الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس
240 -
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ: أَنَّهُ حَجَّ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَرَآهُ يَرْمِي الجَمْرَةَ الكُبْرَى بِسَبع حَصَيَاتٍ، فَيَجْعَلَ البَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَمِنَى عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ صلى الله عليه وسلم (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1660)، كتاب: الحج، باب: رمي الجمار من بطن الوادي، و (1661)، باب: رمي الجمار بسبع حصيات، و (1662)، باب: من رمى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره، و (1663)، باب: يكبر مع كل حصاة، ومسلم (1296/ 305 - 309)، كتاب: الحج، باب: رمي جمرة العقبة من بطن الوادي، وأبو داود (1974)، كتاب: المناسك، باب: في رمي الجمار، والنسائي (3070، 3073)، كتاب: الحج، باب: رمي الرعاة، والترمذي (901)، كتاب: الحج، باب: ما جاء كيف ترمى الجمار؟ وابن ماجه (3030)، كتاب: المناسك، باب: من أين ترمى جمرة العقبة؟
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 371)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 398)، و"شرح مسلم" للنووي (9/ 42)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 81)، و"العدة في شرح العمدة" =
* التعريف:
عبدُ الرحمن بنُ يزيدَ النخعيُّ: هو (1) أخو الأسودِ بنِ يزيدَ، الكوفيُّ.
يكنى: أبا بكر.
قال عمرُو بنُ عليٍّ: مات في الجماجم سنة ثلاث وثمانين.
سمع: سليمان، وعثمان بن عفان، وأبا مسعود الأنصاري، وعبدَ اللَّه ابن مسعود.
روى عنه: إبراهيمُ بنُ يزيدَ النخعيُّ، وعمارةُ بنُ عُمير، وإبراهيمُ ابنُ سعد، وابنُ إسحاق السَّبيعيُّ.
تابعي مشهور أُخرج له في "الصحيحين" رضي الله عنه (2).
= لابن العطار (2/ 1060)، و"التوضيح" لابن الملقن (12/ 161)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 581)، و"عمدة القاري" للعيني (10/ 88)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 247)، و"كشف اللثام" للسفاريني (4/ 406)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 210)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 143).
(1)
في "ت": "و" بدل "هو".
(2)
وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (6/ 121)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (5/ 363)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (5/ 299)، و"الثقات" لابن حبان (5/ 111)، و"تهذيب الكمال" للمزي (18/ 12)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (4/ 78)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (6/ 267).
* ثم الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: قوله: "الجمرةَ الكبرى" يريد: جمرة العقبة.
قالوا: وهي حدُّ مِنَى من الغرب، وليست من مِنَى، وهي التي بايع النبيُّ صلى الله عليه وسلم الأنصارَ عندها على الإسلام والهجرة.
وانظر: لم سميت جمرةً هي وأختاها؟ وكأن ذلك -واللَّه أعلم- من حيث كانت تُرمى بالجمار، وهي الحصى، فكأنه من باب تسمية الشيء بلازمه؛ كالغائط، والراوِيَة، ويحتمل أن يكون لغير ذلك، واللَّه أعلم.
ع: وأجمع العلماء أن سُنَّةَ الحاجِّ أن يرمي جمرةَ العقبة يوم النحر، ثم يحلق بمنًى، ثم يطوف طواف الإفاضة (1).
قلت: واختلفوا في وجوبها وسُنِّيتها، فمشهورُ مذهبنا: أنها سُنَّةُ، والشاذُّ: أنها واجبة، وهو قولُ عبد الملك بنِ الماجشون من أصحابنا.
وحكى الطبري عن بعض الناس: أن الجمار إنما تُعمل حفظًا للتكبير، ولو ترك الرمي تاركٌ، وكَبَّرَ، أجزأه، ونحوه عن عائشة رضي الله عنها (2).
فائدة: جمرةُ العقبةِ تختصُّ عن غيرها بأربعةِ أشياء:
إحداها: أنها تُرمى قبل الزوال، ضحًى.
والثاني: أنها تُرمى من أسفلها استحبابًا، ويجزىء من أعلاها،
(1) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 389).
(2)
المرجع السابق، (4/ 371).
وأوسطها، وما عداها، فمِنْ أعلاها.
والثالث: أنه لا يُرمى يومَ النحر غيرُها.
والرابع: أنه لا يوقَف عندها للدعاء، واللَّه أعلم.
الثاني: قوله: "بسبع حَصَيات": اختُلف فيمن رماها بأقلَّ، فجمهورُ العلماء: على أن على تارك ذلك دمًا إذا فاته جمرة (1) أيام التشريق؛ وهو قولُ مالك، والأوزاعي.
وذهب الشافعي، وأبو ثور: إلى أن على تارك حصاة، مُدًّا من طعام، وفي اثنتين مُدَّين، وفي ثلاثٍ فأكثرَ دمًا.
وقال أبو حنيفة وصاحباه: لو ترك أقل من نصف الجمرات الثلاث، ففي كل حصاة نصفُ صاع، وإن كان أكثرَ من نصفها، فعليه [دم، وقال مالك: إن نسي جمرة تامة، أو الجمار كلها عليه](2) بدنةٌ، فإن لم يجد، فبقرة، فإن لم يجد، فشاة.
وقال البصريون: على ناسي الجمرة والجمرتين دمٌ.
وقال عطاء فيمن رمى بخمس، ومجاهد بست: فلا شيء عليه.
واتفقوا أن بخروج أيام التشريق يفوت الرميُ إلا العقبةَ، إلا
(1) في "خ": "جبره".
(2)
ما بين معكوفتين سقط من "خ" و"ت"، والاستدراك من المطبوع من "الإكمال".
ما قاله أبو مصعب: أنه يرمي متى ما ذَكر؛ كمن نسيَ صلاةً يصليها (1) متى ذكرها.
والسنَّة أن يُكَبِّر مع كلِّ حصاةٍ رافعًا صوتَه بالتكبيرِ.
ع: وبه أخذ مالك، والشافعي، وبه عمل الأئمة، وأجمعوا على أن (2) من لا يكبر لا شيء عليه (3).
الثالث: قوله: "هذا مقامُ الذي أُنزلت عليه سورةُ البقرة صلى الله عليه وسلم":
مقام: مَفْعَلٌ من القيام؛ أي: المكان الذي قام فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فهو اسمٌ للمصدر الذي هو القيام.
والسورة: قيل: معناها في كلام العرب: الإبانةُ لها من سورة أخرى، وانفصالها عنها، وسميت بذلك؛ لأنه يرتفع فيها من منزلة إلى منزلة، قال النابغة:[الطويل]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَعْطَاكَ سُورَةً
…
تَرَى كُلَّ مَلْكٍ دُونهَا يَتَذَبْذَبُ
أي: منزلةَ شرفٍ ارتفعتْ إليها عن منزلِ الملوك.
وقيل: سميت بذلك؛ لشرفها وارتفاعها؛ كما يقال لِمَا (4) ارتفعَ من الأرض: سور.
(1) في "ت": "صلاها".
(2)
في "ت": "أنه".
(3)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 371).
(4)
في "ت": "للذي".
وقيل: سميت بذلك؛ لأن قارئها يُشرف على ما لم يكن عنده؛ كسور البناء، كلُّه بغير همز.
وقيل: سميت بذلك؛ لأنها قطعة من القرآن على حِدَة، من قول العرب للبقية: سُؤْرُ، وجاء في أسآر (1) الناس؛ أي: بقاياهم، فعلى هذا يكون الأصل: سؤرة -بالهمز-، ثم خُففت، فأُبدلت واوًا؛ لانضمام ما قبلها.
وقيل: سميت بذلك؛ لتمامها وكمالها، من قول العرب للناقة التامة: سورة.
وجمعُ سُورة: سُوَر -بفتح الواو-، وقال الشاعر:[البسيط]
سودُ المحاجِرِ لا يقرأْنَ بالسورِ
ويجوز أن يجمع على سُورَات، وسُوَرَات (2)، واللَّه أعلم.
وفي الحديث: دليل على جواز قول: سورة كذا؛ خلافًا للحَجَّاج ابنِ يوسفَ حيثُ قال: لا يقال إلا: السورة التي يذكر فيها البقرة، ونحو ذلك، والحديث يردُّ عليه.
وإنما خَصَّ سورةُ البقرةِ، وإن كان القرآن كلُّه منزَلًا (3) عليه صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ مُعظَمَ مناسكِ الحجِ فيها؛ فكأنه قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه
(1) في "ت": "أسباب".
(2)
انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 690)، (مادة: سور).
(3)
في "ت": "منزولًا".
المناسكُ، وأُخذت عنه الأحكام صلى الله عليه وسلم.
ولتعلمْ: أن جملةَ (1) ما يرميه الحاج غيرُ المتعجل (2) سبعون حصاة: سبعٌ يوم النحر، وفي كل يوم بعدَه إحدى وعشرين حصاةً للجمار الثلاث، فإن تعجَّل، فتسع وأربعون: سبع يوم النحر، واثنتان وأربعون لليومين اللذين بعده.
وصفةُ الحصا المرمِيّ بها: أن تكون قدرَ حصى الخَذْف، بالخاء والذال المعجمتين.
قال الإمام: قال الليث: الخذف رَمْيَتُكَ حصاة أو نواة، تأخذُها (3) بين سَبَّابَتَيْكَ، أو تجعل مخذفةً من خشب ترمي بها بين إبهامك والسبابة (4).
ع: وهذا حدُّ حصى الرمي، وقد روي نهيُ النبي صلى الله عليه وسلم عما سواه، وقال:"لَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بعضًا"(5).
وقيل: إن أصل مشروعية الرمي: أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام
(1) في "ت": "جميع".
(2)
في "ت": "المستعجل".
(3)
في "ت": "تجعلها".
(4)
انظر: "المعلم" للمازري (2/ 87).
(5)
رواه أبو داود (1966)، كتاب: المناسك، باب: في رمي الجمار، من حديث سليمان بن عمرو الأحوص، عن أمه. وانظر:"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 284).
حين هربَ منه الكبشُ المفدى به الذبيحُ عليه الصلاة والسلام عندَ الجمرة، رماه بسبع حصيات حتى أخذه.
وروي (1) أنه رمى الشيطانَ حين تعرَّضَ له بالوسوسة عند ذبح ولده.
وروي أنه لما ذبحه، قال جبريل: اللَّه أكبرُ، اللَّه أكبرُ، فقال الذبيح: لا إلهَ إلا اللَّهُ واللَّهُ أكبر، فقال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: اللَّهُ أكبرُ وللَّه الحمدُ، فبقي سنةً (2)، واللَّه أعلم (3).
* * *
(1) في "ت": "وقيل".
(2)
انظر: "مثير العزم الساكن" لابن الجوزي (ص: 117) وما بعدها.
(3)
"فبقي سنة واللَّه أعلم" ليس في "ت".