الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كأنك قلت: قل امرؤ يقول ذاك، فلم يحتج أقل إلى خبر، لأنه في معنى: قل، وكذلك حمل سيبويه على المعنى قول من قال: خطيئة يوم لا أراك فيه، [على معنى: يوم خطأ يوم لا أراك فيه]، وما حمل على المعنى كثير في القرآن وفصيح الكلام. انتهى.
وأمّا الثاني، فقد أطال الكلام في "أماليه"، وخرجه على الوجه الذي ذكره ابن جني.
والبيت لأبي نواس الحكمي، بفتحتين نسبة للجرّاح بن عبد الله الحكمي وقد تقدمت ترجمته في الإنشاد الثاني والأربعين بعد المائتين. وبعده بيت آخر وهو:
إنَّما يرجو الحياة فتىً
…
عاش في أمنٍ من المحن
وأنشد بعده وهو الإنشاد الثاني والستون بعد المائتين:
(262)
أنا ابن جلا
وهو قطعة من بيت وهو:
أنا ابن جلا وطلَّاع الثَّنايا
…
متى أضع العمامة تعرفوني
على أن أصله: أنا ابن رجل جلا، فحذف الموصوف لضرورة الشعر وهذا أخذ أقوال أربعة فيه، وهو مذهب الزمخشري في "المفصل" وجلا: فعل ماض، مع ضميره جملة، وهي صفة لمحذوف، وضعف بأن الجملة إذا كانت صفة لمحذوف فشرط موصوفها أن يكون بعضًا من متقدم مجرور بـ"من" أو "في". ثانيها: أنَّ
جلا اسم غير منصرف عند عيسى بن عمر، لأنه منقول من الفعل، ولم يشترط غلبة الوزن بالفعل. ثالثها: مذهب سيبويه، وهو أنَّ جلا اسم نقل من الفعل مع ضميره المستتر فهو جملة محكية، ويرد عليهما أنَّ حلا ليس اسمًا لأبي الشاعر، ولا لقبًا له كما يعلم نسبه. رابعها: ما ذكره ابن الحاجب في أماليه، وهو أن يكون جلا اسمًا بتقدير "ذي" أي: أنا ابن ذي جلا، والجلا: هو انحسار الشعر عن مقدم الرأس، قيل: وهو من دلائل الكرم، لأنَّ العرب تقول: الذي ولد أصلع يكون كريمًا بحسب الغالب، وعندي أنَّ جلا وصف بمعنى المشهور، قال المبرد في "الكامل": ابن جلا: المنكشف الأمر، وقال القالي في "أماليه" يقال: هو ابن جلا، أي: المنكشف المشهور الأمر، وابن أجلى مثله. وقال ابن الأثير في "المرصع": ابن جلا وابن أجلى: الرجل المعروف المشهور، والأمر الواضح المكشوف. وقال صاحب كتاب "ألف با": أنا ابن جلا وابن أجلى، وهما بمعنى المنجلي والأمر المنكشف، وهو أول النهار، وقال صاحب "القاموس": وابن جلا: الواضح الأمر كابن أجلى، وقال ابن الأنباري في "المقصور والممدود": أنا ابن جلا: أنا ابن البارز الأمر، أنا ابن من لا ينكر. فهذا كله يدل على أنه اسم جنس غير مختص بأحد، بل يجوز لكل أحد أن يقول للتمدح: أنا ابن جلا، كما قال اللعين المنقري يهجو رؤبة بن العجّاج:
إني أنا ابن جلا إن كنت تعرفني
…
يا رؤب والحيَّة الصَّمَّاء في الجبل
وقال آخر:
أنا القلاح بن جناب بن جلا
قال العسكري في كتاب "التصحيف": جناب: جدّ القلاح انتسب إليه، وابن جلا" ليس بجد له، وإنما أراد: أني أنا ابن الأمر المكشوف، مثل قول سحيم:
أنا ابن جلا
…
وطلَّاع الثَّنايا
انتهى. وطلَّاع: مبالغة طالع، يقال: طلعت الجبل طلوعًا، أي: علوته، يتعدى بنفسه وطلعت فيه: رقيته، قال ثعلب في "أماليه": من رفع "طلاع الثنايا" جعله مدحًا لابن، ومن خفضه جعله مدحًا لجلا، يعني أنه روي فيه الرفع والخفض، والجيد عندي الرفع. والثنايا: جمع ثنيَّة، قال المبرد في "الكامل" هي الطريق في الجبل، والطريف في الرّمل [يقال له: الخلُّ]، وإنما أراد [به] أنه جلد بطلع الثنايا في ارتفاعها وصعوبتها، قال دريد بن الصمَّة، يعني عبد الله أخاه:
كميشن الإزار خارجٌ نصف ساقه
…
بعيدٌ من السَّوآت طلَّاع أنجد
والنجد: ما ارتفع من الأرض. وقال ابن قتيبة في "أبيات المعاني": قوله طلَّاع الثنايا، أي: يطلع على الثنايا، وهي ما علا من الأرض وغلظ، ومثله قولهم: طلَّاع أنجد انتهى. وأتعجب من العيني في تفسيره الثنية هنا بالسن المشهورة، وقوله: متى أضع العمامة، قال ابن الحاجب في "أماليه": المراد من وضع العمامة: إزالتها عن الرأس، إما لأن الذي يعرفه إنما رآه مكشوف الرأس في الحروب لكثرة مباشرته إياها، فإذا رآه بعمامة جهله، وإما لأن الذي عرفه إنما رآه لابسًا آلات الحرب وعلى رأسه البيئة لكثرة حروبه، فينحي عمامته ويلبس البيضة. هذا محصّله، والوجه هو الأول، وقد لحظه ضياء الدين موسى بن ملهم الكاتب، فأخذه ببعض تغيير، وضمنه في الرشيد عمر الغوّي، وكان به داء الثعلب، وهو من نوادر ما قيل في أقرع، وقال:
عجبت لمعشرٍ غلطو أو غضُّوا
…
من الشَّيخ الرشيد وأنكروه
هو ابن جلا وطلَّاع الثَّنايا
…
متى يضع العمامة تعرفوه
وما أحسن قول أبي العبَّاس اللخمي المالكي، وتوفي في سنة ثلاث وستمائة:
يسرُّ بالعيد أقوامٌ لهم سعةٌ
…
من الثَّراء وأمَّا المقترون فلا
هل سرَّني وثيابي فيه قوم سبا
…
أو راقني وعلى رأسي به ابن جلا
يعني بقوم سبأ قوله تعالى: {ومزَّقناهم كلَّ ممزقٍ} [سبأ/ 19]، وابن جلا: ما له عمامة، وقال ثعلب في "أماليه": والعمامة تلبس في الحروب وتوضع في السلم، وهذا خلاف الواقع وضد معنى البيت، وقال الكرماني شارح شواهد "الموشح": متى أضع العمامة، يحتمل معنيين بتقديرين، الأول: أن يقدر "على" فيكون التقدير: متى أضع العمامة على رأسي تعرفوني أني أهل للسيادة والإمارة، والثاني: أن يقدر "عن" أي: متى أضع العمامة عن رأسي تعرفوا شجاعتي بواسطة صلع رأسي، لأنه أحد مخايل الشجاعة. انتهى. ولم يتعرض العيني ولا السيوطي ولا العباسي في "معاهد التنصيص" لمعنى وضع العمامة في شروح شواهدهم.
والبيت مطلع قصيدة لسحيم بن وثيل الرياحي، وبعده:
وإنَّ مكاننا من حميريٍ
…
مكان اللَّيث من وسط العرين
وإني لن يعود إليَّ قرني
…
غداة الغبِّ إلَّا في قرين
بذي لبدٍ يصدُّ الرَّكب عنه
…
ولا تؤتى قرينته لحين
عذرت الزل إن هي خاطرتني
…
فما بالي وبال ابني لبسون
وماذا يبتغي الشُّعراء مني
…
وقد جاوزت حدَّ الأربعين
أخو خمسين مجتمعٌ أشدِّي
…
ونجَّذني مداورة الشُّؤون
وسببه أنَّ الأبيرد الرياحي وابن عمه الأخوص زعما أنه لا يقدر على مجاراته
لهما في الشعر وقوله: "وإنَّ مكاننا من حميريٍ" يأتي في نسبه أنَّ حميريًا أحد أجداده والقرن، بالكسر: الكفء في الشجاعة وغيرها، والغبّ، بالكسر: ورود الإبل الماء في اليوم الثاني، وغداة الغب: اليوم الذي يسقون إبلهم فيه، والقرين: المقارن والمصاحب، و"في" بمعنى مع، وقوله: بذي لبدّ: بدل من قرين، وذو اللبد: الأسد، بكسر اللَّام وفتح الموحدة، جمع لبدة، كقرب جمع قربة، واللبدة: الشعر المتلبد بين كتفي الأسد، والقرينة: النفس يقول: إنَّ قرني لا يقدر أن يقابلني من خوفه إلَّا مع رفيق كالأسد يقدر أن يصدّ ركبًا، فإذا جاء مع رفيق هذه صفته، سلمت نفسه مني لحين من الأحيان. وقوله: عذرت البزل .. الخ البازل: البعير الذي استكمل قوته وسنّه، وخاطرتني: راهنتني، وابن اللبون: ولد الناقة إذا استكمل السنة الثانية، ودخل في الثالثة. يقول: إذا راهنتني الشيوخ على شيء عذرتهم لأنهم أقراني، وأما الشبان فلا مناسبة بيني وبينهم، وأراد بابني لبون: الأبيرد وابن عمه، وقوله: وماذا يبتغي الشعراء، رواه الجوهري:"وماذا يدّري الشعراء" قال: ادّراه: افتعله بمعنى ختله، من درى الصيد: إذا ختله، واستشهد النحويون بهذا البيت على كسر نون الجمع. وقوله: أخو خمسين، أي: أنا بلغت خمسين سنة، واجتماع الأشد: عبارة عن كمال القوى في البدن والعقل، ونجّذني، بالجيم والذال المعجمة، أي: هذَّبني، في "الصحاح": ورجل منجذ، أي: مجرّب أحكمته الأمور، وهو من الناجذ، وهو آخر الأضراس، ويسمى ضرس الحلم، بالكسر، لأنه ينبت بعد البلوغ وكمال العقل، والمداورة: مفاعلة من دار يدور بمعنى المعالجة، والشؤون: الأمور والأحوال، جمع شأن.
وسحيم بن وثيل: مصغر أسحم، ووثيل بفتح الواو وكسر المثلثة، لا بالتصغير
كما زعم ابن حجر في "الإصابة" وتبعه السُّيوطي، لأنه غير منقول: شاعر مشهور في الجاهلية والإسلام، عدَّه الجمحي في الطبقة الثانية من شعراء الإسلام، وقال: سحيم بن وثيل شاعر خنذيذ، شريف مشهور الذكر في الجاهلية والإسلام، وعاش في الجاهلية أربعين سنة، وفي الإسلام ستين سنة، وهو من المخضرمين، وهو الذي غالب والد الفرزدق في نحر الإبل، فبلغ عليًا رضي الله عنه، فأفتى بحرمته وتأتي القصة إن شاء الله تعالى في بحث "لولا".
والمخضرم، بالخاء والضاد المعجمتين على صيغة اسم المفعول، ونقل السيوطي في "شرح التقريب" عن بعض أهل اللغة كسر الراء أيضًا، وحكى كراع: محضرم بحاء مهملة، من الحضرمة، وهي الخلط، لأنه خلط الجاهلية والإسلام، وحكى ابن خلكان كسر الراء أيضًا في هذا، قال صاحب "اللقاموس": المخضرم: الماضي نصف عمره في الجاهلية، ونصفه في الإسلام، وقيل: من أدركهما، وهذان القولان يعمان الشاعر وغيره، ثم توسع حتى أطلق على من أدرك دولتين، كرؤبة وحماد عجرد، فإنهما أدركا دولة بني أمية، ودولة بني العباس.
والشعراء أربع طبقات: جاهلي، ومخضرم، وإسلاميّ، ومحدّث. وهم أربعة أقسام: شاعر خنذيذ، كقنديل، وهو الذي يجمع إلى جيّد شعره رواية الجيد من شعر غيره، وشاعر مفلق، وهو الذي له شعر جيّد ولا رواية له، والمفلق الذي يأتي بالفلق، بالكسر وهو العجب، وقيل: الداهية، وشاعر وهو الذي فوق الرديء بدرجة، وشعرور، وهو لا شيء.