الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد السابع عشر بعد الثلاثمائة:
(317)
يميد إذا مادت عليه دلاؤهم
…
فيصدر عنها كلُّها وهو ناهل
على أنَّ مجئ كلّ المضافة إلى الضمير فاعلةً قليلٌ؛ لأنَّ الفعل عاملٌ لفظيٌّ والبيت أنشده أبو حيّان، وناظر الجيش في "شرح التسهيل" معزوًّا إلى كثِّير عزَّة، وتقدَّمت ترجمته في الإنشاد التاسع عشر.
وماد الشَّيء يميد ميدًا وميدانًا: إذا تحرَّك، والدَّلاء بالكسر: جمع دلو، والناهل: العطشان، والناهل: الرّيّان، فهو من الأضداد.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثّامن عشر بعد الثلاثمائة:
(318)
فلمّا تبيَّنَّا الهدى كان كلُّنا
…
على طاعة الرَّحمن والحقِّ والتُّقى
على أنَّ كلنا وقع اسمًا لكان، وحمله ابن مالك في متن "التسهيل" وهو شرحه على أنه مبتدأ، وما بعده الخبر، وقدر في كان ضمير الشأن اسمها. قال في شرحه: ويجوز: كان كلّهم منطلقون، على أنَّ اسم كان ضمير الشأن، وكلّهم منطلقون مبتدأ وخبر، ومثله قول علي بن أبي طالب، رضي الله عنه:
فلمّا تبيَّنا الهدى كان كلّنا
…
.. البيت
انتهى. ومنه أخذ المصنف كلامه. والبيت ثاني أبيات ثلاثة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، قالها في يوم بدر، رواها له ابن اسحاق في "السيرة" في غزاة بدر، وقال: وكان المسلمون مظفرين في هذه الغزاة من أولها إلى آخرها، وهي:
ضربنا غواة النّاس عنه تكرُّمًا
…
ولمًّا رأوا قصد السبيل ولا الهدى
ولمَّا أتانا بالهدى كان كلُّنا
…
على طاعة الرَّحمن والحق والتُّقى
نصرنا رسول الله لمَّا تدابروا
…
وثاب إليه المسلمون ذوو الحجى
قال شارح "ديوانه" الفاضل حسين الميبدي: ضمِّن الضرب معنى الدفع، ولهذا عدِّي بعن، وإضافة قصد إلى السبيل من إضافة المصدر إلى الفاعل، أو من
إضافة المصدر إلى الموصوف، وضمير "عنه" للرسول صلى الله عليه وسلم. قال الواحدي: يقال: طريق قصد وقاصد: إذا أدركك إلى مطلبك، و"لما" الأولى نافية بمعنى لم، والقصد: استقامة الطريق، وثاب الناس: اجتمعوا، والتكرم إظهار الكرم. انتهى كلامه. ورواية الجماعة:"فلمّا تبيَّنّا" من تبينت الشيء، بمعنى عرفته واستوضحته، ويأتي لازمًا، يقال: تبيَّن الشيء: إذا ظهر ووضح. قال السيوطي: قال المرزباني في "تاريخ النحاة": قال يونس: ما صح عندنا، ولا بلغنا أنّ عليّ بن أبي طالب قال شعرًا إلا هذين البيتين:
تلكم قريشٌ تمنَّتني لتقتلني
…
فلا وربِّك ما برُّوا وما ظهروا
فإن هلكت فرهنٌ ذمَّتي لهم
…
بذات ودقين لا يعفو لها أثر
انتهى. وقال صاحب "القاموس" في مادة (ودق): وذات ودقين: الدّاهية، لأنها ذات وجهين، ومنه قول علي بن أبي طالب:
تلكم قريشٌ تمنّاني لتقتلني
…
.. إلى آخر البيتين.
قال المازني: لم يصح أنه تكلم بشيء من الشعر غير هذين البيتين، وصوبه الزمخشري. انتهى.
وأنا أعجب من إنكار هؤلاء نسبة سائر أشعاره الكثيرة إليه الثابتة له بنقل العلماء المتقنين، ومما نسب إليه ما رواه مسلم في "صحيحه" قوله لمرحب ملك حيبر:
أنا الَّذي سمَّتني أمي حيدرة
…
كليث غاباتٍ كريه المنظره
وهو رجز مشهور. قال ثعلب في "أماليه": لم يختلف الرواة أنَّ هذا الرجز له، وقد أثبت له الحفّاظ من أصحاب السير والمغازي شعرًا كثيرًا له، ومنهم ابن إسحاق، أثبت له الشعر المتقدِّم وغيره ممّا قاله في المغازي، ومنهم عبد الملك بن هشام، أثبت له في السِّيرة غير ما أثبته ابن إسحاق، ومنهم الإمام الحافظ المتقن أبو التفح اليعمري
الشهير بابن سيّد النّاس، أورد له في "السيرة" شيئًا كثيرًا في غالب الغزوات، فممّا أورد له في غزوة الخندق عند قتله عمرو بن عبد ودّ قوله:
نصر الحجارة من سفاهة رأيه
…
ونصرت دين محمَّد بضراب
فصددت حين رأيته متجدِّلًا
…
كالجذع بين دكادكٍ وروابي
وعففت عن أثوابه ولو انَّني
…
كنت المقطَّر بزني أثوابي
لا تحسبنَّ الله خاذل دينه
…
ونبيِّه يا معشر الأحزاب
وروى له بعد هذا من رواية أخرى جوابًا لقول ذلك اللَّعين:
لا تعجلنَّ فقد أتا
…
ك مجيب صوتك غير عاجز
ذو نيَّةٍ وبصيرةٍ
…
والصدق منجي كلِّ فائز
إنِّي لأرجو أن أقيم
…
عليك نائحة الجنائز
من ضربةٍ نجلاء
…
يبقى ذكرها عند الهزاهز
وقد أورد الحسن بن رشيق القيرواني في أول كتاب "عمدة الشعر" أشعار الخلفاء الأربعة فمن بعدهم، فمما أورده لعلي بن أبي طالب ما قاله يوم صفين، يذكر همدان ونصرهم إيّاه:
ولمّا رأيت الخيل ترجم بالقنا
…
نوصيُّها حمر النحور دوامي
وأعرض نقعٌ في السَّماء كأنَّه
…
عجاجة دجنٍ ملبسٍ بغمام
ونادى ابن هندٍ في الكلاع وحمير
…
وكندة في لخمٍ وحيّ جذام
تيمَّمت همدان الذين هم هم
…
إذا ناب دهرٌ جنَّتي وسهامي
فخاضوا لظاها واستطاروا شرارها
…
وكانوا لدى الهيجا كشرب مدام
فلو كنت بوابًا على باب جنَّةٍ
…
لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
وأشعاره التي رواها العلماء في بطون الدفاتر كثيرة، حتى جمعت في ديوان.
وشرحها من أفاضل العجم: العلامة الحكيم حسين الميبديُّ باللغة الفارسيّة. فشعره رضي الله عنه، ممّا نقله أرباب الحديث، وأصحاب السيّر، وسائر العلماء، وأودعوه في مصنفاتهم، ونقله خلف عن سلف، ورواه أولو النَّباهة والشرف، فإنكاره مكابرة، ودفعه مهاترة، يلزم منه تكذيب هؤلاء المتقنين الفحول، والطعن فيما رووه من النقول، وهذا غير لائق بذوي العقول، والله أعلم بالصواب. وقد أثبت السيوطي شعرًا كثيرًا لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب في ترجمته من "تاريخ الخلفاء" قال: أخرج ابن ع ساكر عن الشعبي قال: كان أبو بكر يقول الشعر، وكان عمر يقول الشعر، وكان علي أشعر الثلاثة. وأخرج عن نبيط الأشجعي قال: قال علي بن أبي طالب:
إذا اشتملت على اليأس القلوب
…
وضاق بما به الصدر الرحيب
وأوطنت المكاره واطمأنَّت
…
وأرست في أماكنها الخطوب
ولم ير لانكشاف الضّرِّ وجهٌ
…
ولا أغنى بحيلته الأريب
أتاك على قنوطٍ منك غوثٌ
…
يجيء به القريب المستجيب
وكلّث الحادثات إذا تناهت
…
فموصولٌ بها الفرج القريب
وأخرج عن الشعبي قال: قال علي بن أبي طالب لرجل، وكره له صحبة رجل:
لا تصحب أخا الجهل
…
فإيّاك وإيّاك
فكم من جاهل أردى
…
حليمًا حين آخاه
يقاس المرء بالمرء
…
إذا ما هو ما شاه
وللشيء من الشيء
…
مقاييسٌ وأشباه
وللقلب على القلب
…
دليلٌ حين تلقاه
وأخرج عن حمزة بن حبيب الزيات قال: كان علي بن أبي طالب يقول:
لا تفش سرَّك إلَّا إليك
…
فإنَّ لكلِّ نصيحٍ نصيحًا
فإنِّي رأيت غواة الرِّجا
…
ل لا يدعون أديمًا صحيحًا