الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد السادس والثلاثون بعد الثلاثمَّائة:
(336)
إنَّ المنية والحتوف كلّاهما
…
يوفي المنيَّة يرقبان سوادي
على أنَّ أبا حيّان قال: إنَّ هذا البيت كالبيت السّابق، قد روعي فيه لفظ كلّا ومعناها، وناقشه المصنف بما ذكره.
والبيت من قصيدة عدَّتها أربعة وثلاثون بيتًا للأسود بن يعفر النهلشي، أوردها المفضل الضبي في ((المفضليات)) ويأتي إنَّ شاء الله بيتان من أولها في بحث ((ما))، وبعدهما:
ومن الحوادث لا أبا لك أنَّني
…
ضربت علىَّ الأرض بالأسداد
لا أهتدي فيها لموضع تلعة
…
بين العراق وبين أرض مراد
ولقد علمت سوى الَّذي نبّأتني
…
إنَّ السَّبيل سبيل ذي الأعواد
إنَّ المنيَّة والحتوف كلّاهما
…
يوفي المخارم يرقبان سوادي
لن يرضيا مني وفاء رهينة
…
من دون نفسي طارفي وتلادي
وبعد هذا ذكر من أرباب العز والملك من أزعجه الموت وقلقله، وفرسه، ووضع عليه كلّكلّه فقال:
جرت الرياح على مكان ديارهم
…
فكّانما كانوا على ميعاد
ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة
…
في ظلَّ ملك ثابت إلَاّوتاد
فإذا النعيم وكلّ ما يلهي به
…
يومًا يصير إلى بلى وّنفّاد
ثمَّ ذكر بعد هذا إلى آخر القصيدة ما كان عليه في أيام شبابه من القوة والتمتع بالملاهي، وقوله: ومن الحوادث لا أبا لك، بكسر الكاف: خطاف لامرأة. وأنني، بالفتح، في تأويل مصدر مبتدأ. خبره المجرور قبله، والأسداد: جمع سدّ،
بالضمّ، لغة في سدّ، بالفتح، وهو الحاجز بين الشيئين، كأقفال جمع قفل، يقول: سدت على الأرض لضعف الكبر والعمى، فصرت لا أقدر على ذهاب، فكأنَّ المسالك عليَّ، وكان قد عمي في آخره عمره. وقوله: لا أهتدي فيها .. الخ، التلعة: مسيل عظيم للماء، يقول: إذا خفيت عليَّ التلعة فأجدر إنَّ يخفى عليَّ ما دونها، ومراد: قبيلة باليمين، يريد: بين العراق واليمن. وقوله: ولقد علمت سوى الَّذي نبأتني، بكسر التاء. وذو الأعواد: جد أكثمَّ بن صيفي من بني أسيد- بالتصغير وتشديد المثناة التحتية- ابن عمرو بن تميم، وكان من أعزّ أهل زمانه، فاتخذت له قبل على سرير فلم يأتها خائف إلَاّ أمن، ولا ذليل إلَاّ عز، ولا جائع إلَاّ شبع، يقول: لو أغفل الموت أحدًا لأغفل ذا الأعواد، وإنا ميت إذا مات مثله، ويقال: أراد بذي الأعواد الميت لانه يحمل على سرير، أي: إنَّي ميت كما مات غيري، وذلك أنها قالت له: تبقى وتعيش، فقال: هذا إنَّ بقيت، فسبيلي سبيل غيري، هذا كلّه كلّام ابن إلأنَّباري في شرحه.
وقال الصاغاني في ((العباب)): ذو الأعواد: غوي بن سلامة الأسيدي، وكان له خرج على مضر يؤدونه إليه في كلّ عام، فشاخ حتى كان يحمل على سرير يطاف له في مياة العرب فيجبيها، قال الأسود بن يعفر:
ولقد علمت فلا تظنّي غيره .. إنَّ السبيلّ سبيل ذي الأعواد
وروى المفضل: ((ولقد علمت سوى الَّذي نبأتني)) وقال ابن الكلّبي: اسمه ربيعة بن مخاشن الأسيَّدي، وقال ابن الكلّبي أيضًا: هو سلامة بن غوي بن حرّوة إلَاّسيدي، وقيل هو من أجداد أكثمَّ بن صيفي من المعمرين، ثمَّ نقل كلّام ابن الأنباري برمّته. وقال ابن الأثير في كتاب ((المرصّع)): ذو الأعواد هو ربيعة ابن مخاشن بن معاوية، كان يجلس على سرير في قبة من خشب فسمى به، وهو
أوَّل من جلس من العرب على سرير، وأنشد بيت الأسود. وقال ابن دريد في ((الجمهرة)): ذو الأعواد: رجل من العرب أسنّ، وكان يحمل في محفة، وهو الَّذي قُرعت له العصا، وكانت العرب تتحاكم إليه، فصار مثلًا، وهو الَّذي عناه الأسود بن يعفر:
ولقد علمت خلاف ما إنَّباتني .. البيت
وأهل اليمن يقولون: ذو الأعواد: عمرو بن حممة، وقيس تقول: هو عامر بن الظَّرب، وتميم وربيعة تقول: هو ربيعة بن مخاشن، وهو الَّذي قرعت له العصا ليتنبه بعد ما خرف، لأنه كان يحكم بينهم. انتهى.
وقوله: إنَّ المنية والحتوفّ .. إلخ، المنيَّة: الموت، فعلية، من منى له، أي قدر، قال الشاعر:
حتى تلاقي ما يمنى لك المإنَّي
أي: يقدر لك القادر، كذا في ((الصحاح)) وفي ((أمالي السيد المرتضى)) رحمه الله: روي أنَّ مسلمًا الخزاعي ثمَّ المصطلقى قال: شهدت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقد أنشده منشد قول سويد بن عامر المصطلقي:
لا تأمن الموت في حل ولا حرّم
…
إنَّ المنايا توافي كلّ إنسان
واسلك طريقك تمشي غير محتشم
…
حتى تبيَّن ما يمني ل كالمإنَّي
فكلّ ذي صاحب يومًا يفارقه
…
وكلّ زاد وإنَّ أبقيّتّه فان
والخير والشر مقرونان في قرن
…
بكلّ ذلك يأتيك الجديدان
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أدركته لأسلم)) انتهى. والحتف: الهلاك، قال صاحب ((المصباح)): قال ابن فارس، وتبعه الجوهري: ولا يبني منه فعل، يقال: مات حتف أنفه: إذا مات من غير ضرب ولا قتل، وزاد الصاغاني: ولا غرق ولا حرّق، وقال الأزهري: لم أسمع للحتف فعلًا، وحكاه ابن القوطية فقال: حتفه الله يحتفه حتفًا، أي: من باب ضرب: إذا أماته، ونقل العدل مقبول، ومعناه: إنَّ يموت على فراشه فيتنفس حتى ينقضي رمقه، ولهذا خص الأنف، ومنه يقال للسمك يموت في الماء ويطفو: مات حتف إنَّفه، وهذه الكلّمة تكلّم بها أهل الجاهلية، قال السَّموأل:
ومات منا صاحب حتف إنَّفه
إلى هنا كلّام ((المصباح)) ومنه ظهر لك الفرق بين المنية والحتف، فإنَّ الأول عام سواء كان بقتل أو غيره، والثاني خاص بموت الفراش، وجمعه باعتبار إنَّواع الأمراض، ولم يتعرض للفرق بينهما إلَاّمام أبو هلال الحسن بن عبد الله العسكري في كتاب ((الفروق)) فإنَّ هذا الكتاب ألفه لمثل هذا، وهو كتاب جيد كسره على أبواب جمع فيها شيئًا كثيرًا مما ظاهره الترادف وشبهه، وذكر الفرق فيه.
وقوله: يوفي المخارم .. الخ، قال ابن إلأنَّباري: يوفي يعلو، أوفي على الجبل: علوت، والمخارم: جمع مخرم، كمجلس، وهو منقطع إنَّف الجبل والغلط، يربد إنَّ المنية والحتوف ترقبه وتستشرفه، وسواده: شخصه. انتهى.