الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالعراق، والحرث بن جبلة الغسائي: من ملوك عرب الشّام وهو الحارث بن أبي شمّر الأعرج الغسّاني من بني جبلة، وكانت بينهما عداوة.
واعلم أنَّ الدّماميني لما لم يقف على رواية الرّجز ولا على منشئه، اعترض المصنّف من جهات أخرى، قال: لا حاجة- على رواية تخفيف النّون- إلى أن يدعى أنَّ الأصل زناء بالهمز، بل يكون من الزّنا، والألف منقلبة عن ياء، يقال: زنى يزني: إذا فعل الفاحشة الموجبة للجلد أو الرَّجم، وضمّن الفعل معنى التّعديّ فعدّاه بعلى، أي: تعدّى على أبيه بالزّنا، والمراد أنّه زنى بامرأة أبيه، ثم لم أقف على أنَّ زنأ بالهمز وتخفيف النّون بمعني ضيّق، ولم أر هذا المعنى إلَاّ تشديد النّون. وأمّا على رواية التّشديد، فظاهر كلام المصنّف أنَّ المراد بفعل فاحشة الزّنا، ولذلك قال: والأصل: زنا بامرأة أبيه .. الخ، فهذا لا حاجه إليه أيضًا، بل المراد التّضييق كما صرَّح به الجوهري، وعليه فلا حذف ولا إنابة أصلًا، ولا حاجة إلى ارتكاب تلك الضّرورة. هذا كلامه، وهو معذور، فلله دره على هذا، فإنّه ألف هذا الكتاب في الغربة، وليست عنده مادَّة من كتب الأدب!
ولا همّ: أصله: اللهمّ، كما وقع في رواية حبيب، بالجزم بمعجمتين. والعهد: الذّمّة والحرمة، قيل: إنّه كان إذا أعجبته امرأه اغتصبها، حتى قال فيه بعض الكلابيين:
يا أيها الملك المخوف أما ترى
…
ليلًا وصبحًا كيف يعتقبان
هل تستطيع الشمس أن تأتي بها
…
ليلًا وهل لك بالمليك يدان
اعلم وأيقن أنَّ ملكك زائلٌ
…
واعلم بأنَّ كما تدين تدان
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الواحد بعد الأربعمائة:
(401)
إن تغفر اللَّهمَّ تغفر جمَّا
…
وأيُّ عبدٍ لك لا ألمَّا
على أنَّ مجيء "لا" هنا مكرَّرة شاذ أيضًا. وهو بيت مفرد لأميّة بن أبي الصّلت الثّقفي، قال جامع ديوانه: ذكروا أنَّ أميّة بن أبي الصّلت لمّا حضره الموت، رفع رأسه إلى السّماء، فنظر ثمَّ قال: لا عشيرتي تحميني، ولا مالي يفديني، ثم أغمي عليه ساعة، ثمَّ رفع رأسه إلى السّماء فقال:
لبيَّكما لبيَّكما
…
ها أنا ذا لديكما
لا بريء من الذَّنب فأعتذر، ولا ذو قوَّة فأنتصر. ثمَّ أغمي عليه الثّانية، ثمَّ أفاق فرفع رأسه إلى السّماء فقال: لبيّكما لبيَّكما، ها أنا ذا لديكما، تلبية محقود من الذنوب، مخضود من النّعم. والمحقود: المثقل الذي قد كثرت عليه الذنوب، والمخضود: المكسور من كثرة النّعم عليه، ثمَّ أغمي عليه الثّالثة، ثمَّ أفاق، فرفع رأسه إلى السّماء، فقال: لبيَّكما لبيّكما ها أنا ذا بين يديكما، تلبية من لم يأخذ ما أعطي بشكر، ولا براءة له ولا عذر، ثمَّ قال:
كلُّ عيش وإن تطاول دهرًا
…
صائرٌ مرَّةً إلى أن يزولا
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي
…
فى رؤوس الجبال أرعى الوعولا
ثمَّ قال:
إن تغفر اللَّهمَّ تغفر جمّا
…
وأي عبدٍ لك لا ألمَّا
يعني: أي عبد لك لم يلمم بذنبٍ، ثمَّ مات. انتهى.
وروى خضر الموصلي في شرح شواهد التفسيرين في ترجمة أميّة هذا عن الزهري أنه قال: دخل أميّة على أخته، فنام على سرير لها في جانب البيت، فانشقَّ سقف البيت، وإذا بطائرين قد وقع أحدهما على صدره وأخرج قلبه، فقال له الآخر: ردَّه ما تصنع به؟ فرد قلبه مكانه، ثمَّ نهض فأتبعه أميّه طرفه، وقال:
لبيَّكما لبَّيكما
…
ها أنا ذا لديكما
أنا لا بريء فأعتذر ولا ذو عشيرة فأنتصر، فرجعا وفعلا مثل الأوّل، ثمَّ مضيا
فأتبعها طرفه، وقال: لبيكما لبيكما، ها أنا ذا لديكما، لا مال يغنيني، ولا عشيرة تحميني، فرجعا وفعلا مثل ذلك، وقال في الثّالثة: لبيكما ها أنا ذا لديكما، محفوف بالنّعم، مخضود بالذّنب، ثمَّ ذهبا فقال أميّة:
إن تغفر اللَّهمَّ تفغر جمّا
…
وأيُّ عبدٍ لك لا ألمَّا
ثمَّ انطبق السّقف وجعل أمية يمسح صدره، قالت أخته: يأخي هل تجد شيئًا؟ قال: لا، ولكن أجد حرًّا في صدري، ثمَّ أنشأ يقول:
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي
…
في رؤوس الجبال أرعى الوعولا
اجعل الموت نصب عينيك واحذر
…
غولة الدَّهر إنَّ للدَّهر غولا
وذكر ابن قتيبة أنَّ أميّة قال البيتين حين حضرته الوفاة، وذكر قبلهما بيتًا وهو:
كل عيشٍ وإن تطاول يومًا
…
إلى آخره.
انتهى. وقد اشتهر هذا البيت لأبي خراش الهذلي، وأورده ابن الشّجري في "أماليه" وتبعه المصنّف. ورأيت في "طبقات النحويين" للتّاريخي: حدَّثنا أحمد ابن عبيد قال: حدَّثنا الأصمعي قال: كان أبو خراش يسعى بين الصَّفا والمروة ويقول
لا همَّ هذا خامسٌ إن تمَّا
…
أتمَّه الله وقد أتمَّا
إن تغفر اللَّهمَّ تغفر جمَّا
…
إلى آخره.
وقد فحصت عن هذا الشعر فى شعر أبي خراش من كتاب "أشعار الهذليين" جمع السكري فلم أجده فيه، والنّسخة التي عندي نسخة قديمة صحيحة، يغلب على ظني أنها بخطّ السّكري، وعلى ظهرها خطّ الإمام أحمد بن فارس اللّغوي صاحب "المجمل في اللّغة".
وقال السّيوطي: قال السّكري في "أشعار هذيل": قال الأصمعي: أخبرنا ابن أبي طرفة الهذلي قال: قال أبو خراش، وهو يسعى بين الصّفا والمروة ويرتجز:
لا همَّ هذا رابعٌ إن تمَّا
…
أتمَّه الله وقد أتمَّا
إن تغفر اللَّهمَّ
…
. . . .. البيت
انتهى. ولا أدري حقيقة الحال والله به أعلم، ثمَّ قال السّيوطي: وأخرج ابن جرير في "تفسيره" عن مجاهد في قوله تعالى: {إلَاّ اللَّمم} [النجم/ 32] قال: الرَّجل يلم بالذّنب ثمَّ ينزع عنه، قال: وكان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت وهم يقولون: إن تغفر اللهمَّ
…
إلى آخره. وأقول: قول مجاهد يدلّ أنَّ هذا الرّجز قبل الإسلام بدهر، فإنَّ أبا خراش صحابيّ، وتقدَّمت ترجمته في الإنشاد الثامن والعشرين بعد المائتين.
وأمية بن أبي الصّلت هلك في عصر النبيّ، صلى الله عليه وسلم كما يأتي، فجائز أن يكون كلّ منهما تلّقفه ممّن كان قبله من الجاهلية. ثمَّ قال السيّوطي: وأخرج الترمذي وابن جير والبزار، وغيرهم من طريق زكريا بن أبي إسحاق عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عبّاس في قوله تعالى:{إلَاّ اللَّمم} قال: هو الرّجل يلم بالفاحشة ثمَّ يتوب، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن تغفر اللَّهم تغفر جمّا
…
وأيُّ عبدٍ لك لا ألمَّا
قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب. انتهى.
أقول: وأورده في "الجامع الصّغير" عن الترمذي والحاكم عن ابن عبّاس، قال شارحه المناوي في "شرحه الكبير": هذا البيت لأميّة بن أبي الصّلت، تمثّل به صلى الله عليه وسلم، والمحرّم عليه إنشاء الشّعر لا إنشاده، ومعناه: إن تغفر ذنوب عبادك فقد غفرت ذنوبًا كثيرة، فإنَّ جميع عبادك خطّاؤون، أخرجه الترمذي في تفسيره، والحاكم في الإيمان والتّوبة عن ابن عبّاس، قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: على شرطهما، وأقره الذَّهبي. وقوله: لا ألمّا، أي: لم يلم بمعصية، يعني: لم يتلطّخ بالذّنوب، وألم إذا فعل اللَّمم، وهو صغار الذّنوب، واللّمم في الأصل: الشيء القليل. انتهى كلامه.
وأميّة بن أبي الصّلت من ثقيف. قال ابن قتيبة في كتاب "الشّعراء": وكان قد قرأ الكتب المتقدّمة، ورغب عن عبادة الأوثان. واسم أبي الصّلت: عبد الله بن ربيعة ابن عوف بن أميَّة، وكان يخبر أن نبيًّا يخرج قد أطَّل زمانه، وكان يؤمِّل أن يكون ذلك النّبي، فلمَّا بلغه خروج النبيّ صلى الله عليه وسلم كفر به حسدًا له، ولمّا أنشد النّبيُّ صلى الله عليه وسلم شعره قال:"آمن لسانه وكفر قلبه" وأتى بألفاظ كثيرة لا تعرفها العرب، وكان يأخذها من الكتب:
بآية قام ينطق كلُّ شيءٍ
…
وخان أمانة الدّيك الغراب
وزعم أنَّ الديك كان نديمًا للغراب، فرهنه على الخمر، وغدر به، وتركه عند الخمّار، فجعله الخمّار حارسًا. ومنها قوله:
قمرٌ وساهور يسلُّ ويغمد
وزعم أهل الكتاب أنَّ السّاهور غلاف القمر، يدخل فيه إذا انكسف، وكان يسمِّي السّماوات: صاقورة وحاقورة، ويقول: وأبدت الثّغرورا يريد الثّغر. وعلماؤنا لا يرون شعره حجّة على الكتاب، ولما حضرته الوفاة قال: كلّ عيش وإن تطاول
…
البيت. ليتني كنت ما قد .. البيت. هذا آخر ما ذكره ابن قتيبة.
وله قصيدة جيّدة في مدح النّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولم يوفق للإسلام، وقد ذكرناها في ترجمته في الشّاهد السادس والثَّلاثين من أوائل شواهد الرَّضي.
وأنشد بعده:
آليت حبَّ العراق الدَّهر أطعمه
…
والحبُّ يأكله في القرية السُّوس
وتقدَّم شرحه في الإنشاد السّابع والثّلاثين بعد المائة.
تم بعونه تعالى
الجزء الرابع من شرح أبيات مغني اللبيب