الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن تابعهما، وهما إمامان في النحو ودقائق مسالكه، وأما الخليل فأخذ النحو من عيسى بن عمر الثقفي، واستخرج منه ما لم يسبق إليه، لدقة فطنته وحدة ذهنه وصحيّح قياسه، والكسائي طرأ إليهم وأخذ عنهم، وسمع من العرب، فكان بما حمل عنهم أوثق به مما سمع، وأما المازني فأخذ من أبي عمر الجرمي النحو، فبرع فيه على نظرائه، وكان الجرميّ أغوص وأجود استخراجًا، كان سيبويه عمرو بن عثمَّإنَّ أكثر من إلَاّخفش فطنة وعلمًا، فضرب به المثل، فقيل: أطال علينا في الخطاب كانه خليل وعمرو في البلاغة والنحو، ثمَّ فتح للأخفش بعده بالحنكة، والسنّ من قياسات النحو، والتفقه في مذاهبه، ما فاق به كلّ ناظر فيه وطالب له من أهل العراقين. انتهى باختصار.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثامن والعشرون بعد الثلاثمَّائة:
(328)
إخوتي لَا تبعدوا أبدا
…
وبلى وَالله قد بعدو
كلّ مَا حيّ وَإنَّ أمروا
…
واردو الْحَوْض الَّذي وردوا
على إنَّ قولها: امروا، يحتمل إنَّ يكون من إلَاّتيإنَّ بضمير الجمع، مع إرادة الحكم على كلّ واحد فى قولها: كلّ ما حيّ، وما زائدة، وحيّ: ضدّ الميت، قال ابن جني في "إعراب الحماسة": حيّ ها هنا يحتمل أمرين أحدهما: إنَّ يكون المراد من القبيلة، كقولك: كلّ ما قوم، وكلّ ما قبيلة، وإنَّ أمروا وأجود من هذا معنى إنَّ يكون الحيّ الَّذي هو نقيض الميت، أي: كلّ ذي حيّاة من أمرهم ومن شانهم، فإذا كان كذلك احتمل إنَّ يكون قوله: وإنَّ أمروا، الضمير الَّذي فيه عائد على كلّ، وإنَّ شئت على حيّ؛ لأنَّ حيًّا [هنا] جماعة في المعنى، أي: كلّ الأحيّاء، وكذلك إذا قلت: كلّ ما حيّ، وأنت تجعله القبيلة. انتهى. وقال السبكي: الحيّ هنا القبيلة، ولو كان الحيّ من الحيّاة لقال: وإنَّ أمر وارد الحوض الَّذي وردوا، لما قررناه انه يطابق المضاف إليه. وجوّز ابن جني والشنتمريّ إنَّ يكون
نقيض الميّت، ورجحاه لعمومه، وقال ابن جنيّ: احتمل الضمير في أمروا إنَّ يعود على كلّ، وإنَّ شئت على حيّ: لانه هنا جماعة. انتهى. ولم يتعرض لقوله: وارد الخوض، فإن كان جمعًا على ما هو الرواية، فهو مخالف لما قلناه من التزام الأفراد في خبر كلّ رجل، وإنَّ كان مفردًا فلا مخالفة، ويكون أمروا كبيت عنوة: لانه جملة أخرى. وأمّا قوله: الَّذي وردوا: فضمير الجمع فيه يعود على إخوتها المذكورة في أول القصيدة في قولها: إخوتي لا تبعدوا أبدًا، فلا إشكال في جمعه على كلّ حال، بل ذلك متعين إنَّ يكون في وردوا لإخوتها، إذ لو كان لكلّ حيّ لم يفد، بل يفسد المعنى؛ لانه يصير المعنى: انهم يودون الَّذي وردوه، وهذا فاسد، وليس المراد من مراعاة المعنى إنَّ يود جمعًا، والَّذي أضيفت إليه كلّ مفرد لما قدمنا من الشواهد، ولأنَّ المعنى كلّ مرتبة دلذَ المضاف اليه عليها من إفراد أو تثنية أو جمع، وليس المجموع معنى كلّ إلَاّ إذا كان معنى اللفظة التي أضيفت إليه بإنَّ تكون جمعًا أو اسم جمع، كقوله تمالى:{كلّ حزب بمل لديهم فرحون} [الروم/32] ففرحون جمع؛ لأنَّ مدلول حزب الَّذي هو فرد من إلَاّفراد التي دخلت عليها كلّ، وليس المراد جميع ما أفادته كلّ، وقوله تعالى:{وهمت كلّ أمة برسولهم} [غافر/5] وقرى شاذًا: (برسولها) الأول لمعنى أمة، والثاني للفظها، وقد روعي لفظ إلَاّمّة ومعناها في قوله تعالى:{من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون} [آل عمرإنَّ/113] فإنَّ قلت: كيف روعي في أمّة اللفظ، ولم يراع في قوم ونحوه إلَاّ ضرورة؟ قلت: لعله لأنَّ أمة تصلح للواحد، فأشبهت من وما، وقوم لا يطلق إلَاّ على الحمع. إلى هنا كلّام السبكي.
وهذا الشعر أورده أبو تمام في باب المراني لفاطمة بذت إلَاّججم الحزاعية هكذا:
إخوتي لَا تبعدوا أبدا
…
وبلى وَالله قد بعدو
لو تملتهم عَشيرَتهم
…
? قتناءِ العزّ أَو ولدوا.
هإنَّ مِن بعضِ الرذَزيّة أَو
…
هإنَّ مِن بعضِ الَّذي أجدُ
كلّ ما حيّ وإنَّ أُمِروا ...... البيت
قولها: إخوتي: منادي مضاف، ولا تبعدوا: نهب يراد به الدعاء، وفعله بعد يبعد بعدًا، من باب فرح، أي: هلك، وإلَاّسم: البعد، بالضم، واستشهد به صاحب "الكشاف" عند قوله تعالى:{إلَاّ بعدًا لعاد} [هود/60] على الدعاء بالهلاك بعد هلاكهم؛ للدلالة على التساهل منهم له، وقولها: لا تبعدوا، المراد به: التحسر والتوجع، ولهذا استدركت بقولها: وبلى والله قد بعدوا، قالة المرزوقي: هذه اللفظة جرت العادة في استعمالها عند المصائب، وليس فيها طلب ولا سؤال، وإنَّما هو تنبيه على شدَّة الحاجة إلى المفقود، وتناهي الجزع في التفجّع. انتهى.
وقولها: لو تملَّتهم عشيرتهم، أي: لو عاشوا معهم مليًا من الدهر، أي: لو طالت أعمارهم فاعتقدت عشيرتهم عزا بهم، وكان لهم خلف، كان بعض غمّي بهم أهون عليَّ. وأمروا: من أمر الشيء، من باب فرح، بمعنى كثر واشتدَّ، وجواب "إنَّ" ما دلَّ عليه قوله: واردوا الحوض الَّذي وردوا، وحذف العائد من الصلة، أي: وردوه، تقول: كلّ قبيلة، أو كلّ حيّ وإنَّ تناسلوا وكثروا، فمصيرهم غلى ما صار إليه أمر اخوتي، إذ لا ينجو أحدٌ من الموت.
وفاطمة بنت الأجحم الحزاعية: امرأة جاهلية، والأجحم بتقديم الجيم على الحاء المهملة، ومعناه في اللغة: الشديد حمرة العينين مع سعتهما، والمرأة جحماء، وروي الشعر لغيرها، قال أبو عبيد الله محمد بن عمرإنَّ المرزبإنَّي في كتاب "أشعار النساء": حدثي أبو عبد الله الحكيمي قال: حدثني يموت بن المزرع قال: حدثنا محمّذ ابن حميد وعيسى بن إسماعيل قال: حدَّثنا الأصمعي قال: كانت جارية من إلَاّوس لها أربعة إخوة كانهم الصقور، قاعدة على شفير بئر تمتشط، فبّيَّتَّا هي كذلك إذ سقط
مشطها في البئر، فجاء أحد إخوتها فرآها تبكي، فسألها عن أمرها فأخبرته، فقال لها: فلا عليك، إنَّا إنَّزل آتيك به، فنزلّ في طلبه، فاحتضر فخنق، فاستغاث، فنزل أخوه في طلبه، فوجده ميتًا، فخنق، فاستغاث بالثالث، فترل فوجدهما ميتين، فذهب ليرجع فخنق، فاستغاث بالرابع، فنزل فألفاهم قد ماتوا، فذهب ليرجع فخنق فمات، فأرادت الجارية إنَّ تطرح نفسها في أثرهم فمنعت، وقيل لها: لا يحلّ لك قتل نفسك، فكفت ولزمت البكاء، وإنَّشأت تقول:
إخوتي لا تبعدوا أبدا
…
وبلى والَّلات قد بعدوا
ليت شعري كيف عيشكم
…
إنَّ عيشي بدعكم نكدٌ
ليت شعري كيف شربكم
…
إنَّ شربي بعدكم ثمَّد
لو تملَّتهم عشيرتهم
…
لأنَّقضاء العيش أو ولدوا
هإنَّ من بعض التَّذكر أو
…
هإنَّ من بعض الَّذي أجد
وإذا ما الضَّيف حلَّ بنا
…
قلت لهفي ليتهم شهدوا
كلّ ما حيّ وإنَّ أمروا
…
واردوا الحوض الَّذي وردوا
أين عبد الحجر والصّرد
…
ويزيد الفارس النَّجد
أينّ ملطاط أبو حجر
…
وأبو الحرّبا ومعتمد
وردوا والله ما كرهوا
…
وعلى آثارهم نرد
كلّ من يمشي بعقوتها
…
وارد الماء الَّذي وردوا
فلو إنَّ الناس أجمعهم
…
وجدوا بعض الَّذي أجد
لآماتّ الناسّ أيسر ما
…
نال مني الوجد والكمد
لو بأحساب ومكرمة
…
خلَّد الله الوّرّى خلّدّوا
وحدثني الحسين بن علي، عن أحمد بن أبي خيثمَّة، عن الزبير، عن مصعب ابن عثمَّان قال: كانت امرأة من بني شيهم من بني النجار، وإنَّما سمَّي النجار لانه ضرب رجلًا ضربة فقدَّ رجله، فقيل: كانما نجره، فسمَّي النجار، وكان لها اخوة سبعة، فسقط مدرى لها من فضة في بئر، فدخل أكبرهم ليخرجه، فأسن
فمات، فدخل الثاني فأصابه ما أصاب الأول، حق توافى السبعة في البئر، فقالت أختهم ترثيهم:
اخوتي من صقعة همّدّوا
…
فقضّوا حتى إنَّقّضّى الأمدَ
كحل عيسى بعد فقدكم
…
إخوتي التَّهتإنَّ والسهد
إخوتي لا تبعدوا أبدًا
…
وذكرها. قلت إنَّا: وعمر بن شبّة يروي هذه إلَاّبيات لفاطمة بنت الَاّحجم الحزاعية في إخوتها. انتهى. وقال أيضًا عند ذكر خزاعة: كتب إلى أحمد بن عبد العزيز قال: أخبرنا عمر بن شبّة قال: قالت فاطمة بنت الأجحم الخزاعية في اخوتها، وذكر هذه إلَاّبيات عمر بن شبّة:
إخوتي لا تبعدوا أبدا
…
وبلى والله قد بعدوا
لو تملَّتم عشيرتهم
…
لاصطناع العرف أو وّلّدوا
هإنَّ من بعض التَّفقّد أو
…
هإنَّ من وجدي الَّذي أجد
إخوتي ما إخوتي هّلّكوا
…
كلّهم كانهم أسد
كلّ من يمشي بعقوتها
…
وّارد الحوض الَّذي وّرّدوا
وقد تقدَّمت هذه الأبيات لآمرأة من الأنَّصار، والله أعلم. وقال أيضًا عند ذكر حمير: كتب إلى أحمد بن عبد العزيز، قال عمر بن شبّة: قال: قالت أمرأة من حمير:
اخوّتي من صقعة همدوا
…
همدوا لَّما إنَّقضّى إلَاّمد
ما امرَّ العيش بعدّهم
…
كلّ عيش بّعدّهم نكد
وردوا والله ما كرهوا
…
وّعلى آثارهم نّرد
وقد تقدَّم قول عمر بن شبّة إنَّ أبياتًا من هذه المرثية لامرأة من خزاعة، وغيره يرويها لامرأة من الأنصار. وحدَّث علي بن هارون قال: أخبرني عمي يحيّى بن علي قال: حدثني أبو هفان قال: إنَّشدني المباركي عن الهيثمَّ بن عديّ لجمل بنت ذي نواس الحميرية.