المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الخامس 265 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله - رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام - جـ ٤

[تاج الدين الفاكهاني]

فهرس الكتاب

- ‌باب دخول مكة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التمتع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الهدي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الغسل للمحرم

- ‌باب فسخ الحج إلى العمرة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كِتْابُ الْبُيُوعِ

- ‌ الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما نهي عنه من البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العَاشِرُ

- ‌باب العرايا وغير ذلك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب السلم

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الربا والصرف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الرهن وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌باب اللقطة

- ‌باب الوصايا

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الفرائض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كِتْابُ النِّكَاحِ

- ‌الحديث الأول

- ‌بَابِ

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌باب الصداق

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كِتْابُ الطَّلَاق

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

الفصل: ‌ ‌الحديث الخامس 265 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله

‌الحديث الخامس

265 -

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عَامَ الفَتْحِ: "إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ، وَالمَيْتَةِ، وَالخِنْزِيرِ، وَالأَصْنَام"، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ شُحُومَ المَيْتَةِ؛ فإنَّهُ (1) يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الجُلُودُ، وَيَسْتَصْبحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ:"لَا، هُوَ حَرَامٌ"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ:"قَاتَلَ اللَّهُ اليَهُودَ! إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا، جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ فأكلُوا ثَمَنَهُ"(2).

(1)"فإنه" ليس في "خ".

(2)

* تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (2121)، كتاب: البيوع، باب: بيع الميتة والأصنام، و (4045)، كتاب: المغازي، باب: منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، و (4357)، كتاب: التفسير، باب:{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: 146]، ومسلم (1581)، كتاب: المساقاة، باب: تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، وأبو داود (3486)، كتاب: الإجارة، باب: في ثمن الخمر والميتة، والنسائي (4669)، كتاب: البيوع، باب: بيع الخنزير، والترمذي (1297)، كتاب: البيوع، باب: ما جاء في بيع جلود الميتة والأصنام، وابن ماجه (2167)، كتاب: التجارات، باب: ما لا يحل بيعه. =

ص: 324

قَالَ: جَمَلُوهُ: أَذَابُوهُ.

* * *

* الكلام على الحديث من وجوه:

الأول: قوله: "عامَ الفتح": العام: اسم السنة، وكذلك الحَوْل، سُميت عامًا؛ لأن الشمس والقمر، والليلَ والنهارَ تعومُ فيها في الفلك، قاله الأَعْلَمُ، ومنه قوله تعالى:{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40]، وهو مصدرُ عامَ يعومُ عَوْمًا وعامًا، وسُميت حَوْلًا؛ لأن الأشياء تحول فيها وتتغير من حالٍ إلى حال، يقال: سِنونَ عمومٌ (1)، وهو توكيد للأول؛ كما يقول: بينهم شُغْل شاغِلٌ، وعامَلَه مُعاوَمَةً (2)؛ كما تقول (3): مُشاهَرَةً،

= * مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (3/ 132)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (5/ 299)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 251)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 461)، و"شرح مسلم" للنووي (11/ 6)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 151)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 1135)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 241)، و"التوضيح" لابن الملقن (14/ 612)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 424)، و"عمدة القاري" للعيني (12/ 54)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (4/ 113)، و"كشف اللثام" للسفاريني (4/ 557)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 5)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 235).

(1)

في "ت": زيادة: "عوم".

(2)

في "ت": "معلومة".

(3)

في "ت": "يقال".

ص: 325

ومُجامعة، ومُياوَمَةً، وعاومَتِ النخلةُ: إذا حملت سنةً، ولم تحمل سنة، وقولهم: لَقِيتُهُ ذاتَ العويم؛ أي: بين الأعوام؛ كما تقول: لقيتُه (1) ذاتَ الزمَيْن (2)، وذاتَ (3) مرةٍ (4).

والفتحُ: فتحُ مكةَ، شرفها اللَّه تعالى.

الثاني: قوله عليه الصلاة والسلام: "إنَّ اللَّه ورسولَه (5) حَرَّم بيعَ الخمر": تتعلَّق (6) به مسألةٌ إعرابية، وهو أن يقال: لم أفردَ الضمير في (حرَّم)، وقد تقدَّم اسمان، وكان القياس: حَرَّما؛ كما يقال: إن زيدًا وعَمْرًا (7) خرجا، ولا نقول: خرج، في الأمر العام؟

والجوابُ: أن هذا من وادي قوله تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: 62]، ومذهب سيبويه فيه: أن الجملة الأولى حذفت لدلالة الثانية عليها، بتقديره عنده: واللَّهُ أحقُّ أن يُرضوه، ورسولُه أحقُّ أن يرضوه (8)، فـ (الهاء) في (يرضوه)(9) تعود على

(1) في "ت": "لقيت".

(2)

في "ت": "الزمن".

(3)

في "ت": "فدلت" بدل "وذات".

(4)

وانظر: "المحكم" لابن سيده (2/ 380).

(5)

"ورسوله" ليس في "ت".

(6)

في "ت": "يتعلق".

(7)

في "ت": "زيدٌ وعمرو خرجا".

(8)

"ورسوله أحق أن يرضوه" ليس في "ت".

(9)

في "ت": "ترضوه".

ص: 326

الرسول عليه الصلاة والسلام.

وقال المبرِّدُ: لا حذف (1) في الكلام؛ ولكن فيه تقديمٌ وتأخير، تقديره: واللَّهُ أحقُّ أن يُرضوه (2) ورسوله، فالهاء على هذا تعود على (اللَّه) -جلَّ ذكره-.

وقال الفراء: المعنى: ورسولُه أحقُّ أن يُرضوه (3)، و (اللَّه) افتتاحُ كلام.

وهذا بعيدٌ، أو باطل، وألزم المبرد أن يجيز: ما شاءَ (4) اللَّهُ وشئتَ -بالواو-؛ لأنه (5) يجعل الكلام جملةً واحدة، وقد نُهي عن ذلك إلا بـ (ثم)، ولا يلزم ذلك سيبويه؛ لجعله الكلامَ جملتين.

وقول سيبويه: هو المختارُ في الآية.

وقيل: أحق أن يرضوه (6) خبر الاسمين؛ لأن الرسولَ تابعٌ لأمر اللَّه تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} [الفتح: 10]، {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80].

(1) في "ت": "لا خلاف".

(2)

في "ت": "ترضوه".

(3)

قوله: "ورسوله، فالهاء على هذا تعود على (اللَّه) -جل ذكره- وقال الفراء: المعنى: ورسوله أحق أن يرضوه" ليس في "ت".

(4)

في "ت": "غير ما" بدل "يجيز ما شاء".

(5)

في "ت": "لا" بدل "لأنه".

(6)

في "ت": "ترضوه".

ص: 327

وقيل: أُفرد الضمير، وهو في موضع التثنية (1).

ولا يخفى تنزيلُ الحديث على الآية على متأمل.

والخمرُ: مؤنثة، ويقال: خمرة، وخمور؛ كتمرة، وتُمور، وتَمْر.

قال ابنُ الأعرابي: سميت خمرًا؛ لأنها تُرِكَتْ، فاختمرتْ، واختمارُها تغيرُ ريحها.

وقيل: سميت بذلك؛ لمخامرتها العقلَ؛ أي: مخالطتِه وتغطيتِه، ومنه الخِمار؛ لتغطيته الرأسَ (2).

الثالث: الميتة -بفتح الميم-: ما لم تلحقه الذَّكاة، و-بالكسر-: الهيئة (3)، تقول: مات فلان مِيتةً حسنةً (4)، والأصلُ في مَيتة -المفتوحة الميم- مَيْوِتةَ، فلما اجتمعت الياء والواو، فسُبقت إحداهما بالسكون، قُلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، فبقيت مَيِّتة -بالتشديد-، ثم خُففت بحذف إحدى الياءين؛ كما فعلوا ذلك في هَيِّن ولَيِّن، وما أشبَهَ ذلك، فهي كميت سواء.

وأما الأصنام: فجمعُ صَنَم، وهو الوثنُ أيضًا، والجمعُ: وُثْنٌ وأَوْثانٌ؛ مثل قُرْطٍ وأَقْراطٍ، وكما حرَّم بيعها، حرَّم نحتها (5) وتصويرها (6) إجماعًا،

(1) انظر: "إعراب القرآن" للعكبري (2/ 17).

(2)

انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 649)، (مادة: خمر).

(3)

في "ت": "المِيتَةِ".

(4)

المرجع السابق، (1/ 267)، (مادة: موت).

(5)

قوله: "حَرَّمَ بيعها حَرَّمَ نحتها" ليس في "خ".

(6)

في "خ": "وتصورها".

ص: 328

وكذلك جميع ما كان على صور الحيوانات، وأما ما كان رسمًا في حائط، أو رقمًا في ستر (1) ينشر أو يبسط، أو وسائد يُرتَفَقُ عليها، ويُتَّكأ عليها، فهي مكروهة، وقيل: حرام.

قال القاضي أبو بكر: وقد قيل: إن الذي يُمتَهَن من الصور يجوز، وما لا يُمتهن مما يُعَلَّق، يُمنع؛ لأن الجاهلية كانت تُعَظِّمُ الصورَ، فما يبقى فيه جزءٌ من التعظيمِ والارتفاعِ، يُمنع، وما كان مما يُمتهن، فهو مباح؛ لأنه ليس مما كانوا فيه.

قلت: وقول القاضي أبي بكر هذا هو المذهبُ، بل لا أعلم فيه خلافًا، ونصُّ "الكتاب" فيه: وتُكره (2) التماثيلُ التي في الأَسِرَّة والقِبَابِ والمنابرِ، وليست كالثيابِ والبُسطِ التي تُمتهن، وكان أبو سلمةَ بنُ عبد الرحمن يقول: ما كان يُمتهن، فلا بأسَ به، وأرجو أن يكون خفيفًا، ومن تركَه غيرَ محرِّمٍ له، فهو أحبُّ إِليَّ.

ولا يلبس خاتمًا فيه تماثيل (3)، وأما ما كان على صورةِ غيرِ الحيوان؛ كالشجرةِ (4)، والسفنِ، والثمار، ونحو ذلك، فلا أعلم خلافًا في إباحته، إلا ما ذُكر (5) عن مجاهد، واللَّه أعلم.

(1) قوله: "ينشر أو يبسط أو وسائد" ليس في "خ".

(2)

في "ت": "ويكره".

(3)

انظر: "المدونة"(1/ 91).

(4)

في "ت": "الشجر".

(5)

في "ت": "ما يذكر".

ص: 329

الرابع: استُدِلَّ بتحريم بيع الخمر والميتة على نجاستهما؛ إذ يمكن الانتفاع بهما، أما الخمرُ ففي غير شيء، وأما الميتة، فيمكن أن يُنتفع بها في إطعام الجوارح، وأما بيعُ الأصنام، فلعدم الانتفاع (1) بها على هيئتها، وعدمُ الانتفاع يمنع صحةَ البيع -كما تقدم-، ويجوز أن تكون العلَّة في تحريم بيعِها: المبالغةُ في التنفير عنها وإبعادها (2).

الخامس: قولهم: "أرأيتَ شحومَ الميتة؟ ": كأنه جُمع لاختلافِ أنواعه؛ إذ الشحمُ جمعُ جنس، وحقُّه الإفراد.

ق: استُدِلَّ به على منع الاستصباحِ بها، وإطلاءِ السفن؛ لقوله عليه الصلاة والسلام لما سُئِل عن ذلك:"لَا، هُوَ حَرَامٌ".

قال: وفي هذا الاستدلال احتمالٌ؛ لأنَّ لفظَ الحديث ليس فيه تصريح؛ فإنه يحتمل أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما ذكرَ تحريمَ بيعِ الميتة، قالوا له (3):"أرأيتَ شحومَ الميتة؛ فإنه يُطلى بها السفنُ" إلى آخره، قصدًا منهم إلى أن هذه المنافع تقتضي جوازَ البيع، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"لا، هو حرامٌ"، ويعود الضمير في قوله عليه الصلاة والسلام:"هو حرامٌ" على البيع؛ كأنه أعادَ تحريمَ البيعِ بعدَ ما تبينَ له أَنَّ فيه منفعةً، وإهدارًا (4) لتلك المصالحِ والمنافعِ التي ذُكرت (5).

(1) قوله: "بهما، أما الخمر ففي غير شيء. . . " إلى هنا ليس في "ت".

(2)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 152).

(3)

من قوله: "كأنه جمع لاختلاف أنواعه. . . " إلى هنا ليس في "ت".

(4)

"وإهدارًا" ليس في "ت".

(5)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

ص: 330

قلت: وهذا التفسيرُ هو المعوَّلُ عليه عندنا، وعند الجمهور؛ فإنا نُجيز الاستصباحَ بالدُّهْنِ النجسِ في غير المساجدِ، وعملَه في الصابون، وإن أوجبنا تطهيرَ الثوب منه بعدَ غسله.

ومنع ابنُ الماجشون من أصحابنا من الانتفاعَ به مطلقًا.

وكذا (1) اختُلف في بيعه، والمشهورُ: المنع.

وكذلك (2) اختُلف هل يَطْهُرُ إذا غُسل؟ والمشهور: لا يطهر.

قال: فإن قيل: إن في بعضَ الأحاديث لمَّا قيل له صلى الله عليه وسلم في شحوم الميتة: "إنها يُدهن بها السفنُ"، فقال عليه الصلاة والسلام "لا تنتفِعُوا مِنَ المَيْتَةِ بِشَيْءٍ"(3)، قيل (4): هذا على الكراهةِ، وتحرز من النجاسة أن تمسَّه؛ بدليل ما وقع في حديث آخر: أنه أباحَ الانتفاعَ بالسَّمْنِ الذائبِ إذا وقعتْ فيه الفأرةُ (5)، وإن طعنوا في بعضِ رواة هذا الحديث، كذلك حديثهم الذي عارضوه به -أيضًا- يُطعن في بعض رواته (6).

(1) في "ت": "وكذلك".

(2)

في "ت": "وكذا".

(3)

رواه ابن وهب في "مسنده"، من حديث جابر رضي الله عنه. وانظر:"الدراية" للحافظ ابن حجر (1/ 59).

(4)

في "ت": "مثل".

(5)

رواه البخاري (233)، كتاب: الوضوء، باب: ما يقع من النجاسات في السمن والماء، من حديث ميمونة رضي الله عنها.

(6)

قلت: هذا معنى كلام الطبري رحمه الله الذي نقله الشارح عن الإمام المازري في "المعلم"(2/ 294).

ص: 331

قلت: وفي تحريم (1) بيع الميتة حجةٌ (2) على [منع] بيع جثةِ (3) الكافر، إذا قتلناه من الكفار، وافتدائهم منا (4) له، وقد امتنعَ من ذلك النبىُّ صلى الله عليه وسلم في غزوةِ الخندقِ، وقد بذلوا لَهُ في جسدِ نوفلِ بنِ عبدِ اللَّه المخزوميِّ عشرةَ آلاف درهم (5)، فيما ذكر (6) ابنُ هشام، فدفعه إليهم، ولم يقبلْ ذلكَ منهم، وقال عليه الصلاة والسلام:"لَا حَاجَةَ لَنَا بِجَسَدهِ، وَلَا بِثَمَنِهِ". وقد خرج الترمذيُّ في هذا حديثًا نحوه (7).

ع: كثيرًا ما يعترض بعضُ اليهود وأهلُ الزيغ على هذا الحديث بتحريم وطء سُرِّيَّةِ الأب على الابن، وجوازِ بيعها، وأكلِ ثمنها، وهذا مما يُمَوَّهُ به على مَنْ لا محصولَ عنده من العلم، فجاريةُ الأب لم يحرم منها إلا الاستمتاعُ على هذا الولد وحدَه من سائر الناس، وسائرُ منتفعاتها حلالٌ، والجميعُ حلالٌ لغيره، فلم يحرمْ عليه جميعُها،

(1) في "ت": "تحريمه".

(2)

في "ت": "دليل".

(3)

في "ت": "تحريم جثة".

(4)

في "ت": "وإسدائهم هنا".

(5)

"درهم" ليس في "خ". ووقع في المطبوع من "إكمال المعلم": "عشرة إلا درهمًا".

(6)

في "ت": "ذكرهُ".

(7)

رواه الترمذي (1715)، كتاب: الجهاد، باب: ما جاء لا تفادى جيفة الأسير، من حديث ابن عباس: أن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل من المشركين، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم إياه. قال الترمذي: حسن غريب.

ص: 332

ولا على غيره، والشحومُ محرمةُ المقصودِ منها، وهو الأكلُ على جميع اليهود، فكان ما عداه تبعًا له، فلا تشاكُلَ بينها وبين سُرِّيَّة الأب.

السادس: قوله عليه الصلاة والسلام: "قاتلَ اللَّهُ اليهودَ" إلى آخره:

فيه: دليل على إبطال الحيل، والحجة على مَنْ قال بها في إسقاط حدود الشرع من الكوفيين.

وفيه: حجة لمالك في مراعاة الذرائع، وسدّ بابها (1)؛ لأن اليهود إنما لِيموا على أكل الثمن لتحريم أكل المثمَّن الذي هو الشحم، وأكلُ الثمن ليس هو أكلَ الشحمِ بعينه؛ لكنه لما كان سببًا إلى أكل الشحم من حيث المعنى، استحقوا اللومَ على ذلك، واللَّه أعلم (2).

* * *

(1) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 254).

(2)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 153).

ص: 333