الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
192
- " هي رخصة ـ يعني الفطر في السفر ـ من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن
يصوم، فلا جناح عليه ".
رواه مسلم (3 / 145) والنسائي (1 / 317) والبيهقي (4 / 243) من طريق
أبي مراوح عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال:
" يا رسول الله! أجد بي قوة على الصيام في السفر، فهل علي جناح؟ فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم
…
" فذكره.
قال مجد الدين بن تيمية في " المنتقى ":
" وهو قوي الدلالة على فضيلة الفطر ".
قلت: ووجه الدلالة قوله في الصائم " فلا جناح عليه "، أي: لا إثم عليه،
فإنه يشعر بمرجوحية الصيام كما هو ظاهر، لاسيما مع مقابلته بقوله في الفطر
" فحسن "، لكن هذا الظاهر غير مراد عندي، والله أعلم، وذلك لأن رفع الجناح
في نص ما عن أمر ما، لا يدل إلا على أنه يجوز فعله وأنه لا حرج على فاعله،
وأما هل هذا الفعل مما يثاب عليه فاعله أو لا، فشيء آخر لا يمكن أخذه من النص
ذاته بل من نصوص أخرى خارجة عنه، وهذا شيء معروف عند من تتبع الأمور التي ورد
رفع الجناح عن فاعلها وهي على قسمين:
أ - قسم منها يراد بها رفع الحرج فقط مع استواء الفعل والترك، وهذا هو
الغالب، ومن أمثلته قوله صلى الله عليه وسلم:
" خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والفأرة
والعقرب، والكلب العقور ".
193
- " خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والفأرة
والعقرب، والكلب العقور ".
أخرجه الشيخان ومالك وأصحاب السنن الأربعة إلا الترمذي والدارمي (2 / 36)
والبيهقي وأحمد (2 / 8، 32، 37، 48، 52، 54، 65، 82، 138)
من طرق
عن ابن عمر مرفوعا به.
ومن الواضح أن المراد من رفع الجناح في هذا الحديث هو تجويز القتل، ولا يفهم
منه أن القتل مستحب أو واجب أو تركه أولى.
ب - وقسم يراد به رفع الحرج عن الفعل، مع كونه في نفسه مشروعا له فضيلة، بل
قد يكون واجبا، وإنما يأتي النص برفع الحرج في هذا القسم دفعا لوهم أو زعم من
قد يظن الحرج في فعله، ومن أمثلة هذا ما روى الزهري عن عروة قال:
" سألت عائشة رضي الله عنها؟ فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى (إن الصفا
والمروة من شعائر الله، فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما)
فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة! قالت: بئس ما قلت يا ابن
أختي، إن هذه لو كانت كما أولتها عليه كانت " لا جناح عليه أن لا يطوف بهما "
! ولكنها أنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي
كانوا يعبدونها عند المشلل، فكان من أهل يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما
أسلموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، قالوا: يا رسول الله إنا
كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة، فأنزل الله: (إن الصفا والمروة من
شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) ، قالت عائشة
رضي الله عنها: وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما، فليس
لأحد أن يترك الطواف بينهما ".
أخرجه البخاري (1 / 414) وأحمد (6 / 144، 227) .
إذا تبين هذا فقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث " ومن أحب أن يصوم فلا جناح
عليه "، لا يدل إلا على رفع الإثم عن الصائم، وليس فيه ما يدل على ترجيح
الإفطار على الصيام،