الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
499
- " من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا أو خموشا أو كدوحا في
وجهه. قيل: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: خمسون درهما، أو قيمتها من
الذهب ".
أخرجه أبو داود (1626) والنسائي (1 / 363) والترمذي (1 / 126)
والدارمي (1 / 386) وابن ماجه (1840) والطحاوي (1 / 306) والحاكم
(407)
وأحمد (1 / 388، 441) وابن عدي (69 / 1، 73 / 2) من طريق حكيم
بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
والسياق لابن ماجه وزاد هو وغيره:
" فقال رجل لسفيان: إن شعبة لا يحدث عن حكيم بن جبير، فقال سفيان: قد حدثناه
زبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ".
قلت: حكيم بن جبير ضعيف، لكن متابعة زبيد وهو ابن الحارث الكوفي تقوي الحديث
فإنه ثقة ثبت، وكذلك سائر الرواة ثقات، فالإسناد صحيح من طريق زبيد.
قال الترمذي " حديث حسن ".
500
- " من كان له شعر فيلكرمه ".
أخرجه أبو داود (4163) والطحاوي في " المشكل "(4 / 321) والبيهقي في
" الشعب "(2 / 265 / 2) وأبو محمد العدل في " الفوائد "(3 / 1 / 2) من
طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
وهذا إسناد حسن كما قال الحافظ في " الفتح "(10 / 310) ، وهو عندي
صحيح،
لأن ابن أبي الزناد - وهو صدوق، تغير حفظه لما قدم بغداد - قد وجدت له متابعا
قويا، فقال أبو نعيم في " تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور
عاليا " (ق 209 / 1) : وروى عنه أيضا إسماعيل بن عبد الله العبدي. حدثنا
عبد الله بن جعفر حدثنا إسماعيل بن عبد الله أنبأنا سعيد بن منصور أنبأنا ابن
أبي ذئب عن سهيل به.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير العبدي هذا وهو ثقة صدوق كما
قال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 182) وعبد الله بن جعفر هو عبد الله ابن محمد بن
جعفر بن حبان المعروف بأبي الشيخ وهو ثقة حافظ له ترجمة في " تذكرة الحفاظ "
(3 / 147 - 149) .
وللحديث شاهدان:
الأول: عن عائشة.
أخرجه الطحاوي وأبو بكر الشافعي في " الفوائد "(7 / 80 / 2) وعنه
عبد العزيز الكتاني في " حديثه "(236 / 1) والبيهقي أيضا وابن حيويه في
" حديثه "(3 / 4 / 2) عن ابن إسحاق عن عمارة بن غزية عن القاسم عن عائشة به
مرفوعا. قال الحافظ " وسنده حسن أيضا ".
وهذا تساهل منه فإن ابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه من الطريقين عنه. إلا إن كان
يعني أنه حسن لغيره، فهو صواب..
والشاهد الآخر: عن ابن عباس.
أخرجه الخطيب في " الموضح "(2 / 67) عن سليمان بن أرقم عن عطاء بن أبي رباح
عنه وسليمان بن أرقم ضعيف.
(تنبيه)
عزى السيوطي في " الجامع الكبير "(2 / 286 / 2) الحديث لأبي داود والبيهقي
في " الشعب " عن أبي هريرة بهذا اللفظ. ثم ذكره بزيادة:
" قيل: يا
رسول الله وما كرامته؟ قال: بدهنه وبمشطه كل يوم ".
وقال: " رواه أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " وابن عساكر عن ابن عمر، وفيه
إسحاق ابن إسماعيل الرملي، قال أبو نعيم: حدث بأحاديث من حفظه فأخطأ فيها.
وقال النسائي: صالح ".
قلت: وهذه الزيادة مع ضعف سندها منكرة لأنها تخالف الحديث الآتي:
" نهى صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غبا ".
الاستدراكات
1-
آخر الحديث (32)، وآخر الفائدة الثانية:
ثمَّ رأيتُ بحثًا جيدًا لأَحدِ إِخواننا في مكّة المكرمة -بارك الله فيه- انتصرَ فيه لهذه السنة الظاهرة في رسالتِه التي أَهداها إِلي: "التتمات لبعض مسائل الصلاة"(ص 41-42) ، فراجعه تزدد به علمًا وفائدةً إِن شاءَ الله تعالى.
2-
آخر الحديث (36) :
ثمَّ تبيّن لي أنَّ تصحيح ابن القطان للحديث من الطريق الأُولى عن ابن عباس معلولٌ بالشذوذ، ومثلها الطريقُ الثالثة عنه، فإنّ ذكرَ جملة الأُذنين فيه شاذّة أَيضًا، وقد استفدتُ هذا كلّه من تحقيقٍ قام به الأَخ الفاضل مشهور حسن في تعليقه على كتاب "الخلافيات" للبيهقي (1/366-393) ، يسَّرَ الله له تمامَ إِخراجِه، ونفعَ اللهُ به قرّاءه بمنّه وكرمِه.
لكنّي كنتُ أَودُّ من الأَخِ الفاضلِ أن يزوِّدَ قرّاءَه بخلاصةٍ نافعةٍ بعد ذلك الجهد الجهيد، والتعبِ الشديدِ في تتبعِ طرقِ الحديث، وهي بيان مرتبةِ الحديث، لأنّها بيتُ القصيدِ من التخريجِ، فإنّ من المقررِ في علمِ المصطلحِ أنَّ الحديثَ الضعيفَ يتقوى بكثرةِ الطرقِ بالشرطِ المعروفِ هناك، فالسؤالُ الذي يطرحُ نفسَه الآن -كما يقالُ في هذا الزمانِ-: هل يبقى الحديثُ على ضعفِه كما تَدلُّ عليه مفرداتُ طرقه، ويشيرُ إِليه صنيعُ الإِمامِ الدارقطنيّ والبيهقيّ، أَم إِنَّ مجموعَ طرقه يخرجه من الضعفِ، ويرقى به إِلى مرتبةِ الاحتجاجِ به، ولو في رتبةِ الحديثِ الحسن لغيره على الأَقلّ؟
وجوابًا عليه أَقولُ: إِنَّ هذا الحديثَ مثالٌ صالحٌ للحديثِ الضعيفِ الّذي يتقوَّى بكثرةِ الطرقِ وبغيرِها؛ وهاك البيان:
أَوّلًا - إِنَّ كثيرًا من طرقِه ليسَ شديدَ الضعفِ، إنما ضعفها سوءُ حفظٍ في بعضِ رواتِها، كما هو حالُ الطريقِ الأُولى في الحديثِ رقم (1) ، ولذلك حسّنه جمعٌ من الحفّاظِ -كما تقدّمَ منّي هناك- وفيهم المنذري، وابن دقيق العيد -وهما من الشافعيّةِ- وأَخذَ به الإِمامُ أَحمدُ.
ومثلُ طريق إِسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد في الحديثِ الثالثِ عن ابن عمر، فإن إِسماعيلَ ثقةٌ ضُعِّفَ في غيرِ الشاميين، وقد قال الحاكمُ فيه:
"إِسماعيلُ بن عياش -على جلالتِه- إِذا انفردَ بحديث، لم يقبل منه، لسوء حفظِه".
قلت: فهو حجّة مقبول الحديث هنا؛ لأنّه قد توبعَ -كما ترى-.
ومثلُ طريقِ سويد بن سعيد في الحديث (9) ، فإِنّه ثقة من شيوخِ مسلمٍ ولكنّه كانَ اختلطَ.
فهذه الطرقُ الثلاثُ ممّا يتقوى الحديثُ بها لانتفاءِ شدّةِ الضعف عنها، والطرقُ الأُخرى إِن لم تزدها قوّةً فلا تضرها كما لا يخفى.
ثانيًا - لقد صوّبَ الدارقطنيُّ -كما تقدّم- مرسلَ سليمان بن موسى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو تابعيٌّ حسنُ الحديثِ، والسندُ إِليه صحيح، فهو مرسلٌ قويٌّ، يحتجُّ به مطلقًا عند كثيرٍ من الفقهاءِ، وعند المحدثين -ومنهم الإِمامُ الشافعيُّ- إِذا جاءَ موصولًا من طريقٍ أُخرى، فكيفَ وقد جاءَ كذلك من طرقٍ كما تقدّمَ؟
ثالثًا - قد قال به بعضُ رواتِه من الصحابةِ؛ كابن عمر رضي الله عنه، فقد
صحَّ عنه أنّه قال: "الأُذنانِ من الرأس". أَخرجه الدارقطنيُّ (1/98/5) ، وكذا عبد الرزاق (1/11) .
رابعًا - قد قال به أكَثرُ العلماءِ، كما في "المجموعِ" للنووي (1/413) ،
وذلك مما يتقوى به الحديثُ الضعيفُ عند الإِمامِ الشافعيّ وغيره. انظر "جلباب المرأةِ المسلمة"(ص 13، 59-60) .
خامسًا - قد صحَّ عملُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم به من حديث المقدامِ بن معد يكرب، وابن عباس، أنّه مسحَ رأسَه وأُذنيه، ظاهرهما وباطنهما، رواهما أبو داود وغيره، وهما مخرّجانِ في "صحيح أَبي داود"(112-114 و126) ، فلم يأَخذ لهما ماءً جديدًا، وأَمّا حديثُ عبد الله بن زيد المازنيّ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَخذَ لأُذنيه ماءً خلافَ الماءِ الّذي أَخذَ لرأسِه، فهو حديثٌ شاذٌّ لا يصحُّ، والمحفوظُ -كما قالَ الحافظُ- بلفظ:"مسح برأسِه بماءٍ غير فضل يديه". رواه مسلم وغيره، وهو مخرّجٌ في "صحيح أَبي داود" برقم (111) ، وقد فصلتُ القولَ في الشذوذِ المذكورِ في المجلدِ الثاني من "الضعيفة" تحت الحديث (995) .
فأَقولُ: بعضُ هذه الوجوهِ لو توفرت في الحديثِ المرسلِ، لكانت كافيةً لتقويته، ورفعه إِلى مرتبةِ الاحتجاجِ به، فكيفَ بها مجتمعةً؟ وهو اختيارُ الصنعانيّ.
وثمّةَ وجهٌ آخر يمكنُ به تقويتُه من طريقِ النظر، وهو ما أَفادَه الإِمامُ أَبو جعفر الطحاويُّ في "شرح المعاني"(1/20)، وهو: أنّهم أَجمعوا على أنَّ المرأةَ المحرمةَ لا يجبُ عليها أَن تغطيَ وجهها، وعليها أن تغطيَ رأسها وأُذنيها ظاهرهما وباطنهما، فدلّ ذلك على أنّ حكمَهما حكمُ الرأسِ في المسحِ، لا حكم الوجه، والله أَعلم.
وبعد كتابةِ ما تقدّمَ، رأيتُ الحافظَ ابن حجرٍ في "النكت على كتابِ ابن
الصلاحِ" قد تكلمَ على بعض هذه الطرق وبيّن عللها، ولكنّه ختمَ ذلك بخلاصةٍ جيدة وفقَ ما انتهيتُ إِليه -والحمدُ للهِ- فقال:
"وإِذا نظرَ المنصفُ إِلى مجموعِ هذه الطرقِ، علمَ أنَّ للحديثِ أَصلاً، وأنّه ليسَ مما يطرحُ، وقد حسّنوا أَحاديث كثيرةً باعتبارِ طرقٍ لها دون هذه، والله أَعلمُ".
"النكت"(1/415) .
3-
آخر الحديث (91) وهو في تحريم (العازف) وآلات الطرب:
ثمَّ وقفتُ على مقالٍ في جريدةِ (الرباط) الأُردنيّة الأُسبوعيّة بقلم المدعو (حسان عبد المنان) ، ذهب فيه إِلى تضعيفِ هذا الحديثِ المتفق على صحتِه عند الأَئمةِ، والحفّاظِ المشهودِ لهم بالعلمِ والمعرفةِ لدى علماءِ الأُمّةِ كافّة، الذين لا يتفقونَ على ضلالةٍ، فجاءَ هذا (!) ليشذَّ عنهم ويخالفَ سبيلَهم، وقد كنتُ سميتُ منهم جماعةً في مقدمةِ كتابي الجديدِ "ضعيف الأَدبِ المفرد"(ص 14-15) في كلمةٍ قصيرةٍ كنتُ رددتُ بها عليه، وهم -بعد البخاريّ وابن حبان-:
1-
ابن الصلاح 2- النووي 3- ابن تيميّة
4-
ابن قيم الجوزيّة 5- ابن كثير الدمشقيّ 6- ابن حجر العسقلانيّ
7-
السخاويّ 8- ابن الوزير اليماني 9- محمد بن إِسماعيل
الصنعانيّ.
ونقلتُ هناك عبارةَ النوويّ والعسقلانيّ في الرَّدِّ على ابن حزم تضعيفَه إِيّاه، وغير هؤلاءِ كثيرٌ ممّن سلكوا سبيلَهم -لم أَذكرهم هناك- ممّن لا يصحُّ في عقل عاقلٍ أن يُقرنَ مع أَحدِهم هذا الشاذُّ عنهم، فكيفَ يُقرن معهم جميعهم، ومنهم الشوكانيُّ، وأَخيرًا أُستاذه وشيخه -كما يزعمُ- الشيخ شعيب الأَرناؤوط؟!
لقد ذكَّرته هناك بهذه المخالفةِ الجسيمة الّتي لا أظنُّ أَنَّ مسلمًا يعترفُ بعلمِ هؤلاءِ الأَئمةِ وفضلهم يتجرّأُ على مخالفتهم، وإِضافةً إِلى ذلك بيّنتُ له وهاءَ ما تشبَّثَ به في تضعيفِ الحديث، فلمّا اطلعَ على ذلك عاند، واستكبرَ -كعادته- وركبَ رأسَه، فكتبَ ردًّا طويلًا مجموعًا فى خمسِ صفحات، ليس فيها شيءٌ من العلمِ، سوى آرائه الشحصيّة التي هي {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً} ، فهو بحقٍّ رجلٌ (مَلِصٌ) ، كلما جوبه بدليلٍ لا مردَّ له تملّصَ بتأويلٍ له من عنده.
خذ مثلًا (عطة بن قيس) التابعيّ الإِمام -كما وصفه الذهبيُّ- لماّ رددنا عليه قولَه فيه: " مجهول الحال " بأنَّ مسلمًا وثَّقه واحتجَّ به فى "صحيحه"، وبتوثيقِ الحافظ إِياه، تحذلقَ فقال:" لم يوثِّقه مسلم، وإِنّما ذكره فىِ الشواهدِ "، ثمَّ أَشارَ إِلى الحديثِ الذي يعْنيه أنّه فى " مسلم " برقم (477) .
وهذا ممّا لم يقله قبله أَحد، وهو خلافُ ما عليه الحفاظُ الّذينَ ترجموا للرَّجلِ كالمزيِّ والذهبيِّ والعسقلانيِّ وغيرِهم، أَطلقوا عزوَه لمسلمٍ، ولم يقولوا:"في الشواهدِ"! بينما لمّا عزوه إِلى "البخاريِّ"، قيدوه فقالوا بالرمزِ:"تعليقًا"، وهذا من دقَّتهم رضي الله عنهم الّتي يغفلُ عنها المذكورُ، أَو يتغافلُ عنها؛ لأنّه لا يثقُ بعلمِهم! بل صرّحَ بذلك المزيُّ فقال في آخرِ ترجمتِه:
"استشهدَ له البخاريُّ (يعني تعليقًا) بحديثٍ واحدٍ (يعني هذا) ، وروى له الباقون".
وإنَّ ممّا يؤكّدُ هذا الحديثَ الذي أَشارَ إِليه؛ فإِنّه عند مسلمٍ حديثٌ بين حديثين فيما يقولُه المصلي إِذا رفعَ رأسَه من الرُّكوعِ، وثلاثتها أحاديث صحيحة، ليس في واحدٍ منها من لم يحتجَّ به مسلم.
وما مثله فيما ادعاه إِلاّ كمثلِ من لو عارضَه معارضٌ فقال في راوي الحديث
الثالثِ - واسمه (قيس بن سعد، وليس رجال البخاري) :
لم يوثقه مسلم، وإِنّما ذكره في الشواهدِ!! هكذا فليكن الاجتهادُ والتحقيقُ يا محققَ "الرباط"!
وأمّا تحذلقه في موقفِه من توثيقِ الحافظ فهو أَعجبُ، فقد قال:
"لا قيمةَ لأَحكامِ ابن حجر إِن لم تستند إِلى دليلٍ واضحٍ.." يعنى عند غير العالم! وأَما هو فلحكمِه بالجهالةِ قيمةٌ -وأَية قيمة- ولو لم يستند إِلى دليلٍ! نعوذُ بالله من زمان يتكلمُ فيه (الرويبضةُ) !
ونحوُ ذلك سائرُ أَجوبتِه وردودِه (عظمٌ بدونِ لحمٍ) ! والكلامُ في ذلك يطولُ، والمجالُ والوقتُ أَضيقُ وأَعزُّ من تتبعها، فأختمها بموقفِه تجاه قول ابن سعدٍ في (عطية) :"كانَ معروفًا"، فإِنّه قال:
"ليس هذا بتوثيقٍ، وإنّما هو ضد مجهولٍ، ولا علاقةَ له بمجهولِ الحالِ الّتي ذكرتها فيه"!
نقول له: أَينَ الدليلُ؟! هو يطالبُ أَميرَ المؤمنين في الحديثِ بالدليلِ على التوثيقِ، أَفلا يحقُّ لنا أَن نطالبَه بالدليلِ على ما يقولُ، وهو نفسُه في هذا العلمِ مجهول؟!
إِلاّ أَنني أَرى أنَّ قولَه: "كانَ معروفًا" مطلقٌ، والمطقُ ينصرفُ إِلى الكمالِ كما يقولُ العلماءُ، فهو كما قالَ:"ضد مجهول"، ولكن خفيَ عليه أنّه حجّةٌ عليه، لأنّه كما يفهمُ من هذا اللفظِ "مجهول" الإِطلاق والشمول، فهو يشملُ مجهولَ العينِ ومجهولَ الحالِ، فكذلك ضده "معروف"؛ يشملُ معروفَ العين ومعروفَ الحالِ، فسقطَ ما زعم وقال!
ثمَّ وجدتُ للحافظِ كلامًا يؤيّدُ ما ذكرتُ، فانظر "مقدمة الفتح"(384) .
وختامًا أَقولُ: قد تبيّنَ تكلُّفُه الإِجابةَ عن ردّي على ما كانَ تشبَّثَ به في تضعيفِ هذا الحديثِ الصحيح، بما كشفَ للقرّاءِ أنّه مبتدعٌ غيرُ متبعٍ، وإِنّ ممّا يؤكدُ ذلك صمتَه تجاه ما كنت أَدنته به من مخالفتِه لاجماعِ الأَئمةِ المُصحِّحين للحديثِ، فإِنّه لم يُجب عن ذلك ولو بحرفٍ واحدٍ، فحسبُه هذا إِدانةً له، واللهُ حسيبُه.
وبقي هناك أَشياءُ كثيرةٌ في ردِّه، مجالُ ردي عليها واسعٌ جدًّا، ولكنَّ الوقتَ أَضيقُ وأَعزُّ من إِضاعتِه بالرّدِّ عليه، فإنَّ الرَّجلَ كثيرُ الكلامِ، ومن كثر كلامُه كثر سقطُه.. إلاّ أنّه لا بدَّ من بيان بعض النقاط الهامة منه:
أَولاً - إِنّه يصورُ للناسِ أنَّ الخلافَ بيني وبينه خلافٌ شخصيٌّ لمجرّدِ اختلافٍ في الرأي، وهذا خلافُ الواقعِ، وإنّما هو خلافٌ منهجيٌّ؛ هو يهاجمُ السنّةَ الصحيحةَ، وأَنا أَدافعُ عنها؛ هو يضعّفُ الأَحاديثَ الصحيحة بناءً على آراءٍ وأَفكارٍ له خاصّة، وأَنا أُدافعُ عنها، وأَردُّ عليه متَّبعًا في ذلك قواعدَ العلماءِ وأحكامَهم، وهذا هو المثالُ بين يديك، وتأتي أَمثلةٌ أُخرى إِن شاءَ اللهُ تعالى، فانظر الاستدراك رقم: 13
ثانيًا - يطلبُ منّي الرفقَ واللينَ في الرَّدِّ عليه، وأنْ لا أَجرحَه -جاءَ ذلك في كلامٍ طويلٍ له- فأَقولُ:
أَبشِرْ بكلِّ خيرٍ، ورفقٍ، ولينٍ يومَ تترفَّقُ أَنتَ بسنّةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأَحاديثه الصحيحةِ، ولا تنتهك حرمتها، وترفعُ معولَ الهدمِ عليها، وتتبعُ سبيلَ علماءِ المسلمين، وتخالفُ طريق الجهلةِ المفُسدين، وباركَ اللهُ لك في خلافٍ تخالفني فيه في رأيٍ يحتملُ الخطأَ والصوابَ.
وأظنُّك تعلمُ موقفَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الصارمَ إِذا انتُهكت محارمُ اللهِ، وأنَّ اللينَ والشدّةَ لكلٍّ منهما مكانُه اللائقُ به، بنصِّ الكتابِ والسنّةِ، وتعلم يقينًا قول الشاعر:
ووضعُ الندى في موضعِ السيف بالعُلى
…
مُضرٌّ كوضعِ السيفِ في موضعِ الندى!
ولكن أَينَ كنتَ من هذا المطلبِ حين ألّفتَ رسالةً خاصةً في الرَّدِّ على المتمسكينَ بالسنّةِ سميتها "مناقشة الأَلبانيّين.."؛ فلقَّبتهم بغيرِ لقبِهم؟! وإِذا كانَ هذا هو العنوان، فكيفَ يكونُ حالُ المُعَنْوَن؟! لقد حشوتَه غمزًا ولمزًا، وظهرَ فيه ما تُكنّهُ في نفسِكَ من الأدبِ واللينِ الجمّ! ومع هذا، فكلُّ ذلك يهونُ تجاه محاربتِك لسنّةِ التراصِّ بالأَقدامِ والمناكبِ في الصفّ، وتجويزِكَ فيها الصلاةَ بين السواري لغير حاجة، وتضعيفِك لثلاثةِ أحاديث صحيحة بأَساليبِك الخاصةِ الملتوية كما يأتي بيانُه إِن شاءَ اللهُ في الاستدراك رقم:13.
ثالثًا - إِنَّه أخذَ عليَّ ثلاثةَ أُمور، أَوهمَ القرّاءَ أَنّي اعتديتُ عليه فيها، ولا شيءَ من ذلك والحمدُ للهِ:
1-
نفى ما كنتُ نسبتُه اِليه من أنّه تشبثَ بعلّةِ الانقطاعِ تقليدًا لابن حزمٍ فقال:
"لم أَتعرّضْ لحجّةِ ابن حزمٍ، ولا ذكرتُ ابن حزم..".
فأَقولُ: هذا من تملُّصِه الّذي وصفتُه به فيما سبقَ؛ لأنَّ الذي نَسَبْتُه إليه هو الانقطاعُ وليسَ الحجّة؛ لأنَّ حجّةَ ابنِ حزمٍ من مجموعِ أَمرين: الانقطاعُ، وترددُ الراوي في اسمِ صحابيّ الحديثِ؛ هل هو (أبو عامر، أَم أبو مالك الأَشعريّ) ؟ فهو لم يتعرض لهذه الحجّةِ، ولكنّه تعرّضَ للانقطاعِ في أَوّلِ كلامِه على الحديثِ في
جريدةِ (الرباط) بقولِه: "فهذا الحديثِ معلقٌ" أَي: منقطع، كما شرحه هو بعد.
فليتأمّل القارئ كيفَ نفى ما لم أَنسب إِليه، وهي الحجّة، ولم ينفِ ما نسبتُه إِليه وهو الانقطاعُ، موهمًا القرّاءَ أنّني قلتُ عليه ما لم يقل! فماذا يسمِّي القرّاءُ هذا الفعلَ منه؟! إِنّه -بلا شكّ- نوعٌ من التدليسِ، شاءَ أَم أَبى، إِلاّ أَن يكونَ عييًّا عاجزًا عن بيانِ مرادِه!
2-
نفى قولي فيه: إِنّه "زادَ على ابن حزمٍ أنَّه لا مصححَ له غيرُ البخاريِّ وابن حبّانَ" فقال مستنكرًا: "أَينَ قلتُ أَنا ذلك في مقالي، بل أَينَ ما يفهمُ منه هذا؟! ".
فأَقولُ: لم أَقل عنك أنّك قلتَ ذلك، وإنّما قلتُ:" زاد.. " إلخ العبارةِ المذكورةِ، فلا يجوزُ لكَ أن تنسبَ إِليَّ القولَ بذلك، ويبدو لي أنّك شعرتَ في قرارةِ نفسِك بخطئكَ فيما نسبت، ولذلك أَضربتَ عنها بقولِك:" بل أَين ما يفهمُ منه هذا في ذلك المقال؟!! ".
والجوابُ فهمتُه من لسانِ حالِك، وأُسلوبك في مقالِك، والعلماءُ يقولون:
"لسانُ الحالِ أَنطقُ من لسانِ المقالِ"، فأَنا على يقينٍ أنّك تعلمُ أن كثيرًا من الأَئمةِ -غير البخاريِّ وابن حبّانَ- قد صححوا الحديثَ، ومع ذلك؛ فإِنّك لم تذكر غيرَهما، فمن مجموعِ ما ذكرتَ، وما لم تذكر قلتُ ما ذكرتُه آنفًا، ولا سيّما وأنتَ معروف بكتمانِ ما هو عليكَ من أقوالِ العلماءِ، وسيأتي بعضُ الأَمثلةِ على ذلك إِن شاءَ اللهُ تعالى.
ثم ليتَ شعري، لماذا اهتممتَ بما ظننتَه خطأً أَنّي نسبتُ إِليك ما لم تقل، -وظنّكَ لو كانَ ظنَّ المؤمنين، يضرّني ولا يضرُّك- ولم تهتم بما نسبتُ إِليكَ يقينًا، وهو مخالفتُك لإِجماعِ الأَئمةِ فيِ تصحيحهم لهذا الحديثِ، وقد نقلتَه عنّي في ردّك، ولم تتعرّض للجوابِ عنه ألبتّة، مع أنَّ هذه النسبةَ اليقينيّةَ تضرُّك ولا
تضرّني، أَليس هذا يعني أنَّ همَّكَ أن تتبعَ عثراتِ غيرِك، وتنسى نفسَك، غير آبهٍ بالحكمةِ القائلةِ:"يبصرُ أَحدُكم القذاةَ في عين أَخيه، ولا يرى الجذعَ في عينه"؟!
3-
قال: "ادعيتَ عليَّ بالكذبِ لمسألةٍ، مع أنَّ الكذبَ المعروفَ لا يدخلُ في نحوِ هذه المسائلِ، فلو كانَ كلُّ مخطئٍ في مسألةٍ كاذبًا، لما سلم أَحدٌ، ولا أَنتَ؛ لأَنَّ مدارَ هذه المسائلِ العلم".
فأَقولُ: نعم، الكليّة لا يقولُ بها أَحدٌ، حتّى ولا أَنتَ، ولكن لماذا المغالطةُ والتملصُ والتعمية، لماذا قلت:"لمسألةٍ" نكّرتها ولم تبيّنها، وذهبتَ تسوّدُ ما لا علاقةَ له بالمسألةِ! لقد قلتَ في مقالِك:"فيه عطية بن قيس الحمصيّ؛ فإِنّه ليس معروفًا بالضبطِ والإِتقانِ، لم يوثقه غير ابن حبان"، فهنا قلتُ لك:" وهذا كذبٌ، فقد وثقه الإِمامُ مسلمٌ.." إِلخ.
وأَنا في هذا القولِ لم أُخالف شرعًا ولا لغةً، بل اتبعتُ فيه أَفصحَ من نطقَ بالضاد، في قولِه صلى الله عليه وسلم لمن خطؤه أَيسرُ من خطئِك بكثيرٍ، لأنّه اعتمدَ على نصٍّ عامٍّ من القرآنِ، لم يبلغْه تخصيصُه من السنّةِ:"كذبَ أَبو السنابل"(1) ، فأينَ خطؤكَ منه، ولم تستند فيه ولا إِلى قولِ عالمٍ يجبُ عليك اتباعُه؟! بل خالفتَ فيه كلَّ العلماءِ، واتبعتَ غيرَ سبيلهم! واللهُ المُستعانُ.
4-
ولعلّه ختامًا، أَخذَ عليّ شيئًا آخر، فقال:
"4- ثمَّ قلت: "إِلى غيرِ ذلك من التلبيساتِ والخطيئات (لا الأَخطاء) .."
أقول: لماذا هذا الإِجمالُ أَيّها الشيخُ، هلاّ ذكرتَ لي شيئًا منها".
هذا كلامُه، وفي الرَّدِّ عليه أَقول:
أَمّا الإجمالُ، فأَنتَ تعرفُ سببَه، ولكنّك تتجاهله، فإنَّ ردي عليك في
(1) وهو مخرّجٌ في "الصحيحة"(3274) ، وانظر تعليق الحافظ عليه في " الفتح "(9/475) ، ولا أَستبعدُ من المومأِ إِليه أَن يختلقَ له علّة من علله الكثيرة؛ فيضعفه ليبطلَ حجته عليه!
مقدمةِ "ضعيف الأدب" لم يكن وحيدًا، بل كانَ فيها ردودٌ أُخرى على أَمثالِك ممن يضعِّفونَ الأحاديثَ الصحيحةَ، وغيرِهم من يصحِّحونَ الأحاديثَ الضعيفة بغيرِ علمٍ، وفيهم من هو كثيرُ النقلِ عنّي والاستفادة من كتبي، والإشادة بها والإِحالة عليها، فيمِا يشعرُ أنّه من المقدِّرين والمحبين، ومع ذلك فقد شملتُه معك في الرَّدِّ؛ لتعلمَ أنّي أردُّ للعلمِ والانتصارِ للسنّةِ المظلومةِ من مدعي العلمِ، لا بخصومةٍ شخصيّةٍ كما تحاولُ أنْ تتأوّلَه بغيًا وعدوانًا، والمقصودُ أنَّ الرَّدَّ عليك كانَ في جملةِ ردودٍ أُخرى، وباختصارٍ شديدٍ في أَقلَّ من (16) صفحة، فلو أنّني أَفردتُ في الرَّدِّ عليك وحدَك مفصلاً لكانَ منه كتاب آخرُ أكَبرُ من الذي أُقدّمُ له:"ضعيف الأَدب المفرد"، وهذا غير مناسب كما لا يخفى عليك.
وما دمتَ تحضُّني على أَن أَذكرَ لكَ شيئًا من تلك "التلبيسات والخطيئات" نعم "الخطئات"(لا الأخطاء) ، فها أَنا فاعلٌ ذلك إِن شاءَ اللهُ، لا من أَجلِك، فأَنتَ على علمٍ بما صدرَ منك! ولكن من أَجلِ بعض القرّاءِ الّذين لا ينتبهونَ لها، ولا يزالونَ يحسنونَ الظنَّ بقائلِها:
أَوّلاً - قلت -بعد أنْ ذكرتَ أَنَّ الحديثَ معلقٌ عند البخاريّ، لم يصرّح بالسماعِ فهو منقطعٌ-:
"واختلف في "قال لي"، والأَرجحُ أنّه تعليقٌ أَيضًا؛ لأَسبابٍ لا يتسعُ المقامُ لذكرِها".!
فأَقولُ: فيه ما يأتي من التلبيسِ وغيرِه:
1-
ليس هناك أَيُّ اختلافٍ في اتصالِ إِسنادٍ قال فيه البخاريُّ: "قال لي فلان"، وإنّما هناك مغربيٌّ غيرُ معروفٍ قال: "إِنَّه إِسنادٌ لا يذكرُه البخاريُّ للاحتجاجِ
به، وإنّما للاستشهادِ"، حكاه ابن الصّلاحِ في "المقدمة" (ص 75-76-الحلبيّة) ثم ردّه، وبيّن ذاك الحافظُ ابن حجر في "نكته عليه" فقال (2/601) :
" قلت: لم يصب هذا المغربيُّ في التسويةِ بين قولِه: "قال فلان" وبين قولِه:
"قال لي فلان"، فإنَّ الفرقَ بينهما ظاهرٌ لا يحتاجُ إِلى دليل، فإنَّ " قال لي " مثلُ التصريحِ في السماعِ، و" قال " المجرّدة ليست صريحةً أَصلاً ".
ثمَّ أَفادَ رحمه الله فائدةً تقصمُ ظهرَ هذا الملبّسِ فقال:
"فقد رأيتُ في " الصحيح " عدّةَ أحاديث قال فيها: "قال لنا فلان"، وأَوردها في تصانيفِه خارج "الجامع" بلفظ " حدّثنا "، ووجدتُ في " الصحيح " عكسَ ذلك، وفيه دليلٌ على أنّهما مترادفان ".
2-
قوله: "والأَرجحُ أنّه تعليقٌ أيضًا".
فأقولُ: فيه تلبيسٌ ظاهرٌ، فقد عرفتَ أنّه لا خلافَ هناك، وبالتالي فليس ثمّةَ راجحٌ ومرجوحٌ، وعلى افتراضِ وجودِه، فيكونُ الأَرجحَ لديه، فكانَ عليه أَن يقيِّدَه فيقول: والأَرجحُ عندي، وهو لو قالَ ذلك يكون مبطلاً مسيئًا إِلى الإِمامِ البخاريِّ؛ لأنّه يكونُ قد نسبَ إِليه ما لا يجوزُ من القولِ، كما هو ظاهرٌ لا يحتاجُ إِلى دليلٍ، فإِن أَبيتَ، نسبتُها إِليك أنّك تجوّزُ لنفسِك أَن تقولَ:"قال لي فلان" وأَنتَ تعني أنّه ما قالَ لك؟!
وقد يكونُ فى قوله المتقدّمِ: "والأَرجح أنّه تعليقٌ أيضًا" تلبيسٌ آخرُ، وهو أنّه لا يعني ظاهرَه! وإنّما بتقديرِ مضافٍ محذوفٍ، أَي: في حكمِ التعليق، أَي: كما قال ذاك المغربيُّ، فإِن كانَ هذا مرادَه، فلم التلبيسُ؟ إِلاّ أنَّ مرادَه باطلٌ أيضًا كما تقدّمَ.
3-
قوله: "لا يتسعُ المقامُ لذكرِها"!
فأَقولُ: وهذه خطيئةٌ أُخرى؛ لأنّه لا يُتصورُ أنّه يوجدُ سببٌ واحدٌ -بَلْهَ أَسباب- تثبتُ أنَّ البخاريَّ يقول فيما لم يسمعْه من فلان: "قال لي فلان"؛ لأنّه الكذبُ بعينِه.
ثانيًا - قلتَ في هشام بن عمّار: "لم يحتجَّ به البخاريُّ في صحيحه".
قلتُ: هذا تلبيسٌ على القرّاءِ، وقلبٌ للحقائقِ العلميّةِ، فالرَّجلُ كلُّ من ترجمَ له كالحافظِ المزيِّ وغيرِه رمزوا له بحرف (خ) إِشارةً إِلى أنّه محتجٌّ به عند البخاريِّ، ولم يذكروا أنّه لم يروِ عنه احتجاجًا، وإِنَّما متابعةً، بل صرّح بما رمزوا أَعرفُ الناسِ به، أَلا وهو الحافظُ ابن حجر العسقلانيّ، فقد ذكرَ في "مقدمةِ الفتح" (ص 448-449) ثلاثةَ أَحاديث لهشمام: الأوّل والثاني منها موصولان، والثالث حديث المعازفِ هذا المعلّق، ثمَّ قال عقبَ ذلك:
"وهذا جميعُ ما له في كتابِه ممّا تبيَّن لي أنّه احتجَّ به".
والحديثُ الثاني الموصولُ هو في مناقبِ أَبي بكر رضي الله عنه، ورقمه (3661) ، فخالفتَ قولَ الحافظِ أنّه ممّا احتجَّ به؛ بادعائك أنّه توبعَ عند البخاري برقم (4640) ، ففيه تلبيسٌ شديدٌ، إِذ إِنَّ هناك فرقًا بيّنًا بين أَن يتابَعَ الثقة من غيرِه -وهذا يقعُ كثيرًا جدًّا- وبين أَن يسوقَ البخاريُّ حديثَ مَنْ فيه ضعفٌ، ثمَّ يتبعُه بإسنادٍ آخرَ فيه متابعٌ تقويةً له، ففي مثل هذا ونحوه يقال: روى له البخاريُّ متابعةً، أمّا والحديثُ في موضعين متباعدين في البخاريِّ عن شيخين له فتدّعي أَنَّ أَحدَهما لم يحتجَّ به البخاريُّ؛ لأنّه روى له متابعًا في الموضعِ الآخرِ، فهذا في غايةِ التلبيسِ مع ما في ذلك من المخالفةِ للحفاظِ كما تقدّمَ، نعوذُ باللهِ من الخذلان.
ومن الفائدةِ أَن أَستدرك عليك حديثًا آخرَ لهشامٍ معلقًا عند البخاريّ، في
مبايعةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يومَ الحديبية برقم (4187) ، وصله الحافظُ (7/456)، وذكرَ أنّه وقعَ في بعضِ النسخِ:"وقال لي" فهو بهذا الاعتبارِ موصولٌ، فكأنّه لذلك صححه الحافظُ.
لم ينتهِ -مع الأسف- تلبيسُك على القرّاء بما تقدّمَ، فقد أَتبعتَ الأحاديثَ الّتي ذكرتها، وزعمتَ أنَّ البخاريَّ لم يحتجّ بها - إِذ قلتَ:
"ليس في أَحاديثه الأَربعةِ حديثٌ واحدٌ احتجَّ به البخاريُّ في "صحيحه"، وإِنّما ذكرها متابعةً وتعليقًا وفي الشواهدِ، ومثل هذا معروف عند عارفي "صحيح البخاريّ" أنّه ليسَ على شرطِه".
فأَقولُ -والله المسُتعانُ-: لو أنَّه وقفَ عندَ قولِه: "وفي الشواهدِ"، لقلنا: هذا رأيه، إِلاّ أنّه باطلٌ كما سبقَ بيانُه، وأَمّا أَن يتابعَ كلامَه فينسبَ ذلك إِلى عارفي "صحيح البخاريّ"، فهو أَبطلُ وأَبطلُ، وتلبيسٌ على القرّاءِ يصعبُ على عامتِهم اكتشافُه إلاّ بالرجوعِ إِلى ما نقلتُه آنفًا عن الحفّاظِ، وبخاصةٍ منهم الحافظَ ابن حجرٍ الََّذي هو ليس فقط من "عارفي "صحيح البخاري""، بل هو أَعرفُهم به، وقد رأيت تصريحَه بخلافِ ما نسبَ إِليه هذا، فماذا أَقولُ؟ عاملَه اللهُ بما يستحقُّ.
ثالثًا - بعدَ أَن سوّدَ من الجريدةِ عمودًا ونصفًا، وعرفتَ ما فيه، جاء بباقعةٍ أُخرى (ضِغثًا على إِبّالة) ، فأَخرجَ من روايةِ البيهقيِّ وابن حجر في "التغليق" متابعةَ بشر بن بكر لهشام بن عمّار، ولم يعزُها لابن عساكر -وهو أَقدمُ بقرونٍ من ابن حجر كما هو معلوم- تدليسًا وتلبيسًا من تلك التلبيساتِ الّتي حضَّني على أَن أَذكرَ له شيئًا منها! فقال عقب المتابعة المذكورة:
"وهذه على أنّا سلّمنا أنّها متابعةٌ قويّةٌ لحديث هشام، ليس فيها نصٌّ صريحٌ على (المعازفِ) ؛ لأنّها رويت عند البيهقيّ وابن حجر ضمنَ روايةِ هشام بن عمّارٍ
المتقدمة، فذِكرُ (المعازفِ) معروفٌ في روايةِ هشام، ولم يصرِّح بها في روايةِ (بشر بن بكر)، فلمّا امتزجت الروايتان ذكرت (المعازف) وكأنّها لهما". كذا قال -هداه الله- وفيه ما يأتي: لكنّي قبل ذلك أريدُ أن أَلفتَ النَّظرَ الى أنَّ قولَه: "وهذه على أًنَّا سلّمنا أنّها متابعةٌ قويّة لحديث هشام
…
" فيه ركّة وغمغمةٌ، وعدمُ الإِفصاحِ عن مرادِه؛ فإِنّها تحتملُ التسليمَ بقوّةِ هذه المتابعةِ حقًّا، كِما تحتملُ التسليمَ بها افتراضًا، ولستُ أَدري هل كانَ هذا التعبيرُ المغمغمُ مقصودًا، أم هو خطأٌ قلميٌّ أو طبعيٌّ؟! وسواءٌ كانَ هذا أَم ذاك، فالمهمُّ الآن ما في تمامِ كلامِه من التلبيسِ والمكابرةِ، والإِنكارِ للحقائقِ العلميّةِ، وذلك قولُه: "لم يصرّح بـ (المعازف) في روايةِ (بشر بن بكر) ".
فأَقولُ: هذا كذبٌ -شئتَ أم أَبيتَ- بل هو كذبٌ له قرونٌ، وبيانُه من وجوه:
الأَوّلُ - أنَّ لفظه ثابتٌ صراحةً في رواِيةِ البيهقيِّ في الجزءِ وِالصفحة الّتي ذكرتَ أَنتَ (3/272) ! أَخرجه من طريق أبي بكر الإِسماعيليِّ: أخبرني الحسنُ ابن سفيانَ: ثنا هشامُ بن عمّارٍ.. (قلت: فساقَ إسنادَه ومتنَه كما تقدّمَ، ثمَّ قال:) قال (يعني أَبا بكر الأِسماعيليَّ) : وأَخبرني الحسن أَيضًا: ثنا عبد الرحمن بن إبراهيمَ: ثنا بشر -يعني ابن بكر-: ثنا ابن جابر عن عطية بن قيس قال:
قام ربيعةُ الجرشيُّ في الناسِ -فذكرَ حديثاً فيه طول، قال: - فإِذا عبد الرحمن ابن غنم الأَشعريّ، قلت: يمينٌ حلفتُ عليها؟ قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالكٍ.. أًنّه سمعَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ:
"ليكوننَّ في أُمتي أَقوامٌ يستحلّونَ -قال في حديث هشام: الخمر والحرير، وفي حديث (دحيم) : الخزَّ والحريرَ والخمرَ والمعازف، ولينزلنَّ
أَقوامٌ
…
" الحديث.
قلتُ: فأَنتَ ترى في هذه الروايةِ تكذيبَ الرَّجلِ في قولِه: إِنَّ رواية (بشر) رويت عند البيهقيّ ضمنَ روايةِ هشام، والواقعُ عكسُه تمامًا، فالسياقُ لرواية عبد الرحمن بن إِبراهيم - وهو (دحيم) ، وفي ضمنها وقعت روايةُ هشام، إلاّ أنَّ الخطبَ في هذا سهلٌ، والمهم أنَّ فيه التصريح بأنَّ في روايةِ (دحيم) ذكرَ المعازفِ، ولا ضرورةَ للتذكيرِ بأنَّ روايةَ (دحيم) هي عن بشر، وهذا هي الكذبةُ الكُبرى! واللهُ المسُتعانُ.
الوجهُ الثاني - أنَّ ذلكَ كلَّه ثابتٌ أيضًا في روايةِ ابن حجرٍ في "تغليق التعليق" بنفس المكان الّذي عزاه إِليه جزءًا وصفحة (5/19) ! أَخرجه من طريقٍ أُخرى عن الإِسماعيليِّ، عن شيخِه الحسن بن سفيان، عن شيخِه هشامِ بن عمّارٍ وبشرِ بن بكرٍ كما تقدّمَ عندَ البيهقي، إلاّ أنَّ الحافظَ قال عقبَه:
"لفظ الحسنِ بن سفيان عن هشام بن عمّار، ولفظُ (دحيم) مثلُه".
فإِذن؛ لا فرقَ بين رواية هشامٍ وبشرٍ، ففي كليهما لفظُ (المعازفِ) ، فبطل كلامُ المنكِرِ!
وقد يقولُ من لم يتتبع تلبيساتِ الرَّجل: لعلّه لم يتنبّه لهذا الّذي بيَّنته، وهو واضحٌ جدًّا.
فأَقولُ: ذلكَ ممكنٌ بالنسبةِ لغيرِه من أَمثالِه المبتدئين في هذا العلمِ، أَمّا هو فلا!
فإِن قيل: لم؟ قلت: لكثرةِ ما أَخذنا عليه من التلبيساتِ، وتجاهلِه للنصوصِ الّتي تخالفُ هواه، وفيما سبقَ كفايةٌ لكلِّ ناشدٍ للحقِّ منصفٍ، والحبلُ جرّارٌ، كما سترى في بعضِ الاستدراكاتِ الأُخرى.
هذا أوّلاً.
وثانيًا - لأنّه رأى في "فتح الباري"(10/54) رواية دحيم هذه بارزةً شاخصةً مختصرةً ليس فيها القصّة، وإِنّ جملةَ (المعازفِ) -الّتي لا يمكنُ أَن تخفى على أَحدٍ- ساقها الحافظُ ليبيّنَ ما سقطَ من روايةٍ أبي داود الختصرة، وقد ذكرها الرَّجلُ في العمود الثاني من مقالِه محتجَّا بها أنّه ليسَ فيها ذكرُ (المعازفِ)، أَخذها من "الفتح" معرضًا عن قولِ الحافظِ عقبها:
"نعم، ساقَ الإِسماعيليُّ الحديثَ من هذا الوجه من روايةِ (دُحيم) عن بشرِ ابن بكر بهذا الإِسنادِ فقال: "يستحلُّونَ الحرَ والحريرَ والخمرَ والمعازفَ" الحديث".
فإِن قيلَ: من أَينَ لك أنّه رآها؟
قلت: من علمي اليقيني أنّه قرأَ شرحَ الحافظِ للحديثِ، وردّه على ابن حزمٍ تضعيفَه إِيّاه، ومن ردّه هو على ابن حجرٍ في العمودِ الثالثِ دفاعًا عن تضعيفِه لعطية ابن قيس فقال:
"لذا فقولُ ابن حجر في "الفتح" (10/54) : قوّاه أبو حاتمٍ - ليس بدقيقٍ"! (1)
فأَنتَ ترى أنَّه نقلَه من نفسِ الصفحةِ الّتيِ نقلتُ منها آنفًا قولَ الحافظِ في روايةِ الإِسماعيليّ، فهل بعد هذا كلِّه ترك مجالاً لأحدٍ أن يحسنَ الظنَّ به؟!
وليس هذا فقط، فانظر التالي:
(1) كذا قالَ، ثمَ ردّ على الحافظِ لأنّه فهمَ من قولِ الحافظِ في (عطية) :"صالح الحديث" تقويتَه، ويرى (المضعّفُ) أنَّه جرحٌ، مخالفًا في ذلك الذهبيَّ أيضًا فإنّه صرّحَ بأنّه تعديلٌ، كما سيأتي نقلُه عنه في الاستدراك (14) ، فالرَّجلُ ديدنه المخالفة! ولم لا؟ (خالِفْ تُعرف) ، وفعلاً قد عُرف!! ولكن بماذا؟!
الوجه الثالث - أَخرجه الحافظُ ابن عساكر في "تاريخ دمشق"
(19/155) من طريق الهيثم بن كليب الشاشي: نا عيسى بن أَحمدَ العسقلانيُّ: نا بشرُ بن بكر به مطولاً أَتم من روايةِ (دحيم) ، ومن نافلةِ القولِ أَن أَذكر أَنَّ فيه لفظَ (المعازفِ) .
وما قلتُه في موقفِ الرَّجلِ من روايةِ الإِسماعيليّ وتجاهلِه إِيّاها، بل نفيه ما فيها: يمكنُ أَن أَقولَه في موقفِه من هذه من حيثُ علمُه بها وكتمانُه إِيّاها، كما أَشرتُ إِلى ذلك فيما تقدّمَ.
نعم؛ يمكنُ أَن يقالَ: يحتملُ أنّه لم يتيسر له الرُّجوعُ إِليها؛ لأنّها في مصدرٍ غيرِ مطبوعٍ.
فأَقولُ: هذا محتملٌ، وإِن كنتُ أَستبعدُه، ومع التسليمِ به فذلك ممّا لا يجوِّزُ له أَن ينكرَ ما لم يحط به علمُه.
لقد طالُ الكلامُ جدًّا في هذا الاستدراك فوقَ ما كنتُ أَردتُ وأَتصوّرُ، وأَخذَ من وقتي الشيءَ الكثير، وذلك من شؤمِ هؤلاءِ الّذين (تزببوا قبل أَن يتحصرموا) ، وبخاصةٍ منهم هذا الّذي تميّزَ من بينهم بتضعيفِ الأَحاديثِ الصحيحةِ والطعن في رواتِها، واختلاقِ العلل لها، مع المخُالفةِ لأَئمةِ الحديثِ وحفّاظِها، لا يرقبُ فيهم إِلاًّ ولا ذمّة، ولكنّي أَتذكّرُ قولَ اللهِ تبارك وتعالى:{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} ، محتسبًا في ذلك الأَجرَ عندَ اللهِ تبارك وتعالى.
ولعلَّ من الفائدةِ أَن أُلخِّصَ للقرّاءِ الكرامِ المخالفاتِ التي وقع فيها؛ تذكرةً له، وعبرةً لكلِّ من يريدُ أَن يعتبرَ:
1-
خالفَ في تضعيفه لهذا الحديث الصحيح أَكثرَ من عشرة من حفّاظِ
الحديثِ ونقّادِه، على مرِّ العصورِ والسنينِ إِلى يومنا هذا، كالبخاريِّ وابن الصلاح وابن تيميّة
…
وهلمّ جرَّا.
2-
ضعّفَ راويهَ عطية بن قيسٍ الّذي لم يضعفه أَحدٌ -حتّى ابن حزم! - وشكك في توثيقِ مسلم إِيّاه، وابن حبّان، ورفض توثيقَ ابن حجرٍ له، مع توثيق الذين صححوا حديثَه!
3-
زعمه أنَّ مسلمًا أَخرجَ له حديثًا في الشواهدِ، وهذا خلاف قول الّذين ترجموا له.
4-
قوله: لا قيمةَ لأَحكامِ ابن حجر.. إِلخ.
5-
زعمُه أَنَّ قولَ ابن سعدِ في الرّاوي: "كانَ معروفًا" ليس توثيقًا!
6-
تضعيفُه لثلاثةِ أَحاديثَ صحيحةٍ في النهي عن الصلاةِ بين السواري، وقطعِ الصفِّ، ويأتي الرَّدُّ عليه مفصّلاً في الاستدراك رقم (13) .
7-
تحريفه لكلامي؛ فيضعُ هو لفظ "الحجّة" مكان " الانقطاع "، لينسبَ لي ما لم أَقل، وما نسبتُه أَنا إِليه -بحقّ- لا ينفيه!!
8-
حكى الخلافَ في قولِ البخاريِّ: "قال لي" هل هو تعليقٌ كقولِه: " قال " دون زيادة (لي) ولا خلافَ! والأَنكى أنّه قال من عنده: إِنَّ الأَرجحَ سواء!!
9-
زعم أنَّ البخاريَّ لم يحتجَّ بهشامِ بن عمّارٍ! خلافًا لجميعِ الحفّاظِ المترجمين له، وخلافًا لتصريح الحافظِ.
10-
زعمَ أنَّ ما أَسندَه له البخاريُّ من الحديث هو عنده متابعة!
11-
نسبَ إِلى عارفي "صحيح البخاري" -ومنهم ابن حجر- زعمَه
المذكور.
12-
أَنكرَ وجودَ لفظ (المعازف) في روايةِ البيهقيّ، وابن حجر، مع أنّه موجودٌ فيها، وفي غيرِها أَيضًا!
ولتمامِ الفائدةِ أُلخّصُ أَيضًا ردِّي عليه في بعضِ الاستدراكاتِ الآتية فأَقولُ:
13-
في الاستدراك (8) سرقَ تخريجي للحديث (266) وذكرتُ الدليلَ القاطعَ، وكتمَ حقيقةَ راويهِ (عبد الرحمن بن إِسحاق القرشيّ) ، فحذفَ نسبة (القرشيّ) من السندِ؛ لأنّه ثقة، ليلبسَ على القرّاءِ أنَّه (عبد الرحمن بن إِسحاق الواسطي) المجمعُ على ضعفِه! كما كتمَ عنهم تقوية ثمانية من الحفّاظِ للحديثِ؛ منهم الذهبيّ والعسقلانيّ!!
14-
ضعّفَ ثلاثةَ أَحاديث صحيحة عند جمعٍ من الحفّاظِ في تسويةِ الصفوف، كما سيأتي في الاستدراك (13) مفصّلاً، وسبقت الإِشارةُ إِلى ذلك.
15-
نسبني -كما سترى هناك- مع غيري إِلى تقليدِ المنُاويّ في قولِنا في حديثٍ من تلك الأَحاديث الثلاثة صححه الحاكمُ: "ووافقه الذهبيُّ"، وهو في ذلك مفترٍ، وسترى هناك صورةَ الموافقةِ مصورةً عن "مستدركِ الحاكم" و"تلخيص الذهبي".
16-
أَمثلةٌ أُخرى من تملصِه، بالمكابرةِ والمجادلةِ بالباطلِ من أقوالِ الحفّاظِ الموثِّقين للراوي الذي ضعفه هو بالجهالةِ، فقال عن ابن حبّان: متساهلٌ، وعن النسائي: إِنّه أحيانًا يوثِّقُ المجاهيل! وأمّا الإِمام الدارقطنيّ فقال في توثيقه: "موضع نظر"!!
17-
كتمَ هناكَ توثيقَ الذهبيّ والعسقلانيّ! ولو ذكره، فلا نستبعدُ منه أَنْ
يقول: "إِنَّهما مقلدان"! فكم من مرّة خالفهما! وما العهدُ عنك ببعيدٍ، ويأتي.
18-
خالفَ ستةً من الحفّاظِ أَجمعوا على تصحيحِ حديث: "من قطعَ صفًّا قطعَه الله"، أَعلّه بالإِرسالِ وقد صحَّ مسندًا، ثمَّ حاولَ تضعيفَ المرسلِ أيضًا براوي المُسنَد والمرسل (معاوية بن صالح) -وقد احتجَّ به مسلمٌ- فقال فيه:"وسط، أَو أَقلُّ من الوسطِ".
19-
نقلَ عن الحافظِ قولَ الإِشبيلي في (عبد الحميد) : "لا يحتجُّ به"، ولم ينقل ردَّ الحافظِ إِيّاه بما تعقبَه به ابن القطّان!
25-
نقلَ عن "الفتح" قولَ القرطبيّ في سببِ كراهيةِ الصلاةِ بين السواري: إِنُّه مصلّى الجنِّ! ولا أَصل له في السنّة، فسارعَ إِلى ردّه، ولكنّه لم ينقل عن "الفتح" السببَ الثابتَ في السنّةِ، ليوهمَ القرّاءَ أنّه ليسَ هناك سببٌ مشروعٌ ومنقولٌ، فقال الحافظُ:"ورد النهيُ الخاص عن الصلاةِ بين السواري بإِسنادٍ صحيح".
21-
نسبَ إِلى ابن قدامة: "لم يصحَّ عند المجوّزِين دليلُ المانعين"، وهذا افتراءٌ عليه نشأَ من تحريفِه إِيّاه في النقل، وبيانه هناك.
22-
كان قد أَبقى على الحديثِ المشارِ إِليه آنفًا: "من قطعَ صفًّا.." في طبعته لـ: "رياض الصالحين" مشيرًا بذلك إِلى صحتِه، ثمَّ ضعفَه مخالفًا ستةً من الحفّاظِ كما تقدّمَ -نكايةً بمن سمّاهم- زورًا- بـ (الأَلبانيّين) !
23-
حذفَ من طبعتِه المذكورةِ حديثَ البخاريِّ المسند غير المعلق (!) في لصق المصلى قدمه بقدمِ المصلي بجانبِه، حذفه دون أَن يُشعرَ القرّاء به في التعليق! ولا أَورده -والحمد لله- في "ضعيفتِه"، وما أَظنُّ أنَّه يعملُ به إِذا وقفَ في الصفِّ؛ لإِنّه يراه تنطُّعًا في الدينِ، ولو كانَ من عمل السلف! وإِلاّ لما ضعفه!
24-
ينبز السلفيّين بالتقليدِ، جاهلاً الفرقَ بين الاتباعِ والتقليدِ!
وختامًا أقولُ:
مع كلِّ هذه المشُاكساتِ، والمعانداتِ، والمُكابراتِ للحقائقِ العلميّةِ، والمخالفاتِ لحفّاظِ السنّةِ المحمديّةِ، وغيرها ممّا سيأتي بيانُه في المجلدِ الثاني وغيرِه إِن شاءَ اللهُ تعالى، مع ذلك كلِّه يتظاهرُ الرَّجلُ في رَدِّه عليّ بأنَّ الخلافَ بيني وبينه شخصيٌّ فقط، فيقول فيه:
"لماذا لا تحتملُ خلافي، وأنا عليَّ أن أحتملَ خلافَك؟! "!
ثمَّ يتباكى فيسألُ مستنكرًا:
"كيفَ علمتَ أًنّي وغيري نكتبُ لأَهوائِنا، أطَّلعتَ على قلوبِنا..؟ "!
أقولُ: قبلَ الجوابِ أتساءلُ: من تعني بقولِك: "وغيري"؟ (آلسقاف) عدوُّ السلفِ، والسنّةِ، وحفّاظِ الأُمّةِ، أَم غيره من المعتزلةِ والجهلةِ، وما أكَثرَهم في هذا الزمانِ الّذي يتكلّمُ فيه (الرويبضةُ) ! فإِنَّ قولَك هذا يشعرني بصفة أُخرى فيك ما كنّا نعلمها، وهي أنّك لا تحكمُ على أحدٍ بأنّه من (أهلِ الأَهواءِ) مهما كانَ انحرافُه عن أهلِ السنّةِ وعلمائِها، بل ولا على أحدٍ من الكفّارِ بالكفرِ، ولا.. ولا.. مهما قالوا وفعلوا؛ لأنّه لا يمكنُ الاطلاعُ على القلوبِ! فإِن كنتَ ترى هذا، فهذه باقعةٌ ومصيبةٌ أُخرى تخالفُ فيها الكتابَ والسنّةَ وإِجماعَ الأُمّة مخالفةً لا تحتاجُ إِلى بحثٍ ودليل.
أقولُ: هذا لازمُ قولِك المذكورِ، ولكن لمّا كانَ من المعروفِ عند العلماءِ أنَّ لازمَ المذهبِ ليس بمذهبِ، فاٍنّي لا أدينُك به، إلاّ إِن صرّحتَ بالتزامِه، وإِلاّ فصرِّح بإنكارِه، ولعلّك تفعلُ، فإِنّه بحسبِك ما فعلتَ.
والآن إِليكَ الجواب:
وليس يصحُّ في الأذهانِ شيءٌ
…
إِذا احتاجَ النّهارُ إِلى دليل
إِذا لم يكن مثلك -وقد فعلتَ بالسنّةِ الصحيحةِ ما فعلت، وخالفتَ أَئمة الحديثِ المتقدمين منهم والمتأخرينِ- من (أَهلِ الأهواء)، فليسَ في الدنيا أحدٌ يصحُّ أن يقالَ فيه: إِنّه من (أهل الأهواءِ) ، ويكونُ السلفُ الصالحُ قد أخطأوا -في رأيك- حين أَطلقوا هذه الكلمةَ على المبتدعةِ المخالفين للسنّةِ، وعليه يجبُ بزعمِك أن تُرفعَ هذه الكلمةُ من قاموسِ العلماءِ؛ بسبب أنّه لا يمكنُ الاطلاعُ علِى ما في القلوبِ كما قلتَ! وقد تجاهلتَ الحكمةَ القائلةَ:"ما أَسرَّ عبدٌ سريرةً إلاّ ألبسَه اللهُ رداءَها، إِنْ خيرًا فخيرٌ، وإِنْ شرًّا فشرٌ"، ونسبه بعضُ الضعفاءِ إِلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا يصحُّ، كما كنتُ بينتُه في "الضعيفة"(237)، ومن ذلك قولُ الشاعر:
ومهما تكن عند امرئٍ من خليقةٍ
…
وإِن خالها تخفى على النَّاس تُعلمِ
هذه سنّةُ الله في خلقِه، ولولا ذلك لفسدتِ الأرض وما عليها، ولما أمكنَ معرفةُ المؤمنِ من الكافرِ، والصالحِ من الطالحِ، ولم يكن هناك شيءٌ معروفٌ في الشرعِ اسمه (الحبّ في الله، والبغض في الله) وما يترتبُ من وراءِ ذلك من الأحكامِ المعروفةِ لدى المسلمين كافّة، وهذا ظاهرٌ لا يمكنُ أن يخفى على عاقل، إِلاّ أن يكونَ مكابرًا من (أَهلِ الأهواءِ) ! والله المسُتعان، ولا حولَ ولا قوّةَ إلاّ باللهِ.
هذا، وللأخِ محمد سعيد عمر إِدريس ملحقٌ بكتاب الآجرّي "تحريم النرد والشطرنج والملاهي" في تحقيقِ أَحاديث الملاهي، ومنها حديثُ المعازفِ هذا، ردَّ فيه تضعيفَ ابن حزمٍ فأَحسنَ، وشرحَ غريبَه، فراجعه؛ فإنّه مفيد (ص 276-298) .
4-
آخر الحديث (122) :
وقد صرَّحَ القاسمُ بن الفضل بالتحديثِ أيضًا عند الحاكمِ والترمذيّ، وأمّا ابن حبّان؛ فأَدخلَ بينَه وبين أبي نضرة (الجريريَّ) من روايةِ هدبة بن خالد القيسي، وهي روايةٌ شاذةٌ، فقد أَخرجه أَبو نعيم في "دلائلِ النبوّةِ"(ص 318) من طريق
هدبةَ أيضًا في آخرين قالوا: ثنا القاسمُ به -لم يذكروا الجريري- وقال البزار عقب الحديث:
"لا نعلمُ رواه هكذا إلاّ القاسم، وهو بصريٌّ مشهورٌ، وقد رواه عن أبي سعيد شهر بن حوشبٍ، وزادَ فيه على أَبي نضرة".
5-
آخر الحديث (132) :
(فائدة) : وأمّا ما رُوي عن عائشةَ رضي الله عنها؛ أنّها أسقطت من النبيّ صلى الله عليه وسلم سِقطًا فسمّاه عبد الله، وكناها به، فهو باطلٌ سندًا ومتنًا، وبيانه في المجلدِ التاسعِ من "الضعيفةِ" رقم (4137) .
6-
آخر الحديث (176) قبل السطرين الأَخيرين:
وأَخرجه البيهقيُّ في "السنن الكبرى"(7/282) من طريق عبد الرزاق أَيضًا بالوجهين المتقدمين، لكنّه لم يذكر الرَّجلَ بين الزهريّ وأبي هريرة، ثمَّ رواه هو والبزّارُ (3/342-343) من طريق زهير بن محمد البغدادي: ثنا عبد الرزّاق: ثنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أَبي هريرة مرفوعًا به.
قلت: وهذا إِسنادٌ صحيحٌ أَيضًا.
7-
آخر الحديث (230) :
ثمَّ وجدتُ ما يؤيدُ هذه الترجمةَ من قولِ راوي الحديث نفسه؛ أَبي بكرة الثقفيّ رضى الله عنه، كما يؤكّدُ أَنّ النهي فيه:"لا تعد" لا يعني الركوع دون الصفِّ، والمشي إِليه، ولا يشملُ الاعتدادَ بالركعةِ؛ فقد روى علي بن حجر في "حديثه" (1/17/1) : حدّثنا إِسماعيلُ بن جعفر المدني: حدثنا حميدٌ، عن القاسمِ بن ربيعةَ، عن أَبي بكرةَ -رجل كانت له صحبةٌ- أنّه كانَ يخرجُ من بيتِه فيجدُ الناسَ قد ركعوا، فيركعُ معهم، ثمَّ يدرجُ راكعًا حتّى يدخلَ في الصفِّ، ثمَّ يعتدُّ بها.
قلت: وهذا إِسنادٌ صحيح، رجاله كلُّهم ثقات، وفيه حجّةٌ قويّةٌ أَنَّ المقصودَ بالنهي إِنّما هو الإِسراعُ في المشي؛ لأنّ راوي الحديثِ أَدرى بمرويِّه من غيرِه، ولا سيما إِذا كانَ هو المخاطبَ بالنهي، فخذها؛ فإِنّها عزيزةٌ قد لا تجدها في المطولاتِ من كتبِ الحديثِ والتخريج، وبالله التوفيق.
8-
آخر الحديث (266) :
(تنبيه) : من غرائبِ التتابعِ في الخطأ، ومخالفةِ النقدِ العلميّ الصحيح، وتتابعِ العلماءِ الحفّاظِ على تقويةِ هذا الحديث - ما وقعَ فيه مَنْ جاءَ بعدَ المبُاركفوريِّ من المخرِّجين، وهم جمع:
الأَوّل - المبُاركفوريّ، وقد سبقَ بيانُ سببِ خطئِه مفصلاً.
الثاني - الشيخ أَحمد شاكر رحمه الله في تعليقِه على "المسند"(2/332) ، ويغلبُ على ظنّي أنَّ سببَ خطئِه - مع وقوعِ نسبةِ (القرشيّ) في "المسندِ" أنَّ الحديثَ وقعَ فيه بين حديثين لعبد الرحمن بن إِسحاقَ، عن النعمان بن سعد، عن علي، وهو فيهما الواسطيّ يقينًا، فانتقلَ بصرُه أو وَهْلُه إِليه، ولم ينتبه لنسبةِ (القرشيّ) في حديثنا.
ومثل هذا الانتقال لا عيبَ فيه؛ لأنّه لا ينجو منه كاتبٌ أَو مؤلفٌ، وإِنّما العيبُ على الذين جاؤوا من بعدِه فقلدوه، وتجاهلوا النسبةَ المذكورةَ، أَو وهّموا راويَها بغير حجّةٍ أَو برهانٍ، وهم:
الثالث - الشيخ شعيب الأَرناؤوط، وبقية الستة المشاركونَ له في التحقيقِ (!) في التعليقِ على "المسندِ" أيضًا (2/438 - طبع المؤسسة)، فقد تجرّأَ -أَو تجرؤوا جميعًا- على تخطئةِ الرواةِ بمجرّدِ الدعوى فقالوا:
"وقولُ أَحدِ الرواةِ في هذا الحديثِ في نسب (عبد الرحمن) : "القرشيّ"
وَهَمٌ؛ فإنَّ عبدَ الرحمن بن إِسحاق القرشيّ لا يروي عن سيار أبي الحكم، ولا يروي عنه كذلك أبو معاويةَ محمد بن حازم الضرير".
فأَقولُ: هذه مكابرةٌ ما بعدها مكابرة، وجحدٌ للحقائقِ العلميّةِ ما مثله جحودٌ، وبيان ذلك في أُمورٍ:
1-
لم ينفِ أحدٌ من أهلِ العلمِ نفيَهم هذا -فيما علمت- فهو مردودٌ عليهم؛ لأنّهم لا يعتقدون في أنفسِهم أنّهم من أَهلِ الاستقراءِ والاستدراكِ على أهلِ الاختصاصِ من العلماءِ، هذا ما نظنّه بهم، فلا يجوزُ لهم -إِذن- أن ينفوا (ما لم يحيطوا بعلمِه) !
2-
قد أثبتَ ما نَفَوا الحافظُ أبو محمدٍ ابن أبي حاتمٍ كما كنّا ذكرنا هناك، فتجاهلوه كاشفين بذلك عن مكابرتِهم، وقول الحافظِ موجودٌ في كتابه "الجرح والتعديل"(2/2/212) الّذي هو تحت أيديهم.
3-
قد أثبتَ تلك النسبةَ (القرشيّ) ثقتانِ هما: (أَبو عبد الرحمن عبد الله ابن عمر) في "المسند" وهو الملقب بـ (مشكدانه) ، وهو ثقةٌ من شيوخِ مسلم، والآخرُ (يحيى بن يحيى) عند الحاكم وهو أبو زكريّا النيسابوريّ، وهو ثقةٌ ثبتٌ من شيوخِ البخاريِّ ومسلمٍ.
وقد يقولُ قائلٌ: لعلّهم لم يقفوا على روايةِ الحاكمِ هذه؟
فأَقول: ذلك ممكن، وإِن كانوا عزوه إِليه (ص 185) ؛ لأنّه ثبتَ عندي يقينًا أنَّ بعضَ المخرِّجين يسرقون العزوَ من بعضِ كتبي، يجدونه لقمةً سائغةً، والأمثلةُ على ذلك كثيرةٌ، وأَظهرُ ما يتجلى ذلك حينما يكونُ في عزوي شيءٌ من الخطأِ الّذي لا يخلو منه بشرٌ، وقد يكونُ خطأً مطبعيًّا، فينقلُه السارقُ فينفضحُ، ويأتي قريبًا مثالٌ ممّا وقعَ فيه المدعو (حسان عبد المنان)، أقولُ: فيمكنُ أن يكونَ عزوُهم من هذا القبيلِ،
اعتمدوا على عزوي للحاكمِ بالجزء والصفحةِ دون أن يرجعوا إِلى كتابِه مباشرةً، ولو فعلوا لرأوا (القرشيّ) !
فثبتَ يقينًا بطلان دعواهم أنَّ راوي الحديثِ هو عبد الرحمنِ الواسطيّ الضعيف، وبالتالي يثبت بطلان دعوى أنَّ الحديثَ ضعيفٌ.
ولا يشكلُ على هذا ما ذكروا من روايةِ هذا الضعيفِ عن (سيار) ، وعنه (أَبو معاوية) كما كنتُ ذكرتُ هناك، وذلك لسببين:
أَحدهما - أنَّه من المقررِ عند العلماءِ "أنَّ ذكرَك الشيءَ لا ينفي ما عداه"؛ ولغفلتِهم عن هذه الحقيقةِ العلميّةِ جزموا بالنفي!
والآخر - أنّه لا مانعَ أَن يشتركَ الراويانِ المسمَّيانِ باسمٍ واحدٍ عن شيخٍ واحدٍ أَو أَكثر، وعنهما كذلك شيخٌ واحدٌ أَو أَكثر.
ومن الأَمثلةِ المعروفةِ في ذلك (عبد الكريم بن مالك الجزري الحرّاني) ، وهو ثقة، و (عبد الكريم بن أَبي المخارق البصري) ، وهو ضعيف، وقد اشتركا في الرواية عن بعضِ الشيوخِ، مثل: سعيد بن جبير، وطاوس، وعطاء بن أَبي رَباح، ونحوِهم من الأَكابرِ، واشتركَ في الروايةِ عن كلٍّ منهما إِسرائيلُ بن يونس والسفيانانِ وغيرُهم من الثقاتِ، ولهذا قالَ الحافظُ في "التقريب/ترجمة عبد الكريم البصري":
"وقد شاركَ الجزريّ في بعضِ المشايخِ، فربما التبسَ به على من لا فهمَ له"!
فإِذا جاءَ (عبد الكريم) هكذا غير منسوبٍ في سندٍ من تلك الأَسانيدِ المشتركةِ، وجاءَ في رواية أُخرى (عبد الكريم الجزري) هكذا منسوبًا، لم يجزْ بداهةً ادّعاءُ أنّه البصريُّ! هذا حالُ أُولئك المكابرين تمامًا، ولذلك فقد أَصابَهم شيءٌ من رشاشِ كلامِ الحافظِ المتقدم.
وقد يجادلُ بعضُهم فيقول: المثالُ مختلفٌ؟ فنقولُ سلفًا: لا اختلافَ إِلاّ بالنسبةِ لِنَفْيِكم، وهو باطلٌ لا قيمةَ له كما تقدّمَ تحقيقُه.
وأوَضّحُ ذلك للقرّاءِ الكرامِ فأَقول:
لقد اشترك (عبد الرحمن بن إِسحاقَ القرشيّ) مع (عبد الرحمن بن إِسحاق الواسطيّ) في الروايةِ عن (سيار أبي الحكم) ، وروى عن كلٍِّ منهما أَبو معاويةَ الضرير، فوقعَ (عبد الرحمن بن إِسحاق) -هكذا غير منسوبٍ- عند بعض المخرّجين للحديثِ، ووقعَ عند غيرِهم (عبد الرحمن بن إسحاقَ القرشيّ) هكذا منسوبًا، فكيفَ جازَ لهم ادّعاءُ أنّه (الواسطيّ) مع أنّه لم يُنسب في السند، وإِنكارُ أنّه القرشيُّ، وقد جاءَ منسوبًا فيه؟ فقد ظهرَ جليًّا أنَّ المثالَ مطابقٌ تمامًا للمُمَثّلِ له.
وأَمّا مضعّفُ الأحاديثِ المصححةِ (حسان عبد المنان) الّذي سبقت الإِشارةُ إِليه، فقد شارك المذكورين في الخطأ والمكابرةِ استقلالاً أو تقليدًا -لا أَدري، وأَحلاهما مُرٌّ- فإِنّه اقتبسَ تخريجَه للحديثِ من تخريجي إِيّاه في الطبعاتِ السابقةِ، فقال (ص 552) من " ضعيفته ":
"أَخرجه الترمذيُّ (3558) ، وأَحمدُ (1/153) ، والحاكم (1/538) من طريق عبد الرحمن بن إِسحاق عن سيار. قلت: وعبد الرحمن بن إِسحاق هذا مجمعٌ على ضعفِه، وهو منكر الحديث. [وافقني على تضعيفِه الشيخ شعيب] ".
فليتأمل القرّاء في هذا التخريج، يجد فيه على اختصارِه آفاتٍ:
الأُولى - سرقة التخريج كما أَشرتُ آنفًا، والدليلُ أنَّهِ قلدني في عزوي إِيّاه لأَحمد سابقًا في الجزء والصفحة، والصواب "عبد الله بن أْحمد" كما تقدّم.
الثانية - التدليسُ باختصارِه من الإِسنادِ نسبة (القرشيّ) الثابتة في تخريجي؛ ليمهِّدَ بذلك تضعيفَه للحديث بالواسطيّ!
الثالثة - تجاهلُه -مع الذين سبقتِ الإِشارةُ إِليهم- ثبوتَ نسبةِ (القرشيّ) في "المسند" و"المستدرك"، لكن يردُ هنا الاحتمالُ الّذي ذكرته هناك، وهو الاتكالُ في التخريجِ على عزوِ غيرِهم، وعدمُ الرُّجرعِ إِلى "المستدركِ" مباشرةَ، وهذا هو الأَقربُ بالنسبةِ لـ (حسان) للدليلِ المذكورِ في الآفةِ (الأُولى) ، وسواءٌ كانَ هذا أَم ذاك فأَحلاهما مُرّ.
وهناك ناسٌ آخرونَ تتابعوا، منهم الدكتور محمد سعيد البخاري، ولقد كانَ جريئًا في التوهيم -مثل شعيب وأَعوانِه- فإِنّه علقَ على الحديثِ في "كتابِ الدعاءِ" للطبرانيِّ مضعِّفًا له بالواسطيّ! ذلك أنّه بعد أَن نقلَ تحسينَه عن الحافظِ ابن حجر، وتصحيحَه من الحاكمِ، والذهبيِّ، عقّبَ عليه بقولِه (2/1283) :
"قلت: ولعلّه اشتبه عليهما عبد الرحمنِ بن إِسحاقَ الواسطيّ بعبد الرحمنِ بن إِسحاقَ القرشيّ، وهو صدوق، ولا يروي عن سيار أبي الحكم".
فيا للعجبِ من هذا الدكتورِ وتعقيبه عليهما، كيفَ ينسبُ الوهمَ إِليهما وفي إِسنادِهما أنّه (القرشيّ) ؟! والله، إِنَّ تتابعَ هؤلاءِ على هذا التضعيفِ، والتوهيمِ، والمكابرةِ لإِحدى الكُبَر!
ولقد كانَ يكفي هؤلاءِ رادعًا عن مضيِّهم في تتابعِهم أن يتذكروا -مع علمِهم باتفاقِ العلماءِ على تضعيفِ الواسطيّ- حقيقة أُخرى، وهي اتفاقُ كلِّ من أَخرجَ الحديث أَو نقلَه مسلّمين بصحتِه وحسنِه، وفيهم من ضعفَ الواسطيّ، وهم:
1-
الترمذي 2- الحاكم 3- المنذري 4- النووي
5-
ابن تيميّة 6- الذهبيّ 7- العراقيّ 8- العسقلانيّ.
وأَصحابُ الأَرقام (1 و3 و6 و8) ممّن ضعّفَ الواسطيّ، فيبعد والحالةُ هذه -إِن لم أقل: يستحيلُ- أَن يتفقَ مثلُ هؤلاءِ الحفّاظِ على تقويةِ الحديثِ وفيه (الواسطيّ) المتفق على تضعيفِه، وفيهم من صرّحَ بتضعيفِه كما بينتُ، ثمَّ يأتي بعضُ الناشئين ممّن لا علمَ عندهم -كعلمِهم على الأَقلِّ- فيخالفونهم بمجرّدِ الدعوى والجهلِ والتوهيم للثقاتِ! وليس هذا فقط، بل ويخالفونَ ثمانيةً من الحفّاظِ تتابعوا على تقويةِ الحديثِ على مرِّ القرونِ دون أَن يُعْرفَ أيُّ مخالفٍ لهم، إلاّ من هؤلاءِ الخلفِ بدونِ حجّةٍ أَو برهانٍ، والله المسُتعانُ".
9-
آخر الحديث (270)
وأمّا ما أَثارَه في هذه الأَيّامِ أحدُ إِخواننا الدعاةِ من التفريقِ بين (الطائفةِ المنصورةِ) و (الفرقة الناجية) ، فهو رأيٌ له، لا أَراه بعيدًا عن الصوابِ، فقد تقدّمَ هناك النقلُ عن أئمةِ الحديثِ في تفسيرِ الطائفةِ المنصورةِ أنّهم أهلُ العلمِ بالحديثِ وأَصحابُ الآثارِ، وبالضرورةِ تعلمُ أنّه ليس كلُّ من كانَ من الفرقةِ الناجيةِ هو من أهلِ العلمِ بعامّةِ، بله من أَهلِ العلمِ بالحديثِ بخاصةِ، أَلا ترى أن أَصحابَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم هم الذين يمثلونَ الفرقةَ الناجيةَ، ولذلك أُمرنا بأن نتمسّكَ بما كانوا عليه، ومع ذلك فلم يكونوا جميعًا علماء، بل كان جمهورُهم تابعًا لعلمائهم؟ فبين (الطائفةِ) و (الفرقة) عمومٌ وخصوصٌ ظاهران، ولكنّي مع ذلك لا أَرى كبيرَ فائدةٍ من الأَخذِ والرَّدِّ في هذه القضيةِ حرصًا على الدعوةِ، ووحدةِ الكلمةِ.
10-
آخر الحديث (278)
ثمَّ رأيتُ في ترجمةِ (خلف بن أَيوب) في "سير أعلامِ النبلاءِ" للحافظِ الذهبيِّ ما يؤيدُ رأيي الّذي كنتُ انتهيتُ إِليه هناك، وهو أنّه وسط، فقد وصفَه الذهبيُّ بـ "الإِمام المحدّث الفقيه" ثمَّ قال (9/541) :
"وقد ليَّنه من جهةِ إِتقانِه يحيى بن معين".
فأَشارَ الذهبيُّ إِلى أنَّ تضعيفَ ابن معين المطلق الّذي كنتُ نقلتُه عنه هناك ليسَ على إِطلاقِه، وإِنّما هو "من جهةِ إِتقانِه"، فمثله يكونُ حسنَ الحديثِ، والله أَعلمُ.
11-
الحديث (302) بعد السطر (13)
وتابع الوليدَ بن مسلمٍ بشرُ بن بكرٍ أيضًا عن الأَوزاعيِّ مثل لفظِ الوليدِ، أَخرجه البغويّ في "شرح السنّة"(13/194/3613) .
(تنبيه) من أَوهامِ المعلِّقِ على "مسندِ أبي يعلى" قوله (3/470) في تعليقِه على هذا الحديث:
"إِسناده صحيح، الوليد بن مسلم صرّح بالتحديثِ عندَ البغويِّ"!
وفيه ثلاثة أَخطاء:
الأَوّل - أن البغويَّ لم وروهِ عن الوليدِ وإِنَّما عن بشر كما رأيت، فلعلّه سبق قلم.
الثاني - أنَّ تصريحَه بالتحديث إِنّما هو عند مسلم، وكذلك هو عند ابن حبّان في "صحيحه"(8/47/209 و6441 - الإحسان) .
الثالث - أَنَّ قولَه المذكور يشعر العارف بهذا العلم الشريفِ أنّه لا يعلمُ أَنَّ تدليسَ الوليد بن مسلم من النوعِ الذي لا يفيد تصريحُه بالسماعِ من شيخِه فقط؛ لأنّه كانَ يدلِّسُ تدليس التسوية، أي يسقطُ الرّاوي بين شيخِه وشيخِ شيخِه، كما هو مشروحٌ في ترجمته، وقولُه هذا لولا أنّه تكررَ منه كثيرًا في أحاديث الوليدِ بن مسلم لاعتبرته سهوًا قَلَميًّا لا ينجو منه كاتب، ولكن تكراره إِيّاه أنبأني بأنّه خطأٌ علميٌّ فكريٌّ، فانظر مثلاً الأَحاديث (41 و559) من المجلد الأَوّل والثاني من
"الإِحسان" طبع المؤسسه اللذين يحيلُ إِليهما كثيرًا في تعليقِه على "موارد الظمآن"، مدعيًا أنّهما من تحقيقِه، والحديث (6489) من "الضعيفة"، فهو في هذه الأَمثلة وغيرِها مثلما تقدمَ عنه، ويكفي أَنَّ الوليد عنعنَ بين الشيخين ولم يصرِّح بالتحديث، وهذا إِنْ دلَّ على شيءٍ -كما يقالُ اليوم- فإِنَّما يدلُّ على الحداثة!
12-
آخر الحديث (332)
ثمَّ رأيتُ الحديثَ في "مسندِ أبي يعلى" المطبوعِ بتعليقِ وتخريجِ الأَخ (حسين سليم) الدارانيّ الدمشقيّ، فرأيتُه قد وقعَ في خطأٍ فاحشٍ، فوجبَ التنبيهُ عليه حتّى لا يغترَّ من لا علمَ عنده، فقد عزاه (7/467) لمالكٍ والشيخين وأَبي داودَ وأحمدَ! ولا أَصلَ للحديثِ عندهم، ومنشأُ هذا إنّما هو الاهتمامُ بالتخريجِ دونَ فقهِ الحديثِ المخرَّج أَو الانتباه له، ذلك أنَّ الحديثَ عند "أبي يعلى" له تتمةٌ في أَوله بلفظ:
"لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساءِ ما نرى، لمنعهنَّ من المساجدِ؛ كما منعت بنو إِسرائيل نساءها، لقد رأَيتنا نصلي
…
" الحديث.
فهذا الطرفُ الأَوّلُ من الحديثِ هو الّذي ينصبُّ عليه تخريجه المذكور، وأمّا طرفهُ الآخر الّذي عزوته لأَبي يعلى فقط، فلم يروِه أَحدٌ منهم مطقًا في المواضعِ الَّتي أَشارَ إِليها! وإنّما أَخرجوه هم وبقيّةُ الستةِ مختصرًا نحوه بلفظ:
"
…
ما يعرفن من الغلسِ" ليس فيه ذكر "وجوه بعض".
وهو مخرّجٌ في "صحيح أَبي داود"(رقم 450) و"الإِرواءِ"(1/278) .
قلت: فوقعَ في خطأينِ متعاكسين؛ عزا إِليهم ما ليسَ عندهم، ولم يعزُ إِليهم ما عندَهم!! فهكذا فليكن التخريج! فيا ترى كيفَ يكونُ عندَه التحقيقُ؟!
13-
الحديث (333)
كنت ذكرت له هناك ثلاثة طرق عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أَبي هريرة.
ثمَّ وجدث له طريقًا رابعًا، يرويه عيسى بن يُونسَ -وهو ابن أبي إِسحاقَ السبيعيّ- عن ثور بن يزيد به.
أَخرجه ابن السُّنّي في "عمل اليومِ والليلةِ"(56/157) من طريق سليمان ابن عمر بن خالد، والطبراني في "مسند الشاميّين" (1/241) (رقم: 429) من طريق عمرو بن خالد الحرّانيّ، قالا: حدثنا عيسى بن يونس به.
وهذا إِسنادٌ صحيح.
(فائدة) : قوله صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكرَ بعد الإِيمانِ بالله أَسهمًا من الإِسلامِ كالصلاةِ والزكاةِ:
" فمن تركَ من ذلكَ شيئًا، فقد تركَ سهمًا من الإِسلامِ، ومن تركهنَّ كلَّهنَّ فقد ولّى الإِسلامَ ظهرَه".
أَقولُ: فهذا نصٌّ صريحٌ في أنَّ المسلمَ لا يخرجُ من الأِسلامِ بتركِ شيءٍ من أَسهمِه ومنها الصلاة، فحسبُ التاركِ أنّه فاسق لا تقبلُ له شهادة، ويُخشى عليه سوءُ الخاتمةِ، وقد تقدّمَ في بحثٍ مفصلٍ في حكمِ تاركِ الصلاةِ تحت الحديثِ (87) ، وهو من الأَدلةِ القاطعةِ على ما ذكرنا، ولذلك حاولَ بعضُهم أَن يَتنصلَ من دلالتِه بمحاولةِ تضعيفِه، وهيهات، فقد رددنا عليه ذلك بالحجّةِ والبرهانِ، وبيانِ من صححه من علماءِ الإِسلامِ، فراجعه.
14-
آخر الحديث (335)
لقد ضعّفَ هذا الحديثَ وشاهدَه من حديث أَنس في جملةِ ما ضعّفَ من الأَحاديثِ الصحيحةِ الكثيرةِ - المدعو (حسان عبد المنان) في رسالةٍ له أسماها "مناقشة الأَلبانييّن في مسألةِ الصلاةِ بين السواري"، ذهبَ فيها تقليدًا منه لغيرِه إِلى جوازِ الصلاةِ بينها لغيرِ عذرٍ، قياسًا على الإِمامِ والمنفردِ! وهذا من أَبطلِ قياسٍ على وجه الأَرضِ، كما هو ظاهرٌ بداهةً لكلِّ ذي لُبٍّ، فإِنّه من بابِ قياس غير المعذور على المعذور -هذا لو لم يعارض السنّةَ- كيفَ لا؛ والقطعُ الذي يحصلُ بصلاةِ الجماعةِ بين السواري، لا يحصلُ بصلاةِ المنفردِ بينها؟!
ليس غرضي الآن الردَّ عليه مفصلاً من الناحيةِ الحديثيّةِ فضلاً عن الناحيةِ الفقهيّةِ، فإِنَّ المجالَ ضيقٌ -كما ترى- والوقتُ أَضيقُ، إلاّ بمقدارِ ما لا بدَّ منه من الدفاعِ عن حديثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
لقد تشبثَ المذكورُ في تضعيفِ الحديثِ بقولِ أبي حاتمٍ في راويةِ (هارون بن مسلم) : "مجهول"، وقول الحافظِ ابن حجر:"مستور"! معارضًا بهما توثيقَ من وثقه وصححَ حديثَه كابن حبّان، وابن خزيمةَ، والحاكمِ، والذهبيِّ! ويجيبُ على ذلك بأنَّ هؤلاءِ من المتُساهلين، وأَمّا الذهبيُّ فمتناقض!
والجوابُ بأَوجزِ ما يمكنُ من العبارةِ:
لا يمكنُ لأَيِّ عالمٍ -بحكمِ ارتفاعِ العصمةِ- إلاّ أَن يقعَ منه الخطأُ كما صحَّ عن الإِمامِ مالك، سواءٌ كانَ الخطأُ من بابِ التساهلِ أَم التشكك، أَم التعارضِ، أَم خطأً محضًا، وعليه فلا يجوزُ ردُّ قولِ العالمِ بمجرّدِ القولِ بأنّه متساهلٌ أَو متناقض، وهذا ما وقع فيه المدعي!
أوّلاً - أَمّا الذهبيُّ، فقد تعقبَ في "الميزانِ" قول أبي حاتم في "هارون":
"مجهول" بقولِه (4/286) :
"قلت: روى عنه أَبو داود الطيالسيُّ، ومسلمُ بن قتيبة، وعمر بن سفيان".
فأَين التناقضُ المزعومُ؟ ولو افترضنا أنَّ هناكَ تناقضًا، فلا بدَّ في هذه الحالةِ من الترجيحِ، وليس هو إلاّ التصحيحُ لما يأتي.
ثانيًا - أَمّا ردّه التوثيقَ والتصحيحَ بدعوى التساهلِ فهو معارَضٌ بأنَّ الجهالةَ الّتي اعتمدَ عليها إِنّما هي من معروفٍ بالتشددِ وهو أَبو حاتمٍ رحمه الله، قال الحافظُ الذهبيُّ في ترجمتِه من "السير" (13/260) :
"إِذا وثّقَ أَبو حاتمٍ رجلاً، فتمسّكْ بقولِه؛ فإِنّه لا يُوثِّقُ إلاّ رجلاً صحيحَ الحديثِ، وإِذا ليّنَ رجلاً أَو قال فيه: "لا يحتجُّ به"؛ فتوقّفْ حتّى ترى ما قالَ غيرُه فيه، فإِن وثَّقه أَحد، فلا تَبْنِ على تجريح أبي حاتم؛ فإِنّه متعنّتٌ في الرِّجالِ، فقد قالَ في طائفة من رجال (الصحاح) : ليس بحجة، ليس بقوي، أو نحو ذلك".
وقد وصفه بالتعنتِ الحافظُ ابن حجر أيضًا في "مقدمةِ الفتح"(ص 441) ، فراجعه إِن شئتَ.
ثالثًا - أَمّا استشهادُ مدعي التضعيف بقول الحافظِ في هارون: "مستور"، وقوله في "مقدمته":
"من روى عنه أكثر من واحدٍ ولم يوثَّق، وإِليه الإِشارةُ بلفظ: مستور أَو مجهول الحال".
فأَقول: مجهول الحال خيرٌ من مجهولِ العين، ولذلك فرَّقَ بينهما الحافظُ في المرتبة، وفي التعريف، ففي الأَوّل قال:"السابعة: من روى..". وفي الآخر
قال: "التاسعة من لم يروِ عنه غير واحدٍ ولم يُوَثّق، وإِليه الإِشارةُ بلفظِ: مجهول".
إِلاّ أنّني أُلاحظُ أنَّ قولَه في المرتبةِ السابعةِ: "ولم يوثَّق" لا ينطبق على (هارون) هذا؛ لأنّه قد وثقه ابن حبّان صراحةً، والذين صححوا حديثَه ضمنًا، ولهذا كنتُ ذهبتُ إِلى تحسينِ إِسنادِه فيما تقدّم.
وبما تقدّمَ يسقطُ في الهاوية ما تشبثَ به مدعي التضعيفِ، ويترجحُ ثبوتُ الحديثِ بمرتبةِ الحسنِ على الأَقلِّ من هذا الإِسناد.
وأمّا جعجعته فىِ أَربعِ صفحات (18-21) سوّدها ممّا أَملاه عليه عُجبُه وغرورُه، فهي ممّا لا يستحقُّ الردَّ ولو كانَ في الوقتِ فراغٌ! لأنّه لا يخرجُ عمّا كانَ تشبَّثَ به من قولِ أَبي حاتمٍ:"مجهول"، وقول الحافظ:"مجهول الحال"، وقد سبقَ الجوابُ والحمدُ للهِ.
نعم، في (ص 18) ما لا بدَّ من عرضِه على القرّاءِ، فإِنّه سيكشف عن طبيعةِ هذا المضعف للأَحاديثِ الصحيحةِ، وهي أنّه يخطئُ -على الأَقل- في رؤيةِ الماديات التي يشتركُ في رؤيتها الصالح والطالحِ، فكيفَ تكونُ رؤيتُه للمعنويّاتِ الّتي لا تُرى إلاّ بالبصيرةِ القلبيّةِ التي ينفردُ بها المؤمنونَ الصادقون؟ لقد زعمَ أَنّني أَخطأتُ أَنا وغيري في قولي المتقدّمِ في تصحيحِ الحاكمِ:"ووافقه الذهبيُّ"، فقال هداه الله:
"هذا وهمٌ عظيمٌ، قلدوا فيه المناوي في "فيض القدير"، زعموا أنَّ الحديثَ الّذي سكتَ عنة الذهبيُّ فقد وافقَ فيه الحاكمَ"!
وإِلى القرّاءِ الكرامِ صورة الحديثِ من "المستدرك"، وتصحيحِ الحاكمِ إِيّاه مع موافقةِ الذهبيِّ محاطة بدائرةٍ في أسفل الصفحة؛ ليعلموا من يستحقُّ الوصفَ بأنّه "ذو وهمٍ عظيمٍ"؟
قالوا حدثنا سفيان ثنا يحيى بن هاني عن عبد الحميد بن محمود قال كنت مع أنس بن مالك أصلي قال بين السواري قال فتأخر أنس فلما صلينا قال إنا كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم*
{حدثنا} أبو بكر بن إسحاق أنبأ عبيد بن محمد بن خلف ثنا عقبة بن مكرم ثنا مسلم بن قتيبة عن هارون بن مسلم عن قتادة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال كنا ننهي عن الصلوة بين السواري ونطرد عنها طردا * كلا الإسنادين صحيحان ولم يخرجا في هذا الباب شيئًا.
{حدثنا} أبو بكر بن إسحاق أنبأ أبو المثنى ثنا مسدد ثنا يزيد بن زريع عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه * هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
{وله شاهد} صحيح في الأخذ عنه (حدثنا) أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أسيد بن عاصم ثنا الحسين بن جعفر عن سفيان
وتكتب له اليمنى حسنة حتى يدخل المسجد * صحيح *
{شداد أبو طلحة الراسبي} سمعت معاوية بن قرة عن أنس قال من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى * على شرط (م) *
{زائدة} عن المختار بن فلفل عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم حضهم على الصلاة ونهاهم أن ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة * على شرط (م) *
{قال} أنس كنا نتقي الصلاة بين السواري * مر باسناده *
{هارون} بن مسلم عن قتادة عن معاوية بن قرة عن أبيه كنا ننهي عن الصلاة بين السواري ونطرد عنها طردا * صحيح *
{يزيد بن زريع} عن حميد عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه * على شرطهما *
ولننظر الآن كيفَ ضعّفَ حديثَ أَنسٍ الشاهد المتقدم، وكيفَ خالفَ المتقدمين والمتأخرين من الحفّاظ المتقنين ممّن وثّقَ راويه عبد الحميد بن محمود، وصحح حديثَه، ووهَّم ابن حبّان والدارقطنيّ والذهبيّ والعسقلانيّ، وغيرهم ممّن صححَ الحديثَ، كالترمذيّ وابن خزيمة وابن حبّان أيضًا، والحاكم والذهبيّ، هؤلاءِ الأَئمةُ كلّهم مخطئونَ عند (حسان) الّذين لم يتّبعهم (بإحسان)، فزعمَ أنَّ (عبد الحميد) هذا مجهولٌ! واتكأَ على قولِ أبي حاتمٍ فيه:(شيخ) ، وهذا لا يعني عنده أنّه مجهولٌ كما يأتي، وعلى قولِ عبد الحقِّ فيه:"لا يحتجُّ به"، وعزاه لـ "التهذيبِ"، ويأتي بيانُ ما فيه ممّا يخلُّ بالأَمانةِ العلميّةِ.
أمّا قولُ عبد الحقِّ المذكور، فلأنّ عدمَ الاحتجاجِ بالشخصِ له أسبابٌ كثيرةٌ
معروفةٌ عند العلماءِ غير الجهالةِ، كسوءِ الحفظِ مثلاً، وكذلكَ قولُ أبي حاتمٍ، فقد نقلَ هو نفسُه (ص 22) عنه أنّه قال:
"وإِذا قيلَ: (شيخ) فهو بالمنزلةِ الثالثةِ؛ يُكتبُ حديثُه وينظرُ فيه، إلاّ أنّه دون الثانية"، وفسَّره (المضعِّف) بقولِه:
"يريدُ دون مرتبةِ الصدوق ونحوه".
وهذا حجّةٌ علية؛ لأنّه ليس بمعنى "مجهول" أَولاً، ولأنّه قالَ في كلٍّ من المرتبتين: الثانية والثالثة: "فهو ممّن يكتبُ حديثه، وينظرُ فيه"، فهذا القولُ من أَبي حاتمٍ أقربُ إِلى التعديلِ منه إِلى التجريح، ولذلك قال الحافظُ الذهبيُّ في مقدمةِ "المغني":
"لم أذكر فيه من قيل فيه: (محلّه الصدقُ) ، ولا من قيل فيه: (يكتبُ حديثه) ، ولا: (لا بأسَ به) ، ولا من قيلَ فيه: (شيخ) أو (صالح الحديث) ؛ فإِن هذا باب تعديلٍ".
ويبدو لي أنَّ (المُضعِّفَ) قد شعرَ أنَّ كلامَ أبي حاتمٍ عليه، لا له، ولذلك لجأَ إِلى الخلاصِ منه بتحريفِ كلامِه في نفسِ الصفحةِ فقال: الصحيح أنّه قال: "مجهول"، مكان "شيخ"! وهذا قولٌ باطلٌ مخالفٌ لما أَثبته فيِ الكتابِ محققه المعلميُّ اليمانيُّ رحمه الله، ولنقلِ الحافظِ المزيّ في "التهذيبِ" أنَّ أَبا حاتمٍ قال:"شيخ"، وهذا نوعٌ جديدٌ منه في مخالفتِه المعروف الثابت عند العلماءِ. هداهِ الله.
وانظروا الآنَ كيفَ تنصّل من مخالفة الحُفَّاظِ الّذين وثقوا الرَّجلَ: أمّا ابن حبّان؛ فدفعه بدعوى تساهله، وسبقَ الجوابُ عنه، وأَمّا النَّسائي؛ فقال فيه:"إِنَّه أَحيانًا يوثقُ المجاهيلَ، وهذا منها"! وأَمّا الدارقطنيّ، فلما لم يجد في توثيقِه مغمزًا قال:"فموضعُ نظر"!! أَمّا جهلُه وتجاهلُه ومكابرتُه وخوضُه في علمٍ لا يحسنُه فليس موضعَ نظرٍ! وصدق رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذ قال:
"إِذا لم تستحِ فاصنع ما شئت".
وأمّا توثيقُ الحافظِ الذهبيّ والعسقلانيّ، فقد كتمهما عن القرّاءِ؛ لأَنّه لا جوابَ لديه إلاّ أَن يقول فيهما: إِنّهما مقلدان! واللهُ المسُتعانُ.
ولم يكتفِ الرَّجلُ بتضعيفِ الحديثين السابقين، بل أَلحقَ بهما حديثًا ثالثًا صحيحًا وقفَ في طريق هواه، وهو قول النبىّ صلى الله عليه وسلم:
"
…
ومن قطع صفَّا قطعه الله"، وإِسناده صحيحٌ كما ذكرتُ هناك، وقد صححه جمعٌ كابن خزيمةَ والحاكمِ والمنذريّ والنوويّ والذهبيِّ والعسقلانيِّ، وأَعلّه ذاك العليلُ بإرسالِ الليثِ بنِ سعدٍ إِيّاه، وعدمِ ذكرِه في آخرِ الحديثِ جملةَ القطعِ هذه، مع أنَّ ابن وهبٍ قد أَسنده من حديثِ ابن عمر بالزيادةِ، وزيادةُ الثقةِ على الثقةِ مقبولةٌ اتفاقًا، ولم يخالف في ذلك إلاّ هذا الخالف! ثمَّ حاولَ النيلَ من إِسنادِه، وتضعيفَه مسندًا ومرسلاً بمعاويِةَ بن صالحٍ، فقال: "وقد اختلف فيه، والذي يظهرُ من أَقوالِ الأَئمةِ أَنّه وسط، أو أَقل من الوسطِ..".
فليتأمل القرّاءُ كيفَ لا يستقرُّ على حُكمٍ: "وسط، أَو أَقل من الوسط" توصلاً منه إِلى تضعيفِ الحديث من أَصلِه، مع أنَّ معاويةَ احتجَّ به مسلم، وعليه استقرَّ رأيُ كافّة الحفّاظِ المتأخرين الذين هم أَعلمُ بالخلافِ الّذي حكاه، ولذلك تتابعوا على تصحيح حديثِه، وقال الحافظُ الذهبيُّ في ترجمتِه من "السير" (7/158) :
"الإِمامُ الحافظُ الثقةُ قاضى الأَندلس.. وكانَ من أَوعيةِ العلمِ".
كناطحٍ صخرةً يومًا ليوهنَها
…
فلم يَضِرْها وأَوهى قرنَه الوعلُ
وبالجملةِ؛ لقد تيقنتُ من متابعتي لتضعيفاتِه الظالمةِ للأَحاديثِ الصحيحةِ الثابتةِ عند حفّاظِ الأُمّةِ - أَنَّ الرَّجل مغرمٌ بالمخُالفةِ والمشاكسةِ، وعدمِ الاعتدادِ بقواعدِهم وأَحكامِهم، مُتشبِّثًا بأَوهى العللِ، ولو كانت كخيوطِ القمرِ!
ولو لم يكن هناك إلاّ طريقته في تضعيف هذه الأَحاديثِ الثلاثة لكفى دلالةً على ما ذكرتُ، فكيفَ وهناكَ العشراتُ -إِن لم أَقل: المئات- التي أَعمَلَ فيها معولَ الهدمِ، على طريقةِ أهلِ الأَهواءِ قديمًا وحديثًا، ومنهم الإِباضيّة الذين يمجّد بهم السقافُ، ويعتمدُ على "مسندِ ربيعِهم"؟!
وقد رأيتُ لأَحدِ المعاصرين منهم "رسالة في الرفعِ والضمِّ في الصلاةِ" ذهبَ فيها إِلى تضعيفِ أَحاديث رفعِ اليدين في الصلاةِ، وهي متواترةٌ تواترًا معنويًّا، وأحاديث وضعِ اليمنى على اليسرى في القيامِ، وهي مشهورةٌ في "الصحيحين"، و"السنن" وغيرِها، بنفسِ أُسلوبِ ذاك الخالف، أكَتفي بذكرِ مثالين فقط:
ضعَّف حديث ابن عمر المتفق عليه في الرفعِ، بأنّه من روايةِ ابن شهاب الزهريّ؛ فقال (ص 18) :
"قال فيه الحافظُ الذهبيّ في الميزانِ: إِنّه كانَ يدلّسُ"!
ومع أنَّ الزهريَّ صرّحَ بالتحديثِ فِي بعضِ الرواياتِ، فقد دلّسَ الإِباضيُّ على القرّاءِ -كما يفعلُ أمثالُه من أَهلِ الأهواءِ- فأَسقطَ تمامَ كلامِ الذهبيّ:"في النادر"، وهذا ليس بجرحٍ كما هو معروف في علم المصطلح.
ثمَّ ضعّفَ حديثَ وائل بن حجر في وضعِ اليدين عند مسلم وغيرِه بقولِه (ص 28) : إِنّه من روايةِ علقمةَ بن وائلٍ عن أبيه، قال ابن حجر في "التهذيب": علقمة لم يسمع من أبيه!
أَقولُ: ومع أنَّ هذا ليسَ من قولِ ابن حجر فيه، وإِنَّما هو نقلٌ منه لحكايةِ أَحدِهم ذلك عن ابن معين، وهي مقطوعةٌ، ومع ذلك فقد صرّحَ علقمةُ بالتحديثِ عن أَبيه في روايةِ النسائي، كما كنت بينتُه في "الصحيحة" تحت الحديثِ (3176) .
ومن الغرائبِ -بل اللطائفِ- أنَّ هذا الحديثَ المشارَ إِليه كنتُ خرّجتُه لإِعلالِ الخالفِ إِيّاه في تعليقه على طبعتهِ لـ "رياض الصالحين" بقولِه (ص 220) : "في إِسنادِه نظر"!
هكذا قال، عمّاه ولِم يبينه، وفي ظنّي أنّه يلتقي مع الإِباضيِّ في إِعلالِه بالانقطاعِ! لأنَّه في مسلمٍ أيضًا من روايةِ علقمةَ عن أَبيه!
أَعتقدُ أنَّ في هذين المثالين ما يقنعُ كلَّ عاقلٍ منصفٍ أنَّ هذا الخالفَ يُقلِّد مذهب أَهل الأهواءِ في اختلاقِ العللِ للطعنِ في الأحاديثِ الصحيحةِ، بقصدٍ أَو بغيرِ قصدٍ -فالله حسيبُه-.
ولكنّي أَقول ناصحًا لكلِّ من يقبلُ النصيحةَ: {انتهوا خيرًا لكم} .
وبعد، فقد بقي شيءٌ، وهو الإِتيانُ بالدليلِ على أنّه أخلَّ بالأَمانةِ العلميّةِ، فلْأَقتصر على أَقلِّ ما يمكنُ من الأَمثلةِ، فقد طالَ الحديثُ أكثرَ مما كنتُ أُريدُ بأكثرَ ممّا يستحقُّ، والله المُستعانُ:
1-
نقل عن "التهذيبِ" -كما تقدّمَ- قولَ عبد الحقِّ في (عبد الحميد) : "لا يحتجُّ به" فلم ينقل تمامَه وهو قول الحافظِ:
"فردَّ عليه ابن القطّانِ وقال: لَم أَرَ أحدًا ذكرَه في (الضعفاءِ) ".
2-
نقل (ص 15) عن "الفتح" قولَ القرطبيّ في سببِ كراهةِ الصلاةِ بين السواري، أنّه مصلَّى الجنِّ! ثمَّ تعقبَه، ولم ينقل عن الحافظِ السببَ الصحيحَ الّذي ذكره الحافظُ في الصفحةِ المقابلةِ لقولِ القرطبيِّ وهو قولُه:"ورودُ النهيِ الخاص عن الصلاةِ بين السواري كما رواه الحاكمُ من حديثِ أَنسٍ بإِسنادٍ صحيح".
3-
قال (ص 18) معللاً تساهلَ الحاكمِ في تصحيحِ حديثِ قُرّةَ:
"لهذا كلِّه لم يلتفت ابنُ حجرٍ إِلى.. تقويةِ ابن خزيمةَ والحاكمِ له"!
فأَقولُ: ولكنّه التفتَ إِلى تصحيحِ الحاكم لحديثِ أنس، وصرّحَ بصحةِ إِسنادِه كما ذكرتُ آنفًا، فَلِمَ تذكر ما لك، وتكتمُ ما عليك؟ وصنيعُ مَنْ هذا؟!
4-
نسبَ (ص 16، 26) إِلى ابن قدامةَ أنّه قالَ: "لم يصحَّ عند المجوِّزين دليلُ المانعين".
وفي هذا تقويلٌ لابنِ قدامةَ ما لم يقل؛ لأنّه يشيرُ بذلك إِلى عبارته الّتي نقلها (ص 15) عنه، ونصّها:"لا دليلَ على المنعِ عندَهم"، فهذا في وادٍ، وما تقوّله في وادٍ آخر، لأنّ من أَول أَسبابِ اختلافِ الأَئمةِ أنْ لا يكونَ الحديثُ قد بلغَه -كما قال ابن تيميّة- فمن الممكنِ أَن يكونَ السببُ عدمَ وصولِ الحديث إِليهم، أو وصلَهم وتأوّلوه، أو لم يصحَّ عندهم، كلُّ هذا ممكنٌ، فلا يجوزُ حملُ كلامِ ابن قدامةَ على إِثباتِ الوصولِ مع نفي الصحةِ كما هو ظاهرٌ جدًّا، فابن قدامةَ قال:"لا دليلَ"، فهو أعمُّ من كونِه وصل أَو لم يصل، ولم يقل:"لم يصحَّ" كما زعمَ، وقال:"دليل على المنع" ولم يقل: دليل المانعين، لينصبَّ على الحديث!
فهل كانَ هذا التقويلُ عن غفلةٍ عن الفرقِ المذكورِ، أم عن تغافلٍ؟ أحلاهما مرُّ!
وهناك أمورٌ أُخرى تعرّضَ لي فيها بباطلٍ، لا مناسبةَ لبيانِها الآن، والله المُستعان.
ولكن لا بدَّ لي أَخيرًا من التنبيهِ على أمرٍ هامٍّ يتعلّقُ بموقفِ (المُضعّفِ) سابقًا من الحديثِ الثالثِ وغيرِه، ممّا يحققُ الوصفَ المذكورَ فيه.
لقد كانَ الحديثُ من أَحاديث "رياض الصالحين" الّتي أَبقاها (المضعّفُ) في طبعتِه لـ "الرياض" رقم (839) ، مقرًّا للنوويِّ على تصحيحه إِيّاه، فكيفَ هذا وقد ضعفَه في "مناقشتهِ الأَلبانيّين"؟ كما عرفَ من الرَّدِّ عليه في هذا الاستدراك.
والجواب: لم يتنبّه حين صححه أنّه من حججِ أَنصارِ السّنةِ هنا الذين لقّبهم -بغيًا وحسدًا وعدوانًا- بـ (الأَلبانييّن) ، وإِلاّ لاختلقَ له علّةً كما فعلَ في "المناقشةِ"، ولأَوردَه في "ضعيفتِه" الّتي ذيّلَ بها "رياضَه"، أَو اكتفى بحذفِه كما فعلَ ببعضِ الأَحاديثِ الصحيحةِ لتعارضِها مع هواه حين لا يجدُ له علّةَ يمكنُ أَن يتظاهرَ بها، والأَمثلةُ كثيرةٌ، وحسبُنا الآنَ مثالٌ واحدٌ يناسبُ المقامَ:
أَوردَ النوويُّ رحمه الله (رقم 1094) حديثَ أَنسٍ مرفوعًا: "أَقيموا صفوفَكم وتراصّوا.." الحديث، وقال:
"رواه البخاريُّ بلفظه (1) ، ومسلمٌ بمعناه، وفي رواية للبخاريِّ: وكانَ أَحدُنا يلزقُ منكبَه بمنكبِ صاحبِه، وقدمَه بقدمِه".
فحذفَ (المضعّفُ) من "رياضِه"(رقم 837) روايةَ البخاريّ هذه لضعفِها عنده كما نصَّ على ذلك في "المقدمة"(ص 15) لا لضعفٍ في سندِها، وإلاّ لما أَبقى الروايةَ الأُولى، وإنّما لأنّها تؤيّدُ من حيث المعنى ما ضعفَه من الأحاديثِ الثلاثةِ كما هو ظاهرٌ، لأنّ اللزقَ المذكورَ فيها لا يمكنُ تحقيقُه مع تفريقِ الساريةِ بين المرءِ وأَخيه!
وهذا السنّةُ لا يحافظُ عليها إلاّ أَنصارُ الحديثِ والسنّةِ في كلِّ بلادِ الدنيا، ولا أَظنُّ المذكورَ يشاركُهم في العملِ بها، ويلزقُ قدمَه بقدمِ صاحبِه إِذا صلّى مع الجماعةِ، كيفَ وهو يحاربُها ويؤلفُ رسالةً للرَّدِّ على المتمسكين بها، ويتهمهم فيها (ص 13) بأنّهم "خرجوا من تقليدِ الأَئمة إِلى تقليد من لا يذكرُ أَمامَهم"؟! فأَقولُ: نعم، إِنّي أَرى أَن لا أُذكرَ معهم، للفرقِ الشاسعِ بيني وبينهم،
(1) عزاه (المضعف) إِلى (خ 718) ، وهو خطأ، فإنّه فيه مختصرٌ، وليس فيه "تراصّوا"، وإنّما هو (719) ، فأخشى أَن كونَ هذا اللفظُ عندَه غيرَ صحيح أيضًا؛ لأنّه في المعنى مثلُ الروايةِ الأُخرى الّتي حذفها مضعفًا! أَسالُ اللهَ أَن يلهمَه العملَ بما يحملُنا على حسنِ الظنِّ به!
وحسبي أَن أَكونَ تابعًا لهم في علمِهم وقواعدِهم وهديهم، وداعيًا بدعوتِهم، ولكن أَينَ أَنتَ منهم، وقد خالفتهم في ذلك كلِّه؟ وها هو مثالٌ واحدٌ من عشراتِ الأَمثلةِ؛ تبيّنُ لكلِّ ذي عينٍ أنّك تنهجُ نهجًا خاصًّا في نقدِ الحديثِ، تقلِّدُ فيه أَهلَ البدعِ والأَهواءِ، ثمَّ تبني عليه فقهًا مضطربًا هزيلاً.
وأَمّا اتهامكُ لإِخواننا بالتقليدِ فهو (شِنْشِنَةٌ نعرفها من أَخزم) لجهلك بالفرقِ بين الاتباعِ على بصيرةٍ، والتقليدِ الأعمى (1) ، والمثالُ أَمامَك الآن أَيضًا، فإِذا أَنا بيّنتُ للناسِ هذه السنّةَ الّتي تُنكرها بالأَحاديثِ الصحيحةِ الّتي أَنت تضعفها، ووافقتُ أَئمةَ الحديثِ في تصحيحها، أَفيكونون مقلدين لي أَم متبعين للسنّةِ؟
وليتَ شعري إِذا كانَ هؤلاءِ من المقلدين عندك؛ فماذا تسمي من يغترُّ بشقشقتِك، ويفتتنُ بكثرةِ كلامِك، ويمشي وراءَ سرابِك؟ - ولا بدَّ من وجود أَمثالِ هؤلاءِ المغترِّين من باب (لكلِّ ساقطةٍ في الحيِّ لاقطة) ! وصدقَ الله:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} .
وختامًا أَقولُ:
إِنَّ تضعيفَ هذا الرَّجلِ لعشراتِ الأَحاديثِ الصحيحةِ -والّتي لا خلافَ في صحتِها لدى المحدثين- من أكبرِ الأدلةِ على أنّه وضعَ لنفسِه قواعدَ غيرَ قواعدِهم، ولذلك تختلفُ أحكامُه عن أَحكامِهم، فالخلافُ بيننا وبينه أُصولي جذري، ليسَ فرعيًّا كما قد يتوهمُ بعضُ طيبي القلوبِ، ولذلك فلا يمكنُ التفاهمُ معه -لو افترضنا فيه الإخلاص- إلاّ بعدَ اتفاقه معنا على القواعدِ والأُصولِ (2) ، شأنُه في ذلك شأنُ
(1) انظر الفرق بين الاتباع والتقليد من كلام ابن عبد البر في "سلسلة الأَحاديث الضعيفة"(2/18) .
(2)
وهي المعروفةُ في "علم المصطلح".
كلّ الفرقِ الضالةِ قديمًا وحديثًا -وهيهات هيهات- والله المُستعانُ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلاّ بالله.
15-
آخر الحديث (417) .
ثمَّ تبيّنَ لي أنّه لا وجه لتضعيفِ المناوي لروايةِ البيهقي في "الشعبِ" بـ (عبد الله بن أَبي مرّة) المجهول؛ لأنّه قائمٌ على وهم وقعَ له في اسمِ هذا التابعيّ، فقد وقفتُ على إِسنادِه في "الشعبِ" -وقد طبع أَخيرًا- فإِذا هو عنده (6/489/9010) من طريقِ منصور عن عبد الله بن مرّةَ عن عبد الله بن عمر مرفوعًا بلفظ حديثِ الترجمةِ دون قوله:"أنّه يحبّه"، وزاد:
"فإِنّه يجد له مثل الّذي عنده".
واِسناده صحيحٌ، فإِنَّ (عبد الله بن مرّةَ) هذا -هو الهمدانيُّ الخارفيّ- ثقةٌ بلا خلافٍ، ومن رجالِ الشيخين، وهو غيرُ عبد الله بن أبي مرّةَ المجهول، ومن هذا الوجه أَخرجه ابن أبي الدنيا أَيضًا في كتابِ "الإخوان"(141/74) كما أَملاه عليَّ هاتفيًّا أَحدُ الإِخوانِ، جزاه الله خيرًا.
16-
آخر الحديث (419) :
ثمَّ وجدتُ له شاهدًا عن عبد الله بن مسعودٍ قال:
"ليأتينَّ على الناسِ زمانٌ يأكلونَ فيه بألسنتِهم.." الحديث.
أَخرجه البيهقيُّ في "شعبِ الإيمان"(4/252/4977) بإسنادٍ صحيحٍ، وهو موقوفٌ في حكمِ المرفوعِ؛ لأنّه من أُمورِ الغيبِ الّتي لا تقالُ بالرأي، وأَخرجَ قُبيله حديثَ الترجمةِ من طريق (يعلى) فقط.
17-
الحديث (455) :
أَوّلاً - يضافُ إِلى مصادرِ التخريجِ: وعليّ بن الجعدِ في "مسنده"(2/1124-1125)، ومن طريقِه أبو يعلى في "مسندِه" (6/143) (رقم: 3419) ، وعنه الخطيبُ (11/341) ، والبزّارُ (4/231/3600 - كشف الأَستار) عن مبارك بن فضالةَ به.
وقال الحافظُ في "مختصر زوائد البزّار"(2/2309) :
"هذا إِسنادٌ حسن"!
كذا قال؛ مع أنَّ المبارَكَ مدلسٌ تدليسَ التسويةِ عنده، كما كنتُ نقلتُه عنه هناك، وسأذكرُ تحقيق القول فيه.
ولفظُ روايةِ البزارِ هذه: "اثنان" مكان "رجلان"، وقد كنتُ نبّهتُ تحتَه أَنّي لم أَجده في شيءٍ من المصادرِ المذكووةِ هناك، فهذه فائدةٌ جديدةٌ، ولكن ليس لها قيمةٌ تذكرُ؛ لأنّها شاذّةٌ مخالفةٌ لروايةِ الثقاتِ عن المبارك، ولمتابعيه أيضًا كما يأتي، نعم قيمتُها بيانُ أَنَّ الغزاليَّ لم يبتدئ ذاك اللفظَ، وإِنّما نقله.
ثانيًا - كنتُ خرّجتُ هناك متابعًا قويًا للمباركِ بن فضالةَ، وهو حمّادُ بن سلمةَ، وأَجبتُ عن توهيمِ الخطيبِ إِيّاه، ثمَّ وجدتُ له متابعًا ثانيًا، فقال الطبرانيُّ في "المعجمِ الأَوسطِ" (1/163/1/3045) : حدثنا إِبراهيمُ قال: ثنا نصر قال: ثنا عبد الله بن الزبيرِ اليحمديّ قال: ثنا ثابتٌ البُنانيّ به، وقال:
"لم يروه عن ثابتٍ إلاّ عبد الله بن الزبير".
كذا قال، وهو متعقبٌ بما سبقَ.
وعبد الله بن الزبير اليحمديّ، هكذا وقعَ منسوبًا في "المعجم"، وكذلك هو
في "مجمعِ البحرين"(8/217/4996) ، ولم أَجد من نسبَه هذه النسبةَ، فإِنَّه مترجمٌ في "تهذيبِ الكمالِ" وفروعه بغيرِ هذه النسبةِ:
(عبد الله بن الزبير بن معبد الباهليّ أَبو الزبيرِ، ويقالُ: أَبو معبدٍ البصريّ، روى عن ثابتٍ البنانيّ.. وعنه عمّار بن طالوت وزيد بن الحريش ونصر بن عليّ الجهضميِّ. قال أبو حاتمٍ: "لا يعرف") .
وزادَ الحافظُ:
"قلتُ: وذكرَه ابن حبّان في "الثقات"، وقال الدارقطنيّ: بصريّ صالح".
وأَقولُ: عَزْوُهُ لـ "الثقات" وهمٌ تبعَه عليه المعلّقُ على "مجمع البحرين" اشتبه عليه بـ (عبد الله بن الزبير الأَسدي الكوفي والد أبي أَحمد الزبيري"، ذكره ابن حبّان في "ثقاتِه" (8/345) ، وهو من تساهلاتِه، فقد ضعفَه أَبو نُعيمٍ، وأَبو زرعةَ، وأَبو حاتمٍ في "الجرح والتعديل"، وهكذا هو في "لسان الميزان"، وهو متأخرٌ عن الباهليّ: هذا روى عن ثابتٍ -كما ترى- فهو تابعُ تابعيٍّ، والأَسديُّ ذكره ابنُ حبّانَ في الطبقةِ الرّابعةِ، أي: في تبعِ أَتباعِ التابعين.
والباهليُّ لم يضعفْه أَحدٌ، بل قالَ فيه الدارقطنيُّ:"صالح" كما تقدّم، وقال الذهبيُّ في "الكاشف":
"ليس بالحافظِ".
ففيه إِشارةٌ إِلى أنّه وسطٌ، ويؤيدُه قولُه في "المغني":
"حسن الحديث".
وأَمّا الحافظُ فقال:
"مقبول".
وسائرُ رجالِ الاٍسنادِ ثقاتٌ من رجالِ "التهذيبِ" غيرُ شيخِ الطبرانيّ (إِبراهيم) -وهو ابن هاشمٍ البغويّ- وهو ثقةٌ، فالمتابعةُ لا بأسَ بها، والاٍسنادُ حسن، واللهُ أَعلمُ.
ثالثًا - كنتُ نقلتُ هناك قولَ الحافظِ في (المبُاركِ) : إِنّه يدلِّسُ ويسوِّي، وأَشرتُ إِليه آنفًا، فالّذي أُريدُ تحقيقَه الآن إِنّما هو أنَّ قولَه فيه:"ويسوّي" خطأٌ -لعلّه سبقُ قلمٍ- والصوابُ الاقتصارُ على قولِه فيه: "يدلسُ" وذلك لأَمرين:
الأَوّل - أنَّ هذا هو الّذي اتفقَ عليه الحفّاظُ الّذين رموه بالتدليسِ، مثلُ يحيى ابن سعيدٍ، وأَحمدَ بن حنبلٍ، وأَبي داود، وأَبي زرعةَ وغيرِهم، وكلّهم قالوا:"إِذا قالَ: "حدّثنا" فهو ثبتٌ، أَو ثقةٌ".
وقال يحيى، وعبد الرحمن بن مهدي -واللفظُ له-:
"لم نكتب لـ (المبارك) شيئًا، إلاّ شيئًا يقول فيه: سمعتُ الحسنُ".
وقد ذكرت بعضَ أَقوالِهم هناك، وهذا التدليسُ هو الّذي يسميه الحافظُ في "طبقاتِ المدلسين" بتدليس الاٍسنادِ، وهو المُرادُ عندهم عند الإِطلاقِ، وهو أَن يسقطَ منه شيخه.
وأَمّا تدليسُ التسويةِ فهو أَن يصنعَ ذلك لشيخِه -كما في "الطبقاتِ"- ُمُسْقِطًا شيخَ شيخِه، وقد اشتهرَ بهذا النوعِ من التدليسِ الوليدُ بن مسليم تلميذُ الإِمامِ الأَوزاعيّ، فكانَ يسقطُ من إِسنادِه شيخَ الأَوزاعيّ، وقد يغفلُ عن هذا النوعِ من التدليسِ بعضُ المعاصرين فيمشّي حديثَه إِذا صرّحَ بالتحديثِ عن شيخِه! وضربت عليه مثلاً في الاستدراك المتقدّم برقم (10) ، فراجعه، ونبّهتُ على تدليسِ الوليدِ
هذا في أكَثرَ من حديث تقدّمَ (256، 265، 302) .
والمقصودُ أنَّ هذا النوعَ من التدليسِ لم أر أحدًا من المتقدمين رمى به (المبارك) .
وأَمّا قولُ الإِمامِ أحمد فيه:
"يقولُ في غير حديثٍ عن الحسن: حدثنا عمران بن حصين".
وأصحابُ الحسنِ لا يقولونَ ذلك كما في "الميزانِ"، قال الحافظُ في "التهذيب":"يعني أنّه يصرّحُ بسماعِ الحسنِ من هؤلاءِ (يعني عمران وغيره) ، وأَصحابُ الحسنِ يذكرونَه بالعنعنة".
هذا كلُّ ما جاءَ في ترجمةِ (المبُارك) ممّا يمكنُ أَن يكونَ مستندَ الحافظِ في رميه إِيّاه بتدليسِ التسويةِ، وهو -كما ترى- لا صلةَ له به مطلقًا، بل هو نقيضُه تمامًا؛ فإِنَّ الحسنَ -وهو البصريُّ- معروفٌ بالتدليسِ، فإذا عنعنَ عن عمران أَو غيرِه، احتملَ أن يكونَ بينهما راوٍ أسقطَه الحسن، فإِذا صرّحَ (المبُارك) بتحديثِ الحسن فيكونُ قد أَوصله، فهذا نقيضُ تدليسِ التسويةِ تمامًا كما هو ظاهرٌ جليٌّ.
وغايةُ ما يستفادُ من قولِ أَحمدَ هذا رميُ (المبُاركِ) بالخطأِ في تصريحِه بالتحديثِ بين الحسن وعمران مخالفًا في ذلك الثقاتِ، وإِنَّ ممّا لا شكَّ فيه أَنَّ (المباركَ) في حفظِه ضعفٌ، ولذلك نزلَ حديثُه من مرتبةِ الصحيحِ إِلى مرتبةِ الحسن، بشرطِ التصريحِ بالتحديثِ طبعًا، ولذلك قال الذهبيُّ في "تذكرةِ الحفّاظ":
"لم يبلغ حديثه درجةَ الصحة".
وقال في "سير أَعلامِ النبلاءِ"(7/284) :
"قلت: هو حسنُ الحديثِ، ولم يذكره ابن حبّان في "الضعفاءِ"، وكانَ من أَوعيةِ العلم".
والخلاصةُ: أنَّ الحافظَ وَهِمَ في وصفِ (المبارك) بتدليس التسوية، وأنَّ الرَّجلَ إِذا صرّحَ بالتحديثِ عن شيخِه فهو حسنُ الحديثِ، والله أَعلمُ.
18-
آخر الحديث (489) .
وتابعَ بقيةَ مسلمُ بن خالدٍ عن عبد الرحمنِ بن أبي بكر قال: أَخبرني القاسمُ به.
أَخرجه أحمدُ (6/70) .
وهذا إِسنادٌ جيدٌ في المتابعاتِ، مسلم بن خالد -وهو الزنجيّ- قال الذهبيُّ في "المغني":
"صدوق يهم..".
وقال الحافظُ:
"صدوق كثيرُ الأَوهامِ".
وعبد الرحمنِ بن أَبي بكر، أَظنّه عبد الرحمن بن القاسمِ، نسبه الزنجيُّ إِلى جدّه أَبي بكر الصديق.
ثمَّ وجدتُ للحديثِ طريقًا أُخرى من روايةِ عمرةَ عن عائشةَ مثل حديث الترجمةِ.
أَخرجه البزّارُ (2/234/1592) بسندٍ جيدٍ، وقال الهيثميُّ (5/210) :
".. ورجالُه رجالُ الصحيح".