المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثالث 262 - عَنْ عَبدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله - رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام - جـ ٤

[تاج الدين الفاكهاني]

فهرس الكتاب

- ‌باب دخول مكة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب التمتع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الهدي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الغسل للمحرم

- ‌باب فسخ الحج إلى العمرة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌باب المحرم يأكل من صيد الحلال

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كِتْابُ الْبُيُوعِ

- ‌ الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما نهي عنه من البيوع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العَاشِرُ

- ‌باب العرايا وغير ذلك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب السلم

- ‌باب الشروط في البيع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الربا والصرف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الرهن وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌باب اللقطة

- ‌باب الوصايا

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الفرائض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كِتْابُ النِّكَاحِ

- ‌الحديث الأول

- ‌بَابِ

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌باب الصداق

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كِتْابُ الطَّلَاق

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

الفصل: ‌ ‌الحديث الثالث 262 - عَنْ عَبدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله

‌الحديث الثالث

262 -

عَنْ عَبدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ بَاعَ نَخْلًا (1) قَدْ أُبِّرَتْ، فَثَمَرُهَا (2) لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ"(3).

وَلِمُسْلِمٍ: "وَمَنِ ابْتَاعَ عَبْدًا، فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ (4) المُبْتَاعُ"(5).

(1) في "ت": "نخلة".

(2)

في "ت": "فثمرتها".

(3)

* تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (2090)، كتاب: البيوع، باب: من باع نخلًا قد أبرت، أو أرضًا مزروعة، أو بإجارة، و (2092)، باب: النخل بأصله، و (2567)، كتاب: الشروط، باب: إذا باع نخلًا قد أبرت، ومسلم (1543/ 77 - 79)، كتاب: البيوع، باب: من باع نخلًا عليها ثمر، وأبو داود (3433)، كتاب: الإجارة، باب: في العبد يباع وله مال، والنسائي (4635)، كتاب: البيوع، باب: النخل يباع أصلها ويستثني المشتري ثمرها، وابن ماجة (2210)، كتاب: التجارات، باب: ما جاء فيمن باع نخلًا مؤبرًا، أو عبدًا له مال.

(4)

في "ت": "يشترط".

(5)

رواه مسلم (1543/ 80)، كتاب: البيوع، باب: من باع نخلًا عليها ثمر. =

ص: 306

* الكلام على الحديث من وجوه:

الأول: النخل: اسمُ جنس، والنخيلُ جمعٌ وليس بجنس، والنخلُ يذكَّرُ ويؤنَّثُ، فمن التذكير قولُه تعالى:{أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر: 20]، ومن التأنيث قوله تعالى:{أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 7]، وقد تسمى النخلةُ شجرة، وفي الحديث:"مَا شَجَرَةٌ لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا؟ "، ثم فُسرت بالنخلة (1)،

= قلت: وكذا رواه البخاري (2250)، كتاب: البيوع، باب: الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل. ولم ينتبه الشارح رحمه الله عليه.

ورواه أيضًا: أبو داود (3435)، كتاب: الإجارة، باب: في العبد يباع وله مال، والنسائي (4636)، كتاب: البيوع، باب: النخل يباع ويستثني المشتري ماله، والترمذي (1244)، كتاب: البيوع، باب: ما جاء في ابتياع النخل بعد التأبير، والعبد وله مال، وابن ماجة (2211)، كتاب: التجارات، باب: ما جاء فيمن باع نخلًا مؤبرًا أو عبدًا له مال.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (3/ 106)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (6/ 299)، "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 184)، و"المفهم" للقرطبي (4/ 397)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 190)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 146)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 238)، و"طرح التثريب" للعراقي (6/ 116)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 402)، و"عمدة القاري" للعيني (12/ 223)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (4/ 93)، و"كشف اللثام" للسفاريني (4/ 546)، و"سبل السلام" للصنعاني (3/ 48)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 273).

(1)

رواه البخاري (61)، كتاب: العلم، باب: قول المحدث: حَدَّثَنَا وأخبرنا وأنبأنا، ومسلم (2811)، كتاب: صفة القيامة والجنة والنار، باب: مثل المؤمن مثل النخلة، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 307

وأما النخلة (1) في قول الشاعر:

رَأَيْتُ بِهَا قَضِيبًا فَوْقَ دِعْصٍ

عَليهِ النَّخْلُ أَيْنَعَ والْكُرُومُ

فقالوا: ضربٌ (2) من الحلي، والكرومُ: القلائدُ (3).

الثاني: التأبير: تلقيحُ النخل (4)، وهو تشقيقُ أَكِمَّةِ إناثِ النخل، ويُذَرُّ طَلْعُ الذَّكَر فيها، أو (5) يعلَّق عليه لئلا يسقطَ.

ع: وقال ابن حبيب: الإبارُ: شقُّ الطلعِ عن الثمرةِ، وإنما يلقح بعضُ النخل لا كلُّه، ويُشق الباقي بانبثاثِ ريحِ الفحولِ إليه؛ الذي يحصل به تشقيقُ الطلع، يقال منه: أَبَرْتُ النخلَ -مخفف (6) الباء (7) -، وقد تشدد، وعليه التأبير، وأما الإِبار -مثل الإزار-: فاسمُ التأبير، فيقال من المخفف: نَخلةٌ مأَبُورة، ومن المشدد: مُؤَبَّرَة، والإبارُ في غير النخل: عقدُ ثمره، وثباتُ ما يثبت (8)، و (9) سقوط ما يسقط من نوره إِلَّا ما يذكر منه، فحكمُه حكمُ النخل، واختُلف في الزرع هل

(1) في "ت": "النخل".

(2)

"ضرب" ليس في "ت".

(3)

انظر: "الصحاح" للجوهري (5/ 1827)، (مادة: نخل).

(4)

في "ت": "النخلة".

(5)

في "ت": "و".

(6)

في "ت": "يخفف".

(7)

"الباء" ليس في "ت".

(8)

في "خ": "ما ينتثر".

(9)

الواو ليست في "خ".

ص: 308

إبارهُ الظهورُ، من الأرض، أو الإفراك؟ واللَّه أعلم (1).

الثالث: نصَّ في الحديث على كون الثمرة مع الإطلاق للبائع بعدَ الإبار، إِلَّا أن يشترط، ودليلُ هذا الخطاب: أنها قبلَ الإبار للمشتري، وهذا مذهبُنا، وخالف في ذلك أبو حنيفة، ورأى أنها قبلَ الإبار للبائع كما هي بعدَ الإبار.

قال الإمام: وسببُ الاختلاف بين الفَقيهَيْنِ (2): أن مالكًا يرى: أن ذِكْرَ الإبارِ هاهنا القصدُ به تعليقُ الحكم عليه؛ ليدلُّ أن ما عداه بخلافه، ويرى أبو حنيفة: أن تعلّق الحكم به، إما (3) للتنبيهِ به على ما لا يُؤبر، أو (4) لغير ذلك، ولم يُقصد به نفيُ الحكم عما سوى المذكور.

قال: وقال بعض أصحابنا: هذا منه دعوى؛ إذ لا يمكن التنبيه بالمؤبر على ما لا يؤبر، وإنما ينبه بالأدنى على الأعلى، أو بالمشكِل على (5) الواضح، وهذا خارجٌ عن هذين القسمين، مع أن الذي قاله مالك له فيه شبهٌ في الشرعِ، وذلك أن الثمرةَ قبل الإبار تُشبه الجنينَ قبل الوضع، وبعدَ الإبار تشبه الجنينَ بعد (6) الوضع، فلما كانت الأجنَّةُ

(1) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 184).

(2)

"بين الفقيهين" ليس في "ت".

(3)

في "ت": "إنما".

(4)

"أو" ليست في "ت".

(5)

في "ت": "عن".

(6)

في "ت": "يوم".

ص: 309

قبل وضعِها للمشتري، وبعدَ وضعها للبائعِ، وجب أن يجري الثمرُ هذا المجرى.

وأما إذا لم تؤبر (1)، و (2) ثبت أنها للمشتري؛ كما بيناه، (3) فهل (4) يجوز للبائع أن يشترطها؟

المشهور في المذهب عندنا (5): أن ذلك لا يجوز على إحدى الطريقين عندنا أن المستثنى منها (6): يجوز ذلك، هكذا بنى بعضُ شيوخنا، وبالإجازة قال الشافعي (7).

وتلخيصُ مأخذِ اختلافهم من الحديث: أن أبا حنيفة استعملَ الحديث لفظًا ومعقولًا، واستعمله الشافعي لفظًا ودليلًا، ولكن (8) الشافعيَّ استعمل (9) دلالته من غيرِ تخصيص، ويستعملها [مالك] مخصصة.

وبيان ذلك: أن أبا حنيفةَ جعلَ الثمرةَ للبائع في الحالين؛ وكأنه

(1) في "ت": "تؤثر".

(2)

الواو ليست في "ت".

(3)

في "ت" زيادة: "فصل".

(4)

في "ت": "هل".

(5)

في "ت": "عندنا في المذهب".

(6)

في "خ": "مبقى".

(7)

في "ت": "وعند الشافعي يجوز ذلك".

(8)

في "ت": "وليكن".

(9)

"استعمل" ليس في "ت".

ص: 310

رأى أن ذِكْرَ الإبار تنبيهٌ على [ما] قبلَ الإبار، على إحدى الطرق التي ذكرنا عنه، وهذا يسمى في الأصول: معقولَ الخطاب.

واستعمله مالكٌ والشافعيُّ على أن المسكوتَ (1) عنه حكمُه حكمُ غيرِ المنطوقِ به، وهذا يسمِّيه أهلُ الأصول (2): دليلَ الخطاب، فإذا كان النطقُ: من باعَ ثمرًا بعدَ الإبار، فهي (3) للبائع، إِلَّا أن يشترطها المبتاعُ، كان دليلهُ: أنها قبلَ الإبار للمبتاع، إِلَّا أن يشترطها البائع.

وخَصَّ مالكٌ بعضَ هذا الدليل بأنها قبلَ الإبار تُشبه الأَجِنَّةَ (4)، فلا يجوزُ اشتراطُها، ويقوي هذه الطريقةَ مع القول بأن المستثنى مشترى وإن أبر (5) بعضها، ولم يؤبر بعض، فإن كانا متساويين، فلكل واحد منهما حكمُ نفسه، وإن كان أحدهما أكثرَ من الآخر، فقيل (6): الحكمُ كذلك أيضًا، وقيل: الأقل تبع للأكثر.

ولو كان المبيع (7) أرضًا بزرعها، وهو لم يظهر، ففيه قولان:

قيل: للمشتري؛ كالثمر إذا لم يؤبر.

(1) في "ت": "السكوت".

(2)

في "ت": "تسميه الأصوليون".

(3)

في "ت": "قضى".

(4)

في "ت": "الجنين".

(5)

"مشترى وإن أبر" ليس في "ت".

(6)

في "ع": "قيل".

(7)

في "ت": "البيع".

ص: 311

وقيل: بل هو للبائع؛ لأنه من الجنس الذي لا يتأَبَّر، ولا يتكَرَّر (1)، فأشبهَ ما دُفن في الأرضِ وخالفَ الثمر، انتهى (2).

الرابع: قوله عليه الصلاة والسلام: "ومن باع عبدًا" إلى آخره: هذا مذهب الجمهور، خلافًا للحسن البصريِّ، والزهريِّ في قولهما: إن المال (3) يتبعُ العبدَ في البيع، وهذا الحديث يردُّ عليهما، وهذا بخلاف العِتْق؛ فإن المال فيه يكون للعتيق (4)، إِلَّا أن يشترطه السيدُ، وكذلك ما في معنى العتق؛ كالكتابة؛ خلافًا لأبي حنيفة، والشافعي، في قولهما: إن المال للسيد في العتق، ودليلُنا قوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لَهُ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ السَّيِّدُ"(5)، فنحنُ نعيد الضمير في (6) قوله:"له"(7) على العبدِ، لوجوه (8):

أحدها: أن العبد ملفوظٌ به، والسيد غيرُ ملفوظ به، بل هو مستتر

(1) في "ت": "يتبكر".

(2)

انظر: "المعلم" للمازري (2/ 266)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 184).

(3)

في "ت": "الملك".

(4)

في "ت": "للمعتق".

(5)

رواه أبو داود (3962)، كتاب: العتق، باب: فيمن أعتق عبدًا وله مال، وابن ماجه (2529)، كتاب: العتق، باب: من أعتق عبدًا وله مال، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(6)

في "ت": "من".

(7)

"له" ليس في "ت".

(8)

في "ت": "وجوه".

ص: 312

في "أعتق"، يعود على (مَنْ)، وعَوْدُ الضمير في صناعة العربية على المنطوقِ به أَوْلى من عودِه على المستتر.

الثاني: أن الضمير في (له) أقربُ إلى العبد من الضمير المستتر في (أعتق)، والعودُ إلى الأقرب عند التعارض أَوْلى.

الثالث: لو أعدنا الضمير في (له) على ضمير السَّيِّد المشتري في (أعتق)، لفسد المعنى، إذ يبقى التقديرُ: فمالُه للسيد إِلَّا أن يشترطه السيدُ، فيكون للسيد، وهذا لا شكَّ في فساده؛ كما ترى، ولأن الكتابة يملك بها مالَه، وهي سببُ العتق، فنفسُ العتق أولى، ولأن العبدَ إذا بيع غنيٌّ بسيده، فلا تُعوزه النفقةُ طعامًا وكسوة، فهذا لا ضررَ عليه في انتزاع السيدِ لمالِه، وإذا أُعتق، افتقرَ إلى الكسب لقيام أَوَدِه وسائرِ ضروراته، فنالسبَ أن لا يُنتزع مالُه من يده؛ إذ يؤدِّي ذلك إلى الضرر به غالبًا، وقد قال عليه الصلاة والسلام:"لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ"(1).

واختلف أصحابُنا في الصَّدقة والهِبَة، أعني: إذا تصدَّقَ بعبده، أو وَهَبَه.

قيل: وإنما اختُلف فيهما؛ لأخذهما شبهًا من العتق الذي يتبع العبدَ فيه المالُ، وشبهًا من البيع (2) الذي لا يتبعُه فيه، فالبيعُ: خروجٌ ملكٍ إلى ملكٍ بعوضٍ على جهة الاختيار، والعتقُ: خروجٌ من ملك

(1) رواه ابن ماجة (2341)، كتاب: الأحكام، باب: من بنى في حقه ما يضر بجاره، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(2)

في "ت": "المبيع".

ص: 313

إلى غير ملك بغير عِوَض، والهبةُ خرجت لغير (1) عوض، فأشبهت العتقَ، ومن ملك إلى ملك، فأشبهت البيعَ.

واختلف قولُ مالك في الوصيَّة.

قال أصحابنا: ويجوز أن يشترط المشتري مالَ العبد، وإن كان عَيْنًا (2)، والثمنُ عينٌ؛ وكأنه لا حصةَ له من الثمن، فلا يدخله الربا، وهذا على أنه اشترطه للعبد، وأبقاه على ملكه، فكأنه لم يملك هو عينًا دفعَ عوضَها عينًا أخرى، ولو اشترطه لنفسه، ما جاز؛ لتحقق (3) الربا، وصار كمن اشترى سلعةً وذهبًا بذهب، وذلك لا يجوز.

وأما الجناية، فالمالُ فيها يتبع الرقبةَ، وينتقل بانتقالها.

فقد اشتمل هذا الفصلُ على كل ملك يزول عن سيده؛ لأن ذلك لا يعد في (4) أربعة أنواع: زواله بعقد معاوضة (5)؛ كالبيع، والنِّكاح، أو العتق، وما في معناه من العقود التي تُفضي إلى العتق، أو الهِبَة، و (6) الصَّدقة، أو الجناية، فليعلمْ ذلك.

وقد استدلَّ أصحابنا على أن العبدَ يملكُ بهذا الحديث؛ لأنه

(1) في "ت": "بغير".

(2)

في "ت": "غنيا".

(3)

في "خ": "لتحقيق".

(4)

في "ت": "لا يتعد".

(5)

في "ت": "ويعقد مفاوضة".

(6)

في "ت": "أو".

ص: 314

-عليه الصلاة والسلام أضاف المالَ إلى العبد بلام الملك (1).

فائدة نحوية: اللام لها عشرةُ معانٍ:

الملكُ حقيقةً؛ نحو: الدارُ لزيد.

ومجازًا؛ نحو: أنا لكَ.

والاستحقاقُ؛ نحو: البابُ للدار، والسرجُ للدابة.

والتخصيصُ؛ نحو: هذا ابنٌ لزيد.

والتعليلُ؛ نحو: شربتُ لأَرْوى.

والتوكيدُ؛ نحو: لزيدٌ قائمٌ.

والصيرورةُ (2)، وتسمى أيضًا: لامَ العاقبة؛ نحو قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8]، ومنه قول الشاعر:[الوافر]

لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ

والقسمُ؛ نحو قولك: للَّهِ! لا يبقى أحد.

ومقويةٌ للعامل عند تقدُّم معموله عليه؛ نحو: لَزَيْدًا ضربتُ، ومن ذلك قوله تعالى:{إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43]، والأصلُ: تعبرون الرؤيا.

(1) انظر: "المعلم" للمازري (2/ 267)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 186).

(2)

في "ت": "الضرورة".

ص: 315

والعاشر: أن تكون زائدةً للتوكيد؛ نحو قوله -تعالى-: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ} [النمل: 72]، {بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} [الحج: 26]، والأصل رَدِفَكُم، وإذ بَوَّأْنا إبراهيمَ.

قالوا (1): وتكون بمعنى (عن)؛ نحو قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا} [الأحقاف: 11] الآية؛ أي: عن الذين آمنوا، ولو كانت على بابها: كان (2) ما سبقتمونا إليه، واللَّه أعلم (3).

* * *

(1) في "خ": "قال".

(2)

في "ت": "لكان".

(3)

وانظر: "مغني اللبيب" لابن هشام (ص: 275) وما بعدها.

ص: 316