الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
312 -
عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَها البَتَّةَ، وَهُوَ غَائِبٌ، وَفي رِوَايةٍ: طَلَّقَهَا ثلاثًا (1)، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكيلُهُ بِشَعِيرٍ، فَسَخِطَتْه (2)، فَقَالَ: وَاللَّهِ! مَالَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَه (3)، فَقَالَ:"لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَة"(4). وَفي لَفْظٍ: "وَلَا سُكْنَى"(5)، فَأمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ قَالَ: "تِلْكَ
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه مسلم (1480/ 38)، كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها، وأبو داود (2285)، كتاب: الطلاق، باب: في نفقة المبتوتة، والنسائي (3405)، كتاب: الطلاق، باب: الرخصة في ذلك، والترمذي (1135)، كتاب: النكاح، باب: ما جاء أن لا يخطب الرجل على خطبة أخيه، وابن ماجه (2035)، كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا هل لها سكنى ونفقة؟
(2)
في "ز": "فسخطه".
(3)
في "ز": "له ذلك".
(4)
رواه مسلم (1480/ 36)، كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها، والنسائي (3245)، كتاب: النكاح، باب: إذا استشارت المرأة رجلًا فيمن يخطبها، هل يخبرها بما يعلم؟
(5)
رواه مسلم (1480/ 37)، كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا لا نفقة =
امْرَأةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي، اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ؛ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى، تَضَعِينَ ثِيَابَكِ، فَإِذَا حَلَلْتِ، فَآذِنِيني"، فَلَمَّا حَلَلْتُ (1)، ذَكَرْتُ لَهُ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ رَسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا أبَو جَهْمٍ، فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ، فَصُعْلُوك لَا مَالَ لَهُ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ"، فَكَرِهَتْهُ، ثُمَّ قَالَ: "انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زيدٍ"، فَنَكَحَتْهُ، فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا، وَاغْتَبَطَتْ بِهِ (2).
= لها، وأبو داود (2288)، كتاب: الطلاق، باب: في نفقة المبتوتة، والنسائي (3405)، كتاب: الطلاق، باب: الرخصة في ذلك.
(1)
"فآذنيني، فلما حللت" ليس في "ز".
(2)
رواه مسلم (1480/ 36)، كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها، وأبو داود (2284)، كتاب: الطلاق، باب: في نفقة المبتوتة، والنسائي (3245)، كتاب: النكاح، باب: إذا استشارت المرأة رجلًا فيمن يخطبها، هل يخبرها بما يعلم؟
قلت: قد وهم المصنف رحمه الله في جعله الحديثَ من متفق الشيخين، وإنما هو مما انفرد به مسلم عن البخاري، كما نبه عليه الإشبيلي في "الجمع بين الصحيحين"(2/ 449)، حديث رقم (2456). وهكذا ذكر ابن الملقن في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام"(8/ 350)، وابن حجر في "فتح الباري"(9/ 478).
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (3/ 284)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (5/ 70)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 48)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 266)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 94)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 54)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1322)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 282)، و"كشف اللثام" للسفاريني (5/ 440)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 129).
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: أبو عَمْرِو بنُ حفصٍ هذا قيل: اسمُه كنيتُه، وقيل: اسمُه عبدُ الحميد. ع: وهو الأشهرُ في اسمه (1).
وقيل: اسمه أحمدُ، وقال بعضهم: أبو حفصِ بنُ عمر، وقيل: أبو حفصِ بنُ المغيرة، ومن قال: أبو عمرو بن حفص أكثرُ، قاله ق (2).
الثاني: قولها: "طلقها ثلاثًا": قال العلماء: هذا هو الصحيح المشهورُ الذي رواه الحُفَّاظ، واتفق على روايته الثقاتُ -على اختلاف ألفاظهم- في أنه طلقها ثلاثًا، أو البتةَ، أو آخرَ ثلاثِ تطليقات، أو طلقها ولم يذكر هذا ولا غيره.
وجاء في آخر "صحيح مسلم" في حديث الجساسة ما يفهم منه أنه ماتَ عنها، وليست (3) هذه الروايةُ على ظاهرها، بل هي وهمٌ، أو مؤولةٌ (4).
(1) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 48).
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 55). وانظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1719)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (6/ 221)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 500)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (7/ 287).
(3)
في "ز": "وليس".
(4)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 49).
قلت: والجمعُ بين هذه الروايات المختلفاتِ الألفاظِ: أن تكون قد تقدم له فيها تطليقتان؛ بأن (1) أتم الثالثةَ، فمن (2) روى: آخرَ ثلاث تطليقات، أو طلقها ولم يذكر عددًا ولا غيره، فظاهرٌ، ومن قال: ثلاثًا، أراد: تمامَ ثلاثٍ (3)، ومن روى: البتةَ، عبر بها عن الثلاث؛ إذ كانت في معناها؛ كما هو مذهبنا، ومذهبُ العامة، فعلى هذا، لا (4) متمسَّكَ لمن استدلَّ بهذا الحديث على جواز طلاق (5) الثلاث دفعةً وَاحدة (6).
الثالث: فيه: دليلٌ على جواز طلاقِ الغائب، وجوازِ الوكالةِ في أداء الحقوق، ولا خلاف في ذلك.
والوكيلُ: يرفع، على أنه المرسِل، وينصب، على أنه المرسَل، وهو القائل: مالكِ علينا (7) من شيء؛ إذ المطلِّقُ غائبٌ، ولما كان قائماَّ مَقام الموكِّل في ذلك، صحَّ له أن يقول: مالكِ علينا (8) من
(1) في "ز": "ثم".
(2)
في "خ": "ممن".
(3)
في "ت": "الثلاث".
(4)
في "ت": "فلا".
(5)
في "ت": "الطلاق".
(6)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 54).
(7)
في "ت": "عندنا".
(8)
في "ت": "عندنا".
شيء، وكأنه هو (1) -أيضًا- مدَّعًى عليه، وهذا (2) معروفٌ من لسان العرب، مشهورٌ.
وفيه: جوازُ استفتاءِ المرأة، وسماع المفتي كلامَها، وكذلك في التحاكم عند الإمام.
الرابع: قوله عليه الصلاة والسلام: "ليسَ لكِ علينا (3) نفقةٌ"، وفي لفظٍ:"ولا سُكنى": ظاهرُه: إسقاطُها، أو إسقاطُهما.
وقد اختُلف في المطلقةِ البائنِ الحائلِ، هل لها السكنى والنفقة، أم لا؟
فذكر مسلمٌ عن عمرَ رضي الله عنه، وهو قول أبي حنيفة، إثباتَهما.
وقال آخرون: بإسقاطِهما، وهو قولُ ابنِ عباس، وأحمدَ.
وقال مالك، والشافعي: لها السكنى دونَ النفقةِ.
فحجةُ من أثبتَهما (4): قولُه تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ} [الطلاق: 6] الآيةَ، وأما النفقة، فلأنها محبوسة عليه، وهذا عنده يوجب لها النفقة.
وحجةُ مَنْ أسقطَهما (5): قولُه عليه الصلاة والسلام في
(1)"هو" ليس في "ت".
(2)
في "ز" زيادة: "أيضًا".
(3)
في "ز" و"ت": "عليه".
(4)
في "ت": "أثبتها".
(5)
في "ت": "أسقطها".
الحديث: "لا نفقةَ لكِ عليه، ولا سكنى".
وحجةُ مالكٍ، والشافعيِّ في إثبات السكنى خاصةً: ما تقدَّمَ من قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ} [الطلاق: 6] الآيةَ، وهذا خبرُ واحد، فقد لا يخص به العمومُ، ولقوله تعالى:{وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] الآيةَ، ودليلُ خطابِ هذه الآية يقتضي عدمَ النفقة عند عدمِ الحملِ مع التصريح في الحديث بإسقاط النفقة.
قال الإمام: ولا يدخل التأويل في هذا كما دخل في السكنى، فأكَدَ هذا الخبرُ دليلَ خطابِ القرآن، فصار مالكٌ رحمه الله إليه.
قلت: يريد: ومن وافقَه.
وأما ما اعتَّل به ابنُ المسيب رضي الله عنه من قوله: تلكَ امرأةٌ فَتَنَت الناسَ، إنها كانت (1) لَسِنَةً، فوضعت على يدي (2) ابن أم مكتوم (3)، وقوله -أيضًا-: تلكَ امرأةٌ استطالَتْ على أحمائها بلسانِها (4)، فأمرَها عليه الصلاة والسلام أن تنتقلَ، وما قاله الإمامُ من احتمال أن يكون ذلك من أنها خافَتْ من ذلك المنزل؛ بدليل ما رواه من قوله: أخافُ
(1)"كانت" ليس في "ت".
(2)
في "خ" و"ز": "يد".
(3)
رواه أبو داود (2296)، كتاب: الطلاق، باب: من أنكر ذلك على فاطمة.
(4)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 69)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 433).
أن يُقتحمَ عليَّ (1)(2)، فسياقُ الحديث يأباه، فإنه يقتضي: أن سببَ اختلافِها مع الوكيل، وأن (3) الوكيل قال: لا نفقةَ لها، واقتضى ذلك أن سألتْ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأجابها عليه الصلاة والسلام بما أجاب، وذلك (4) يقتضي أن التعليل سببهُ (5) ما جرى من الاختلاف في وجوب النفقة، لا سببٌ آخَرُ.
والإجماعُ على وجوب النفقة للرجعية (6)، والخلافُ في وجوب السكنى والنفقة للمبتوتةِ (7) الحائل كما تقدم، وأما الحاملُ، فلها السكنى والنفقة، واللَّه أعلم.
الخامس: قوله: "فأمرها أن تعتدَّ في بيتِ أُمِّ شَريك (8) " إلى قوله: "تضعينَ ثيابَكِ": أم شريك هذه قرشيةٌ، وقيل: أنصارية، واسمها غُزَيَّةُ، وقيل: غُزَيْلَةُ -بغين معجمة مضمومة ثم زاي- فيهما،
(1) في "ت": "عليه".
(2)
رواه مسلم (1482)، كتاب: باب: المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها. وانظر: "المعلم" للمازري (2/ 204)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 53).
(3)
"وأن الوكيل" ليس في "ت".
(4)
في "ت": "ودليل".
(5)
في "ز": "بسبب".
(6)
في "ت": "الرجعية".
(7)
في "ت": "المبثوثة".
(8)
في "ت": "ابن أم مكتوم" مكان "أم شريك".
قيل: إنها التي وهبتْ نفسَها للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقيل غيرها، وقد تقدم ذلك قريبًا في حديث الواهبةِ نفسَها.
ح: ومعنى الحديث: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يزورون أُمَّ شريك، ويُكثرون الترداد إليها؛ لصلاحِها، فرأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن على فاطمةَ من الاعتداد عندَها حرجًا؛ من حيث إنه يلزمها التحفظُ من نظرهم إليها، ونظرِها إليهم، وانكشافِ (1) شيء منها، وفي (2) التحفظ من هذا مع كثرةِ دخولهم وتردُّدِهم مشقةٌ ظاهرة، فأمرَها عليه الصلاة والسلام بالاعتداد عند ابنِ أم مكتوم؛ لأنه لا ينظرُها، ولا يتردد إلى (3) بيته مَنْ يتردد إلى بيت أم شريك (4).
قلت: واختُلف (5) في اسم ابنِ أم مكتوم، فقيل: عمرو، وقيل: عبد اللَّه، وقيل: غيره.
قال بعضهم: فيه (6): جواز نظر المرأة إلى الرجل، وكونه معها إذا لم تنفرد به، وأن ما ينكشف (7) من الرجال للنساء (8) في تصرُّفهم
(1) في "ت": "واكتشاف".
(2)
"في" ليست في "ت".
(3)
في "خ": "إليه في".
(4)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (10/ 96).
(5)
في "ت": "واختلفوا".
(6)
"فيه" ليس في "ت".
(7)
في "ت": "يتكشف".
(8)
في "ز": "والنساء".
لا حرجَ فيه غير العورات؛ بخلاف النساء معهم.
قال ع، وتبعه ح ما معناه تضعيفُ هذا القول، وأن الصحيح الذي عليه جمهورُ العلماء أنه يحرمُ على المرأة النظرُ إلى الأجنبي، كما يحرم نظرُه إليها؛ لقوله تعالى:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30]، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31]، وأن (1) الفتنة مشتركة.
ح: ويدل عليه من السنة حديثُ نبهانَ مولى أم سلمة عن أم سلمةَ (2): أنها كانت هي وميمونة عند النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل ابنُ أم مكتوم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"احْتَجِبَا مِنْهُ"، فقالتا: إنه أعمى لا ينظر (3)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (4):"أفعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا؟ أَلَيْسَ تُبْصِرَانِهِ (5)؟! "، هذا الحديث (6) حسن، رواه أبو داود، والترمذي، وغيرهما. قال (7) الترمذي: هو حديث حسن (8). ولا يُلتفت إلى قدحِ مَنْ قدحَ فيه بغير حجَّة معتمدة.
(1) في "ت": "فإن".
(2)
"عن أم سلمة" ليس في "خ".
(3)
في "ز": "لا ينظرنا".
(4)
"احتجبا منه، فقالتا: إنه أعمى لا ينظر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم" ليس في "ت".
(5)
في "ز": "تنظرانه".
(6)
في "ز": "حديث".
(7)
في "ت": "وقال".
(8)
رواه داود (4112)، كتاب: اللباس، باب: في قوله عز وجل: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31]، والترمذي (2778)، كتاب: الأدب، باب: ما جاء في احتجاب النساء من الرجال. وانظر: "التلخيص الحبير" لابن حجر (3/ 148).
وأما حديثُ فاطمةَ بنتِ قيسٍ مع ابن (1) أم مكتوم، فليس فيه إذنٌ لها في النظرِ إليهِ، بل فيه: أنها تأمن عندَه من نظر غيره (2)، وهي مأمورة بغض بصرها، فيمكنها الاحترازُ عن النظر بلا مشقة؛ بخلاف مكثها في بيت أم شريك (3).
ع (4): وأما حديثُ نبهانَ، فيخص بزيادة حرمة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهن كما غُلِّظَ الحجابُ على الرجل فيهن، غُلِّظ عليهن في حقّ الرجال -أيضًا-؛ لعظم حرمتهن، وإلى هذا أشار أبو داود، وغيرُه من العلماء (5).
قلت: وهذا الكلام يقتضي أنه لا دليلَ في حديث نبهان؛ لوجود خصوصيةٍ (6) في أزواجه عليه الصلاة والسلام مفقودةٍ في غيرهن، فلا ينتظم ما استدلَّ به ح على هذا.
السادس: قوله عليه الصلاة والسلام: "فإذا حَلَلْتِ فآذِنيني": هو بمد الهمزة؛ أي: فأعلميني.
(1)"ابن" ليس في "خ".
(2)
في النسخ الثلاث: "غيرها"، والصواب ما أثبت.
(3)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (10/ 96).
(4)
"ع" ليس في "ز".
(5)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 57).
(6)
في "ت": "خصوصيته".
قيل: فيه: جوازُ التعريض في العِدَّة، واستبعده ع (1)؛ إذ ليس في قوله:"آذنيني"، أو "لا تَسبقيني بنفسِك" على الرواية الأخرى، غيرُ أمرها بالتربُّص، ولم يسمِّ لها زوجًا.
قال: وإنما يكون التعريض من الزوج، أو ممن يتوسَّطُ له بعد تعيينه ومعرفته، وأما في مجهول، فلا يصحُّ فيه التعريض؛ إذ لا تصحُّ مواعدتُه.
قال: لكن في الحديث ما يدل على منع التعريض، والخِطبة، والمواعدة في العِدَّة؛ إذ لم يذكر لها عليه الصلاة والسلام مرادَهُ، ولا واعدَها عليه، ولا خطبَها لأسامةَ (2).
وقولها: "خَطَباني"، ولم ينكر ذلك عليه الصلاة والسلام، دليل (3) جواز الخِطْبة على الخِطْبة، إذا لم يتراكَنا.
وقوله عليه الصلاة والسلام: "أَمَّا أبو جَهْمٍ، فلا يضعُ عصاه عن عاتقه": فيه تأويلان:
أصحُّهما: أنه كثيرُ الضربِ للنساء (4)؛ كما جاء مصرَّحًا به في الرواية الأخرى: "ضَرَّابٌ لِلنِّساءِ"(5) هكذا.
(1) في "ز": "خ".
(2)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 58).
(3)
في "ت": "حال".
(4)
من قوله: "إذا لم يتراكنا. . . " إلى هنا ليس في "ت".
(5)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1480/ 47).
والثاني: أنه كثيرُ الأسفار، ولعل قائلَ هذا الثاني لم تبلُغْه الروايةُ الأخرى (1).
والعاتِقُ: ما بين العُنق والمَنْكِب.
وفيه: دليلٌ على جواز استعمال المبالغة، وجواز إطلاق مثل هذه العبارة؛ فإن أباجهم لا بدَّ أن يضع (2) عصاه حالةَ نومه وأكلِه، وكذلك معاويةُ لا بدَّ أن يكون (3) له ثوبٌ يلبسه -مثلًا-؛ لكن اعتبر حالُ الغلبة، وأُهدر حالُ النادر واليسير، وهذا المجاز فيما قيل في أبي جهم أظهرُ منه فيما قيل في معاوية؛ لأن لنا أن نقول: إن لفظةَ (المال) انتقلت في العرف عن موضوعها الأصلي إلى ما له قدرٌ من المملوكات، أو ذلك مجازٌ شائع يتنزل منزلةَ النقل، فلا يتناول الشيءَ اليسير جدًا؛ بخلاف ما قيل في أبي الجهم (4)، قاله ق (5).
وهو الظاهر عندي، واللَّه أعلم.
وفيه: دليلٌ على جواز ذكر الإنسان بما فيه عندَ المشاورة وطلبِ النصيحة، ولا يكون ذلك من الغيبة المحرَّمَة، بل من النصيحة
(1) انظر: "شرح مسلم" للنووي (10/ 97).
(2)
في "ت": "تقع".
(3)
"أن يكون" ليس في "ت".
(4)
في "ز" و"ت": "أبي جهم".
(5)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 57).
الواجبة، وقد قال العلماء: إن الغيبة تُباح (1) في ستة مواضع، وقد تقدم ذكرُها أولَ الكتاب في حديث:"إِنهمَا لَيُعَذَّبَانِ" الحديث (2).
تنبيه: اعلمْ أن أبا الجَهْم (3) هذا (4): بفتح الجيم؛ مُكَبَّر، وهو المذكورُ في حديث الأَنْبجانية، وهو غير أبي الجُهيم (5) المذكورِ في حديث التيمم، وفي المرورِ بين يَدَيِ المصلي، فإن ذلك بضم الجيم، مصغر، وهو ابنُ حذيفة، القرشيُّ، العدويُّ؛ أعني: المكبرَ.
ع (6): ذكره الناسُ كلهم، ولم ينسبوه في الرواية، إلا يحيى بنُ يحيى الأندلسيُّ أحدُ رواةِ "الموطأ"، فقال: أبو جَهْم بنُ هشام، [وهو غلط، لا يعرف في الصحابة أبو جهم بن هشام] ولم يوافق يحيى (7) على ذلك أحدٌ من رواة "الموطأ"، ولا غيرهم (8).
وقوله عليه الصلاة والسلام: "وأَمَّا معاويةُ، فصُعلوكٌ لا مالَ له":
(1) في "ز": "لا تباح". وفي "ت": "الواجبة" مكان "تباح".
(2)
"الحديث" ساقط من "ت".
(3)
في "ز" و"ت": "أبا جهم".
(4)
"هذا" ليس في "ت".
(5)
في "ز": "أبي جهيم". وفي "ت": "أبي جهم".
(6)
"ع" ليس في "ز".
(7)
"يحيى" ليس في "ز".
(8)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 61)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 97).
فيه: ما تقدم من مجاز المبالغة.
والصُّعْلُوكُ -بضم الصاد-: الفقير.
قال الجوهري: وصعاليكُ العرب: ذُؤبابها (1)، والتَّصَعْلُكُ: الفقر، قال الشاعر:[الطويل]
غنينا (2) زَمَانًا بِالتَّصَعْلُكِ وَالْغِنَى
(3)
ويقال: تصَعْلَكَتِ (4) الإبلُ: إذا طرحَتْ أوبارَها (5).
وقوله عليه الصلاة والسلام: "انكحي أسامة":
فيه: جوازُ أمرِ المستشارِ بغير ما استُشير فيه إذا رأى ذلك نظرًا ومصلحةً.
وفيه: جوازُ نكاح غيرِ الكُفُؤِ في النسب؛ لأن فاطمةَ هذه قرشيةٌ، وأسامةُ بنُ زيد مولى، والكفاءةُ عندنا حقٌّ لها وللأولياء (6)، فإن تركوها، جاز، إلا الإسلام، فيُفسخ نكاحُ الكافرِ المسلمةَ، ولو (7) أسلمَ بعدَ العقد (8)، ويؤدَّبُ، إلا أن يُعذر بجهل، والنظر في
(1) في "ز": "ذؤبانها".
(2)
في "خ" و"ت": "عشنا".
(3)
في "ز" زيادة: "أي عشنا زماننا".
(4)
في "خ" و"ز": "صعلكت".
(5)
انظر: "الصحاح" للجوهري (4/ 1596).
(6)
في "ز": "والأولياء".
(7)
في "ت": "وإنْ".
(8)
في "خ": "العدة".
الدين، والحرية، والنسب، والقدر، والحال (1)، والمال، واختُلف في الجميع (2) إلا الإسلام.
وفي "المدونة": المسلمون بعضُهم لبعضٍ أكفاء، وفُرِّقَ بين عربيةٍ ومولًى، فاستعظمَ ذلك مالك رحمه الله، وتلا قولَه تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: 13] إلى قوله تعالى: {أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] والعبدُ كذلك.
وقيل: إلا العبد.
وقال ابنُ بشير: لا خلافَ منصوصٌ أن للزوجة ولمن قامَ لها فَسْخَ نكاحِ الفاسق، وأما الفاسقُ بالاعتقادِ، فقال مالك: لا يتزوج إلا (3) القدريَّة، ولا يزوَّجوا.
وعن ابن القاسم، فيمن دعتْ إلى زوج، وأبى وليُّها: إذا كان كُفُؤًا لها في القدر، والحال، والمال، زوَّجَها السلطان.
قال عبد الملك: وعلى هذا اجتمع (4) أصحابُ مالك، لا خلاف (5) بينهم في ذلك؛ هذا مذهبنا (6).
(1) في "ت": "والحلال".
(2)
في "ت": "الجسم".
(3)
"إلَّا" ليس في "ز".
(4)
في "ز": "جميع".
(5)
في "ز": "لاختلاف".
(6)
انظر: "جامع الأمهات" لابن الحاجب (ص: 261).
قال ابنُ هبيرة: واختلفوا في فقد الكفاءة، هل تؤثر (1) في إبطال النكاح؟
فقال أبو حنيفة: فقدُ الكفاءة يوجب للأولياء حقَّ الاعتراض.
وقال مالك: لا يُبطل النكاحَ فقدُها.
وعن الشافعي قولان:
الجديد منهما: أنه لا يُبطل النكاحَ عدمُها.
والقديم: أن فقدَها يُبطل (2).
وعن أحمد روايتان:
أظهرهما: أنه يَبْطُل النكاحُ بفقدها.
والأخرى: لا يبطل بفقدها، ويقف على إجازة الأولياء وإعراضهم (3).
قال: واختلفوا إذا زوَّجها بعضُ الأولياء بغير كفؤ (4) برضاها.
فقال مالك، والشافعي، وأحمد -في الرواية التي يقول فيها: فقدُ الكفاءة لا يُبطل النكاح-: لبقيةِ الأولياء الاعتراضُ.
وقال أبو حنيفة: يسقط حقُّهم، واللَّه أعلم (5).
(1) في "ز": "يؤثر".
(2)
في "ز" زيادة: "النكاح".
(3)
في "ت": "وإعراضهم".
(4)
في "ت" زيادة: "لها".
(5)
انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (2/ 121).
ق: وكراهتُها له إما لكونه مولًى، أو لسواده رضي الله عنه (1).
واغْتبَطَتْ (2): هو بفتح التاء والباء؛ ليبين (3) أنه ليس مبنيًا للمفعول؛ فإن الغبطة -على ما قاله أهل اللغة (4) -: أن يتمنى مثلَ حال المغبوط من غير أن يريدَ زوالَها عنه، وليسَ بحسد، تقول منه: غَبَطْتُه بما نال، أَغْبِطُه غَبْطا، وغِبْطَةً، فاغتبطَ هو؛ كقولك (5): منعتُه فامتنعَ، وحبستُه فاحتبسَ، قال الشاعر:[البسيط]
وَبَيْنَمَا المَرْءُ في الأَحْيَاءِ مُغْتبِطٌ
…
إذْا هُوَ الرَّمْسُ تَعْفُوهُ الأَعَاصِيرُ
أي: هو مغتبط.
قال الجوهري: أنشدنيه أبو سعيد: بكسر الباء؛ أي (6): مغبوط، قال: والاسم الغِبْطَة، وهو حُسن الحال، ومنه قولهم: اللهمَّ غَبْطًا لا هَبْطًا؛ أي: نسألك الغبطةَ، ونعوذُ بك من أن نهبطَ عن حالنا (7).
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (4/ 58).
(2)
في "ت" زيادة: "به"، قال ابن الملقن في "الإعلام" (8/ 359): وقع في بعض روايات مسلم زيادة: "به"، ولم يقع في أكثرها.
(3)
في "ت": "ليتبين".
(4)
"على ما قاله أهل اللغة" ليس في "ت".
(5)
في "خ" و"ت": "كقوله".
(6)
في "ت": "و" مكان "أي".
(7)
انظر: "الصحاح" للجوهري (3/ 1146)، (مادة: غبط).
فقولها: "واغتبطَتْ"؛ أي: غبطني غيري على ما نلتُ مع أسامة رضي الله عنه من خير، وحسنِ حال، واللَّه أعلم.
* * *