الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
160
- " لا، ولكن تصافحوا. يعني لا ينحني لصديقه ولا يلتزمه، ولا يقبله حين
يلقاه ".
رواه الترمذي (2 / 121) وابن ماجه (3702) والبيهقي (7 / 100) وأحمد
(3 / 198) من طرق عن حنظلة بن عبد الله السدوسي قال: حدثنا أنس بن مالك
قال: " قال رجل: يا رسول الله أحدنا يلقى صديقه أينحني له؟ قال: فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، قال: فيلتزمه ويقبله؟ قال: لا،
قال: فيصافحه؟ قال: نعم إن شاء ".
والسياق لأحمد وكذا الترمذي، لكن ليس عنده:" إن شاء " ولفظ ابن ماجه
نحوه وفيه: " لا، ولكن تصافحوا ".
والحديث رواه أيضا محمد بن يوسف الفريابي في " ما أسند الثوري "
(1 / 46 / 2) وأبو بكر الشافعي في " الفوائد "(97 / 1) وفي
" الرباعيات "(1 / 93 / 2) والباغندي في " حديث شيبان وغيره "
(191 / 1) وأبو محمد المخلدي في " الفوائد "(236 / 2) والضياء
المقدسي في " المصافحة "(32 / 2) وفي " المنتقى من مسموعاته بمرو "
(28 / 2) كلهم عن حنظلة به.
وقال الترمذي: " حديث حسن ".
قلت: وهو كما قال أو أعلا، فإن رجاله كلهم ثقات غير حنظلة هذا فإنهم ضعفوه،
ولكنهم لم يتهموه، بل ذكر يحيى القطان وغيره أنه اختلط، فمثله يستشهد به،
ويقوى حديثه عند المتابعة، وقد وجدت له متابعين ثلاثة:
الأول: شعيب بن الحبحاب.
أخرجه الضياء في " المنتقى "(87 / 2) من طريق أبي بلال الأشعري حدثنا قيس
بن الربيع عن هشام بن حسان عن شعيب به إلا أنه ذكر السجود بدل الالتزام.
وهذا إسناد حسن في المتابعات فإن قيس بن الربيع صدوق، ولكنه كان تغير لما
كبر، وأبو بلال الأشعري اسمه مرداس ضعفه الدارقطني وذكره ابن حبان في الثقات
ومن فوقهما ثقتان من رجال الشيخين.
وهذه المتابعة أخرجها أيضا أبو الحسن المزكي كما أفاده ابن المحب في تعليقه
على " كتاب المصافحة " ومن خطه نقلت.
الثاني: كثير بن عبد الله قال: سمعت أنس بن مالك به دون ذكر الانحناء
والالتزام.
أخرجه ابن شاهين في " رباعياته "(172 / 2) : حدثنا محمد بن زهير قال: حدثنا
مخلد بن محمد قال: حدثنا كثير بن عبد الله.
وكثير هذا ضعيف كما قال الدارقطني، وقال الذهبي: " وما أرى رواياته
بالمنكرة جدا، وقد روى له ابن عدي عشرة أحاديث ثم قال:
" وفي بعض روايته ما ليس بمحفوظ ".
قلت: فمثله يستشهد به أيضا إن شاء الله تعالى، لكن من دونه لم أجد من ترجمهما
الثالث: المهلب بن أبي صفرة عن أنس مرفوعا بلفظ:
(لا ينحني الرجل للرجل، ولا يقبل الرجل الرجل، قالوا: يصافح الرجل الرجل؟
قال: نعم) .
رواه الضياء في " المنتقى "(23 / 1) من طريق عبد العزيز بن أبان حدثنا
إبراهيم بن طهمان عن المهلب به.
قلت: المهلب من ثقات الأمراء كما في " التقريب "، لكن السند إليه واه، فإن
عبد العزيز بن أبان هذا متروك وكذبه ابن معين وغيره كما قال الحافظ، فلا
يستشهد
بهذه المتابعة. ولكن ما قبلها من المتابعات يكفي في تقوية الحديث،
وكأنه لذلك أقر الحافظ في " التلخيص "(367) تحسين الترمذي إياه.
ومنه تعلم أن قول البيهقي:
" تفرد به حنظلة " فليس بصواب والله أعلم.
إذا عرفت ذلك ففيه رد على بعض المعاصرين من المشتغلين بالحديث، فقد ألف جزءا
صغيرا أسماه " إعلام النبيل بجواز التقبيل " حشد فيه كل ما وقف عليه من أحاديث
التقبيل ما صح منها وما لم يصح، ثم أورد هذا الحديث وضعفه بحنظلة ولعله لم
يقف على هذه المتابعات التي تشهد له، ثم تأوله بحمله على ما إذا كان الباعث
على التقبيل مصلحة دنيوية كغنى أو جاه أو رياسة مثلا! وهذا تأويل باطل، لأن
الصحابة الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن التقبيل، لا يعنون به قطعا
التقبيل المزعوم، بل تقبيل تحية كما سألوه عن الانحناء والالتزام والمصافحة
فكل ذلك إنما عنوا به التحية فلم يسمح لهم من ذلك بشيء إلا المصافحة، فهل هي
المصافحة لمصلحة دنيوية؟ ! اللهم لا.
فالحق أن الحديث نص صريح في عدم مشروعية التقبيل عند اللقاء، ولا يدخل في ذلك
تقبيل الأولاد والزوجات، كما هو ظاهر، وأما الأحاديث التي فيها أن النبي
صلى الله عليه وسلم قبل بعض الصحابة في وقائع مختلفة، مثل تقبيله واعتناقه
لزيد بن حارثة عند قدومه المدينة، وتقبيله واعتناقه لأبي الهيثم ابن التيهان
وغيرهما، فالجواب عنها من وجوه:
الأول: أنها أحاديث معلولة لا تقوم بها حجة. ولعلنا نتفرغ للكلام عليها،
وبيان عللها إن شاء الله تعالى.
الثاني: أنه لو صح شيء منها، لم يجز أن يعارض بها هذا الحديث الصحيح، لأنها
فعل من النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل الخصوصية، أو غيرها من الاحتمالات التي
توهن الاحتجاج بها على خلاف هذا الحديث، لأنه حديث قولي وخطاب عام موجه إلى
الأمة فهو حجة عليها، لما تقرر في علم الأصول أن القول مقدم على الفعل عند
التعارض، والحاظر مقدم على المبيح، وهذا الحديث قول وحاظر، فهو المقدم
على الأحاديث المذكورة لو صحت.
وكذلك نقول بالنسبة للالتزام والمعانقة، أنها لا تشرع لنهي الحديث عنها،
لكن قال أنس رضي الله عنه:
" كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر
تعانقوا ".
رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح كما قال المنذري (3 / 270)
والهيثمي (8 / 36) وروى البيهقي (7 / 100) بسند صحيح عن الشعبي قال:
" كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا التقوا صافحوا، فإذا قدموا من سفر
عانق بعضهم بعضا ".
وروى البخاري في " الأدب المفرد "(970) وأحمد (3 / 495) عن جابر بن
عبد الله قال:
" بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيرا، ثم
شددت عليه رحلي، فسرت إليه شهرا حتى قدمت عليه الشام فإذا عبد الله بن أنيس،
فقلت للبواب: قل له: جابر على الباب، فقال: ابن عبد الله؟ قلت: نعم،
فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني واعتنقته " الحديث،