الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخرجه الفريابي في " كتاب أحكام العيدين "(ق 129 / 1) بسند صحيح، ورواه
الدارقطني (180) وغيره بزيادة: " ويوم الأضحى ". وسنده جيد.
وفي الحديث دليل على مشروعية ما جرى عليه عمل المسلمين من التكبير جهرا في
الطريق إلى المصلى، وإن كان كثير منهم بدأوا يتساهلون بهذه السنة حتى كادت
أن تصبح في خبر كان، وذلك لضعف الوازع الديني منهم، وخجلهم من الصدع بالسنة
والجهر بها، ومن المؤسف أن فيهم من يتولى إرشاد الناس وتعليمهم، فكأن
الإرشاد عندهم محصور بتعليم الناس ما يعلمون! ، وأما ما هم بأمس الحاجة إلى
معرفته، فذلك مما لا يلتفتون إليه، بل يعتبرون البحث فيه والتذكير به قولا
وعملا من الأمور التافهة التي لا يحسن العناية بها عملا وتعليما، فإنا لله
وإنا إليه راجعون.
ومما يحسن التذكير به بهذه المناسبة، أن الجهر بالتكبير هنا لا يشرع فيه
الاجتماع عليه بصوت واحد كما يفعله البعض وكذلك كل ذكر يشرع فيه رفع الصوت
أو لا يشرع، فلا يشرع فيه الاجتماع المذكور، ومثله الأذان من الجماعة
المعروف في دمشق بـ " أذان الجوق "، وكثيرا ما يكون هذا الاجتماع سببا لقطع
الكلمة أو الجملة في مكان لا يجوز الوقف عنده، مثل " لا إله " في تهليل فرض
الصبح والمغرب، كما سمعنا ذلك مرارا.
فنكن في حذر من ذلك ولنذكر دائما قوله صلى الله عليه وسلم:
" وخير الهدي هدي محمد ".
172
- " يقول الله لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة: يا ابن آدم! كيف وجدت
مضجعك؟ فيقول: شر مضجع، فيقال له: لو
كانت لك الدنيا وما فيها أكنت مفتديا
بها؟ فيقول: نعم، فيقول: كذبت قد أردت منك أهون من هذا، وأنت في صلب "
وفي رواية: ظهر " آدم أن لا تشرك بي شيئا ولا أدخلك النار، فأبيت إلا الشرك
، فيؤمر به إلى النار ".
رواه البخاري (2 / 333 و 4 / 239، 242) ومسلم (8 / 134، 135) وأحمد
(3 / 127، 129) وكذا أبو عوانة وابن حبان في صحيحيهما كما في " الجامع
الكبير " (3 / 95 / 1) من طريق أبي عمران الجوني - والسياق له عند مسلم
وقتادة، كلاهما عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وله طريق ثالث: عن ثابت عن أنس به نحوه.
عزاه الحافظ في " الفتح "(6 / 349) لمسلم والنسائي، ولم أره عند مسلم،
وأما النسائي، فالظاهر أنه يعني " السنن الكبرى " له والله أعلم.
قوله: (فيقول: كذبت) قال النووي:
" معناه لو رددناك إلى الدنيا لما افتديت لأنك سئلت أيسر من ذلك، فأبيت فيكون
من معنى قوله تعالى: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، وإنهم لكاذبون) ،
وبهذا
يجتمع معنى هذا الحديث مع قوله تعالى: (لو أن لهم ما في الأرض جميعا
ومثله معه لافتدوا به) .
قوله: (قد أردت منك) أي أحببت منك، والإرادة في الشرع تطلق ويراد بها ما
يعم الخير والشر والهدى والضلال كما في قوله تعالى (ومن يرد الله أن يهديه
يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في
السماء) . وهذه الإرادة لا تتخلف. وتطلق أحيانا ويراد بها ما يرادف الحب
والرضا، كما في قوله تعالى (يريد الله بكم اليسر، ولا يريد بكم العسر) ،
وهذا المعنى هو المراد من قوله تعالى في هذا الحديث (أردت منك) أي أحببت
والإرادة بهذا المعنى قد تتخلف، لأن الله تبارك وتعالى لا يجبر أحدا على
طاعته وإن كان خلقهم من أجلها (فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر) ، وعليه
فقد يريد الله تبارك وتعالى من عبده ما لا يحبه منه. ويحب منه ما لا يريده،
وهذه الإرادة يسميها ابن القيم رحمه الله تعالى بالإرادة الكونية أخذا من قوله
تعالى (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له: كن فيكون) ، ويسمى الإرادة
الأخرى المرادفة للرضا بالإرادة الشرعية، وهذا التقسيم، من فهمه انحلت له
كثير من مشكلات مسألة القضاء والقدر، ونجا من فتنة القول بالجبر أو الاعتزال
وتفصيل ذلك في الكتاب الجليل " شفاء