاب: الأطعمة، باب: تعرق العضد، و (5172)، كتاب: الذبائح والصيد، باب: ما جاء في التصيد، و (5173)، باب: التصيد على الجبال، ومسلم (1196/ 63)، كتاب: الحج، باب: تحريم الصيد للمحرم.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"الاستذكار" لابن عبد البر (4/ 121)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (4/ 74)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 198)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 280)، و"شرح مسلم" للنووي (8/ 108)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 93)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 1073)، و"التوضيح" لابن الملقن (12/ 323)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 22)، و"عمدة القاري" =
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: اختُلف في عِدَّة (1) الطائفة، فقيل: أقلُّها ثلاثةٌ، أو أربعة، وهي صفةٌ غالبة، فإنها الجماعة الحافة حولَ الشيء المطيفة به.
وعن ابن عباس في تفسيرها: أربعةٌ إلى أربعين رجلًا.
وعن الحسن: عشرة.
وعن قتادة: ثلاثة فصاعدًا.
وعن عكرمة: رجلان فصاعدًا.
وعن مجاهد: الواحد فما فوقه.
وأظهرُ هذه الأقوال قولُ ابن عباس، وأبعدُها قولُ مجاهد (2).
والساحل: شاطىء البحر.
قال ابن دريد: هو مقلوب، وإنما الماء سحله.
والبحر، قيل: يسمى بحرًا؛ لعمقه واتساعِه، ويُجمع على: أَبْحُر، وبِحار، ويُحور، وكلُّ نهرٍ عظيمٍ بحرٌ (3)، قالوا: وكيف (4) تقلَّبَتْ حروفُ
= للعيني (10/ 166)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 296)، و"كشف اللثام" للسفاريني (4/ 450)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 193)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 90).
(1)
في "ت": "عدّ".
(2)
انظر: "الكشاف" للزمخشري (3/ 214).
(3)
انظر: "لسان العرب" لابن منظور (4/ 41)، (مادة: بحر).
(4)
في "ت" زيادة: "ما".
ب ح ر، دلت على الاتساع؛ كبحر، ورحب، وحبر، ونحو (1) ذلك.
وقوله: "فعقر منها أتانًا؛" أي: جرح منها حمارًا أنثى.
الثاني: اعتُذر عن عدمِ إحرامِ أبي قتادة رضي الله عنه، مع كونهم خرجوا للحج، ومروا بالميقات، بوجوه (2):
أولها وأولاها: ما دلَّ عليه أولُ (3) الحديث من أنه أُرسل (4) إلى جهة أخرى ليكشفَها، فكان الالتقاءُ معه بعد مضيِّ مكان الميقات.
وثانيها وأضعفُها: أنه لم يكن مريدًا للحج (5).
وثالثها: أن ذلِكَ كانَ قبلَ توقيتِ المواقيتِ، وفيه نظر.
الثالث: فيه: الاجتهادُ في زمنه عليه الصلاة والسلام، وقد تقدم ما في ذلك، فإنهم إنما أكلوا بالاجتهادِ دون النصِّ.
وفيه -أيضًا-: وجوبُ الرجوع إلى النصِّ عندَ تعارضِ الأشباهِ والاحتمالات.
الرابع: قوله: عليه الصلاة والسلام: "فيكم (6) أحدٌ أَمَرَه أن
(1) في "ت": "وغير".
(2)
في "ت": "لوجوه".
(3)
"أول" ليس في "ت".
(4)
"من أنه أرسل" ليس في "ت".
(5)
في "ت": "الحج".
(6)
في "ت": "منكم".
يحملَ عليها؟ "، إلى آخره يدلُّ على جواز أكل المحرِمِ الصيدَ الذي لم يأمرْ باصطياده، ولا شاركَ في اصطياده بإشارة ولا غيرِها، فإن كان في شيء من ذلك، امتنعَ أكلُه؛ فإن مفهوم الحديث: أنهم لو فعلوا ذلك، لكان سبباً للمنع.
وقد اختُلف في أكل المحرِم لحمَ الصيد على مذاهب ثلاثة:
فذهب بعض السلف: إلى منعه على الإطلاق؛ صِيَد (1) لأجله، أو لا، وكأنه تمسَّك بحديث الصَّعْبِ بنِ جَثَّامَةَ الآتي (2).
وذهب مالك، والشافعي: إلى أنه ممنوع، إن صاده، أو صيد لأجله، سواء كان بإذنه، أو بغير إذنه.
والمذهب الثالث: التفرقةُ بين أن يكون اصطادَه بإذنه، أو بدلالته (3)، فيحرُم، أو لا يكون كذلك، فيحِلُّ (4).
مسألة: قال أصحابنا: لا بأس بكل المحرم من لحمِ صيدٍ صاده حلالٌ لنفسه، أو لحلالٍ، ولا يكل من لحمِ صيدٍ صاده، أو صِيدَ من أجله، وما (5) ذُبح من الصيد بيده، أو صاده بكلبه، فهو ميتةٌ، لا يحل
(1) في "ت": "حينئذ".
(2)
في "ت" زيادة: "بعد".
(3)
في "ت": "بدلالة".
(4)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 94).
(5)
في "ت": "من".
أكلُه لحلال، ولا لحرام (1)، حتى لو وَداه، ثم أكل (2) من لحمه، فلا جزاء عليه لما أكل؛ كما إذا أكل الميتةَ، وما ذُبح من أجل محرِمٍ بأمره، أو بغير أمره، أو ذبحه حلالٌ أو حرامٌ (3)، فلا يأكله المحرِمُ، ولا غيرُه.
وروي عن ابن القاسم: أنه إن كان عالمًا به (4) أَنه صِيدَ من أجله، أو (5) من أجل محرِمٍ سواه، فالجزاءُ عليه، وإن لم يعلم، فلا شيء عليه، وإن صِيَد من أجلِهِ.
وروي عن مالك في "المختصر"، وكتاب "ابن المواز"، و"العتبية": أنه (6) لا جزاء على من لم يُصَدْ من أجله من المحرِمين.
وقال أصبغ: لا جزاء عليه، وإن صيد من أجله، وإن علم؛ كمن أكل ميتةً محرمةً، وغير هذا خطأ (7).
وأحكام الجزاء مبسوطة في كتب الفقه.
(1) في "ت": "ولا حرام".
(2)
في "ت": "فأكل".
(3)
"أو حرام" ليس في "ت".
(4)
"به" ليس في "ت".
(5)
في "ت": "و".
(6)
في "ت": "إذ".
(7)
وانظر: "الذخيرة" للقرافي (3/ 177)، و"التاج والإكليل" لابن المواق (3/ 177).
الخامس (1): في قوله عليه الصلاة والسلام في الرواية الأخرى: "هَلْ معكم منه شيءٌ"(2) ثلاثة أمور:
تبسُّطُ الإنسان إلى صاحبه في مثل هذا.
والثاني: المبالغةُ في بيان الأحكام.
والثالث: الزيادةُ في تطييب قلوبهم من حيث موافقتُهم في الأكل منه (3)، وهذا آخذٌ بحُجْزَةِ قوله عليه الصلاة والسلام:"لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، ما سُقْتُ الهَدْيَ" على ما تقدمَ بيانه، وأن ذلك كان (4) تطييبًا لقلوبهم، {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124]، {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]، {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوية: 128]، صلى الله عليه وسلم.
السادس (5): العَضُد: الساعِدُ.
قال الجوهرى: وهو عن المِرْفَقِ إلى الكَتِف (6)، فيه (7) أربعُ لغات:
(1) في "خ": "الرابع".
(2)
في "ت": "شيء منه".
(3)
في "ت": "أكله" بدل "الأكل منه".
(4)
في "ت": "كان ذلك".
(5)
في "خ": "الخامس".
(6)
في "ت": "الكف".
(7)
في "ت": "وفيه".
عَضُد مثل: رَجُل (1)، وعَضِد مثل: كَتِف، وعَضْد مثل: فَلْس، وعُضْد مثل: قُفْل (2).
قلت: وقد غلط الجوهري رحمه الله في قوله: ساعدا الإنسان عضُداه (3)، وقيل: إنما ساعداه ذِراعَاهُ، وهو الحقُّ إن شاء اللَّه.
* * *
(1) في "ت": "كرجل".
(2)
انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 509)، (مادة: عضد).
(3)
في "ت": "أعضاده".