الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي يقوم بأمر قومه، والحارث هو الحارث بن أميّة الأصغر الذي يقال له: ابن عبلة ابن عبد شمس الشاعر الجاهلي، ومن ولده عبد الله بن الحارث، أدرك معاوية شيخًا كبيرًا، وورث دار عبد شمس بمكة، لأنه كان أقعدهم، فحج معاوية في مدته، فدخل ينظر إلى الدّار، فخرج إليه بمحجن ليضربه، وقال: لا أشبع الله بطنك أما تكفيك الخلافة حتى تجئ فتطلب الدار؟ ! فخرج معاوية وهو يضحك. كذا في "جمهرة الأنساب".
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثاني عشر بعد الثلاثمائة:
(312)
كأنِّي بك تنحطُّ
تمامه:
إلى اللَّحد وتنغط
وقد أسلمك الرَّهط إلى أضيق من سم
على أنَّ "كأنَّ" فيه للتقريب، وأن أصله عند المطرزي: كأني أبصرك تنحط -فحذف الفعل، وزيدت الباء. أمّا الثاني فقد نسب إلى المطرزي ما لم يقله، وهو في هذا تابع لابن عمرون كما سيأتي. وهذه عبارة المطرزي في "شرح مقامات الحريري" قال: قوله:
كأني بك تنحط أي: كأني أبصرك، إلَّا أنه ترك الفعل لدلالة الحال، وكثرة الاستعمال، ومعناه: أعرف لما أشاهد من حالك اليوم كيف يكون حالك غدًا، كأني أنظر إليك وأنت على تلك الحال. ومثله: من لي بكذا؟ يعنون: من يكفل لي به، وله نظائر. انتهى. والباء عند وصلة للفعل المحذوف ودالَّة عليه، والفعل المحذوف هو مضارع بصرت بالشيء -بالضم والكسر- بصرًا بفتحتين، أي: علمت، فأنا بصير به، ويتعدى بالباء في اللغة الفصحى. كذا في "المصباح". وقد ذهب المحقق الرضي إلى هذا فقال: الأولى أن نقول ببقاء كأنّ على معنى التشبيه، ولا نحكم
بزيادة شيء، ونقول: التقدير: كأنك تبصر بالدنيا، أي: تشاهدها، من قوله تعالى:{فبصرت به عن جنبٍ} [القصص/ 11] والجملة بعد المجرور بالباء حال، أي: كأنك تبصر بالدنيا وتشاهدها غير كائنة، ألا ترى إلى قولهم: كأني باللّيل وقد أقبل، وكأني بزيد وهو ملك، والواو لا تدخل على الجمل إذا كانت أخبارًا لهذه الحروف. انتهى.
وأما الأول فقد قال ناظر الجيش: هو مذهب بعض الكوفيين، قالوا: لأن المعنى على تقريب إقبال الشتاء، وتقريب إتيان الفرج، ولا يتصورّ التشبيه في هذا الكلام. ومن ذلك قول الحسن البصري: كأنك بالدنيا لم تكن، وبالآخرة لم تزل، لأنَّ المعنى على تقريب زوال الدنيا، وتقريب وجود الآخرة، والمحققون على أن كأنّ للتشبهي فيما ذكر، ولكن اختلف القول في تخريجه. إلى هنا كلامه.
قال أبو عبد الله محمد بن محمّد بن عمرون الحلبي في "شرح المفصل" ومن مشكل خبر كأنّ قول الحسن البصري: كأنك بالدنيا لم تكن، وبالآخرة لم تزل. يحتمل الضمير في "تكن" أن يكون للمخاطب، وأن يكون للدنيا، وكذا الضمير في "لم تزل". وتقديره على الأول: كأنّك لم تكن بالدنيا، ويكون التشبيه في الحقيقة للحالين. لا لذي الحال ومثله: كأنَّ زيدًا قائم، فقد ظهر أن التشبيه لا يفارق كأنّ، وأمّا قول من قال: إنها تكون للتشبيه إذا كان خبرها اسمًا، وأما إذا كان خبرها فعلًا أو ظرفًا أو حرف جرّ، فظنٌ وتخيلٌ ليس بشيء، لأنَّ ما ذكرناه من التأويل لا يبقى إشكالًا، وجريها على حقيقتها أولى، وتقديره: إن حالك في الدنيا يشبه حالك زائلًا عنها ويكون بالدنيا ظرفًا، وكان تامه، وهي خبر كأنَّ. وإن كان الضمير للدنيا، فيحتمل أن يكون بالدنيار الخبر، و"لم تكن" في موضع نصب على الحال من الدنيا. إمّا على أنّه صفة لمحذوف، إذا لم يجوّز أن تقع الماضية حالًا تقديره دنيا لم تكن، وتنصب دنيا على الحال. وإمَّا على تقدير واو الحال، وكذا "لم تزل" فإن قيل: إنّ بالدنيا لا يتم به الكلام، والحال فضلة؛
فالجواب: إنَّ من الفضلات ما لا يتم الكلام إلَّا به، كقوله تعالى:{فما لهم عن التذكرة معرضين} [المدثر/ 49] فمعرضين حال من الضمير المخفوض، ولا يستغني الكلام عنها؛ لأنَّ الاستفهام في المعنى إنما هو عنها. وقولهم: مازلت بزيد حتى فعل، لا يتم الكلامُ بقولك: بزيد، ومما يبين صحة الحال جواز دخول الواو، فتقول: كأنك بالشمس وقد طلعت، ونحوه ما حكي عن بعضهم: كأنا بالدنيا لم تكن. وعلى هذا يحمل قول الحريري: "كأني بك تنحط". يكون بك الخبر، وتنحط حال. هذا هو الوجه، وخرجه المطرزي في "شرحه للمقامات": كأني أبصر بك، إلَّا أنه ترك الفعل لدلالة الحال، وما ذكرته أولى؛ لأنه إضمار فعل، وزيادة حرف جرّ لا يحتاج إليه فيما ذكرته. انتهى كلامه بحروفه كما نقله أبو حيان في "تذكرته".
وقد نقل ناظر الجيش التخريج الثاني وهو جعل الجملة حاليًا، وترك التخريج الأول وهو جعلها خبر كأنّ، كما صنع المصنف هنا، وفي: شرح بانت سعاد" وقال: ولا يخفى جودة هذا التخريج وحسنه، وليته تكلم على قولهم كأنك بالشتاء مقبل، وكأنك بالفرج آ، فربما كان يذكر فيه ما يشفي الغليل. انتهى.
أقول: يمكن تخريج هذين أيضًا على قوله: بجعل المرفوع خبر مبتدأ محذوف مع واو الحال أو بدونها، والتقدير: كأنك بالشتاء وهو مقبل، وكأنك بالفرج وهو آتٍ، ويكون المعنى في الجميع: كأنك مقرون بالدنيا في حالة عدمها، وكأنك مقرون بالآخرة في دوامها، وكأنك مقرون بالشتاء المقبل، وكأنك مقرون بالفرج الآتي؛ وكأني مقرون بك في حال انحطاطك في اللحد.
والبيت من قصيدة مسمّطة في المقامة الحادية عشرة أولها:
أيا من يدَّعي الفهم
…
إلى كم يا أخا الوهم
تعبي الذَّنب والذَّم
…
وتخطي الخطأ الجمعة أما بان لك العيب
…
أما أنذرك الشَّيب
وما في نصحه ريب
…
ولا سمعك قد صُمَّ