الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث العَاشِرُ
259 -
عَنْ رَافِعٍ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ثَمَنُ الكَلْبِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ البَغِيِّ خَبِيثٌ، وَكَسْبُ الحَجَّامِ خَبِيثٌ"(1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه مسلم (1568/ 40، 41)، كتاب: المساقاة، باب: تحريم ثمن الكلب، وحلوان الكاهن، ومهر البغي، وأبو داود (3421)، كتاب: الإجارة، باب: في كسب الحجام، والنسائي (4294)، كتاب: الصَّيد والذبائح، باب: النهي عن ثمن الكلب، والترمذي (1275)، كتاب: البيوع، باب: ما جاء في ثمن الكلب.
قلت: لم يخرجه البخاري في "صحيحه" من رواية رافع بن خديج صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من أفراد مسلم، كما نبه عليه الحافظ عبد الحق الإشبيلي في "الجمع بين الصحيحين"(2/ 519)، حديث رقم:(2655)، وقد فات الشارح رحمه الله التنبيه عليه. قال ابن الملقن في "الإعلام" (7/ 122): هذا الحديث معدود في أفراد مسلم؛ كما نبه عليه عبد الحق وغيره، فكان ينبغي للمصنف أن ينبه عليه؛ لئلا يوهم أنه من المتفق عليه، ولم ينبه على ذلك أحد من الشراح، فنبه له.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (3/ 102)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (5/ 275)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 239)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 445)، و"شرح مسلم" للنووي =
* التعريف:
رافِعُ بنُ خَدِيجِ: بنِ عديِّ بنِ زيدِ بنِ جُشَمَ بنِ حارثةَ بنِ الحارثِ ابنِ الخزرجِ، الأَنْصاريُّ، الحارثيُّ المدنيُّ.
كنيته: أبو عبد اللَّه، ويقال: أبو رافع.
كان يخضِبُ بالصُّفْرة، ويحفي شاربه، وكان يُعد من الرُّمَاةِ، أُصيب بسهمٍ يومَ أُحد في تُرقُوَته، فبقيت الحديدةُ في ترقوته (1)، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنْ شِئْتَ نزَعْتُ السَّهْمَ وَتَرَكْتُ القُطْنَةَ (2)، وَشَهِدْتُ لَكَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَنَّكَ شَهِيدٌ"، فتركَها، وكان إذا ضحكَ فاستغرق (3)، بدا ذلك السهمُ.
استُصغر يومَ بدر، وأُجيز يومَ أحد، وتوفي سنة أربع وسبعين، وقيل: سنة ثلاث وسبعين بالمدينة، وله ستٌ وثمانون سنة.
روي له عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثمانية وسبعون (4) حديثًا، اتفقا منها على خمسة أحاديث، وانفرد مسلم بثلاثة.
= (10/ 231)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 135)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 1112)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 235)، و"كشف اللثام" للسفاريني (4/ 530)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 80)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (6/ 22).
(1)
في "ت": "فثقبت الحديدة ترقوته".
(2)
في "ت": "العلبة".
(3)
في "ج": "فاستغرب".
(4)
في "ت": "ثلاثة وثمانون".
روى عنه: عبدُ اللَّه بنُ عمرَ بنِ الخطابِ، والسائبُ بنُ يزيدَ، وحنظلةُ بنُ قيسٍ، وعبدُ اللَّه بن رفاعةَ، وعطاءُ بنُ صُهَيْب مولاه، وسليمانُ بنُ يَسارٍ، وغيُرهم.
روى له الجماعة رضي الله عنه (1).
* الشرح (2):
(3)
أما ثمن الكلب، فقد تقدم في أول كتاب: البيوع ما تعرف (4) منه علَّة النهي، وعلَّة الجواز حين أجاز بَيعه مَنْ أجازَه.
ولنذكر هاهنا قاعدةً كلية، فنقول: كلُّ حيوانٍ طاهر ليس بذي حرمةٍ، منتفعٍ به في الحال، أو (5) المآل، لم يتعلّق (6) به حقٌّ لغير
(1) وانظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري (3/ 299)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (3/ 479)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 121)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (2/ 479)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (2/ 232)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 186)، و"تهذيب الكمال" للمزي (9/ 22)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (3/ 181)، وقال: وكان رضي الله عنه صحراويًا، عالمًا بالمزارعة والمساقاة، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (2/ 436)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (3/ 198).
(2)
من بداية الحديث العاشر إلى هنا ليس في "ز".
(3)
في "ز" زيادة: "قلت".
(4)
في "ز" و"ت": "ما يعرف".
(5)
في "ز" زيادة: "في".
(6)
في "ت": "ينطق".
المالك، فبيعُه جائز (1).
فقولنا: طاهر؛ لأن الشافعي يرى الكلبَ نجسًا، وهو قولُ عبدِ الملك، وسحنون من أصحابنا، والنجاسةُ عنده علَّة في منع البيع.
وقولنا: ولا ذي حرمة: احترازٌ مما فيه شائبةُ حُرِّيَّة؛ كأم الولد، والمعتَقِ بعضُه، والمعتَقِ إلى أجلٍ، والمكاتَبِ، والمُدَبَّر (2)، وأجاز الشّافعيُّ بيعَ المدبَّرِ.
وقولنا: منتفَعٍ به في الحال: لتخرجَ الحشراتُ وغيرُها مما لا منفعةَ فيه البتةَ.
وقولنا: أو (3) المآل: ليدخُلَ العبدُ الصغيرُ المرجُوَّةُ (4) منفعتُه فيما يُستقبل.
وقولنا: لم يتعلَّق بهِ حقٌّ لغير المالك: ليخرجُ بيعُ العبدِ المستأجرَ، والمخدَم، وإن كان منتفَعًا به في المآل.
وإذا علمتَ هذا، علمتَ أن الكلب الذي لا يجوز كسبُه ولا اقتناؤه، لا يجوز بيعُه؛ لأن ذلك معاوضة على (5) ما لا منفعةَ فيه، فهو من باب أكلِ المالِ بالباطلِ.
(1) انظر: "المجموع في شرح المهذب" للنووي (9/ 234).
(2)
في "ز": "المدبر والمكاتب".
(3)
في "ز": "في" بدل "أو".
(4)
في "ت": "الموجودة".
(5)
في "ت": "عن".
وإن كان مما يحلُّ اقتناؤه لزرعٍ، أو ضَرْعٍ (1)، أو صيدٍ، فقال الإمامُ أبو عبدِ اللَّه من أصحابنا (2): من كره بيعَه؛ لهذا الحديث، وقال: ليس إباحةُ المنفعةِ تجيز المبايعةَ؛ كأم الولد يُنتفَع بها ولا تُباع، ومن أجازَ بيعَه منهم، حملَ هذا الحديثَ على ما لا يحلُّ اقتناؤه واتخاذُه، وقد قدمنا أنه لا يجوز بيعُه، أو حَمَلَهُ على أنهُ كانَ حين أمر بقتلِ الكلابِ، فلما وقعت الرخصةُ في كلب الضَّرْعِ وما ذُكر معه، وأجيز اقتناؤه، وقعتِ الرُّخصَةُ (3).
قلت: واختلف -أيضًا- قولُ مالك فيما أُبيح منها، فرويَ عنهُ الإجازة، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وروي (4) المنعُ، وهو قوله في "الموطأ".
ع: واختُلف في التأويل على مالكٍ، هل هو على الكراهةِ، ويمضي إذا وقعَ؛ لقوله في "الموطأ": يكرهُ (5) ثمنُ الكلبِ، وروى عنه ابن نافع: لا بأسَ ببيعِه في الميراثِ والغنائم.
ويُكره للرجل ابتداءً، وهو عنده على التحريم، فيردُّ، وهو قولُ
(1) في "ت": الضرع أو زرع".
(2)
"من أصحابنا" ليس في "ت".
(3)
انظر: "المعلم" للمازري (2/ 290 - 291).
(4)
في "ت" زيادة: "عنه".
(5)
في "ز" و"ت": "أكره".
الشافعيُّ، والأوزاعيُّ، وأحمدُ. واختلف أصحابُ مالك على القولين، وابنُ القاسم يكرهه للبائعِ دونَ المشتري للضرورةِ إليهِ.
ثم اختلفوا على القول بمنع بيعِه فيمن قتلَه، هل عليه قيمتُه؟
واختلف (1) قولُ مالك في التزامِ (2) القيمة لما (3) يجوز اتخاذُه، وإسقاطِه في غيره.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: في الجميع القيمةُ.
وقال الشافعيُّ، وأحمدُ: لا قيمةَ له في الجميعِ.
تكميل: وقد جاء- أيضًا (4) - النهيُ عن ثمن السِّنَّوْر، وحُمل على ما لا يُنتفع به، أو على أنه نهيُ تنزيه؛ ليعتادَ النّاسُ هبتَه وإعارتَه، والسماحةَ فيه؛ كما هو الغالب، فإن كان مما يُنتفع به، صحَّ البيع فيه إن وقعَ، وكان (5) ثمنُه حلالًا؛ هذا مذهبنا، ومذهبُ عامة العلماء، إِلَّا ما حكى ابنُ المنذر عن أبي هريرةَ، وطاوسٍ، ومجاهدٍ، وجابرِ بنِ يزيد: أنه لا يجوزُ بيعُه، واحتجوا بالحديث الواردِ فيه، وأُجيب عنه بما تقدم.
ح: وأما ما حكاه الخطابي، وأبو عمرَ بنُ عبدِ البر: من أن الحديث
(1) في "ت": "فاختلف".
(2)
في "ت": "الزام".
(3)
في "ت": "لا"
(4)
"أيضًا" ليس في "ت".
(5)
في "ت": "فكان".
في النهي (1) ضعيفٌ، فليس (2) كما قالا، بل الحديثُ صحيح، رواه مسلمٌ، وغيرُه، وقولُ ابنِ عبدِ البر: لم يروِه عن أبي الزُّبير غيرُ حماد ابنِ سلمةَ، غَلَطٌ منه أيضًا؛ لأن مسلمًا قد رواه في "صحيحه" كما ترى من رواية معقلِ بنِ عبد اللَّهِ، عن أبي الزُّبير، فهذان ثقتان روياه عن أبي الزُّبير، وهو ثقة أيضًا (3).
قلت: وهذا معنى قول ع (4) في "الإكمال"، واللَّه أعلم (5).
وقوله: "وكسبُ الحجامِ خبيثٌ": اختُلف في المراد بخبيثٍ هنا، هل على (6) التحريم، أو الكراهة؟
فقال (7) الإمام (8): المرادُ به (9): التنزُّهُ (10) عن كسبه (11)؛ لأنها من
(1) في "خ": "النهي في الحديث".
(2)
في "ت": "ليس".
(3)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (10/ 233 - 234).
(4)
في "ت": "وهذا المعنى قول".
(5)
من قوله: "للضرورة إليه. ثم اختلفوا على القول بمنع بيعه. . . " إلى هنا ليس في "ز".
(6)
"على" ليس في "ت".
(7)
في "ز" و"ت": "قال".
(8)
في "ز" زيادة: "مالك".
(9)
في "ت" زيادة: "هنا".
(10)
في "ت": "التنزيه".
(11)
في "ز": "كسب اللجام هو به التنزيه عن كسبه".
الصنائع الذميمة المستقذَرَة، والشرعُ يحضُّ على مكارم الأخلاق، والتنزُّهِ (1) عن الدناءة، والدليلُ على ذلك قولُ ابنِ عباسٍ في كتاب "مسلم": حَجَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عبدٌ لبني بَيَاضَةَ، فأعطاهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أجرَه، وكَلَّمَ سيدَه، فخفَّفَ عنه ضَريبتَهُ، ولو (2) كان سُحْتًا، لم يُعْطِه (3).
وذهب بعضُ النَّاس إلى منع ذلك في الأحرار، واستعمل الحديث فيمن وقع (4) على صفة ما وقع عليه، وأظنهم يجيزونه في العبد ليعلفَ به نواضِحَه ورقيقَه.
وفي "التّرمذي": أنه صلى الله عليه وسلم استؤذِنَ في إجارةِ الحجَّامِ، فنهى الذي استأذَنَه عنها (5)، فلم يزلْ يستأذنُهُ ويسألُه، حتى قال (6):"اعْلِفْهُ نَاضِحَكَ (7) وَرَقِيقَكَ"(8).
(1) في "ز": "التنزيه".
(2)
في "ت": "وإن".
(3)
رواه البخاري (2158، 2159)، كتاب: الإجارة، باب: خراج الحجام، ومسلم (1202)، كتاب: المساقاة، باب: حل أجرة الحجامة.
(4)
"وقع" ليس في "ت".
(5)
"عنها" ليست في "ز".
(6)
في "ت" زيادة: "له".
(7)
في "ز": "فاضحك".
(8)
رواه الترمذي (1277)، كتاب: البيوع، باب: ما جاء في كسب الحجام، من طريق الإمام مالك في "الموطأ"(2/ 974). ورواه ابن ماجة (2166)، كتاب: التجارات، باب: كسب الحجام، وغيرهم من حديث محيصة رضي الله عنه.
قلت: الناضحُ البعيرُ يُستقى (1) عليه، والأنثى ناضِحَةٌ، قاله الجوهري (2).
وممن خصَّه بالعبيدِ: أحمدُ بن حنبل، وفقهاءُ أصحاب الحديثِ؛ أخذًا بظاهر قوله عليه الصلاة والسلام:"اعْلِفْهُ نَاضِحَكَ وَرَقِيقَكَ"، وهو في "الموطأ" هكذا من رواية مالك رحمه الله (3).
ع: وعامة الفقهاءِ على خلافِ (4) قولهم، وأنه جائز أكلُه، وحملوا الحديثَ على التنزُّهِ (5)، والحضِّ على مكارم الأخلاق؛ إذ لا يجوز للرجلِ أن يُطعَم عبيدَه ما لا يحلُّ لهُ أكلُه، وجعلوا إباحتَه هذه ناسخةً لقوله:"خَبِيثُ"، والخبيثُ الحرامُ (6)، وأنه (7) آخرُ الأمرين من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
ح (8): وقيل (9): إن النهي عن كسب الحجام قد يحتمل أن يكون
(1) في "ز": "ليستقى".
(2)
انظر: "الصحاح" للجوهري (1/ 411)، (مادة: نضح).
(3)
انظر: "المعلم" للمازري (2/ 292).
(4)
في "ت" زيادة: "ذلك في".
(5)
في "ز" و"ت": "التنزيه".
(6)
"والخبيث الحرام" ليس في "ت".
(7)
في "ت": "وأن".
(8)
"ح" ليس في "ز". وفي "ت": "ع".
(9)
في "ز" و"ت": "وقد قيل".
ببيع (1)(2) ما يفصِدُه من الحيوانات لمن يستجيز أكلَهَا من الكَفَرَة، أو لاستعمالها في بعض الأشياء، واحتجَّ على ذلك بقوله:"نَهى عنْ ثَمَنِ الدَمِ (3) "(4).
وقيل: إنما كره؛ لأنه لم يشترط أجرةً معلومةً قبلَ العمل، وإنما يعمل غالبًا بأجر مجهول، وهذا لا تعلُّقَ فيه، وقد أجازَ العلماءُ مثلَ هذا على ما استمرَّتْ فيه العادة في المكارَمَة (5)، وإن كان لابن حبيبٍ من أصحابنا ما ظاهرُه المنعُ في كلِّ إجارة حتى يُسَمَّى الأجرُ.
وحكى الداودي في هذا الباب جوازَ ما جرتْ به العادة -أيضًا- في معاملة الجزار، وبياع الفاكهة، ودفع الثّمن (6) ليعطيك مما يبيعُه دونَ أن تُساومه (7)، أو تعرفَ كيفيةَ (8) بيعِه، واللَّه أعلم (9).
(1) في "ت": "بيع".
(2)
في "ز" زيادة: "الدم".
(3)
في "ز": "الكلب".
(4)
رواه البخاري (2123)، كتاب: البيوع، باب: ثمن الكلب، من حديث أبي جحيفة رضي الله عنه.
(5)
في "ت": "المكاره".
(6)
في "ز": "ثمنه".
(7)
في "ز": "يساومه".
(8)
في "ز" و"ت": "كيف".
(9)
وقع طمس وبياض في أصول النسخة الخطية لمطبوعة "إكمال المعلم"(5/ 240) عند شرح هذا الحديث.
(1)
قلت: وهو الذي يعبر عنه أصحابنا ببيعِ المعاطاة، والشافعيةُ يشترطون الإيجابَ والقبول، واللَّه أعلم.
* * *
(1) من هنا وحتى بداية باب: السلم سقط من "ز".