المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب فسخ الحج إلى العمرة ‌ ‌الحديث الأول 235 - عَنْ جَابِرِ بْنِ - رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام - جـ ٤

[تاج الدين الفاكهاني]

فهرس الكتاب

- ‌باب دخول مكة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التمتع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الهدي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الغسل للمحرم

- ‌باب فسخ الحج إلى العمرة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كِتْابُ الْبُيُوعِ

- ‌ الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما نهي عنه من البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العَاشِرُ

- ‌باب العرايا وغير ذلك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب السلم

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الربا والصرف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الرهن وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌باب اللقطة

- ‌باب الوصايا

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الفرائض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كِتْابُ النِّكَاحِ

- ‌الحديث الأول

- ‌بَابِ

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌باب الصداق

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كِتْابُ الطَّلَاق

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

الفصل: ‌ ‌باب فسخ الحج إلى العمرة ‌ ‌الحديث الأول 235 - عَنْ جَابِرِ بْنِ

‌باب فسخ الحج إلى العمرة

‌الحديث الأول

235 -

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، قَالَ: أَهَلَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ بِالحَجِّ، وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَطَلْحَةَ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ اليَمَنِ، فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَيَطُوفُوا، ثُمَّ يُقَصِّرُوا، وَيَحِلُّوا، إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الهَدْيُ، فَقَالُوا: ننطَلِقُ إِلى مِنَى، وَذَكَرُ أَحَدِناَ يَقْطُرُ؟! فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:"لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الهَدْيَ، لأَحْلَلْتُ"، وَحَاضَتْ عائِشَةُ رضي الله عنها، فَنَسَكَتِ المَنَاسِكَ كُلَّها، غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالبَيْتِ، فَلَمَّا طَهُرَتْ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! تنطَلِقُونَ بِحَجَّةٍ (1) وَعُمْرَةٍ، وَأنْطَلِقُ بِحَجٍّ؟! فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحمنِ ابْنَ أَبي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيم، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الحَجِّ (2).

(1) في "ت": "بحج".

(2)

* تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (1568)، كتاب: الحج، باب: تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، واللفظ له، و (1693)، =

ص: 91

* الكلام على الحديث من وجوه:

الأول: أصلُ الإِهْلال: رفعُ الصوتِ، وشاعَ استعمالُه في التَّلْبِيَةِ والإحرام، إلا أَنَّ رفعَ (1) الصوت بذلك مختصٌّ بالرجال دون النساء.

قال مالك: سمعتُ أهل العلم يقولون: ليس على النساء رفعُ الصوت بالتلبية، لتُسمعِ المرأةُ نفسَها (2).

= كتاب: العمرة، باب: عمرة التنعيم، و (2371)، كتاب: الشركة، باب: الاشتراك في الهدي والبدن، و (6803)، كتاب: التمني، باب: قول النبي: صلى الله عليه وسلم "لو استقبلت من أَمري ما استدبرت"، و (6933)، كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: نهي النبي صلى الله عليه وسلم على التحريم إلا ما تعرف إباحته، ومسلم (1216)، كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام، وأبو داود (1789)، كتاب: المناسك، باب: في إفراد الحج، والنسائي (2805)، كتاب: الحج، باب: إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدي، وابن ماجه (2980)، كتاب: المناسك، باب: فسخ الحج.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (2/ 162)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 246)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 320)، و"شرح مسلم" للنووي (8/ 163)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 70)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 1044)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 218)، و"التوضيح" لابن الملقن (11/ 506)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 608)، و"عمدة القاري" للعيني (9/ 293)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 191)، و"كشف اللثام" للسفاريني (4/ 357).

(1)

في "ت": "وقع".

(2)

انظر: "الموطأ"(1/ 334).

ص: 92

قال الباجي: لأن النساء ليس من شأنهنَّ (1) الجهرُ؛ لأن صوتَ (2) المرأة عورةٌ، فليس من حكمِها، والجهرُ في الصلاةِ كذلك.

قال مالك: ولا يرفع المحرِمُ صوتَه بالإهلال في مساجد الجماعات؛ ليُسْمعَ (3) نفسَه ومَنْ يليه، إلا في مسجد مِنَى، والمسجدِ الحرام (4).

قال الباجي: وقال القاضي أبو الحسن: روى ابنُ نافع عن مالكٍ: أنه قال: يرفعُ صوتَه بالتلبية في المساجد التي بمكةَ (5) والمدينة.

قال أبو الحسن: وهذا وفاقٌ للشافعيِّ في أحدِ قوليه، وله قولٌ ثانٍ: أنه يستحبُّ رفعُ الصوت بالتلبية في سائر المساجد.

ووجهُ قولِ مالكٍ المشهور: أن المساجد إنما بُنيت للصلاة، وذكرِ اللَّه تعالى، وتلاوة القرآن، فلا يصلحُ رفعُ الصوت فيها بما ليس من مقصودِها؛ لأنه لا يتعلَّق شيء منها بالحجِّ، وأما المسجدُ الحرام، ومسجدُ الخيف، فللحجِّ (6) اختصاصٌ بهما؛ من الطوافِ والصلاةِ أيام مِنَى، وبسبب (7) الحجِّ بُنِيا، فلذلك يستحبُّ رفع الصوت فيهما

(1) في "ت": "تمامهن".

(2)

في "ت": "عورة".

(3)

في "ت": "يسمع".

(4)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

(5)

في "ت": "بين مكة".

(6)

في "ت": "فالحج".

(7)

في "ت": "يستحب".

ص: 93

بالتلبية، واللَّه أعلم (1).

الثاني: قوله: "أهلَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه": اختُلف (2) فيمن يُطلق عليه صاحبٌ، أو صَحابِيٌّ:

فالمعروفُ عند (3) المحدِّثين: أنه كلُّ مسلمٍ رأى رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم.

وعن أصحاب الأصول، أو بعضهم: أنه من طالت مجالستُه على طريق التَّبَع (4).

وعن سعيد بن المسيب: أنه لا يُعد صحابيًا إلا مَنْ أقام مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سنةً أو سنتين، وغزا معه غزوةً أو غزوتين.

ح: فإن صحَّ عنه، فضعيف؛ فإن مقتضاه: أن لا يُعد جريرٌ البجليُّ وشِبْهُه صحابيًا، ولا خلافَ أنهم صحابةٌ.

ثم تعرف صحبته بالتواتر، أو (5) الاستفاضة، أو قولِ صحابي، أو قوله إذا كان عدلًا (6). وقد تكرر (7) هذا.

(1) انظر: "المنتقى في شرح الموطأ" للباجي (3/ 354).

(2)

في "ت": "اختلفوا".

(3)

في "خ": "عن".

(4)

في "ت": "سبيل المتبع".

(5)

في "ت": "و".

(6)

انظر: "التقريب والتيسير" للنووي (2/ 211 - تدريب الراوي للسيوطي).

(7)

في "ت": "يكون".

ص: 94

الثالث: قوله: "بالحجِّ": ظاهرُه (1) يدل على الإفراد، وهي روايةُ جابر.

الرابع: قوله: "أهللتُ بما أهلَّ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم":

ع: أخذ بظاهره الشافعي وجوَّز (2) الإهلال بالنيَّة المبهَمَة.

قال: ثم له بعدُ أن ينقلها لما شاء من حَجٍّ أو عُمرة، وله عنده أن ينتقل من نسك إلى غيره، وخالفه سائرُ العلماء والأئمة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:"إِنَّما الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ"(3)، ولقوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، ولقوله تعالى:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]، ولأن هذا كان لهؤلاء خصوصًا؛ إذ كان شرعُ الحجِّ بَعْدُ (4)، وما فعله النبي صلى الله عليه وسلم لم يستقرَّ ولم يكمُلْ بعدُ، فلم يمكنه الإقدامُ على أمرٍ بغير تحقيق (5).

الخامس: قوله: "وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يجعلوها عُمرةً": يريد ممن لا هَدْيَ معه، فهو عمومٌ أُريد به الخصوص.

قال الإمام المازري: جمهور الفقهاء على أن فسخ الحج في العمرة إنما كان خاصة للصحابة، وأنه عليه الصلاة والسلام إنما

(1) في "ت": "ظاهرٌ".

(2)

في "خ": "وجوب".

(3)

تقدم تخريجه.

(4)

"بعد" ليس في "ت".

(5)

انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 259).

ص: 95

أمرهم [بذلك] لمخالفة (1) ما كانت (2) عليه الجاهلية؛ من أنها لا تَستبيح العمرةَ في أشهر الحج، ويقولون: إذا بَرَأَ الدَّبَر، وعَفَا الأَثَر، وانْسَلَخَ صَفَر، حَلَّتِ العُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرَ (3)؛ أي: برىء الدَّبَر الذي في ظهر الإبل عندَ انصرافها من الحجِّ من كثرة السير عليها، وعفا الأثر معناه: امَّحَى ودَرَسَ (4)، ويكون عفا -أيضًا- بمعنى: كَثُرَ، قال اللَّه تعالى:{حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا} [الأعراف: 95]؛ أي: كَثُروا، وهو من الأضداد، ويروى: عَفَا الوَبَر.

وقال بعض (5) أصحاب الظاهر: ذلك جائزٌ إلى الآن، واحتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام لسراقَةَ:"بَلْ لِلأَبَدِ (6) "(7).

ويحتمل عندنا أن يريد بقوله عليه الصلاة والسلام: "بَلْ لأَبَد (8) ": الاعتمارَ في أشهر الحج، لا فسخَ الحجِّ في العُمرة.

(1) في "ت": "بمخالفة".

(2)

في "ت": "ما كان".

(3)

سيأتي تخريجه في الحديث الثالث من هذا الباب عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(4)

"امحى ودرس" ليس في "ت".

(5)

"بعض" ليس في "ت".

(6)

في "خ": "بل لأبد الأبد".

(7)

رواه البخاري (1693)، كتاب: العمرة، باب: عمرة التنعيم، من حديث جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما.

(8)

في "خ": "بل لأبد".

ص: 96

وقد ذكر مسلم في حديث أبي ذر: "كانَتْ لَنَا رُخْصَةً"(1)؛ يعني: المتعةَ في الحج (2)، وفي الحديث الآخر:"لأَصْحَابِ محمدٍ خاصَّةً"(3).

وذكر النسائي حديثَ سرُاقة، وفيه: تمتعنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: لنا خاصةً أم للأبد؟ فقال: "بَلْ للأَبَد"، وذكر حديثَ الحارثِ ابنِ بلالٍ عن أبيه، وفيه: فقلتُ: يا رسولَ اللَّه! فسخُ الحجِّ لنا خاصةً، أم للناس عامةً؟ فقال:"بَلْ لَنَا خَاصَّةً"(4).

فقد تبين بمجموع هذه الأحاديث، وتفسير ما فُسِّر منها في رواية، وبيانه لما أجمل في غيرها: أن الخصوص لفسخ الحج في العمرة، وعموم الإباحة فعل العمرة في أشهر الحج، قاله المازري (5).

السادس: قوله: "فيطوفوا": يريد: ويَسْعَوْا؛ لما عُلم أنه لابدَّ من السَّعْي في العمرة، وإنما ترك ذلك؛ للعلم به، ويجوز أن (6) يكون عبر بالطواف عن مجموع الطواف والسعي، وقد قال تعالى: {إِنَّ الصَّفَا

(1) رواه مسلم (1224)، كتاب: الحج، باب: جواز التمتع.

(2)

"لا فسخ الحج في العمرة. وقد ذكر مسلم في حديث أبي ذر: "كانت لنا رخصة" يعني المتعة في الحج" ليس في "ت".

(3)

رواه مسلم (1224)، (2/ 897).

(4)

رواه النسائي (2808)، كتاب: المناسك، باب: إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدي.

(5)

انظر: "المعلم" للمازري (2/ 83).

(6)

"ويجوز أن" ليس في "ت".

ص: 97

وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]، ولم يذكر السعيَ، وإن كان مرادًا.

السابع: قوله: "فقالوا: ننطلق إلى منى، وذكرُ أحدِنا يقطُر": منى: مذَكَّر مصروفٌ، وقد تقدم الكلامُ عليه في صدر الكتاب.

قال ابنُ الأنباري: وإنما سُميت (1) مِنى (2) من مَنَيْتُ الدَّمَ: إذا صَبَبْتُه، وذلك لما يُمنى بها من الدماء، وقال غيره: بل لأن آدمَ تمنَّى بها الجنةَ (3).

ق: فيه: دليل على استعمال المبالغة في الكلام، فإنهم إذا (4) حَلَّوا من العمرة، وواقعوا النساءَ، كان إحرامُهم للحجِّ قريبًا من زمن المواقعة والإنزال، فجعلت المبالغة في قرب (5) الزمان؛ بأن قيل:"ذكرُ أحدِنا يقطُر"، وكأنه إشارة إلى اعتبار المعنى في الحج، وهو الشعثُ، وعدمُ الترفُّهِ، فإذا طال الزمانُ في الإحرام، حصلَ هذا المقصودُ، وإذا قَرُبَ زمنُ الإحرام من زمنِ التحلُّل، ضعف هذا المقصود (6)، أو عدِمَ، وكأنهم

(1) قوله: "منى: مذكر مصروف، وقد تقدم الكلام عليه في صدر الكتاب. قال ابن الأنباري وإنما سميت" ليس في "ت".

(2)

في "ت": "منيا".

(3)

انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 393).

(4)

في "ت": "لأنهم إنما" بدل "فإنهم إذا".

(5)

في "ت": "قوة".

(6)

قوله: "وإذا قرب زمن الإحرام من زمن التحلل، ضعف هذا المقصود" ليس في "ت".

ص: 98

استنكروا زوالَ هذا المقصود، أو ضعفَه؛ لقرب إحرامهم من تحللهم (1).

الثامن: قوله عليه الصلاة والسلام: "لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ": فيه: جواز قول: (لو)، وإن كان قد ورد النهيُ عنها، وهو قولُه عليه الصلاة والسلام:"فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ"(2)، وقد جُمع بينهما بأن قيل: إن كراهةَ استعمالها (3) مخصوصٌ (4) بالتلهُّفِ على أمور الدنيا؛ إما طلبًا؛ كما يقال: لو فعلتُ كذا، حصلَ لي كذا، وإما هربًا؛ كقولك: لو كان كذا وكذا، لما وقع كذا وكذا (5)؛ لما في ذلك من صورة عدم التوكُّل، ونسبة الأفعال إلى القضاء والقدر، وأما إذا استُعملت في تمني القُرُبات؛ كما جاء في هذا (6) الحديث، فلا كراهة في (7) هذا أو (8) نحوه (9).

وقد تقدم أنه قد استُدل به مَنْ يرى أن التمتع أفضلُ من القِران

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 72).

(2)

رواه مسلم (2664)، كتاب: القدر، باب: في الأمر بالقوة، وترك العجز، والاستعانة باللَّه، وتفويض المقادير للَّه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

في "ت": "استعماله".

(4)

في "ت": "فمخصوص".

(5)

"لما وقع كذا وكذا" زيادة من "ت".

(6)

"هذا" ليس في "ت".

(7)

"في" زيادة من "ت".

(8)

في "ت": "و".

(9)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

ص: 99

والإفراد، والجواب عنه في باب: التمتع بما يُغني عن الإعادة.

التاسع: قوله: "وحاضتْ عائشةُ رضي الله عنها" إلى آخره، دليلٌ على امتناع الحائض من الطواف، إما لنفسِه، وإما لملازمتِه لدخول المسجد والحالة هذه؛ بخلاف سائر أعمال الحج، وأنه لا تُشترط (1) الطهارةُ في بقية أعماله.

العاشر: قوله: "غيرَ أنها لم تطفْ بالبيت": يريد: ولم تَسْعَ؛ إذ السعيُ إنما يكون عقب طواف (2)، و (3) اتفق مالكٌ وأصحاب الشافعيِّ على ذلك، بل قد اشترط بعضُ أصحابنا أن يكون السعي عقبَ (4) طوافٍ واجب، وإنما صحَّ بعد طواف القدوم عندَه؛ لاعتقاده وجوبَ طواف القدوم، فخالف في أمرين: الشرطية المذكورة، ووجوب طواف القدوم (5).

الحادي عشر: قولها: "تنطلقون بحجٍّ وعمرة"؛ أي: العمرة التي فسخوا الحجَّ إليها، والحج الذي أنشؤوه من مكة.

وقولها: "وأَنطلقُ بحجٍّ": ظاهره: عدمُ حصول العمرة لها، وأنها لم تفسخ الحج الأول إلى العمرة، لكن يعارضُه روايات أُخر

(1) في "ت": "يشترط".

(2)

في "ت": "الطواف".

(3)

الواو ليست في "خ".

(4)

في "ت": "عقيب".

(5)

المرجع السابق، (3/ 73).

ص: 100

تقتضي أنها اعتمرتْ، وذلك أنه عليه الصلاة والسلام أمرها بتركِ العمرة، ونقضِ رأسِها وامتشاطها، والإهلالِ بالحج لمَّا حاضتْ؛ لامتناع التحلل من العمرة؛ لوجود الحيض، ومزاحمة وقت الحج، وحملوا أمره عليه الصلاة والسلام بترك العمرة على ترك المضيِّ في أعمالها، لا على رفضِها بالخروج منها، وأهلَّتْ بالحج مع بقاء العمرة، فكانت قارنةً، اقتضى ذلك أن يكون قد حصل لها حجٍّ وعمرةٌ؛ لما تقرر من كونها صارت قارنةً، فاحتاجوا إلى تأويل هذا اللفظ، فأولوا قولها:"تنطلقون بحجٍّ وعمرة، وأَنطلقُ بحجٍّ" على أن المراد: إذ (1) تنطلقون بحجٍّ مفردٍ عن عمرة، وعمرةٍ مفردة عن حج، وأَنطلق أنا (2) بحج غير منفرد عن عمرة، فأمرها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالعمرة (3) ليحصل لها قصدُها في عمرة منفردةٍ عن حج، وحج مفردٍ عن عمرة، هذا معنى كلام ق، وأكثرُ لفظه.

قال: هذا حاصل ما قيل في هذا، مع أن الظاهر خلافُه بالنسبة إلى هذا الحديث؛ لكن الجمعَ بين الروايات ألجأهم إلى مثل هذا (4).

الثاني عشر: قوله: "فأمرَ عبدَ الرحمن بنَ أبي بكر" إلى آخر الحديث.

فيه: دليلٌ على الخلوة بذات المحرم، ولا خلافَ فيه.

(1)"إذ" ليست في "ت".

(2)

"أنا" زيادة من "ت".

(3)

"بالعمرة" زيادة من "ت".

(4)

المرجع السابق، (3/ 73 - 74).

ص: 101

وفيه: أن من أحرمَ بالعمرة من مكة لا يُحرم بها من جوفها، بل يخرج إلى الحل؛ فإن التنعيم أدنى الحِلِّ، وعلَّله العلماء بالجمع بين الحلِّ والحرَمِ في العمرة؛ كما كان ذلك في الحج؛ فإن عرفةَ حِلٌّ، وهي أحدُ أركان الحج.

وهل ذلك واجب، أو مندوب؟ مذهبُنا وجوبه، وعند الشافعية خلاف.

ق: وجمد بعضُ الناس، فشرطَ (1) الخروجَ إلى التنعيم بعينِه، ولم يكتفِ إلى مطلق الحل، واللَّه أعلم (2).

* * *

(1) في "ت": "بعض الناس يشترط" بدل "وجمد بعض الناس فشرط".

(2)

المرجع السابق، (3/ 74).

ص: 102