الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث: أنّ ليسي بمعنى غيري، ولا نون مع غير. انتهى.
ووقال ابن المستوفي في "شرح أبيات المفصل": كذا أنشد العلماء هذا البيت، يروى:
عهدي بقومي كعديد الطَّيس
وهو الصحيح، وكذا أنشده الخليل في كتاب "العين" في مادة (طيس) لرؤبة، وقال: الطيس: العدد الكثير، وقيل الطيس: كلّ ما على وجه الأرض من خلق، وقال بعضهم: بل هو كل خلق كثير النسل كالقمل والذّباب.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثالث والثمانون بعد المائتين:
(283)
أخالد قدو الله أوطأت عشوة
…
وما قائل المعروف فينا يعنَّف
على أنه قد فصل بين "قد" والفعل بجملة القسم. والبيت هكذا في جميع نسخ هذا الكتاب، وهو مركب من شعري شاعرين، فالمصراع الثاني من قصيدة للفرزدق، وصدره:
وما حلَّ من جهل حبا حلمائنا
وبعده:
وما قام منا قائم في ندبنا
…
فينطق إلَاّ بالَّتي هي أعرف
وهذا من شواهد سيبويه والمصراع الأول فيه تحريف، وصوابه: أوطئت
عشوة. وهو صدر أبيات خوطب بها خالد بن عبد الله القسري، روى صاحب كتاب "مكارم الأخلاق" أنَّ خالدًا المذكور عرض سجنه يومًا، فرأى يزيد بن بلان البجلي، فقال له خالد: في أي شيء حبست؟ قال: في تهمة، وكان أخذ في دار قوم، فادعي عليه السرق، فأمر خالد بقطع يده، وكان ليزيد أخ، فكتب هذه الأبيات، ووجهها إلى خالد:
أخالد قد والله أوطئت عشوة
…
وما العاشق المسكين فينا بسارق
أقرَّ بما لم يأته المرئ إنَّه
…
رأي القطع خير أمن فضيحة عاشق
ولولا الَّذي قد خفت من قطع كفِّه
…
لألفيت في أمر الهوى غير ناطق
إذا بدت الرّايات في السَّبق للعلى
…
فأنت ابن عبد الله أوَّل سابق
فلمّا قرأ خالد الأبيات، علم صدق قوله، وأحضر أولياء الجارية فقال: زوِّجوا يزيد فتاتكم، فزوَّجوه، ونقد خالد المهر من عنده، وقد أنشده المرادي في "شرح التسهيل" وفي "الجنى الداني" هكذا، وكذا أنشده ابن عقيل، وأنشد ناظر الجيش البيتين الأولين، وأردفهما بقول الآخر:
لقد أرسلوني في الكواعب راغبًا
…
فقد وأبي راعي الكواعب أفرس
قال: أراد: فقد أفرس راعي الكواعب وحق أبي، ويجوز أن يكون أضاف الأب إلى راعي، وهو يعن نفسه. انتهى. وكذا في شرح شيخهم أبي حيان، وقوله:"أوطئت عشوة"، بالبناء للمجهول وبفتح تاء الخطاب، وفي غالب النسخ أوطأت، وهو خطأ من النساخ، قال الإمام المرزوقي في باب المكسور أوّله من "شرح فصيح ثعلب": قوله: أوطأتني عشوة، أي: خبّرتني بباطل، ويقال: تعيني في معناه أيضًا، وأصله من عشا يعشو: إذا سار في ظلمة، تسمى عِشوة
وعُشوة وعَشوة، بالحركات الثلاث، والعشواه بمنزلة الظلماء، ويقال: هو في عشواء من أمره. انتهى. وقال الأزهري: وذكر ابن السّكيت عن أبي عبيدة وابن الأهرابي أنهما قالا: يقال: أوطأته عَشوًة وعِشوًة وعُشوًة، والمعنى فيه أنه أنّه حمله على أن يركب أمرًا غير مستنين الرشد، فربما كان فيه عطبه، وأصله من عشواء اللَّيل وعشوته، مثل ظلماء اللَّيل وظلمته، وأما العشاء فهو أول ظلام اللَّيل. انتهى. وقال الاسترابادي في "شرح الفصيح": قوله: أوطأتني عشوة، والعامة تقول: عشوة بالفتح، قال ابن الأعرابي وأبو عبيدة: هي لغة، وكذلك العشوة، بالضم، ومعناها: الظلمة، أي: خدعتني وغررتني وأدخلتني ظلمة لا أهتدي إليها، والعامة تخطئ من وجه آخر، تقول: أوطيتني، وهذا غلط، وربما قالوا: أعطيتني عشوة، وهذا لا يجوز، والعشوة: الظلمة، ومنه العشا في العين، والعشا: وقت الإظلام. انتهى. وقال أبو سهل الهروي أيضًا في "شرح فصيح ثعلب" أي: جعلتني أطأ ما لا أراه، أي: أوقعتني في أمر ملتبس، وغررتني حتى اغتررت. انتهى. فعشوة: ظرف، وناصه أوطأت. وقوله: فأنت ابن عبد الله، أول سابق، أنت: مبتدأ، وأول خبره، وابن عبد الله منادى، وحرف النداء محذوف. وقوله: ولولا الذي قد خفت بضم التاء، وقوله: لألفيت، بالبناء المعلوم، وفتح التاء، أي: لوجدتني.
وكان خالد القسري واليًا على العراق من قبل هشام بن عبد الملك، وعزله في سنة عشرين ومائة من الهجرة، وقتله أشر قتلة في المحرم سنة ست وعشرين، وكانت أم خالد نصرانية رومية، استلبها أبوه فأولدها خالدًا ولم تسلم، وبى ما خالد بيعة، فذّمه الناس على ذلك.
وقال الفرزدق:
ألا قطع الرَّحمن ظهر مطية
…
أتتنا تهادى من دمشق بخالد