الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثاني بعد الثلاثمائة:
(302)
أردت لكيما أن تطير بقربتي
وتمامه:
فتركها شنًا ببيداء بلقع
على أنَّ كي فيه محتملة لأن تكون جارَّة بمعنى اللَّام، ومحتملة لأن تكون ناصبة بمعنى أن المصدرية، قال ابن مالك في "شرح الكافية": يحتمل أن تكون فيه بمعنى أنّ، وشدَّ اجتماعها على سبيل التوكيد، ويحتمل أن تكون جارة، وشذَّ اجتماعهما مع اللام. انتهى.
وقال ابن الأنباري في "مسائل الخلاف": ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز إظهار أن بعد كي توكيدًا لكي، وذهب بعضهم إلى أنَّ العامل في:"جئت لكي أكرمك" اللَّامُ، وكي وأن توكيدان لها، وقالوا: يدل على جواز إظهارها النقل، كقوله:
أردت لكيما أن تطير بقربتي
والقياس على تأكيد بعض الكلمات لبعض، فقد قالوا: لا إن ما رأيت مثل زيد، فجمعوا بين ثلاثة من أحرف الجحد للمبالغة.
وقال البصريون: لا يخلو إظهار أن بعد كي إمّا لأنها كانت مقدرة، فظهرت، وإمّا لأنها زائدة، والأول باطل لأن كي عاملة بنفسها، ولو كانت تعمل بتقدير أن لكان ينبغي إذا ظهرت أن يكون العمل لأن، فلمّا أضيف العمل إلى كي، دلَّ على أنها العامل، وكذا الثاني باطل؛ لأنَّ زيادتها ابتداء ليس بمقيس فوجب أن لا يجوز إظهار أن بحال.
ومنهم من قال: إنما لم يجز إظهار أن بعد كي وحتى؛ لأنهما صارتا بدلًا من اللفظ بأن، كما صارت "ما" بدلًا عن الفعل في قولهم: أمّا أنت منطلقًا انطلقت معك والتقدير: أن كنت منطلقًا، فحذف الفعل وجُعل ما عوضه.
وأمّا قوله:
أردت لكيما أن تطير بقربتي
فلا حجّة فيه لأنَّ قائله مجهول، وإن علم فإظهار أن بعد كي لضرورة الشعر، أو لأنَّ بدل من كي؛ لأنهما بمعنى واحد. انتهى كلامه. والجيّد هو الثاني، وهو ظهور "أن" للضرورة، والذاهب إلى أنّ العامل اللَاّم، وكي وأن مؤكّدان لها هو الفرّاء، قال في "تفسيره" عند قوله تعالى:{يريد الله ليبين لكم} [النساء/ 26] مثله في موضع آخر: {والله يريد أن يتوب عليكم} [النساء/ 27] والعرب تجعل اللَّام التي على معنى كي في موضع أن في: أردت وأمرت، فتقول: أردتُ أن تذهب، وأردت لتذهب، وأمرتك أن تقوم، وأمرتك لتقوم. قال تعالى {وأمرنا لنسلم لرب العالمين} [الأنعام/ 71] وقال في موضع آخر:{قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم} [الأنعام/ 14] وقال: {يريدون ليطفئوا} [الصف/ 8] و {أن يطفئوا} [التوبة/ 32] وإنَّما صلحت اللَّام في موضع "أن" في أمرتك وأردت، لأنهما يطلبان المستقبل، ولا يصلحان مع الماضي، ألا ترى أنك تقول: أمرتك أن تقوم، ولا يصلح: أمرتك أن قمت، وكذلك: أردت، فلمّا رأوا "أن" في غير هذين تكون للماضي والمستقبل استوثقوا لمعنى الاستقبال بكي، وباللام التي في معنى كي، وربما جمعوا بينهما وربما جمعوا بين ثلاثهن، أنشدني أبو ثروان:
أردت لكيما أن ترى لي عثرة
…
ومن ذا الذي يعطي الكمال فيكمل
فجمع بين اللَّام وكي، وقال تعالى:{لكيلا تأسوا} [الحديد/ 23]، وقال الآخر في الجمع بينهن:
أردت لكيما أن تطير بقربتي
…
.. البيت
وإنما جمعوا بينهنَّ لاتفاقهنَّ في المعنى واختلاف لفظهن، قال رؤبة:
بغير لا عصفٍ ولا اصطراف
وربما جمعوا بين "ما ولا وإن" التي على معنى الجحد، أنشدني الكسائي في بعض البيوت:
لا ما إن رأيت مثلك
فجمع بين ثلاثة أحرف. وربما جعلت العرب اللَّام مكان أن فيما أشبه "أردت، وأمرت" مما يطلب المستقبل، أنشدني أبو الجرّاح الأنفيّ من بني أنف النّاقة من بني سعد:
ألم تسأل الأنفي يوم يسوقني
…
ويزعم أني مبطل القول كاذبه
أحاول إعناتي بما قال أم رجا
…
ليضحك مني أو ليضحك صاحبه
والكلام: رجا أن يضحك، ولا يجوز: ظننت ليقوم، وذلك أنَّ "أن" التي تدخل مع الظنّ تكون مع الماضي، نحو: أظن أن قد قام زيد، فلم تجعل اللَّام في موضعها ولا كي، إذا لم تطلب المستقبل وحده، وكلّما رأيت "أن" تصلح مع المستقبل والماضي فلا تدخلن عليها كي ولا اللام. هذا آخر كلام الفرّاء. وظهر منه أنَّ أن لا تكون إلَّا مع كي المسبوقة باللَّام. مع تقدم أحد الفعلين من "أمر وأراد" وما أشبههما، وأنَّ لام كي لا تكون إلَّا مسبوقة بأحد هذين الفعلين.
وقوله: أردت لكيما، ما: صلة، والطّيران ها هنا مستعار للذهاب السّريع. والقربة بكسر القاف معروفة، وتتركها بالنصب عطفًا على تطير. والترك: التخلية، يتعدى لمفعول، ويأتي بمعنى التصيير، ويتعدى لمفعولين، وهنا محتمل لكل منهما، فشنًا على الأول: حال من الهاء، وعلى الثاني: هو المفعول الثاني، وببيداء متعلق بالترك، أو هو المفعول الثاني، وشنًا: حال، وباقع بالحرّ صفة بيداء. وقال العيني: