الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الحادي عشر
285 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ"، ثُمَّ يَقُولُ (1) أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟! وَاللَّهِ! لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ (2).
(1) في "ز": "قال".
(2)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (2331)، كتاب: المظالم، باب: لا يمنع جاره أن يغرز خشبه في جداره، ومسلم (1609)، كتاب: المساقاة، باب: غرز الخشب في جدار الجدار، وأبو داود (3634)، كتاب: الأقضية، باب: من القضاء، والترمذي (1353)، كتاب: الأحكام، باب: ما جاء في الرجل يضع على حائط جاره خشبًا، وابن ماجه (2335)، كتاب: الأحكام، باب: الرجل يضع خشبه على جدار جاره.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (4/ 180)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (7/ 192)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (6/ 105)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 317)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 530)، و"شرح مسلم" للنووي (11/ 47)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 224)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 1213)، "التوضيح" لابن الملقن (15/ 632)، و"فتح الباري" لابن حجر (5/ 110)، و"عمدة =
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: اختُلف في حَدِّ الجيرة، فقال الأوزاعي: أربعونَ دارًا من كلِّ ناحيةٍ جيرةٌ.
وقالت فرقةٌ: من سمعَ إقامةَ الصلاة، فهو جارُ ذلك المسجد، ويقدر (1) ذلك في الدور.
وقالت فرقة: من سمع الأذانَ.
وقالت فرقة: مَنْ ساكنَ رجُلًا في محلَّة أو مدينةٍ، فهو جارُهُ.
والمجاوَرَةُ مراتبُ، بعضُها ألصقُ من بعض؛ فأدناها (2): الزوجةُ، قال الأعشَى:
أَجَارَتَنَا بِينِي فَإِنَّكِ طَالِقَهْ
وبعدَ ذلك الجيرة الخلط (3).
واختلف أهلُ التفسير في قوله تعالى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36].
= القاري" للعيني (13/ 10)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (4/ 266)، و"كشف اللثام" للسفاريني (5/ 113)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 60)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 385).
(1)
في "خ": "ويقرر".
(2)
في "ت": "أدناها".
(3)
في "ز": "الخلطة".
فقال ابنُ عباس، ومجاهدٌ، وعكرمةُ، وغيُرهم: الجار ذو القربى: هو الجارُ القريبُ النسبُ (1)، والجارُ الجنبُ: الجارُ الذي لا قرابةَ بينَك وبينَه.
وقال نوفٌ الشامي: الجار ذو القربى هو: الجارُ المسلم، والجار الجنب هو: اليهودي، والنصراني (2).
وقالت فرقة: الجارُ ذو القربى هو: الجارُ القريبُ المسكَنِ (3) منكَ، والجارُ الجنب هو: البعيدُ المسكَنِ منكَ.
قال ابنُ عطية: وكأن هذا القول منتزعٌ من الحديث، قالت عائشة (4): يا رسولَ اللَّه! إن لي جارَين، فإلى أيهما (5) أُهْدي؟ قال عليه الصلاة والسلام:"إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ (6) بَابًا"(7).
وقيل: الجار الجنب: الزوجة.
وسُئل أعرابي عن الجار الجنب، فقال: هو الذي يجيء فيحلُّ حيثُ
(1) في "خ": "النسب".
(2)
في "خ": "والنصارى".
(3)
"المسكن" ليس في "ت".
(4)
في "ز": "رضي الله عنها سألت رسول اللَّه".
(5)
في "ز": "فلأيهما"، وفي "ت":"فأيهما".
(6)
في "ز" زيادة: "يا عائشة رضي الله عنها".
(7)
رواه البخاري (2140)، كتاب: الشفعة، باب: أي الجوار أقرب.
تقعُ (1) عينُكَ عليه (2).
قلت: والذي يقع لي: أن الجيرةَ على مراتب ثلاث:
أدناها وآكدُها: الجار المسلم ذو القرابة، ثم الجار المسلمُ (3) غيرُ ذي القرابة، ثم الجارُ الذميُّ، ومَنْ كان من هؤلاء أقربَ من حيثُ المسكن، زادَ تأكُّده، (4) واللَّه أعلم.
الثاني: روي: "خَشَبَةً" -بفتح الخاء والشين والتنوين على الإفراد-، وروي: بضم الخاء والهاء، على الجمع (5).
الثالث: قال الجوهري: الجَدْرُ والجدارُ: الحائطُ، وجمعُ الجدار جُدُرٌ، وجمع الجَدْرِ (6) جُدْران؛ مثل بَطْن وبُطْنان (7).
الرابع: اختلف المذهبُ عندنا هل هذا النهيُ على الإلزام، أو الندب؟ والمشهور: أنه على الندب، والحثِّ على محاسن الأخلاق، وحُسْنِ الجوار (8).
(1) في "ت": "يقع".
(2)
انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (2/ 50).
(3)
"ذو القرابة، ثم الجار المسلم" ليس في "ت".
(4)
في "ز" زيادة: "تأكيد".
(5)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (11/ 47).
(6)
"جُدْرٌ، وجمع الجُدرِ" ليس في "ز".
(7)
انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 609)، (مادة: جدر).
(8)
انظر: "المعلم" للمازري (2/ 329)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 317).
وللشافعي (1) -أيضًا (2) - قولان: والجديدُ: عدمُ الوجوب؛ كما يقول، وبه قال أبو حنيفة، والكوفيون.
وبالإيجاب قال أحمدُ، وأبو ثور، وأصحابُ الحديث، وهو ظاهرُ الحديث.
ومَنْ قال بالندب، قال: ظاهرُ الحديث: أنهم توقفوا عن العمل، ولهذا قال:"مالي أراكُمْ عنها مُعرضين؟ "، وهذا يدلُّ على أنهم فهموا منه الندبَ لا الإيجابَ؛ إذ لو كان واجبًا، ما اتفقوا كلُّهم أو أكثرُهم على الإعراض عنه، وهذا خلافُ ما فهمه ق من الحديث؛ فإنه قال: وفي قوله: "مالي أراكُمْ عنها معرضينَ؟ " إلى آخره، ما يُشعر بالوجوب (3)؛ لقوله:"واللَّه! لأرمينَّ بها بين أكتافِكم"، قال: وهذا يقتضي التشديدَ والخوفَ والكراهةَ لهم (4).
الخامس: قوله: "بينَ أكتافِكم": هو بالتاء المثناة فوق.
ع: ومعنى ذلك: إني أقولها، وأصرِّح بها بينكم، وأوجعُكم بالتوبيخ على تركِ ما رُغِّبَ فيه من ذلك، كما يُرمى بالشيء، فيضرب به بين الكتفين، أو قد يقول هذا لما جاء في رواية الترمذي وغيره: "فَطَأْطؤوا
(1) في "ز": "قال الشافعي".
(2)
"أيضًا" ليس في "ت".
(3)
في "ت": "بالرجوع".
(4)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 225).
رُؤوسَهم" (1)، ولم يُجيبوهُ (2)، (3) ويعضِدُه في رواية أبي داود: "فنكسوا رؤوسَهُم"، فقال: "مالي أراكُمْ أعرضْتُم؟ " (4).
وقد قرأه بعضُ رواة "الموطأ": أَكْنافِكُم -بالنون-، ومعناه: بينكم وفيما بينَ جوانبكم، والكَنَفُ: الجانب، قالوا: وهي روايةُ يحيى، وقد اختلف الرواة عنه في ذلك (5)، واللَّه أعلم (6).
* * *
(1) تقدم تخريجه عند الترمذي برقم (1353).
(2)
"ولم يجيبوه" ليس في "ز".
(3)
في "ز" زيادة: "وقد يكون معنى قوله معرضين هذا، أي: عن عظتي ووصيتي وكلامي؛ حين رآهم طأطؤا رؤوسهم ولم يجيبوه".
(4)
تقدم تخريجه عند أبي داود برقم (3634).
(5)
قال ابن عبد البر في "التمهيد"(10/ 221): اختلفوا علينا في أكتافكم وأكنافكم، والصواب فيه -إن شاء اللَّه، وهو الأكثر-: التاء.
(6)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 318).