الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا المصراع لم أظفر بتتمته ولا بقائله، وقد وقفت على شرحيّن "للإيضاح" أحدهما للمولى حيّدر، والثاني لجمال الدين الأقسرائي، ولم يذكرا فيه شيئًا وقال شارح "شواهد الإيضاح" و "المفتاح": الرشد والرشد بمعنى، ولفظه خبر ومعناه نهي، والمعنى: نهي عن تصويب كلّ رأي والعمل به. هذا كلّامه برمته.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثلاثون بعد الثلاثمَّائة:
(330)
ما كلّ ما يتمنَّى المرء يدركه
…
تجري الرَّياح بما لا تشتهي السُّفن
على إنَّ النفي هنا لسلب العموم، والمعنى: إنَّ المرء لا يحصل له كلّ متمنياته وجميع أمانيه، بل إنما يحصل بعصها دون بعض، بريد: إنَّ أعدائي لا يدركون ما يتمنون بي، فالرياح لا تجري كلّها على ما تريد السفن، يعني أهلها.
والبيت من قصيدة لأبي الطيب المتني، قالها في مصر في ربيع الأخر من سنةسبع وثلاثمَّائة، لما بلغه أنَّ قومًا أخبروا بموته في مجلس سيف الدولة الحملدإنَّي، و "ما" هنا يجوز إنَّ تكون حجازية، كلّ: اسمها، وجملة "يدركه" خبرها، ويجوز إنَّ تكون تميمية، كلّ: مبتدأ، ويدركه خبره. وجوز ابن جنّي والواحدي نصب كلّ بفعل يفسره يدركه، فتكون مما نحن فيه أيضًا لسلب العموم، كما قال الدماميني؛ لأنَّ كلًّا لم تخرج عن حيّز النفي. وقال ابن السبكي في "عروس إلَاّفراح": نصب كلّ على شريطة التفسير يكون من القسم إلَاّخر، وسنتكلّم عليه، يعني يكون النفي من قبيل عموم السلب، وقاسه على قوله: كلّه لم أصنع، في تقدير نصب كلّ
ونقل كلّام والده إلَاّتي في اتحاد معنى رفع كلّ ونصبها في قوله: كلّه لم أصنع، وليس قياسه عليه بصحيّح، فإنَّ والده حقق إنَّ كلًّا إذا تقدَّمت على النفي، سواء كانت مرفوعة بإلَاّبتداء، أو منصوبة بالفعل المنفي، يكون معنى الكلّام عموم السلب، وبيت المتنبى ليس مثله، فإنَّ كلًّا فيه متأخرة عن النفي، رفعت أو نصبت. وأعلم انه قال: واختلف في سبب سلبه العموم في تقدَّم النفي على كلّ، فقيل: سببه إنَّ النفي متوجه إلى الشمول دون أصل الفعل، وفيما تقدَّم على النفي متوجه إلى أصل الفعل، وهذا غير واضح، وقيل: سببه إنَّ قولنا: لم يقم إنسان، نفي القيام عن جملة الأفراد، أعني كلّ واحد منها؛ لأنَّ النكرة في سياق النفي لعموم، فإذا قلت: لم يقم كلّ إنسان، وأردت هذا المعنى أيضًا، كان دخول "كلّ" تأكيدًا، والتأسيس أولى من التأكيد. وقد يجاب بأن المحكوم بعدم قيامه في "لم يقم إنسان" ومطلق ألإنسان، ويلزم منه انتفاء قيام كلّ فرد، وهو معنى قولنا: النكرة في النفي للعموم، والمحكوم بعدم قيامه في لم يقم كلّ إنسان، إذا كأن كلّ فرد غير المطلق، فتغايرا، ولم يفد أحدهما بالوضع معنى الأخر، وإنَّ استلزمه فلا يكون تأكيدًا، وأيضًا فإنه منتقض بقولنا: ما إنسان إلَاّ قائم، فانه عأم في كلّ إنسان، ثمَّ نقول: ما كلّ إنسان إلَاّ قائم، فيبقى هذا العموم بحاله كما استقرؤوه في فصل إنَّتقاض النفي بإلَاّ، ولكني أوفقهم في الصور المتقدَّمة. وإذا لم يتقض النفي إلَاّ وما في معناها كان الأمر كا قالوه من جهة عدم العموم، وانه إنَّما يفيد سلب العموم لا عموم السلب، لكن بغير الطريقين اللذين حكيناهما، بل بطريق آخر يتوقف على تقديم مقدمة، وهي إنَّ قولنا: زيد قائم، حكم على زيد بالقيام، ويسمى موجبة محصلة، وقولنا: زيد غير قائم، أو هو ليس بقائم، حكم عليه بعدم القيام، وتسمى موجبة معدولة، ويشترط في هذين القسمين
وجود موضوعها، وقولنا: زيد ليس بقائم، سالبة محصلة، وليس معناها الحكم على زيد بعدم القيام، وإلَاّ لساوت الموجبة المعدولة، ولكن معناها سلب ما حكمت به في الموجبة المحصّلة، وكذلك يصدق مع وجود الموضوع وعدمه، والسالبة المحصّلة نقيض الموجبة المحصّلة، وأعم من الموجبة المعدولة، ومدلول الساّلبة المحصّلة نقيض مدلول الموجبة المحصّلة. إذا عرف هذا رجعنا إلى غرضنا فقلنا: لم يقم كلّ إنسان، سالبة محصلة، معناها فقيض لمعنى الموجبة المحصّلة وهي: قام كلّ إنسان، وقولنا: قام كلّ إنسان معناه الحكم على كلّ فرد بالقيام، فيكون المحكوم به السالبة المحصّلة نقيض قيام كلّ فرد، ونقيض الكلّي جزئيّ، فيكون مدلوله سلب القيام عن بعضهم، لانه النقيض، ولهذا يقول المنطقيون: ليس كلّ إنسان بقائم: سالبة جزئية، فوافقوا العرب في هذا، والمأخذ مختلف لما سنثير إليه قريبًا. وقولنا: كلّ إنسان لم يقم، موجبة معدولة، معناها الحكم بعدم القيام على كلّ إنسان، وقد تقرر إنَّ مدلول، " كلّ إنسان" كلّ فرد، فيكون معناها الحكم بعدم القيام على كلّ فرد، ولا يعارضه قول المنطقيين: كلّ إنسان ليس قائم، سالبة جزئية؛ لأنَّ المنطقيين إنَّما قالوا ذلك لاعتقادهم من كلّ المجموع، ونحن قد بيَّنَّا أنَّ مدلولها عند العرب إلَاّفراد، فالحكم بالنفي على كلّ إلَاّفراد، فهذا هو السرّ في الفرق بين كلّ ذلك لم يكن، ولم يكن كلّ ذلك، واستقام معه كلّام اللغويين والنحويين وكلّام المنطقيين، وظهر إنَّ العرب أدركت بعقولها السليمة، وطباعها الصحيّحة ما تعب اليونان دهرهم، بل زادوا عليهم في تحرّير دلالة كلّ، والحمد لله الَّذي وفقنا لفهم ذلك. ولا يتوهم أنَّ كلًّا إذا تأخرت عن النفي كأن معناها المجموع، وانه تغير معناها، بل معناها على حاله من الدلالة على كلّ فرد دون المجموع، ولكن الكلّية وإن دلت على فرد إنما تناقضها الجزئية. إلى هنا كلّام السبكي، وهو تحقيق نفيس الى الغاية.