الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووقع في "شرح التسهيل" لابن مالك نسبة البيت الشاهد لكثير عزّة، وتبعه العيني، وليس كذلك.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد السادس عشر بعد الثلاثمائة:
(316)
نلبث حولًا كاملًا كلَّه
…
لا نلتقي إلا على منهج
على أن النكرة قد أكّدت بكلّ. وأراد: النكرة المؤقتة المحدودة كالحول والشهر والدهر، ونحو ذلك. وهو مذهب ابن مالك تبعًا للأخفش والكوفيين، قال السهيلي: قال أصحابنا: الصَّحيح ما ذهب إليه البصريون من امتناع تأكيد النكرة مؤقتةً كانت أو غيره، وما جاء في الشعر مما ظاهره ذلك يؤول إن أمكن، وإلَّا فهو ضرورة، فامتناع تأكيد النكرة غير المؤقتة لعدم الفائدة، وامتناع المؤقتة من جهة أن التأكيد يشبه النعت من حيث كونه تابعًا بلا واسطة حرف، ومن غير أن ينوي معه تكرار العامل. وألفاظ التأكيد معارف، ويدل على امتناع ذلك عدم مجيئه في فصيح الكلام، وما استدلوا مما ظاهره التأكيد بـ "كلّ" يخرج على البدل، وبـ "أجمع وجمعاء" على لانعت، لأنهما قد جاءا بمعنى جميع ومجتمعة، كذا في "شرح التسهيل" لأبي حاين.
والبيت من أبيات للعرجي، أوردها أبو القاسم عبد الرحمن الزَّجّاجيّ في كتاب "الأخبار" قال: أخبرنا عبد الله بن مالك، قال: أخبرني محمد بن أبي عبيد البصري عن أسد بن سعيد بن عفر عن أبيه قال: حدثني ابن مفتي، رجل من ولد سعيد بن العاص، قال: حدثني إسحاق بن سعد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: كان العرجيّ، وهو عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان، يشبب بامرأة محمد بن هشام، قال ابن مفتي: وأمّا يزيد بن عبد الله المُذليذ فحدَّثني أنَّ العرجيّ يشبب بامرأته الحارثية، وهو القائل:
عوجي علينا ربَّة الهودج
…
إنَّك إن لا تفعلي تحرجي
أيسر ما قال محبٌّ لدى
…
بين حبيبٍ قوله عرَّجي
يفض إليه حاجةً أو يقل
…
هل لي مما بي من مخرج
من حيِّكم بنتم ولم ينصرم
…
وجد فؤادي الهائم المنضج
فما استطاعت غير أن أومأت
…
بطرف عيني شادن أدعج
تذود بالبرد لها عبرةً
…
جاءت بها العين ولم تنشج
مخافة الواشين أن يفطنوا
…
بشأنها والكاشح والمزعج
أقول لمّا فاتني منهم
…
ما كنت من وصلهم أرتجي
إني أُتيحت لي يمانيَّةٌ
…
إحدى بنى الحارث من مذحج
نمكث حولًا كاملًا كلَّه
…
لا نلتقي إلَّا على منهج
الحجُّ إن حجَّت وماذا منيِّ
…
وأهله إن هي لم تحجج
هذا ما أورده. وأنشد المبرد في "الكامل" البيت الأوَّل مع الأبيات الثلاثة الأخيرة.
قوله: عوجي علينا .. الخ، هو أمر من عاج يعوج: إذا عطف رأس البعير بالزمام، وربة: صاحبة، منادى، وتحرجي، أي: تقعي في الحرج، وهو الإثم، وأيسر: مبتدأ خبره: "قوله". والبين: الانفصال والفراق، وعرّجي: أمر من عرّج تعريجًا، إذا ميَّل دابته ووقف. ويُفض: مجزوم في جواب الأمر، التقدير: إن تعرجي يفض، وهو من الإفضاء إلى الشيء، وهو الوصول إليه. وقوله: من حيكم بنّم، أي: من قبيلتكم بعدتم، وتذود: تدفع، والعبرة، بالفتح: الدمعة، وتنشج، بكسر الشين: مضارع نشج الباكي –بفتحها- نشيجًا ونشجًا: إذا غصّ البكاء في حلقة عند الفزعة. قاله الأزهري عن الليث. وأتيحت: قدرت، من
أتاحه الله له، أي: هيأه وقدره، وبنو الحارث بن كعب من مذحج بفتح الميم وسكون الذّال المعجمة وكسر الحاء –من قبائل اليمن، والمنهج: الطريق، يقول: بعد هذا المكث الطويل لا نلتقي في خلوة وإنما نتلاقى في الطريق. وقوله: الحجّ إن حجّت، يقول: الحج الكامل إن حجت، وماذا: أي شيء؟ وأهله بالرفع، يقول: إن لم تحج هذه المرأة فليس الحج حجًّا معتدًا به.
وقيل له العرجي لأنّه كان يسكهن عرج الطائف، وقيل: لمال كان له بالعرج، بفتح العين المهملة وسكون الراء، قال صاحب "الأغاني": وكان من شعراء قريش، وممن اشتهر بالغزل ونحا نحو عمر ابن أبي ربيعة في ذلك، وتشبه به وأجاد، وكان مشغولًا باللهو والصيد حريصًا عليهما، ولم يكن له نباهة في أهله. وكان من الفرسان المعدودين مع مسلمة بن عبد الملك بأرض الروم، ومات في حبس محمّد بن هشام ابن إسماعيل المخزومي، وهو خال هشام بن عبد الملك، وكان واليًا بمكة بعد ضرب كثير، وتشهير في الأسواق؛ لأنه شبَّب بأمّه ليفضحه، لا لمحبة كانت بينه وبينها. وقال في حبسه قصيدته التي منها:
كأني لم أكن فيهم وسيطًا
…
ولم تك نسبتي في آل عمرو
أضاعوني وأيَّ فتّى أضاعوا
…
ليوم كريهةٍ وسداد ثغر
قال السيوطي: وأخرج البيهقي وابن عساكر عن إبراهيم بن عامر قال: واعد العرجيُّ امرأةً بغيًّا بالطائف، فجاء على حمار ومعه غلام له، فجاءت المرأةُ على أتانٍ معها جارية، فوثب العرجي على المرأة، والغلام على الجارية، والحمار على الأتان، فقال العرجي: هذا يوم غابت عواذله! انتهى.