الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترجمناهما بأكثر من هذا في الشاهد السّادس والعشرين بعد الأربعمائة من شواهد الرَّضي.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الخامس عشر بعد الثلاثمائة:
(315)
كم قد ذكرتك لو أجدى تذكُّركم
…
يا أشبه النَّاس كلِّ النَّاس بالقمر
على أنَّ ابن مالك استدلَّ به في توكيد المعرفة بأنَّ "كلًّا" قد تضاف إلى الظّاهر خلفًا عن الضمير، ومثله قول الفرزدق:
أنت الجواد الذي ترجى نوافله
…
وأبعد النّاس كلِّ النّاس من عار
وأقرب الناس كلِّ النّاس من كرمٍ
…
يعطي الرَّغائب لم يهمم بإقتار
قال أبو حيّان: هكذا ذكر المصنّف هذه المسألة واستشهد عليها بالأبيات المذكورة، ولا حجَّة فيها؛ لأنَّ كلَّ الناس فيه نعت لا توكيد، وهو نعت يبين كمال المنعوت. وغرّ المصنف في الأبيات صلاحية كلّهم مكان كلّ النّاس، وحمله على النعت بمعنى الكاملين أمدح وأحسن، إذ العموم مفهوم ممّا قبله، وأفاد النعت معنى غير العموم وهو الكمال، فكأنه قال: يا أشبه الناس الكاملين، فكأنه لم يفضله على الناس على العموم، بل على النّاس الكاملين في الحسن. هذا كلامه. وقد أحسن ناظرا لجيش في الرّدّ عليه بقوله: ما ذكره الشيخ غير ظاهر، فإنَّ ما قرره يخالفُ مراد الشاعر، وذلك أنَّ المراد: يا أشبه النّاس كلّ النّاس بالقمر، أنّه لا يشبه القمر أحد من النّاس إلَّا أنت، ولا يتمّ للقائل هذا المراد إلَّا بأن يريد العموم، إذ لو لم يرده لجاز أن يقال: إنَّ غيرها من النّاس يشاركها في ذلك، فيخرج الكلام عن المدح بالحسن، ومراد الشاعر انحصار الشبه بالقمر فيها، فلا يشبه القمر من الناس
إلّا هي. وهكذا المعنى في قول الفرزدق: وأبعد الناس كلّ الناس وأقرب الناس كلّ النّاس، لأنَّ مراده أنه أبعد الناس كلّهم من العار، فلا أحد يشاركه في هذا البعد، وأقرب النّاس كلّهم من الكرم، فلا أحد يشاركه في هذا القرب، فلما كان العموم مرادًا تعين التوكيد؛ ليفيد أنَّ الخصوص غير مراد، وليس النعت بمقصود في هذه الأبيات، إذ لا معنى لقولنا: يا أشبه الناس الكاملين. ثمَّ إنَّ القائلين هذه الأبيات لم يقصدا مدح النّاس فيجعل ما بعد نعتًا، كما قصد المدح في قولنا: أنت الرّجل كلّ الرّجل، لأنَّ الرّجل هو المقصود بالمدح، والنّاس من أشبه الناس وأبعد الناس وأقرب النّاس ليس المقصود بذلك، إنما هو المقصود به أشبه وأبعد وأقرب. إلى هنا كلامه، ومنه أخذ المصنف اعتراضه على أبي حيّان.
والبيت من أبيات أوردها أبو علي القالي في "أماليه" قال: قرأت على أبي عبد الله إبراهيم بن محمّد لعمر ابن أبي ربيعة:
يا ليتني قد أجزت الحبل نحوكم
…
حبل المعرَّف أو جاوزت ذا عشر
إن الثَّواء بأرضٍ لا أراك بها
…
فاستيقنيه ثواءٌ حق ذي كدر
وما مللت ولكن زاد حبُّكم
…
وما ذكرتك إلَّا ظلت كالسَّدر
أذري الدُّموع كذي سقمٍ يخامره
…
وما يخامرني سقم سوى الذِّكر
كم قد ذكرتك لو أجزى بذكركم
…
يا أشبه النَّاس كلِّ النّاس بالقمر
إني لأجذل أن أمشي مقابله
…
حبًّا لرؤية من أشبهت في الصُّور
وكذا رواها صاحب "الأغاني" لابن أبي ربيعة، إلَّا أنه أسقط البيت الأخير، وزاد بيتًا في الأبيات وهو:
ولا جذلت لشيءٍ كان بعدكم
…
ولا منحت سواك الحبَّ من بشر
قوله: يا ليتني قد أجزت الحبل .. الخ. في "المصباح": جاز المكان يجوز جوزًا وجوازًا: سار فيه، وأجازهبالألف: قطعة، وأجازه: أنفذه، قاله ابن فارس. والحبل، بفتح الحاء المهملة وسكون الموحدة: الرّمل المستطيل، وهو المجتمع الكثير العالي. والمعرَّف، بفتح الرّاء المشددة: الموقف بعرفات، وذو عُشر: هو وادي عُشَر، هو وادٍ في الحجاز، قال أبو ذؤيب:
عرفت الدِّيار لأمِّ
…
الرَّهين بين الظِّباء فوادي عشر
قاله الحازمي في "المؤتلف والمختلف في أسماء الأماكن" والعشر، بضم العين المهملة، وفتح الشين المعجمة: من كبار الشجر، وله صمغ حلو يقال له: سكر العشر، قاله الأزهري. والثواء بالمثلثة: الإقامة، وظلت: أصله ظلت، والسّدر، بفتح فكسر: المتحير، ويخامره: يخالطه، والذِّكر، بكسر ففتح، جمع ذكره، كقرب جمع قربه.
وقوله: كم قد ذكرتكم، خاطبها بخطاب الجماعة الذكور مبالغة في سترها، كقوله تعالى حكاية عن موسى، عليه السلام:{إذ قال لهله امكثوا} [القصص 29] وبالآية والبيت يرد على الرضي والتفتازاني في زعمهما أنه لم يرد تعظيم المخاطب في الكلام القديم، ولو للتمني، وأُجزى بالبناء للمفعول، والجزاء: الثواب، والباء من بذكركم متعلقة به. وفي رواية صاحب "الأغاني":"لو أجدى تذكركم" وأجدى: نفع، وتذكركم مصدر مضاف إلى مفعوله: فاعل أجدى.
وقوله: إني لجذل الخ، بالجيم والذّال المعجمة، مضارع جذل جذلًا، من باب فرح فرحًا، ومقابله، أي: مقابل القمر. وترجمة عمر ابن أبي ربيعة تقدَّمت في الإنشاد السادس من أوَّل الكتاب.