الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خالدة هي بنت أرقم أم كردم وكريدم ابني شعبة الفزاريين، وكردم هو الذي طعن دريد بن الصِّمَّة يوم قتل أخوه عبد الله.
وهذا المصراع وقع في شعر عبيد بن الأبرص الجاهلي أيضًا، لما قتله المنذر بن ماء السماء، قال له بعض الحاضرين: ما أشدّ جزعك للموت! فقال:
لا غزو من عيشةٍ نافذه
…
وهل غير ما ميتةٍ واحده
فأبلغ بنيَّ وأعمامهم
…
بأنَّ المنايا هي الرَّاصده
لها مدَّةٌ فنفوس العباد
…
إليها وإن كرهت قاصده
فلا تجزعوا لحمامٍ دنا
…
فللموت ما تلد الوالده
ووقع في شعر سماك بن عمرو الباهلي أيضًا، وهو أول من قال:"لا أطلب أثرًا بعد عين" وهو جاهلي أيضًا، ولما خيّر بين أن يقتل هو أو أخوه مالك -فقتلوه دون أخيه- قال:
فأقسم لو قتلوا مالكًا
…
لكنت لهم حيَّةً راصده
برأس سبيلٍ على مرقبٍ
…
ويومًا على طرقٍ وارده
فأمَّ سماكٍ فلا تجزعي
…
فللموت ما تلد الوالده
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثالث والخمسون بعد الثلاثمائة:
(353)
لله يبقى على الأيَّام ذو حيد
على أنَّ اللام في الله هنا للقسم والتعجب معًا، وجملة "لا يبقى" بتقدير حرف النفي: جواب القسم، وفي اللام معنى التعجب أيضًا، ومراد المصنف أنَّ اللام لا تكون للقسم إلا وفيها معنى التعجب لا العكس، فإنه لا يلزم من كونها للتعجب أن يكون فيها معنى القسم، بدليل أنَّ المصنف لم يذكر كونها للقسم بدون تعجب، وهو صريح كلام سيبويه، قال في باب حروف الإضافة إلى المحلوف به: وذلك قولك:
والله لأفعلن، وبالله لأفعلن، و {تالله لأكيدنَّ أصنامكم} [الأنبياء/ 58]، وقد تقول: تالله، وفيها معنى التعجب. وبعض العرب في هذا المعنى: الله، فيجيء باللام، ولا يجيء إلَاّ أن يكون فيه معنى التعجب، قال أمية بن أبي عائذ:
لله يبقى على الأيّام ذو حيدٍ
…
بمشمخرً به الظَّيّان والآس
انتهى كلامه. فأفاد أنَّ المثناة الفوقية في القسم قد يصحبها معنة التعجب، وقد لا يصحبها، بخلاف اللام القسميّة، فإنها لا تكون للقسم إلا مع التعجب، وأشار إلى هذا السيرافي بقوله: وفي التاء معنى التعجب، وكذلك اللام تدخل في القسم للتعجب. انتهى. فجعل التعجب علة لكون اللام في القسم. وزعم أبو حيان في "شرح التسهيل" وتبعه تلميذه ناظر الجيش أنَّ اللام في القسم قد تنفرد عن التعجب، قال: واللام في القسم بابها التعجب، وقد استعملها بعض العرب مع غير التعجب فيه، حكاه سيبويه في آخر باب الإضافة إلى المحلوف به، قال: ويقول بعض العرب: لله لأفعلن. انتهى. وأقول: لا دلالة في كلام سيبويه لما ذكره، وهذا نصه: واعلم أنَّ من العرب من يقول من ربي، أي: بضم الميم، لأفعلن ذلك، تجعلها في هذا الموضع بمنزلة الواو والباء في قوله: والله لأفعلن، ولا يدخلونها في غير ربي، كما لا يدخلون التاء في غير الله عز وجل، ولكن الواو لازمة لكل اسم يقسم به والباء، وقد يقول بعض العرب، لله لأفعلن كما تقول: تالله لأفعلنّ. انتهى كلامه.
والبيت من قصيدة مطلعها:
ياميُّ إن تفقدي قومًا ولدتهم
…
أو تخلسيهم فإنَّ الدَّهر خلَاّس
عمرو وعبد منافٍ والذي عهدت
…
ببطن عرعر آبي الضيم عبّاس
يا ميُّ إنَّ سباع الأرض هالكةٌ
…
والعفر والأدم والآرام والنّاس
تالله لا يعجز الأيّام مبتركٌ
…
في حومة الموت رزَّام وفرَّاس
يحمي الصَّريمة أحدان الرِّجال له
…
صيدٌ ومجترئٌ بالليل همّاس
ثمَّ وصف الأسد بأبيات ثلاثة وقال:
يا ميُّ لا يعجز الأيام ذو حيدٍ
…
بمشمخرً به الظَّيّان والآس
ثمَّ وصف الوعل إلى آخر القصيدة في سبعة أبيات، والبيتان الأولان من شواهد سيبويه، وقال الأعلم: الشاهد في قطع عمرو وما بعده مما قبله، وحمله على الابتداء، ولو نصب على البدل من القوم لجاز. ومعنى تخلسيهم، بالبناء للمفعول: تسلبيهم، والخلس: أخذ الشيء بسرعة، أي: إن أفقدك الدهر إياهم فذلك شأنه، وأراد بعمرو: هاشم بن عبد مناف، فإنه اسمه، وبالعباس: ابن عبد المطلب، وإنما قال: ولدتهم؛ لأنهم من ولد مدركة بن إلياس بن مضر، وعرعر: موضع، وروي بدله:"ببطن مكة" وآبي: من الإباء، وهو الامتناع، والضيم: الظلم. وقد شرحناهما بأبسط من هذا في الشاهد الخامس والستين بعد الثلاثمائة من شواهد الرضي وقوله: والعفر والأدم والآرام والناس، العفر: الظباء جمع أعفر، والأدم: السمر منها، جمع آدم، والآرام: البيض منها، جمع ريم. وقوله: تالله لا يعجز الأيام
…
البيت مع الذي بعده من شواهد سيبويه، قال الأعلم: الشاهد فيهما جري الصفات على ما قبلها، مع ما فيها من معنى التعظيم، ولو نصب لجاز. قال السكري: الأيام ههنا: الموت، والمبترك: المتعمد، وهو الأسد، وحوت الموت: الموضع الذي يدور فيه الموت لا يبرح منه، والرزام: المصوت، يقال: رزم الأسد يرزم، وإذا برك الأسد على فريسته رزم، وفرَّاس: يدق ما يصيبه، والصريمة: رملة فيها شجر. حماها: منع الناس دخولها من خوفه، وأحدان الرجال: الذين يقول أحدهم: أنا الذي لا نظير له في الشجاعة، يقول: إنَّ هذا الأسد يصيد هؤلاء الذين يدلون بالشجاعة وهو مع ذلك لا ينجو من الموت.
وقوله: تالله يبقى على الأيام ذو حيدٍ .. هكذا رواه سيبويه، وهو ثقة فيما يرويه ووقع في أشعار الهذليين من جميع الروايات:
يا ميّ لا يعجز الأيّام ذو حيدٍ
وفي رواية سيبويه حرف النفي من "يبقى" محذوف، والأصل: لا يبقى، وهو جواب القسم، كقوله تعالى:{تالله تفتأ تذكر يوسف} [يوسف/ 85] وقوله: ذو حيد، بالحاء المهملة والمثناة التحتية، رواه المبرد بفتحتين، وجعله مصدرًا بمنزلة العوج والأود، وهو اعوجاج يكون في قرن الوعل، ورواه ثعلب بكسر أوله، وكذا السكري، وفسره بجمع حيدة، مثل حيض جمع حيضةٍ، والحيدة: العقدة في قرن الوعل، ومنهم من جعله جمع حيدٍ، وهو كل نتوء في القرن والجبل وغيرهما. وقال بعضهم: هو مصدر حاد يحيد حيدًا بالسكون، فحركة للضرورة، ومعناه الروغان، وروي:"ذو جيد" بالجيم، وهو جناح مائل من الجبل، وقيل: يعني به الظبي، والوعل: التيس الجبلي. وروى الحلواني: "ذو خدم" بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة وقال: هو البياض المستدير في قوائم الثور، واحدها خدمةٌ، والمشمخر: الجبل العالي، والباء بمعنى في متعلقه بمحذوف هو صفة لـ"ذو حيد" وجملة "به الظيان والآس" صفة لمشمخر، والظيان بالظاء المعجمة، وتشديد المثناة التحتية: ياسمين البر، والآس: الريحان، وإنما ذكرهما إشارة إلى أنَّ الوعل في خصب، فلا يحتاج إلى أن ينزل إلى السهل فيصاد.
وأمية بن أبي عائذ -بالذال المعجمة- الهذلي: شاعر إسلامي مخضرم على ما في "الإصابة" وقال صاحب "الأغاني": هو من شعراء الدولة الأموية، له في عبد الملك ابن مروان وعبد العزيز قصائد، وقد أثبت السكري هذه القصيدة في "أشعار هذيل" لأبي ذؤيب الهذلي، وتقدمت ترجمته في الإنشاد الخامس من أول الكتاب، وعزاها الحلواني إلى مالك بن خالد الخناعي، نسبة إلى خناعة بن سعد بن هذيل، بضم الخاء المعجمة بعدها نون، وقال ابن السيد البطليوسي: رويت للفضل بن عباس