الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
254 -
عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْع الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ، قِيلَ: وَمَا تُزْهِي؟ قَالَ: "حَتَّى تَحْمَرُّ"، قَالَ:"أَرَأَيْتَ إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟ "(1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (2001)، كتاب: الزكاة، باب: من باع ثماره أو نخله أو أرضه أو زرعه، و (2083)، كتاب: البيوع، باب: بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، و (2085)، باب: بيع النخل قبل أن يبدو صلاحها، و (2086)، باب: إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، ثم أصابته عاهة، فهو من البائع، و (2094)، باب: بيع المخاضرة، ومسلم (1555/ 15، 16)، كتاب: المساقاة، باب: وضع الجوائح، والنسائي (4526)، كتاب: البيوع، باب: شراء الثمار قبل أن يبدو صلاحها، وابن ماجه (2217)، كتاب: التجارات، باب: النهي عن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"الاستذكار" لابن عبد البر (6/ 303)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 218)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 387)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 216)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 127)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 1113)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 234)، و"التوضيح" لابن الملقن =
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: قوله: "حَتَّى تُزْهِيَ": هو بضم التاء لا غير.
قال ابنُ الأعرابي (1): يقال: زَهَا النخلُ، يَزْهُو: إذا ظهرتْ ثمرتُه، وأَزْهَى يُزْهِي: إذا احمرَّ أو (2) اصفرَّ.
وقال الأصمعي: لا يقال في النخل: أزهى (3)، إنما يُقال: زها، وحكاهما أبو زيدٍ لغتين.
وقال الخليل: أَزْهَى النخلُ: بدا صلاحُه.
قال الخطابي: هكذا (4) يُروى حتى يَزْهُو (5)، والصواب في العربية: حتى تُزْهِيَ.
قلت (6): ووجهُه (7): أن الأصل: حتى تَزْهُوَ؛ لأنه من الزَّهْو،
= (14/ 478)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 397)، و"عمدة القاري" للعيني (9/ 84)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (4/ 90)، و"كشف اللثام" للسفاريني (4/ 510)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 275).
(1)
في "خ" و"ت": "ابن العربي"، والصواب ما أثبت.
(2)
في "خ": "و".
(3)
"أزهى" ليس في "ت".
(4)
في "ت": "وهكذا".
(5)
في "ت": "تزهوا".
(6)
"قلت" ليس في "ت".
(7)
في "ت": "ووجه".
فكان لقلب الواو ياءً موجبان: أحدهما: وقوعُها رابعة (1)، والثاني: كسرُ ما قبلها، فهي كيُدعي ويُغْزي، وأشباههما، إذا عُدِّيَتْ بهمزة النقل، فلما قُلبت الواو ياء، صار تُزْهي، واللَّه أعلم.
قال الخطابي: والإزهاء في العربية (2): أن تحمرَّ أو تصفرَّ، وذلك علامةُ الصلاح فيها، ودليلُ خلاصِها من الآفة (3).
قال ابن الأثير: منهم من أَنْكَر تُزْهي، كما أن منهم من أنكر تَزْهُو.
وقال الجوهري: الزَّهْوُ: -بفتح الزاي-، وأهل الحجاز يقولون بضمها، وهو البُسْرُ الملوَّنُ، يقال: إذا ظهرت الحمرةُ أو الصفرةُ في النخل، فقد ظهر فيه الزَّهْوُ، وقد زَهَا النخلُ زَهْوًا، وأَزْهى لغةٌ.
فهذه أقوالُ أهل العلم فيه، ويحصلُ (4) من مجموعِها جواز ذلك كلِّه، فالزيادةُ (5) من الثقة مقبولة (6)، ومن نقل شيئًا لم يعرفه غيرُه، قبلناه إذا كان ثقةً (7).
(1) في "ت": "وقوعه أربعة".
(2)
كذا في "خ" و"ت". وفي المطبوع من "المعالم": "الثمر" بدل "العربية".
(3)
في "ت": "الآفات".
(4)
في "ت": "وتحصل".
(5)
في "ت": "والزيادة".
(6)
في "ت": "قبوله".
(7)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (10/ 178). وانظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2369)، (مادة: ز هـ ا)، و"معالم السنن" للخطابي (3/ 83).
الثاني: في هذه الرواية إشارةٌ لما تقدَّمَ من كون الثمار قبلَ بدوِّ صلاحها عُرضَةً للآفاتِ والعاهاتِ، وهي قولُه عليه الصلاة والسلام:"أرأيتَ إن منعَ اللَّهُ الثمرةَ بم يستحلُّ أحدُكم مالَ أَخيه؟ "، وإن كان قد اختُلف في ذلك، هل هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أو من كلام أنس؟
فائدة نحوية: اعلمْ: أن (ما)(1) الاستفهامية إذا كانت مخفوضة بالإضافة، أو بحرف الجر، حُذفت ألفُها، مثال الإضافة: قولُهم: مجيءَ مَ جئتَ؟ ومثلَ مَ أنت؟ ومثالُ حرف الجر: قوله تعالى: {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} [الحجر: 54]، {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: 1]، ومنه في هذا الحديث:"فَبِمَ يستحلُّ أحدُكم مالَ أخيه؟ "، وأشباه ذلك كثيرة.
وهذا بخلاف (ما) الخبرية، نحو قولك: رغبتُ فيما رغبتُ فيه، وجئتُ لما جئتَ إليه، فالألف ثابتة على حالها.
قالوا: والفرق بينهما من وجهين.
أحدهما: أن الاستفهام أكثرُ من الخبر، وما كَثُرَ استعمالُه، التُمِسَ تخفيفُه، ولا فرقَ في ذلك بين عمل اللسان وعمل البدن (2)، فلما حُذفت لفظًا، حذفت خَطًّا.
والثاني: أن (ما) الاستفهامية اسمٌ تامٌّ غيرُ مفتقرٍ إلى صلةٍ ولا صفةٍ، و (ما) الخبرية موصولةٌ، والموصولُ والصلةُ كالشيء الواحد،
(1) في "ت": "بما".
(2)
في "ت": "اليد".
فلو حُذفت ألف الخبرية، لوقع الحذفُ حشوًا لكلمة، ومحلُّ الحذف إنما هو الطرفُ (1)، وليس كذلك التامة؛ إذ لا صلةَ لها، فوقع الحذف فيها طَرَفًا (2) لا حَشْوًا، فليعلمْ ذلك؛ فإنه من النفائس (3) في فن العربية.
الثالث: إذا كان في الحائط الواحد نخلٌ، فطابَ بعضُه، جاز بيعُه كلِّه، إذا كان طيبه متلاحِقًا متتابِعًا، ولا يُشترط طيبه كلِّه، وهذا الحديث دليلٌ على ذلك؛ لدلالته على الاكتفاء بمسمَّى الإزهاء وابتدائه من غير اشتراطٍ لكماله؛ لأنه جعل الإزهاء غايةً للنهي، وبأَوَّلِه يحصُل المسمَّى.
ق: ويحتمل أن يُستدل به على العكس؛ لأن الثمرة المبيعةَ قبلُ -أعني: ما لم تُزْهِ (4) - من الحائط داخل تحتَ اسمِ الثمرة، فيمتنع بيعُه قبل الإزهاء، فإن قال بهذا قائل، فله أن يستدل بذلك (5).
قلت: إنما تخيل ذلك إذا جمدنا (6) على اللفظ، وأهملنا المعنى.
وبيانُ ذلك: أن الشرع جعل مطلَقَ الإزهاء علامةً للزمن الذي تؤمَن (7) فيه العاهةُ غالبًا، فحيثُ وُجدت العلامةُ -وإن قَلَّتْ-، عُمل
(1) في "ت": "الظرف".
(2)
في "ت": "ظرفًا".
(3)
"النفائس": بياض في "ت".
(4)
في "ت": "يَزْهُ".
(5)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 127).
(6)
في "ت": "حملنا".
(7)
في "ت": "يؤمن".
عليها، ولم يُرد الشارع إزهاءَ الجميع؛ لأن ذلك كان يؤدي إلى فساد الحائط، أو جُلِّه؛ لأنَّا لو لم نجوِّزْ بيعَه إلا بأن يعمَّ الصلاحُ الحائط كلَّه، لكان في ذلك ضرر عظيم، ومَشقَّة شديدة؛ إذ لا يكادُ يلحق (1) الآخرُ بالأول إلا بفساد الأول، وهذا حرجٌ عظيم ينافي وضعَ الشريعة السمحة؛ إذ لم يجعل اللَّه علينا في الدين مِنْ حَرَج، نعم، لو كان الذي أزهى باكورةً، لم يجز بيعُ متأخره معه، بل يباع المبكِّر (2) وحدَه، وإنما منع أن يُباع معه؛ لاستقلال المتأخِّر بعدم الإزهاء، فهو داخلٌ تحت النهي.
قال الأبهري: ولأنه لا يؤمَن فيه الجائحة إذا بيع في هذا الوقت، فيكون بيعُه غررًا، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الغَرَر، وهذا راجع لما ذكرناه من استقلاله عن المبكر بعدم (3) الإزهاء، وكذلك لو كان في الحائط نوعان من النخل؛ صيفي وشتوي، لم يُبع أحدُهما بطيبِ الآخر، بل يُباع ما طابَ وحدَه، فإذا طاب الآخرُ، بيع -أيضًا- وحدَه؛ كما لا يجوز بيعُ ثمرة السنة الثانية مع الأولى.
تكميل (4): لو لم يزه الحائطُ، وأزهى ما حوله من الحوائط، قال مالك: يجوزُ بيعه.
وقال ابن القاسم: أحبُّ إلي أن لا يبيعه حتى يزهي.
(1)"يلحق" ليس في "ت".
(2)
في "ت": "المكبر".
(3)
في "ت": "المبكر بعلم".
(4)
في "ت": "تذنيب".
قال ابن يونس: و (1) الأولُ أَقْيَسُ؛ لأنه لو مَلَكَ ما حولَه، جاز بيعُ بعضِها بإزهاء بعض.
قال القاضي عبدُ الوهاب: ولأن الزمانَ (2) الذي تؤمَنُ فيه العاهة غالبًا قد حصلَ (3).
وفي المسألة فروعٌ مستوفاة في كتب الفقه.
* * *
(1) الواو ليست في "ت".
(2)
في "ت": "الزمن"
(3)
وانظر: "الذخيرة" للقرافي (6/ 111).