الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والبيت أورده أبو حيان في "شرح التسهيل" غير معزو إلى قائله، وتمثيل ابن جنّي أجود، وما: اسم موصول، ويرتجى ويخاف بالبناء للمفعول، وجمع بالبناء للفاعل، وفاعله ضمير الممدوح، والألف للإطلاق.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد السابع والتسعون بعد المائتين:
(297)
وصاليات ككما يؤثفين
على أنه يحتمل أن الكافين حرفان أكّد الأول بالثاني .. الخ، قال ابن جني: وأمّا الكاف التي في تأويل الاسم فالتي تقع مواقع الأسماء، وذلك نحو قول الشّاعر:
وصالياتٍ ككما يؤثفين
فالأولى حرف، والثانية اسم لدخول حرف الجرّ عليها، فأمّا قول الآخر:
فلا والله لا يلفى لما بي
…
ولا للما بهم أبدا دواء
فليست اللَّام الثانية باسم، وإن كانت قد دخلت عليها اللَاّام الأولى، لأنه لم يثبت في موضع غير هذا أنّ اللَّام اسم، كما ثبت أنَّ الكاف اسم، وإذا كان ذلك كذلك فإحدى اللَّامين زائدة مؤكدة، وينبغي أن تكون الزائدة هي الثانية دون الأولى؛ لأنَّ حكم الزائد أن لا يبتدأ به. انتهى.
وقال أبو حيّان: وذهب بعض شيوخنا أن الزائدة للتأكيد هي الأولى، والثانية اسم بمعنى مثل، وزعم أنَّ ما موصولة، قال: وذلك أنه يريد أن يشبه أثافيّ قدر قدُمت بأثافي مستعملة، فيكون التقدير: وصاليات مثل اللاتي يؤثفين الآن، أي:
ينصبن فيوقد عليهن، لأنَّ هذه قد انتقل أهلها عنها وبقيت لا توقد عليها، إلَّا أنّها مسودات ومعها رمادُها لم يتغير، فصارت بذلك مشبهة لما يوقد عليه منها. والضمير في "يؤثفين" راجع إلى ما على المعنى قال: وهذا أحسن من أن تجعل ما مصدرية، فيكون التقدير: كإثفاثهنَّ، وقد يشبه العين بالمعنى، فيحتاج إلى تأويل في اللفظ وحذف مضاف، وعلى جعل ما موصولة اسميّة لا تقدير فيه ولا حذف. انتهى.
والشعر من قصيدة لحطام المجاشعي وقبله:
حيّ ديار الحي بين الشَّهبين
…
وطلحة الدَّوم وقد تعفيَّن
لم يبق من آي بها تحلَّين
…
غير حطامٍ ورمادٍ كنفين
وغير نؤي وحجاجي نؤيين وغير ودٍ جاذلٍ أو دَّين
وصاليات ككما يؤثفين
ومنها:
ومهمهين قذفين مرتين
…
ظهراهما مثل ظهور الترسين
جبتهما بالنَّعت لا بالنَّعتين
…
على مطار القلب سامي العينين
قوله: حي، فعل أمر من التحية، والحيّ: القبيلة، والشبهان: موضع، وكذا طلحة الدوم، والنون في تعفّين ضمير ديار الحي، وتعفى: بمعنى عفا اللازم، يقال: عفا المنزل يعفو عفوًا وعفوًّا، وعفاء بالمد والفتح: إذا درس وذهبت آثاره، والآي: جمع آية، وهي العلامة، والتحلية: الوصف، يقال: حليت الرجل تحليةً، إذا وصفته. يقول: لم يبق من علامات حلولهم في ديارهم تحليها وتصفها غير ما ذكر. ومن: زائدة، وآي: فاعل. لم يبق، وغير: منصوب على الاستثناء: وجملة "تحلين" صفة لآي، وبها متعلق به، والحطام بضم المهملة: ما تكسر من الحطب، والمراد به دقّ الشجر الذي قطعوه فظللوا به الخيام، ورماد:
مضاف إلى كنفين، أي: رماد من جانبي الموضع، ولو روي بالتنوين لم يكن خطًا. وكنف، بفتح الكاف وسكون النون: النّاحية والجانب، وأصله بفتح النون، وقيل: هو هنا بكسر الكاف، بمعنى الوعاء الذي يجعل الرّاعي فيه أداته. والنُّؤي، بضم النون وسكون الهمزة: حفيرة حول الخباء لئلا يدخله ماء المطر، ويؤخذ ترابها ويجعل حاجزًا للبيت، فجعل ذلك الحاجز كحجاج العين، وهو بكسر المهملة وفتحها وبعدها جيمان، وهو العظم الذي ينبت عليه الحاجب. والجاذل: بالجيم والذّال المعجمة: المنتصب، جذل جذولًا: انتصب وثبت، والوَدّ: الوتد، وصاليات: أراد بها الأثافي لأنها صليت بالنار، أي احترقت حتى اسودت، وهي معطوفة على حطام، أي: وغير أثافي صاليات. وروي بدلها: "وغير سفع" جمع أسفع، أراد بها الأثافي أيضًا، لأنها قد سفعتها النار، أي: سودتها وغيرت لونها، وروي أيضًا:"وماثلات" أي: منتصبات، والأثافي: جمع أثفية، وهي الأحجار الثلاثة التي ينصب عليها القدر، و"ما" في قوله: ككما، قال أبو علي في "التذكرة القصرية": يجوز أن تكون مصدرية، كأنه قال مثل الإثفاء، ويجوز أن تكون موصولة بمعنى الّذي، كقوله:
فإنَّ الَّذي حانت بفلجٍ دماؤهم
انتهى. وأوضح ابن السيّد في "شرح أدب الكاتب" الوجه الأول، وقال:"ما" مع الفعل بتقدير المصدر، كأنه قال: كمثل إثفائها، أي: أنها على حالها حين أثفيت. والكافان لا يتعلقان بشيء، فإنَّ الأولى زائدة، والثانية اسم، ولو سقطت الأولى وجب أن تكون الثانية متعلقة بمحذوف صفة لمصدر مقدّر محمول على معنى الصّاليات؛ لأنها نابت مناب مثفيات، فكأنه قال: ومثفيات إثفاء مثل إثفائها حين نصبت للقدر، ولا بدَّ من هذا التقدير ليصحّ اللفظ والمعنى.
وأمّا قوله: يؤثفين، فقد اختلف النحويون في وزنه، فقال قوم: وزنه يؤفعلن، والهمزة زائدة، [والثاء فيه فاء الفعل]، فكان يجب أن يقول يثفين، لكنه جاء على الأصل للضرورة، كما قال الآخر:
فإنَّه أهلٌ لأن يؤكرما
وعلى هذا فأثفيّة أفعولة، فأصلها أثفوية، قلبت الواو ياء، وأدغمت [في الياء]، وكسرت الفاء لتبقى الياء على حالها، واستدلوا على زيادة الهمزة بقول العرب: ثفيّت القدر، إذا جعلتها على الأثافي، وقال قوم: وزنه يفعلين، فالهمزة أصل، ووزن أثفية على هذا فعلية، واستدلّوا ببقول النّابغة:
لا تقذفنِّي بركنٍ لا كفاء له
…
وإن تأثَّفك الأعداء بالرِّفد
فقوله: تأثقفك، وزنه تفعَّلك، لا يصح فيه غيره، ولو كان من ثفيّت القدر لقال: تثفّاك، ومعناه: صار أعدائي حولك كالأثافي تظافرًا، وقال ابن جنّي في "شرح تصريف المازني": ويفعلين أولى من يؤفعلن، لأنه لا ضرورة فيه.
وقوله: ومهمهين قذفين .. الخ، هذا البيت من شواهد النحويين، أنشده الزجاجي في باب ما جاء من المثنى بلفظ الجمع، والمهمة: القفر المخوف. فالواو نائبة عن رب، والذف، بفتح القاف والذّال المعجمة: البعيد من الأرض، والمرت بفتح الميم وسكون الراء المهملة: الأرض التي لا ماء بها ولا نبات، والظهر: