الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أنَّ "لا" فيه مثل البيت السّابق. ولم يزد الواحدي في شرحه على قوله: شبّه "لا" بليس، فنصب الخبر. انتهي. وقال ابن مالك في "شرح التّسهيل": شذَّ إعمالها في معرفةٍ في قول النّابغة الجعدي، وقد حذا المتنبي حذو النّابغة. والقياس على هذا سائغ عندي، وقد أجاز ابن جني ذلك في كتاب "التَّمام" انتهى.
قال ناظر الجيش: ومثل بيت المتنبي قول الشاعر:
أنكرتها بعد أعوامٍ مضين لها
…
لا الدّار دارًا ولا الجيران جيرانًا
وقال أبو حيَّان في "البحر" عند قوله تعالى: {لاخوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} من سورة البقرة [الآية 38]. قال ابن عطية: والرَّفع على إعمالها عمل ليس، ولا يتعيَّن ما قاله، بل الأولى أن يكون مرفوعًا بالابتداء؛ لأنَّ إعمال "لا" عمل ليس قليلٌ جدًا، ويمكن النّزاع في صحّته، وإن صحَّ فيمكن النّزاع في اقتياسه، وإذا دخلت على المعارف لم تجر مجرى ليس، وقد سمع من ذلك بيت للنّابغة الجعدي، وتأوَّله النحاة، وقد لحَّنوا أب الطّيّب في قوله:
فلا الحمد مكسوبًا ولا المال باقيا
انتهى. ومعنى البيت: إذا لم يتخلّص الجود من الامتنان لم يبق المال، ولم يحصل الحمد، لأنَّ المال يذهبه الجود، والأذى الذي هو المنّ يبطل الحمد.
والبيت من قصيدة في مدح كافور الإخشيدي، مطلعها:
كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا
…
وحسب المنايا أن يكنَّ أمانيا
وأنشد بعده، وهو الإنشاد السّادس والتّسعون بعد الثلاثمائة:
(396)
كأنَّ دثارًا حلَّقت بلبونه
…
عقاب تنوفى لا عقاب القواعل
على أنَّ "لا" فيه عطفت على معمول الماضي، وفيه ردّ على من منعه، قال العلم
الأندلسي في "شرح الجزولية": ومنع الزّجاج أن يعطف بها بعد الفعل الماضي، وهو ضعيف، فإنّه قد جاء في قول امرئ القيس: كأنَّ دثارًا ......
البيت. انتهى.
ونقلته من خط ابن إياز النّحوى، والبيت من أبيات له شرحنا جميعها في شرح الشاهد الثاني عشر بعد التّسعمائة، وبعضها في الإنشاد الواحد والأربعين بعد المائتين، وذكرنا منشأها في الموضعين، ودثار: اسم راعي إبل امرئ القيس، وحلّقت: من التّحليق، وهو ارتفاع الطّير في الجوّ. واللّبون من الإبل: ذات اللّبن، وهو معنى قول المصنّف:"نوقٌ ذات لبن" واعترضه الدّماميني بقوله: وبتقدير أن يكون إضافه اسم الجنس تفيد العموم، لم يتعين أن يكون هذا مراد الشاعر، إذ يحتمل أن يكون المراد بلبونه: واحد لا غير، وليس في اللفظ ما يدفعه فأين الجزم بالعموم؟ ! انتهى.
قلت: كلامه ناشٍ من عدم الاطلاع على منشأ الشّعر، وهو أنَّ امرأ القيس لما نزل على خالد بن سدوس النَّبهاني الطّائي أغار على إبله باعث بن حويص الطّائي، كما تقدَّم نقله هناك.
وتنوفى، بفتح المثناة الفوقية، وضم النّون، وبعد الواو فألف مقصورة. وروي أوله بالمثناة التحتية، وروي "تنوف" أيضًا بلا ألف، وهو جبل عال. وقد بسطنا الكلام على هذه الكلمة في شواهد الرّضي.
قال ابن الكلبي: أخبث العقبان ما آوي في الجبال المشرفة، وهذا مثل، أراد: كأنَّ دثارًا ذهبت بلبونه آفة، وأراد: أنّه أغير عليه من قبل تنوفى، وقال الأصمعي: القواعل واحدتها قاعلة. وهي جبال صغار، وقيل: القواعل، جبل دون تنوفى.
انتهى.