الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: فلولا زهير .. الخ، هذا البيت في رواية الأحول، وفي رواية القالي آخر الأبيات، وزهير: والد كعب، وأن أكدر نعمة: بدل اشتمال من زهير بتقدير الرّابط، أي: فلولا تكدير نعمته. وقوله: لقاذعت، جواب لولا، والقذع بالقاف والذّال المعجمة: الفحش، يقال: قذعته، إذا رميته بالفحش وشتمته. وقد شرحنا بقية الأبيات مع أبيات كعب بن زهير في الشاهد الخامس والثمانين بعد السّبعماية. وزيد الخيل وكعب صحابيان، وهذه الحكاية قبل إسلامهما، وقيل له: زيد الخيل، لخمسة أفراس كانت له، قال صاحب "الاستيعاب" هو زيد بن مهلهل ابن زيد بن منهب الطائي، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد طي سنة تسع فأسلم، وسمّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير، وقال له: ما وصف لي أحد في الجاهلية فرأيته في الإسلام إلَاّ رأيته دون الصفة غيرك، وأقطع له أرضين في ناحيته، ويكنى أبا مكنف، وكان له ابنان مكنف وحريث، وقيل: حارث. أسلما وصحبا النَّبي صلى الله عليه وسلم، وشهدا قتال أهل الرّدَّة مع خالد ابن الوليد، وكان زيد الخيل شاعرًا محسنًا خطيبًا لسنًا شجاعًا بهمة كريمًا، قيل: مات منصرفه من عند النبي صلى الله عليه وسلم محمومًا، فلما وصل إلى بلده مات، وقيل: بل مات في آخر خلافة عمر، وكان قبل إسلامه قد أسر عامر بن الطفيل وجزّ ناصيته.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد التاسع والسبعون بعد المائتين:
(279)
ألا عم صباحًا أيُّها الطَّلل البالي
…
وهل يعمن من كان في العصر الخالي
وهل يعمن من كان أحدث عهده
…
ثلاثين شهرًا في ثلاثة أحوال
على أنَّ "في" الثانية بمعنى "من". قال العسكري في كتاب "التصحيف" عن الأصمعي وابن السكيت: يقول: كيف ينعم من كان أقرب عهده بالرفاهية ثلاثين شهرًا من ثلاثة أحوال، على أن "في" بمعنى "من" ثم قالا: وقد تكون بمعنى "مع" واستشهد ببيت الجعدي:
ولوح دراعين في بركة
…
إلى جؤجؤ رهل المنكب
فقال: في بركة، وأراد: مع بركة، ومثله:
…
خمسون بسطًا في خلايا أربع
وخمسون لا تكون في أربع.
والمعنى: مع خلايا أربع. انتهى. وقال ابن السيد في "شرح أدب الكاتب": حكى يعقوب عن الأصمعي أنّ "في" هنا بمعنى "من" وأجاز أن تكون بمعنى "مع" كما قال النابغة الجعدي:
ولوح ذراعين في بركة
وكونها بمعنى "مع" أشبه من كونها بمعنى "من" ورواه الطوسي "أو ثلاثة أحوال" وكل من فسره ذهب إلى أنَّ الأحوال هنا السنون، جمع حول، والقول فيه عندي أن الأحوال هنا جمع حال، وإنما أراد: كيف ينعم من كان أقرب عهده بالنعيم ثلاثين شهرًا، وقد تعاقبت عليه ثلاثة أحوال، وهي اختلاف الرياح، وملازمة الأمطار له، والقدم المغيّر لرسومه، فتكون "في" هنا هي التي تقع بمعنى واو الحال في نحو قولك: مرّت عليه ثلاثة أشهر في نعيم، أي: وهذه حاله. انتهى. وحكى القولين الجواليقي أيضًا في "شرحه".
وقال أبو حيان: وزعم الكوفيون أيضًا والقتي والأصمعي أنها تأتي بمعنى من، واستدلوا على ذلك بقول امرئ القيس: وهل يعمن من كان .. البيت، أي: من ثلاثة أحوال، وخرجه ابن جني على حذف مضاف، والتقدير عنده: في عقب ثلاثة أحوال، قال بعض أصحابنا: والصحيح عندي أن تكون الأحوال جمع حال لا جمع حول، وكأنه قال: في ثلاث حالات، ويكون المراد بالأحوال الثلاثة: نزول الأمطار، وتعاقب الرباح، ومرور الدهور عليها. قال: وإنما لم يسغ عندي ما ذهب إليه أبو افتح؛ لأنَّ المضاف لا يحذف إلَاّ إذا كان عليه دليل، ولا دليل في البيت على ذلك المضاف، لاحتمال أن يكون مراده ما ذكرناه، فلا يحتاج إلى حذف. وقال بعض شيوخنا: إنما يريد أن أحدث عهده خمس سنين ونصف، فلذلك قال: في ثلاثة أحوال، أي: مدخلة فيها. انتهى. ومنه تعلم أن المصنف لخص ما كتبه من هنا وهكذا دأبه في هذا الكتاب.
والبيتان أول قصيدة لامرئ القيس، وهي من عيون شعره، تقدَّم شرح بعض منها في الإنشاد الخامس بعد المائتين وقوله: عم صباحًا، هذه الكلمة تحية عند العرب، يقال: عم صباحًا، وعم مسًاء، وعم ظلامًا. والصباح: من نصف الليل
الثاني إلى الزوال، والمساء: من الزوال إلى نصف الليل، قال ابن السّيد: يقال: وعم يعم، كوعد يعد، وذهب قوم إلى أن يعم محذوف من ينعم، وأجازوا عم صباحًا، بفتح العين وكسرها، كما يقال: انعم صباحًا، بفتح العين، وانعم بكسرها. وزعموا أن بعض العرب أنشد: ألا عم صباحًا .. البيت، بفتح العين، وحكى يونس أن أبا عمرو بن العلاء سئل عن قول عنترة:
وعمي صباحًا دار عبلة واسلمي
فقال: هو من نعم المطر: إذا كثر، ونعم البحر: إذا كثر زبده، كأنه يدعو لها بالسقيا وكثرة الخير، وقال الأصمعى والفرّاء: إنما هو دعاء بالنعيم والأهل، وهو المعروف، وما حكاه يونس نادر وغريب. انتهى. ولم يذكر صاحب "الصحاح" مادة (وعم) قال: وقولهم "عم صباحًا" كأنه محذوف من نعم ينعم بالكسر. وزعم ابن مالك في "التسهيل" أنّ عم فعل أمر غير متصرف، قال أبو حيان: ليس الأمر كما زعم، بل هو فعل متصرف، فقد حكى يونس: وعمت الدّار أعم، قلت لها: انعمي، قال الأصبعي: عم في كلام العرب أكثرهم من أنعم، وقد روى الجواليقي:"ألا انعم صباحًا"، "وهل ينعمن" في الموضعين وقال: دعا له بالنعيم، ونعم الشيء نعومة: صار ناعما لينًا، من باب كرم وحذر وحسب. ويقال أيضًا: أنعم صباحك، من النّعومة، وصباحًا: ظرف، أو تمييز محول عن الفاعل، والطلل: ما شخص من آثار الدار، والرسم: الأثر، والبالي: من بلي الثوب، من باب تعب، بلى بالكسر والقصر، وبلاء بالمد والفتح: أخلق، أو من بلي الميّت: إذا أفتته الأرض. وقوله: وهل يعمن، استفهام إنكاري، رجع عن الدعاء منكرًا على نفسه، واستشهد به المنصنف في "شرح الألفية" على أن "من" تستعمل في غير العقلاء، والعصر بضمتين: لغة في العصر وهو الدهر. والخالي: الماضي، وروى العسكري بيتًا بينهما، وهو:
وهل يعمن إلَاّ سعيد مخلَّد
…
قليل الهموم ما يبيت بأوجال