الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمؤمّل: هو ابن أميل بن أسيد المحاربي، والمؤمّل، بزنة اسم المفعول، وكذا أميل، وكلاهما من الأمل، وأسيد، بفتح الهمزة وكسر السّين.
قال صاحب "الأغاني": هو كوفيّ من مخضرمي الدَّولتين، الأمويّة، والعبّاسيّة، وكانت شهرته في العبّاسيّة أكثر؛ لأنّه كان من الجند المرتزقة معهم، ومن يخصّهم ويخدمهم من أوليائهم، وانقطع إلى المهدي في حياة أبيه، وبعده، وهو صالح المذهب في شعره، ليس من المبرزين الفحول، ولا من المرذولين في شعره، وله طبع صالح. انتهى.
وقد بسطنا ترجمته في شرح الشّاهد التّاسع والعشرين بعد السّتمائة من شواهد الرّضي.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الموفي الأربعمائة:
(400)
لا همَّ إنَّ الحارث بن جبله
…
زنا على أبيه ثمَّ قتله
وكان في جاراته لاعهد له
…
وأيُّ أمرٍ سيِّيءٍ لا فعله
على أنَّ ترك تكرار "لا" هنا شاذّ، وهي مع الماضي بمعنى "لم" قال ابن الشجري في المجلس السّابع والستين من "أماليه": والثامن، أى من أقسام "لا" أنهم استعملوها بمعنى "لم" فألزموها الماضي، كقوله تعالى:{فلا صدَّق ولا صلَّى} [القيامة/ 31] أي: لم يصدِّق ولم يصلِّ، ومثله:{فلا اقتحم العقبة} [البلد/ 11] ومن ذلك:
فأيّ أمرٍ سيِّئ لا فعله
وكذا قال في آخر المجلس الخامس والخمسين، قال: ومثل وضعه "لا" في موضع "لم" قول الآخر:
فأيّ أمرٍ سيِّئ لا فعله
أي لم يفعله. ومثله في التنزيل: {فلا اقتحم العقبة} أي: فلم يقتحم.
وأجود ما يجيء ذلك مكرَّرًا؛ كقوله تعالى: {فلا صدَّق ولا صلَّى} أي: فلم يصدِّق ولم يصلّ، ومثله قول الرّاجز:
وأيّ عبدٍ لك لا ألمًّا
أي: لم يلم بالذّنوب. انتهى.
وقال المصنّف "زنا" بتخفيف النّون، كذا رواه يعقوب، إلى قوله: وأناب "على" عن الباء، وأقول: هذا خلاف ما قاله يعقوب بن السِّكيت، قال في "باب ما يهمز فيكون له معنى، وإذا لم يهمز كان له معنى آخر": يقال: قد زنَّأ عليه، مثقلة مهموز: إذا ضيّق عليه، والزَّناء: الضيّق. وأنشد ابن الأعرابى:
لا همُّ إنَّ الحارث بن جبله
…
زنَّا على أبيه ثمَّ قتله
وركب الشّادخة المحجَّله
…
وكان في جاراته لا عهد له
فأيُّ أمرٍ سيِّيءٍ لا فعله
وقوله: ركب الشّادخة المحجَّلة، أى: ركب فعلةً قبيحةً مشهورة، ويقال: شدخت الغرَّة: إذا اتّسعت في الوجه، وكان أصله: زنَّا على أبيه، بالهمز، فتركه للضّرورة، وقد زنّاه من التّزنية، ويقال: قد زنأ في الجبل، يزنأ زنأ، مثل زنعًا، إذا صعد في الجبل، وقد زنا يزني، من الزّناء. إلى هنا كلام ابن السّكِّيت، وكذا في "تهذيب إصلاح المنطق" للخطيب التبريزي.
وقوله: والزّناء: الضيق، هو بالفتح والمدّ، مثل سماء، وقوله: وقد زنّاه، من التزنية، هذا من المعتل بمعنى: نسبه إلى الزّنا.
ولما ذكر المهموز المثقل ذكر المعتل المثقّل، وكذا ذكر المعتلّ المخفّف بعد المهموز المخفَّف، ومعنى كلّ منهما يغاير معنى الآخر. وكان المصنّف نقل ضبط هذه الكلمة، وتفسيرها من "أمالي ابن الشَّجري" قوله: زنا على أبيه، يروي بتخفيف النّون، وتشديدها؛ فمن رواه مخفَّفًا فمعناه: زنا بامرأة أبيه، ومن رواه مشدَّدًا فأصله زنَّأ، مهموز، ومعناه: ضيق عليه، وهذا القول أوجه، وهي رواية ابن السّكيّت. انتهى.
وأقول: لم أقف على راوية "زنا على أبيه" بتخفيف المعتلّ، وتفسيره بزنا بامرأة أبيه مع أنَّ المرأة لا ذكر لها، وكلّ من روى هذا الرَّجز رواه مشدَّدًا مهموز الأصل، مفسّرًا بالتّضييق، منهم الجوهري في "صحاحه" والأزهري في "تهذيبه" والصَّغاني في "عبابه" وخدمة "إصلاح المنطق" منهم يوسف بن السّيرافي، شارح أبياته، والخطيب التبريزي في "مهذّبه" وابن السيّد البطليوسيّ في شرحه، ومن المتقدّمين قبل ابن السّكيت، ابن الأعرابي في "نوادره" وتبعه أبو محمّد الأسود الأعرابي في "ضالة الأديب" ومنهم ابن حبيب في كتاب "المغتالين من الأشراف في الجاهلية والإسلام" ومنهم الحلواني في كتاب "أسماء الشّعراء المنسوبين إلى أمّهاتهم".
وأمّا القالي، فقد قال في "المقصود والممدود": وقال بعض اللّغويّين: زنّا فلان على فلان مثقلًا، بغير همز: إذا ضيّق عليه، وأنشد:
لا همَّ إنَّ الحارث بن جبله
إلى آخر الرّجز، فلم أر مخالفة في هذه الكلمة غير هذ، فإنّه حكم بالإعلال الظّاهر، ولم يخالف في معناها، وحكاه في "القاموس" قال: وزنّي عليه تزنية: ضيّق.
قال ابن الأعرابي في "نوادره": الرَّجز لابن العيّف، وقيل: لعبد المسيح بن عسلة، وقال الخطيب التّبريزي: هذه الأبيات للحارث بن العيّف، أخي بني سلمة يهجو بها الحارث بن جبلة الغسّاني، وحمله على هجوه المنذر بن ماء السّماء.
والشّادخة: الفعلة القبيحة التي تشدخ فاعلها، والشّادخة أيضًا: بمنزلة الشادخ من الغرر، يريد: أنه ركب أمرًا واضحًا في القبيح، والمحجّلة: المشهورة التي لا خفاء بها، وقوله:
وكانّ في جاراته لا عهد له
يريد: أنه لا يحفظهنَّ، ولا يّأمنَّ على نفوسهنَّ منه. انتهى كلامه. وزاد بيتًا قبل البيت الأخير، وهو:
ليس يأوي مستضيفٌ طلله
ولم يشرح كلمة الطّلل، وهو- بفتح الطّاء المهملة واللَاّم- من الدّار كالمصطبة يجلس عليها.
وقال الصّاغاني: هذا الرّجز لشهاب بن العيّف، ويروى للحارث بن العيّف، والأوَّل هو الصحيح؛ فإنّي وجدته فى شعر شهاب بخطّ أبي القاسم الآمدي في "أشعار بي شيبان" انتهي. وكذا قال أبو محمد الأسود في "ضالة الأديب": إنها لشهاب بن العيّف، وكذا جزم ابن حبيب في "المغتالين" وقال الحلواني: هو لعمارة ابن العيّف العبدي، من سليمة عبد القيس، وهما فى بني شيبان في بني أسعد.
ومنشأ هذا الرَّجز: هو ما حكاه ابن حبيب، قال: كان المنذر ذو القرنين بن ماء السماء دعا ذات يوم النّاس؛ فقال: من يهجو الحارث بن جبلة الغسّاني؟ فدعا حرملة بن عسلة الشّيباني فيمن دعا. وأمّ حرملة من غسّان، فقال: اهجه ولك مائة من الإبل، فقال لا ينطق لساني بشتمة، وأنشأ يقول:
ألم تر أني بلغت المشيبا
…
وفي دار قومي عفاءً كسوبا
وأنَّ الإله تنصَّفته
…
بأن لا أعقَّ وأن لا أحوبا
وأن لا أكافر ذا نعمةٍ
…
وأن لا أخيِّبه مستثيبا
وغسان قومٌ هم والدي
…
فهل ينسينَّهم أن أغيبا
فأوزع بها بعض من يعتريك
…
فإنَّ لها من معدٍّ كليبا
فإنَّ لخالك مندوحةً
…
وإنَّ عليها بعينٍ رقيبا
قال ابن الإعرابي في "نوادره" بعد إنشاد هذه الأبيات: التنصّف: الخدمة والانقياد والطّاعة، وقوله: لخالك، أي: تدع خالك وتهجو خالي. انتهى.
فانبرى شهاب بن العّيف العبدي، أحد بني سليمة؛ فقال:
اللهمَّ إنَّ الحارث بن جبله
إلى لآخره، ثمَّ إنَّ الحارث بن جبلة أخذهما بعد ذلك؛ فقال لحرملة: يا حرملة اختر ما شئت من ملكي، فسأله قينتين له فأعطاهما إياه؛ فانطلق بهما. وقال لابن العّيف: اختر مني ثلاث خلال، أمّا أن أطرحك على أسدين ضاريين في بئر، وإمّا أن أرميك من طمار سور دمشق، وإمّا أن يقوم الدلامص، وهو سيّاف له، فيضربك بعصاه هذه ضربهً؛ فاختار ضربة الدّلامص، فضربه على رأسه فانكسرت فخذه- كذا زعموا- فاحتمله راهب، وداواه حتى برأ، وهو يخمع منها، فكان هذا والحارث يومئذ بقنسرين. انتهي.
وحكى أبو محمّد الأسود في "ضالة الأديب" ويخمع بالخاء المعجمة، أي: يعرج، وابن العيّف: بفتح العين المهملة وتشديد المثناة التّحتيَّة المكسورة، والمنذر بن ماء السّماء هو المنذر الأكبر أخو من ملوك عرب الحيرة