الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زائل، وغرد: وصف من غرد يغرد، من باب فرح، ويقال أيضًا: غرّد تغريدًا، أي: طرّب وغنّى، وقوله: غردًا يسنُّ .. إلخ، أي: يحدد، ومنه: سنّ السكين: إذا حدّدها، وسنّ الثوب: إذا صقله، وأراد بالزناد: الزند، وهو العود إلَاّعلى، والزندة: العود إلَاّسفل، وإلَاّجذم، بالجيم والذال المعجمة: وصف المكب، وهو المقطوع الكف، والمكب: اسم فاعل من أكب على الشيء إذا أقبل عليه. شبه الذباب الَّذي يحك إحدى ذراعيه بالأخرى برجل مقطوع الكفين، يوري زنادًا، فهو يمره بين ذراعيه، إذ لم تكن له كفإنَّ يمره بينهما، قالوا: هذا من عجيب التشبيه، ولم يقل أحد مثله في معناه.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد السادس والعشرون بعد الثلاثمَّائة:
(326)
منْ كلّ كوماء كثيرات الوبر
على انه جمع الضمير في كثيرات مع إرادة الحكم على كلّ واحد. وتقدَّم عن السبكي إنَّ هذا بطريق المجاز لا الوضع الأصليّ، وقال إنَّ وحيّي: هذا مصراع من الرّجز التام، أو بيت تامّ من مشطوره. والمصنف كانه قال على ما قبله وما بعده، وعلم إنَّ المراد نسبة الحكم إلى كلّ واحد، مثل: كلّ رجل يشبعه رغيف، وفي لفظ "من" دلالة عليه، ولكن ضعيفة لا يعولّ عليها. انتهى. والكوماء، بفتح الكاف والمدّ: الناقة العظيمة السنام، والوبر- بفتحدين-للبعير كالصوف للغم.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد السابع والعشرون بعد الثلاثمَّائة:
(327)
وما كلّ ذي لبًّ بمؤتيك نصحه
…
وما كلّ مؤت نصحه بلبيب
على إنَّ أبن عصفور أجاز فيه إنَّ يكون من قبيل: "من كلّ كوماء كثيرات الوبر" ويكون مؤتيك أصله: مؤتين إيّاك، فلما أضيف إلى الضمير حذفت نونه. والحمل
على هذا ممنوع، فانه لم يأت ذلك عن العرب إلَاّ في بيت "كوماء" وهو نادر، ولا يخرّج على النادر من غير ضرورة تلجيء إليه، مع انه غير متبادر إلى الذّهن. وقال الدمامبي: الحمل على هذا عند وجود مندوحة خلاف الأولى، لا سيما وقد تأيد الأفراد بقوله: نصحه، وبقوله: وما كلّ مؤت، فأفرد أيضًا، فحمل الأول على الأمر الكثير معتضد بالكثرة، وبمناسبة الصدر للعجز، فكيف يعدل عن ذلك مع عدم الملجيء إليه. انتهى.
والبيت وهو من شواهد سيبويه، أورده في آخر "الكتاب" في باب الأدغام في الحرّفين، وهو من أبيات لأبي الأسود الدؤلي. أخرج صاحب "الأغاني" عن ابن عيّاش قال: خطب أبو الأسود امرأة من عبد القيس يقال لها أسماء بنت زياد [ابن غنيم، فأسر أمرها إلى صديق له من الأزد يقال له: الهيثمَّ بن زياد]، فحدّث به ابن عمّ لها كان يخطبها، وكان لها مال عند أهلها، فمشى ابن عمها الخاطب لها إلى أهله الَّذين ما لهما في أيديهم، فأخبرهم خبر أبي الأسود، وسألهم إنَّ يمنعوها من نكاحه ومن مالها الَّذي في أيديهم، ففعلوا ذلك، وضارّوها حى تزوجت ابن عمها، فقال أبو الأسود في ذلك:
أمِنتُ أمرأ في السرّ لم يك حازمًا
…
ولكنه في النصح غيرُ مُرِيب
أذاع به في النّاس حتى كانه
…
بعلياءَ نارٌ أُوقدتْ بثَقُوب
وكنتَ متى لم تَرْعَ سرَّك تلتبسْ
…
قوارعُه من مخطيء ومُصيب
فما كلّ ذي نصح بمؤتيك نُصحَه
…
وما كلّ مؤتٍ نصحَه بلبيب
ولكن إذا ما استجمعا عند واحدٍ
…
فحُقَّ له من طاعةٍ بنصِيبِ
وقوله: أذاع به .. البيت، استشهد به صاحب "الكشاف" عند قوله تعالى:{أذاعوا به} [النساء/83]، على إنَّ الإذاعة تتعدى بالباء، كما تتعدَّى بنفسه،
ونار: خبر كانه، وبعلياء: متعلّق بأوقدت، بالبناء للمفعول، وكذلك بثقوب متعلق به، إلَاّ إنَّ الباء الأولى بمعنى في، والثانية للملابسة، وعلياء، بالفتح والمد: اسم موضع من العلوّ، والثقوب، كالوقود وزنًا ومعنى، وهو اسم ما تثقب به النّار، أي: توقد، والقوارع: الدواهي، جمع قارعة، واللبّ، بالضم: العقل، ومؤتيك: معطيك من آتاه، بالمد، أي: أعطاه، ونصحه: مفعوله الثاني، وحذف المفعول الأول من الثاني.
وأبو الأسود الدؤلي: اسمه ظالم بن عمرو بن سفيإنَّ، الدؤلي، بضمّ الدال وفتح الهمزة، وهو تابعي أسلم في حيّا ة النبيّ، صلى الله عليه وسلم، وولي قضا، البصرة، وكان ممّن قاتل مع علي يوم الجمل، وكان من وجوه شيعته، ومن أكملهم رأيًا وعقلًا، وتوفي في الطاعون الجارف سنة تسع وستين وله خمس وثمَّإنَّون سنة. قال الجاحظ: أبو الأسود معدود في طبقات من الناس، فيها كلّها مقدم ومأثور عنه الفضل في جميعها، كان معدودًا في التابعين والفقهاء، والمحدثين والشعراء والأشراف، والفرسان والأمراء، والدهاة والنحويين، والحاضرين الجواب، والشيعة والبخلاء. وهو واضع علم النحو بتعليم أمير المؤمنين علي، رضي الله عنه، قال صاحب كتاب "التفسح في متثور اللغة ومنظومها": ولما نظر علي بن أبي طالب رضي الله عنه، إنَّ الطبائع قد اختلَّت بملابسة العجم، وإلى إلَاّلسن قد بدأت في طرقات السقم، ألقى إلى أبي الأسود حرّوفًا من العربية، يطارح بهنّ الحسن والحسين، فكانت كأعظم النعم والمنن، فتفسح فيها واتّسع، ونفع بها وإنَّتفع، وبإنَّ بها زيغ أهل البدع. ثمَّ أخذه أبي الأسود يحيّى بن يعمر، وبعده ابن أبي إسحاق، فأنتفع بعلمها أهل العراق، لمدافعتهم من لبَّس تأويل القراءن بالنفاق، وبثَّ أغاليطه في الأفاق. وكان يحيّى بن يعمر عدوانيًا، وابن أبي إسحاق حضرميًا، وكانا بموضع من الأعراب والفصاحة والبيان، فهما نشرا معالم العربية، فبرع فيها أبو عمرو بن العلاء، والجليل