الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله:
وإذا شربت فإنَّني مستهلكٌ
…
مالي وعرضي وافرٌ لم يكلم
وإذا صحوت فما أقصِّر عن ندىً
…
وكما علمت شمائلي وتكرُّمي
وكان عنترة شهد حرب داحس والغبراء، وحسن فيها بلاؤه، وحمدت مشاهده، قال أبو عبيدة: إنَّ عنترة بعد ما تأوَّت عبس إلى غطفان بعد يوم جبلة وحمل الدماء احتاج، وكان صاحب غارات، فكبر وعجز عنها، وكان له بكر على رجل من غطفان، فخرج نحوه يتجازاه، فهاجت ريح حارَّة، وهو بين شرجٍ وناظرة، فأصابت الشيخ فهرأته، فوجد بينهما ميتًا، وهو قتل ضمضمًا المرّى أبا حصين بن ضمضم، وهرم [بن ضمضم] في حرب داحس والغبراء، ولذلك قال:
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر
…
للحزب دائرةٌ على ابني ضمضم
إلى هنا كلام ابن قتيبة.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثامن والسبعون بعد المائتين:
(278)
ويركب يوم الرَّوع منَّا فوارسٌ
…
بصيرون في طعن الأباهر والكلي
على أنَّ "في" بمعنى الباء، قال أبو حيَّان: هذا أيضًا مذهب كوفي، وتبعهم القتبيّ وهذا المصنف واستدلوا على ذلك بقول زيد الخيل: ويركب يوم الروع
…
البيت، أي: بطعن الأباهر، وقول الآخر:
وخضخضن فينا البحر حين قطعنه
…
على كلِّ حالٍ من غمارٍ ومن حل
أي: حرَّكن السُّفن بنا البحر. وبقول الآخر، وهو أخو طيّ:
نلوذ في أمٍ لنا ما تغتصب
…
من السَّحاب ترتدي وتنتقب
أي: بأمّ، ويعني الأم سلمى، أحد جبلي طيّ، وبقول أعشى بني بكر:
ربّي كريمٌ ما يكدِّر نعمةً
…
وإذا تنوشد في المهارق أنشدا
أي: بالمهارق، وتنوشد: حلف له، والمهارق: صحف الأنبياء. واستدلَّ المصنف في الشرح بقوله تعالى: {يذرؤكم فيه} [الشورى/ 11] أي: به. وبقول الأفوه الأوديّ:
أعطوا غواتهم جهلًا مقادتهم
…
فكلُّهم في حبال الغيِّ منقاد
ومثله:
وأرغب فيها عن لقيطٍ وأهله
…
ولكنّني عن سنبسٍ لست أرغب
أي: بحبال، وأرغب بها. وحكى يونس عن بعض العرب: ضربته في السيف، أي: بالسيف، فأما بصيرون، فقال بعض أصحابنا: ضمّن معنى ماهرون، أو متقدمون على غيرهم في طعن الأباهر، لأن البصير في الشيء ماهر فيه ومتقدم فيه على غيره، وفي جعل "في" في هذا الموضع فائدة ليست للباء لو ذكرت، لأنه لو قال: بصيرون بطعن، لم يقتض أكثر من العلم به، وقد يكون بصيرًا به، فإذا كان وقته
ذهل خاطره عن ذلك لما هنالك من الشدّة، فيصفهم مع معرفتهم بأنَّ الطعن في الأباهر أعظم الطعن بأنهم ثابتو الخواطر عند الطعن، و"في" تقتضي ثبوت خواطرهم، وقال لنا الأستاذ أبو جعفر: ضمّن "بصيرون" معنى يتحكمّون، لأنَّ من كان له بصر بالشيء كان له فيه تحكم. وأما قوله: وخضخضن فينا البحر، فحمله بعض أصحابنا على تقدير مضاف، أي: في سيرنا البحر، وكذا تأوّله ابن جنِّي قال: في سيرهن بنا، وأما قوله: نلوذ في أم، فخرج على أنّه ضمّن ما يتعدّى بفي، وكأنه قال: نسمك أو نتوقل في أم لنا، لأنه عنى بالأمّ سلمى أحد جبلي طيّ، وإذ لاذ بها فقد سمك وتوقل فيها، وأمّا "إذا تنوشد" فخرج على أنَّ "في المهارق" في موضع الحال والمجرور الذي يطلبه تنوشد محذوف، والتقدير: وإذا تنوشد بكلام الله في المهارق، أي: مكتوبًا في المهارق، وأنشد، أي: أجاب، وأمّا قوله: فكلهم في حبال الغي منقاد، فمضمن معنى موثق، وأمّا: وأرغب فيها، فعلى حذف مضاف، أي: وأرغب في إمساكها عن لقيط، إلى هنا كلام أبي حيّان، وهو مبني على طريقة ابن جني من التضمين.
وقوله: ويركب يوم الرّوع فينا، صوابه: فيها، كما يأتي بيانه. والبيت من أبيات تسعة لزيد الخيل الطائي، أوردها أبو زيد في "نوادره" وأبو العباس الأحول في "شرح ديوان كعب بن زهير" وأبو علي الفالي في "ذيل الأمالي" أوّلها:
أفي كلِّ عامٍ مأتم تبعثونه
…
على محمرٍ عود أثيب وما رضى
تجدُّون خمشًا بعد خمشٍ كأنه
…
على فاجعٍ من خير قومكم نعى
تحضِّض جبّارًا عليَّ ورهطه
…
وما صرمتي منهم لأوّل من سعى
ترعىَّ بأذناب الشِّعاب ودونها
…
رجال يردُّون الظَّلوم عن الهوى
ويركب يوم الروع فيها فوارس
…
بصيرون فى طعن الأباهر والكلى
فلولا زهير أن أكدر نعمة
…
لقاذ عت كعبا ما بقيت وما بقا
وبقي بعد هذا ثلاثة أبيات. وسبب هذه الأبيات ما أخرجه القالي عن أبي عمرو ابن العلاء قال: خرج بجير بن زهير بن أبي سلمى في غلمة يجتنون جنى الأرض، فانطلق الغلمة وتركوا ابن زهير، فمرَّ به زيد الخيل فأخذه، ودار طي متاخمة لدور بني عبد الله بن غطفان، فسأل الغلام: من أنت؟ فقال: أنا بجير بن زهير، فحمله على ناقة، ثم أرسل به إلى أبيه، فلما أتى الغلام أخبره بالخبر، وكان لكعب ابن زهير فرس من جياد خيل العرب، وكان كعب جسيمًا، وكان زيد الخيل من أعظم النّاس وأجسمهم، وكان لا يركب دابّة إلَاّ أصابت إبهامه الأرض، فقال زهير: ما أدري ما أثيب به زيدًا إلَاّ فرس كعب، فأرسل به إليه وكعب غائب، فجاء كعب فسأل عن الفرس، فقيل له: قد أرسل به أبوك إلى زيد، فقال كعب لأبيه: أردت أن تقوّى زيدًا على قتال غطفان، فقال زهير له: هذه إبلي فخذ ثمن فرسك، وكان بين بني زهير وبين بني ملقط الطائيين إخاه، وكان عمرو ابن ملقط وفّادًا إلى الملوك، فقال كعب شعرًا يريد أن يلقي به بين بني ملقط، وبين رهط زيد الخيل شرًا، فعرف زهير حين سمع الشعر ما أراد به، وعرف به زيد الخيل وبنو ملقط، فأرسل إليه بنو ملقط بفرس نحو فرسه، وكانت عند كعب امرأة من غطفان لها حسب، فقالت له: أما استحييت من أبيك لشرفه وسنه أن تلومه في هبته عن أخيك؟ ! ولامته، وكان قد نزل بكعب قبل ذلك ضيفان، فنحر لهم بكرا كان لامرأته، فقال: ما تلوميني إلا لمكان بكرك الذي نحرت، فلك به بكران! وكان زهير كثير المال، وكان كعب مجدودًا [فقال كعب]:
ألا بكرت عرسي بليل تلومني
…
وأقرب بأحلام النساء إلى الرَّدى
وذكر فيها زيدا، فقال زهير لابنه هجوت رجلًا غير مفحم، وإنه لخليق أن يظهر عليك، فأجابه زيد فقال:
أفي كل عام مأتم تبعثونه
…
إلى آخر الأبيات. انتهى. والبيت الأول من شواهد سيبويه، والهمزة للاستفهام التوبيخي، والمأتم مهموز، وهو الجماعة من النّساء يجتمعن لحزن أو فرح، والمراد هنا الحزن، ولهذا أعاد الضمير إليه مذكرًا. وقال شراح شواهد سيبويه: الضمير عائد على محذوف، أي: أفي كل عام اجتماع مأتم؟ فيكون المأتم بمعنى الحزن، ولهذا قال أبو زيد: أراد: أفي كل عام حدوث مأتم؟ فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه. انتهى. وإنما قال كذا لئلا يقع ظرف الزمان خبرًا عن الجثة. وتبعثونه: تهيجونه وتحركونه، وروي بدله "تجمعونه"، والمحمر، بكسر الميم الأولى، وفتح الثانية، وسكون الحاء المهملة بينهما، قال أبو زيد: هو الفرس الذي يشبه الحمار، وهو أيضا اللئيم من الرجال، أراد هنا أنه فرس هجين، أخلاقه كأخلاق الحمير بطيء الحركة، و"على" هنا تعليلة، والعود، بفتح العين مهملة، قال أبو زيد: هو المسنُّ، وأثيب: جعل ثوابًا، والثواب: الجزاء، ورضا، بضم الرّاء: فعل مجهول، وهو لغة طي، يكرهون مجيء الياء المتحركة بعد الكسرة، فيفتحون ما قبلها لتنقلب إلى الألف لحقتها، يقولون في بقي: بقا، وفي نعي: نعا كما هنا.
والبيت استشهد به سيبويه على أنَّ جملة تبعثونه صفة لمأتم، ولهذا لم يعمل فيه، يقول: إنكم تجمعون نساء ليبكين على فقد هذا الفرس الذي جعلتموه جزاء لنا على جميل فعلناه بكم، والحال أننا لم نرض بهذا الفرس الذي يشبه الحمار.
وقوله: تجدون خمشًا .. الخ، يقال: أجد فلان الشيء واستجدّه: إذا أحدثه فتجدّد، والحمش: مصدر خمشت المرأة وجهها بظفرها، من باب ضرب،
أي: جرحت ظاهرة البشرة، وفاجع: الذي فاجعهم بنفسه، يقال: فجعته المصيبة أي: أوجعته، ونعا: فعل مبني للمجهول كما تقدم، يقال: نعيت فلانًا: إذا أخبرته بموته، يقول: إنكم تخمشون وجوهكم مرة بعد مرة على هذا البرذون، كأنكم فقدتم سيِّد قومكم.
وقوله: تحضّض جبارًا .. إلى آخره، هذا خطاب لكعب بن زهير، قال الجواليقي فى "شرح أدب الكاتب": يقال" حضّضت الرَجل، أي: حثثته على الخير والشر جميعًا، وحضضته – بالتخفيف – إذا حثثته على الخير، وحثثته: إذا حرضته على سوق أو سير، ولا يكون الحضّ في السير والسوق، وجبّار، بفتح الجيم وتشديد الموحدة: رجل من فزارة، والصرمة، بكسر الصّاد: القطعة من الإبل ما بين الثلاثين إلى الأربعين، تقول: تغري هذا الرجل ليغير على إبلي، وليست إبلي لأول جماع تغزوني، لأني أقاتل عنها وأدافع.
وقوله: ترعّى بأذناب .. الخ، أصله تترعى، بتاءين، فهو مضارع، وقال الجواليقي: أي ترعى، يريد أنّه مبالغة ترعى بالتخفيف، والأذناب: جمع ذنب بفتحتين، قال الجواليقي: والشعاب جمع شعب، وهو الموضع المنفرج بين الجبلين، وهو جمع نادر كقدح وقداح، ودونها، أي: دون الصرم، رجال يردون الظالم عن هواه، وقوله: ويركب يوم الروع – بفتح الراء – هو الفزع، وفيها، أي: من أجل الصرمة، قال أبو العباس الأحول: الأباهر والكلى مقتلان، والأبهر: عرق في المتن. وقال الجواليقي: أي: هم بصراء عالمون بمواضع الطعن، والأباهر: جمع أبهر، وهو عرق مستبطن الصُّلب، والكلى: جمع كلية، وللإنسان والحيوان كليتان، وهما لحمتان حمراوان لازقتان بعظم الصلب.